كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
في مديح التسامح
«ليس بوسع البشر الصفح عمن لا يستطيعون عقابهم، وهم يعجزون عن معاقبة من يتضح أنه غير قابل للصفح عنه» – حنة آرندت. تضع هذه العبارة «التسامح» في أفق شديد التعقيد على المستوى المفاهيمي، وكذلك على مستوى تعاطي المهتمين معه. ما نظنه أحيانًا تسامحًا، هو ليس كذلك وإن بدا شكليًّا أنه يحقق ما يحققه التسامح، من انفراج للعلاقة، مثلًا، بين أي طرفين متخاصمين أو متنازعين. التسامح، ليس كلمة يمكن النطق بها؛ «صفحت عنك»، أو «سامحتك»، فينتهي كل شيء. ربما ليس من حق الضعيف أن يتسامح أو يصفح عمن مارس عليه بطشًا أو إقصاءً، حتى لو فعل ذلك فقد يأخذ صنيعه أي مسمًّى، عدا أن يكون تسامُحًا. كما أن القويَّ حين يتسامح أو يصفح، لن يأخذ فعله التأثير اللازم، سوى حين يكون الطرف الآخر يُماثله في القوة أو في حدة التناقض أو الاختلاف.
وبعيدًا أو قريبًا من ذلك، التسامح ليس موقفًا من التنوع والاختلاف والتعددية، كما يقول عبدالله المطيري، بل هو موقف من الآخر المذنب، الآخر المعتدي، الآخر الذي اجتاح الذات تحديدًا. لا نسامح إذا لم يكن هناك ألم ومعنى ودلالة. لا نسامح إلا من أحدث في حياتنا أثرًا. من ناحية، أمسى التسامح ضمن السياق العربي الراهن، بحسب عز الدين عناية، مطلبًا حاجيًّا للحفاظ على الأوطان. في حين غدا التسامح ضمن السياق العالمي يعني مراعاة التعددية بمدلولاتها الدينية والثقافية والأنثروبولوجية، والحدّ من غلواء المركزية والاحتكار الواقعين في الفضاء الاجتماعي من جانب قوى متحكمة، تسعى لتكريس الهيمنة الدائمة.
وفي سياق متصل، تتساءل ناجية الوريمي: كيف يمكن أن نبعث في الوعي العربي فكرة التمييز بين التسامح الفعليّ والبنّاء بين المواطنين، والتسامح الشكليّ السائد، الذي لا يعدو أن يكون «تعايشًا في نطاق اللاتسامح»؟ ثاني هذه الأسئلة، وهو مرتبط بخطاب العنف ورفض الاختلاف، الذي لا يزال يُتداوَل لدى بعض الأطراف، ولا تزال تتصرّف بموجبه: هل للتسامح حدود يقف عندها، أم هو مبدأ عامٌّ مطلق لا يعرف استثناءات؟ أي: هل يجوز التسامح مع غير المتسامحين، أم الواجب إخراجهم من دائرته؟
«الفيصل» تكرس ملف هذا العدد لمفهوم التسامح، وكيف يمضي في معترك العلاقات المضطربة في المجتمع الواحد، وبين المجتمعات المختلفة، وبين الدول والأفراد.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق