كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الحدود اللانهائية.. العلم والأخلاقيات والمقامرة الفاوستية
لماذا أسميتُ مقالتي هذه «الحدود اللانهائية»؟ إنّ واقع الحال وخبرتنا البشرية المكتنزة تدلّنا أنّ الحدود الممكنة لكلّ من المنجز العلمي والقدرة الأخلاقياتية هي حدود لانهائية؛ إذ ما إن يتحقق هدف علمي أو تقني حتى تنفح الآفاق أمام أهداف أخرى أبعد مدى، والحال ذاته يمكن أن يحصل مع الارتقاء الفردي والجمعي على الصعيد الأخلاقياتي على الرغم من كل مظاهر النكوص السائدة.
ثمة سبب آخر (تقني بعض الشيء) دفعني لتسمية مقالتي هذه بِـ «الحدود اللانهائية»: في أعقاب الحرب العالمية الثانية وضع البروفسور (فانيفار بوش) – الذي شغل مواقع عليا مرموقة على المستويين الإداري والأكاديمي في دوائر صنع السياسات الأميركية – تقريرًا قدّمه إلى الرئيس هاري ترومان، وقد جاء التقرير بعنوان «العلم: الحدود اللانهائية»، وهو أقرب ما يكون لبرنامج عمل دقيق وتفصيلي بما ينبغي أن تفعله الإدارة الأميركية لتنشيط دوائر البحث العلمي والتقني في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
تحضر أمامي في الوقت ذاته صورة الفيزيائي اللامع (روبرت أوبنهايمر) الذي قاد مشروع مانهاتن لصنع القنبلة الذرية وهو يشهد أول تفجير ذري في تموز/يوليو 1945م، وحينها استذكر أبياتًا من كتاب الباغافاد غيتا (الكتاب المقدّس للهندوس) تقول: الآن أصبحتُ الموت، مدمّر العوالم! هذه هي الحقيقة إذن في صيغة ثنائيات مشتركة: تطور لانهائي في مقابل موت شامل، وقدرة فائقة على الارتقاء بالحياة في مقابل قدرة فائقة مقابلة على الإماتة والقتل والتدمير. هل باتت حياتنا رهنًا بمقامرة فاوستية لا مجال فيها لربح خالص إلا في مقابل خسارة فادحة؟ هل استحالت مسيرة العلم المبشّرة بملحمة بشرية بروميثيوسية كابوسًا ديستوبيًّا مؤرقًا؟
الأخلاق والأخلاقيات: تأصيل المفهوم
ترد مفردة (الأخلاق) عند تناول المفاعيل الإيجابية والسلبية للثورة العلمية والتقنية، والمقصود في الغالب (الأخلاقيات). الأخلاق منظومة من القيم التي نحسبها مطلقة وشاملة وتمتلك خصيصة المقبولية العولمية فضلًا عن ارتباطها بجذور دينية أو ميثولوجية بشكل ما (مثل: الصدق، التعاطف مع الآخرين، الكياسة، الرفق بالكائنات الحية وغير الحية،،،، إلخ)؛ أما الأخلاقيات فهي أقربُ إلى أعراف سلوكية في حقل مهني ما (الأخلاقيات الطبية، أخلاقيات البحث العلمي،،،، إلخ).
يمتلك العلم والتقنية قدرة إجرائية فائقة في التأثير على – وتعديل – الأخلاقيات السائدة في عصر ما بأكثر ممّا يمكن أن يفعل مع المنظومة الأخلاقية على الرغم من أنّ الارتقاء بالعلم يحمل معه قدرة متعاظمة على تحسين نوعية الأخلاق الجمعية، وربما يعود السبب في ذلك إلى أنّ العلم وممكناته التقنية يوفر للإنسان كلّ ما يسعى إليه من وسائل وظروف معيشية تجعله يغادر منطقة الحاجات البيولوجية الأولية ويرتقي إلى عوالم فكرية أرفع تحرّره من ضغط الحاجة البدائية وتطلق مكامن قدراته المعرفية المختزنة من جانب ومعزّزات رفعته الأخلاقية من جانب آخر.
تبدو الأخلاقيات في العادة أكثر صلة بتفاصيل الحياة اليومية للناس، وأكثر قربًا لمعاملاتهم اليومية؛ وعلى هذا الأساس فهي أقرب إلى نوع من المحدّدات السلوكية غير المدوّنة في نصوص قانونية، وهي على الرغم من ذلك تملك سطوة القانون وينصاع لها الجميع عن قناعة، ولو دققنا في التفاصيل الحاكمة لسلوكيات الأفراد في البلدان المتطوّرة لرأينا الأغلبية العظمى منها مُنقادة لموجبات الأخلاقيات السائدة قبل موجبات القوانين والدستور، أما القوانين فهي صنيعة الدولة وجزء من عملها المرسوم ضمن الشقّ التشريعي في مثلث السلطات المنوطة بالدولة الحديثة (التشريعية، التنفيذية، القضائية) ؛ في حين أن الدساتير المكتوبة هي القوانين الكبرى التي لا ينبغي أن تخالفها كل القوانين السائدة.
أريد القول بوضوح إنّ الأعراف (الأخلاقيات) الجيّدة والبعيدة عن الأعراف القبلية السائدة في مجتمعات ما قبل الدولة الحديثة هي التي يُعوّل عليها في ترسيخ الأخلاقيات التي تنهض بنوعية حياة الأفراد، والأعراف قبل ذلك لها العلوية على كلّ من القوانين والدساتير لأنها تفرض نوعًا من القيود المطلوبة على فعل السوء والإيذاء تجاه الآخرين، وإضافة لذلك فهي تمثّل نوعًا من السلوك اللحظوي الواجب اتخاذه قبل الشروع في مداخلات قانونية من جانب الحكومات أو الأفراد؛ وعليه يمكن اعتبار الأعراف (الأخلاقيات) بمثابة مدوّنة سلوكية لاشعورية محفورة في وجدان الفرد، وهذا هو بالضبط سرّ سطوتها وقدرتها العظمى في التأثير وحضورها في اللحظة المطلوبة.
العلم والتقنية: ثنائية البناء المفاهيمي والتوظيف البراغماتي
العلم – والتقنية كذلك – بناءٌ مفاهيمي فوقي مثلما هما وسيلة براغماتية لتطويع الطبيعة وجعلها مصدر قوة إثرائية على الصعيد المادي للفرد ومجتمعه، وقد صار العلم منذ الثورة الصناعية الأولى وما تلاها قوّة راسخة في تطوير الحياة البشرية والاندفاع بها نحو مرتقيات أعلى. لكن ماذا عن العلم باعتباره نسقًا من الأخلاقيات؟ أو لنجعل السؤال مُصاغًا بطريقة أكثر دقّة من الناحية المفاهيمية: ماذا عن البنية التحتية القيمية التي يساهم العلم في ترسيخها والارتقاء بها؟ تلك موضوعة معقّدة ومشتبكة، وهي موضع دراسة مبحث تأريخ العلم وفلسفته بالإضافة إلى أنثروبولوجيا العلم وعلم اجتماع المعرفة العلمية.
ثمة نمطٌ مميز من التغذية الاسترجاعية بين التطوّر العلمي والارتقاء الأخلاقياتي الفردي (تعزيز قيم النزاهة والمصداقية وأخلاقيات البحث العلمي)؛ لكن يبدو أنّ هذه التلازم بلغ مرحلة مفصلية بتنا فيها نشهدُ افتراقًا بين المنجزات العلمية ومفاعيلها المشهودة على الأرض.
الثورة التقنية الرابعة: المتفرّدات الفرانكشتاينية الرابضة على الأبواب
نشهد في أيامنا هذه معالم متزايدة تنبئ بتعاظم مفاعيل الثورة الصناعية الرابعة التي ستعيد تشكيل عالمنا لا على الصعيد التقني فحسب بل ستمتد مفاعيلها لتشمل إعادة صياغة وجودنا البشري وكينونتنا الذاتية عبر تداخل غير مسبوق بين المنظومات البيولوجية والمادية؛ وهو الأمر الذي ينبئ بتغيرات ثورية لم نشهد منها سوى قمة الجبل الجليدي، وستتوالى المشهديات غير الاعتيادية لها في السنوات القليلة القادمة، وربما قد نشهد حلول «متفرّدة تقنية Technological Singularity» ستمثل انعطافة كبرى في شكل الوجود البشري والبيئة التي تحيا وسطها الكائنات الحية.
(التفرّدية Singularity) مفردة عظيمة الأهمية وذات مدلول دقيق، وهي تعني بشكل عام حالة تختلف نوعيًّا – وعلى نحو جذري – بين ما هو سابق لها وما هو لاحق عليها، وفي حالة العالم الرقمي والذكاء الاصطناعي تعني تحديدًا تلك الحالة التي لا يمكن فيها للإنسان متابعة استمرارية وجوده من غير دعمٍ (جزئي أو كلي) من الوسائط الرقمية التي ستتجاوز مرحلة الوسائط الخارجية (مثل الذاكرات الحافظة للبيانات، الهواتف النقالة، قارئات الكتب والنصوص،،، إلخ) لكي تصل مرحلة التداخل البيولوجي مع وظائف الكائن الحي (الرقاقات المزروعة في الدماغ البشري، أجهزة تدعيم السمع أو الرؤية، الوسائط التي تسمح بخلق بيئات افتراضية ذات سمات محددة ولأغراض محدّدة هي الأخرى،،،، إلخ).
لن يعود بمستطاع الكائن البشري بعد عقود قليلة من يومنا هذا التعامل مع بيئته من غير قدرات احتسابية ومُعالِجات للمعلومات والبيانات تفوق قدرته الذاتية مهما توفّر على قدرات بيولوجية وعقلية متفوقة. كيف سيكون شكل العالم حينئذ؟ هل سنشهد طبقية غير معهودة بفعل متفردة الذكاء الاصطناعي الفائق هذه؟ وهل سنصبح عبيدًا لروبوتات خلقناها نحن؟ هنا تطلّ المقامرة الفاوستية بأجلى مظاهرها ثانية.
متفرّدة الجائحة الكورونية الراهنة
(عالمُ ما بعد الجائحة الكورونية لن يكون كالعالم الذي قبله): أظنّ أنّ هذه العبارة هي الأكثر شيوعًا – من عبارات أخرى سواها – ردّدتها كتابات الفلاسفة والمفكّرين ذوي المراتب الثقافية الرفيعة في الوقت ذاته الذي صارت فيه إيمانًا راسخًا لدى سكّان كوكبنا الأرضي. الجائحة الكورونية الراهنة تمثل بحكم واقع الحال متفرّدة غير مسبوقة لنا، وليس هذا بالأمر اليسير؛ فهو يشي بأنّ الناس راحت تستشعرُ (مستعينة بأدوات التفكّر العميق المدعوم بالوسائل العلمية التحليلية أو بمحض القناعة التي تتخذ شكل الإيمان الميتافيزيقي) بأنّ البشرية بأسرها تخوض في لجّة مخاضة عسيرة باهظة التكلفة سيترتّب عليها بالضرورة تغيّر راديكالي في أنماط الحياة البشرية وصورة العلاقات الحاكمة بين البشر والبلدان والجغرافيات فضلًا عن تضاريس الخرائط الفكرية على الأصعدة كافة.
ليست أيامًا مريحة أو مرغوبًا فيها هذه التي نعيشها اليوم؛ لكنّ هذا هو واقع الحال وما يستلزمه من قوانين إجرائية صارمة للتعامل مع حالة تنطوي على الكثير من الطارئية والتهديد للبشر الذين يتمايزون فيما بينهم تمايزًا عظيمًا بشأن ترسيماتهم السايكولوجية وكيفية تعاطيهم مع الأزمات: البعضُ يذهب مذهبًا ديستوبيًّا حالكًا يتناغم مع رؤيته السوداوية للأمور؛ فيصوّرُ واقع الحال وكأننا بتنا على أعتاب مرحلة قيامية منذرة بفناء البشرية، وثمة آخرون (هم ذوو معرفة علمية مقبولة في الأعمّ الغالب) يميلون لعقلنة الأمر وتوصيف الحالة وفقًا لمبادئ علمية متفق عليها في علم الوبائيات أو الجائحات المرضية، وإذا ما كان لنا أن نستخلص خلاصة مفيدة فسنقول إنّ العلم والتقنيات المرتبطة به هي الملاذ العملياتي الذي يبدو متفرّدًا في قدرته على تدعيم ركائز الأمل والتفاؤل والعمل الإيجابي القادر على تجاوز هذه المحنة (الكورونية) بأقلّ الخسائر الممكنة.
صحيحٌ أنّ هذه الجائحة الوبائية الكورونية تبدو شديدة القسوة وغير مسبوقة؛ لكنّ العقل العلمي المدرّب لا ينظرُ إليها من ثقب الديستوبيا التي شاعت في أيامنا هذه وغادرت ثنايا كتب الخيال العلمي لتصبح أطروحات يقينية مغلّفة بأغلفة أيديولوجية أو دينية تبشّرُ باقتراب نهاية العالم وفنائه، ولن يكون أمرًا مفيدًا أو منتجًا في وقتنا الراهن إشاعة فكر المؤامرة الفاوستية الكامنة وراء هذه الجائحة القاتلة.
ليست مفاعيل الجائحة الكورونية كلها موتًا ودمارًا وخرابًا وصورًا كئيبة؛ بل أن لها بعض الجوانب الإيجابية المحمودة، ومن أهمّ تلك الإيجابيات هو التسريع بتنفيذ بعض المشروعات التي ظلّت رهينة التنفيذ المستقبلي بسبب نقص الجرأة والدافعية لتنفيذها. ستشهد السنوات القليلة القادمة الخطوات الأولى لولوج حقبة الأنسنة الانتقالية التي ستأذن بنهاية عصر الأنثروبوسين (وهو عصر صارت فيه السلوكيات البشرية ذات مفاعيل – إيجابية وسلبية – مؤثرة في الطبيعة) ومقدم عصر النوفاسين (وهو عصر الذكاء الفائق الذي سيغدو فيه الإنسان البيولوجي مدعمًا بالوسائط الميكانيكية والإلكترونية، وفقًا لتعريف عالم المستقبليات الأميركي جيمس لفلوك).
العلم والأخلاقيات والمقامرة الفاوستية: مشهدية تأريخية ومستقبلية
يمكن للعلم فيما لو طُبّق بصورة مثلى أن يوفّر مستقبلًا مشرقًا للتسعة أو العشرة بلايين من البشر الذين سيستوطنون الأرض عام 2050م؛ لكن كيف السبيل الذي يمكّننا من تعظيم فرصة تحقيق هذا المستقبل البرّاق وفي الوقت ذاته تجنّب الوقوع في مهاوي المخاطر الكارثية المنذرة بنهايات ديستوبية؟ تتشكّل حضارتنا بفعل مبتكرات خلاقة تنبثق من التطوّرات العلمية والفهم الملازم لها بشأن الطبيعة والذي لا يفتأ يتعمّق أكثر من ذي قبلُ، والعلماء من جانبهم سيكونون في حاجة أعظم للتعامل مع حلقات أوسع من العامّة فضلًا عن توظيف خبراتهم بطريقة توفّر الانتفاع المتعاظم منها وبخاصة عندما ستغدو سقوف المخاطر الممكنة عالية وتبلغ حدودًا واسعة النطاق.
ثمّة تحدّيات عالمية غير مسبوقة تواجهنا اليوم، وتتطلّبُ هذه التحدّيات مؤسساتٍ عالمية جديدة تحوز قدرات التمكين المعلوماتي بواسطة العلم الموجّه بطريقة جيّدة، وفي الوقت ذاته تمتلك القدرة على الاستجابة للرأي العام فيما يختصّ بالسياسة والأخلاقيات.
يعتمد عالمُنا بصورة متزايدة على شبكات معقّدة: شبكات نقل الطاقة الكهربائية، شبكات السيطرة على الملاحة الجوية، شبكة التعاملات المالية العالمية،،، إلخ، ومالم تكن هذه الشبكات تعمل بأقصى كفاءة ممكنة وقادرة على المطاولة ومواجهة المخاطر فإنّ الفوائد المتوقعة منها قد تصبح عرضة لتهديدات كارثية قد تعطّلها وتدفعها للانهيار الشامل (على رغم أنّ هذا الأمر نادر الحدوث).. عندما ندركُ القدرة المتعاظمة لكلّ من التقنية الحيوية والروبوتيات والتقنية السيبرانية والذكاء الاصطناعي والإمكانيات غير المسبوقة التي ستكون لهذه التقنيات في العقود القادمة فليس بمقدورنا التغاضي عن القلق المستديم بشأن الكيفيات التي يمكن بها إساءة استخدام هذه التقنيات الجبارة.
تخبرُنا السجلات التأريخية حكاياتٍ عن «حضارات» انكفأت بل وحتى انهارت وانتهت إلى زوال. إنّ عالمنا الحالي مرتبط مع بعضه بشكل متداخل وكثيف بحيث بات من غير المحتمل ألا تكون لأية كارثة تضرب أحد أجزائه مفاعيل خطيرة تشمل كل العالم في سلسلة من التداعيات المتسلسلة، وللمرة الأولى – ربما – نحن في حاجة للتأمّل الجاد في إمكانية حدوث انهيار شامل (مجتمعي أو بيئي) يمثلُ تهديدًا عولميًّا خطيرًا مهدّدًا لوجود حضارتنا البشرية. يمكنُ لهذا التهديد الخطير أن يكون ذا صفة مؤقتة؛ لكنه على الجانب الآخر قد يكون ذا مفاعيل تدميرية تتسبّبُ في عواقب بيئية أو وراثية خطيرة إلى حدّ أن الناجين من هذه العواقب المهلكة قد لا يكونون قادرين على إعادة تخليق حضارة جديدة بالوتائر السائدة في وقتنا الراهن.
لكنّ هذه السيناريوهات تستحثُّ السؤال الآتي: هل يمكن أن توجد طائفة خاصة مستقلة من الوقائع المتطرفة التي قد تضع نهاية لنا جميعًا. أو لنضع السؤال في صيغة أخرى: هل يمكن أن توجد كوارث محدّدة بمستطاعها وضع نهاية لكلّ البشرية بل وحتى كلّ أشكال الحياة التي نعرف؟ الفيزيائيون العاملون في مشروع مانهاتن (الخاص بتصنيع القنبلة الذرية) خلال الحرب العالمية الثانية أثاروا مثل هذا النمط من الأسئلة التي تنطوي على مخاوف بروميثيوسية: هل يمكنُ أن نكون واثقين تمامًا من أنّ تحقيق تفجير نووي لن يشعل كلّ النطاق الجوي المحيط بالأرض أو المحيطات؟
نعلمُ اليوم وبطريقة مؤكدة أن ليس بمقدور سلاح نووي مفرد مهما تعاظمت قدرته التدميرية أن يستثير تفاعلًا نوويًّا تسلسليًّا يمكن أن يدمّر الأرض أو الغلاف الجوي المحيط بها؛ لكن ماذا عن التجارب الأكثر تطرفًا من تجارب تفجير القنابل النووية؟ يسعى الفيزيائيون لفهم طبيعة الجسيمات التي تشكّلُ عالمنا، وكذلك طبيعة القوى التي تحكمُ سلوك هذه الجسيمات، وهم (أي الفيزيائيون) متلهّفون لبلوغ أقصى مديات الطاقات والضغوط ودرجات الحرارة الممكنة، ولأجل تحقيق هذا الهدف فهم لا يتوقفون عن بناء آلات ضخمة ذات تركيبات شديدة التعقيد، وأعني بذلك مسرّعات الجسيمات على شاكلة المصادم الهادروني الكبير LHC.
أثار بعض الفيزيائيين إمكانية أن تتسبّب مثل هذه التجارب (الإشارة إلى تجربة المصادم الهادروني الكبير) في شيء أكثر سوءًا بكثير مثل تدمير الأرض بكاملها أو حتى الكون بأكمله، أو قد ينشأ عنها ثقب أسود يبتلعُ كلّ شيء حوله. تبعًا لنظرية آينشتاين في النسبية العامة فإنّ الطاقة المستلزمة لتخليق أصغر ثقب أسود يمكن تصوّره تتجاوزُ إلى حد بعيد كلّ الطاقات التي يمكن أن تنتج عن مثل هذه التجارب؛ لكن برغم هذا ثمة نظريات جديدة تفترضُ وجود أبعاد مكانية تتجاوزُ الأبعاد الفيزيائية الثلاثة التي نعرفها، وهذه نتيجة قد تتسبّبُ في نشوء حيز جذبي يمكن أن يتسبّب في تحوّل جسم صغير إلى ثقب أسود.
على صعيد التقنية البيولوجية يتوجّبُ على العلماء البيولوجيين تجنّبُ تخليق أجيال من الكائنات الممرضة المعدّلة وراثيًّا ذات التأثيرات شديدة الخطورة على البشر، وكذلك يتوجّبُ عليهم تجنب التعديلات واسعة النطاق على التركيبة الجينية البشرية.
من جانب آخر يدرك المختصون السيبرانيون المخاطر المحيقة بالانهيار المتسلسل للبنيات التحتية التي تديمُ حياة البشر في عالمنا، كما يدرك المبتكرون العاملون على تطوير تقنيات متقدمة في الذكاء الاصطناعي المخاطر التي قد تنشأ عن هذه التقنيات، ويتوجّبُ عليهم دومًا وفي كل الحالات تجنبُ السيناريوهات التي يمكن فيها للآلة أن “تسود العالم”. يميلُ العديد منّا إلى استبعاد مثل هذه المخاطر واعتبارها خيالًا علميًّا؛ لكن متى ما عرف الجمهور الواسع المديات الخطيرة التي قد تبلغها مفاعيل هذه السيناريوهات الخطيرة فحينئذ لا ينبغي استبعادها حتى لو كان الاحتمال الأكبر يرجّحُ عدم حصولها.
الأمثلة السابقة بشأن المخاطر الوجودية القريبة من السيناريوهات الكارثية توضّح بأجلى طريقة الحاجة إلى خبرة مشتبكة فضلًا عن التفاعل المناسب بين الخبراء والجمهور العام. إضافة لهذا فإنّ التوثُّق من كون التقنيات المستجدّة يتمّ تطويعها بصورة مثلى هو أمرٌ يستلزم من المجتمعات أن تفكّر بطريقة عالمية وفي سياق بعيد المدى يتجاوز كل المحدوديات المحلية.
مستقبلنا البشري: جانبٌ من لعبة المقامرة الفاوستية
يتناول البروفسور (مارتن ريس) في أحد فصول أحدث كتبه «عن المستقبل: آفاق ممكنة للإنسانية» الذي نشرته جامعة برينستون عام 2018م المخاطر الوجودية الحقيقية المحيقة بالبشرية، وفي سياق متصل بهذه المخاطر يرى البروفيسور ريس ضرورة أن نتفحّص الأولوية التي ينبغي تخصيصها لموضوعة تجنّب هذه المخاطر الكارثية الحقيقية، وأنّ هذا الأمر يعتمدُ على سؤال أخلاقياتي سبق أن كان مدار مناقشة مستفيضة من جانب الفيلسوف ديريك بارفِت، وجوهر هذا السؤال هو حقوق هؤلاء الذين لم يولدوا بعدُ. يكتب البروفسور ريس بهذا الشأن موضّحًا المحاججة الأخلاقياتية للفيلسوف بارفت: «…تأمّل جديًّا في السيناريوهين التاليين: السيناريو (أ) الذي سيتسبّبُ في موت 90% من البشر، والسيناريو (ب) الذي سيتسبّبُ في موت 100% من البشر. كم مرة ترى السيناريو (ب) أسوأ من السيناريو (أ)؟ سيقول البعض إنه أسوأ بمقدار الفارق الكامن في قيمة ال 10%؛ غير أنّ بارفت يقدّمُ رؤية جدالية مفادُها أن السيناريو (ب) أسوأ بما يستعصي على أية مقارنة رقمية، لأنّ الانقراض البشري يضعُ نهاية لوجود بلايين (وربما حتى تريليونات) من البشر المستقبليين، فضلًا عن العملية التطورية اللانهائية الكامنة في المستقبل ما بعد الإنساني Posthuman الذي قد يتيحُ إمكانية انتقال النوع البشري لحدود خارج نطاق الأرض. يوجّه بعض الفلاسفة نقدًا لمحاججة بارفِت منكرين عليه أن يرى «البشر المحتملين في المستقبل» مُوازين في الأهمية للبشر الحقيقيين الذين نشهدهم في الحاضر، ويتجوهر هذا النقد في العبارة الآتية: «نحنُ نسعى لجعل عدد أكبر من البشر سعداء، وليس لتخليق عدد أكبر من البشر الذين هم سعداء في الأصل!».
لكن برغم كل شيء، وبعيدًا من هذه الألعاب الفكرية الخاصة بِـ «البشر المحتملين في المستقبل» فإنّ الأفق المحتمل لبلوغ نهايةٍ لقصة وجود النوع البشري سيُحزِنُ الكثيرين منّا ممّن يعيشون في أيامنا هذه. إنّ معظم البشر المدرِكين لثراء الإرث الانساني الذي تركته لنا الأجيال السابقة سيصيبهم الاكتئاب لدى معرفتهم بأن لن تكون ثمة أجيال بشرية قادمة (إشارة إلى الانقراض البشري الناجم عن واحد من السيناريوهات الكارثية، المترجمة)، وحتى لو عقدنا رهانًا بشأن عدم إمكانية تجربة لمصادم الجسيمات أو كارثة جينية في وضع نهاية للوجود البشري، فإنني أرى من جانبي أنّ مثل هذه التصوّرات الكارثية تستحقُّ التفكّر باعتبارها سيناريوهاتٍ ممثلة لِـ «تجارب فكرية»؛ إذ ليس لنا في وقتنا هذا ما يمكن أن يمنحنا ثقة مؤكدة في أنّ النوع البشري سيتجاوز كلّ المخاطر الممكنة التي ستاتي بها التقنيات المستقبلية؛ ولكن في كلّ الأحوال فإنه لمن الضرورات القصوى ذات الأهمية الفائقة أن نتفكّر في العبارة الآتية: الأمور التي نحن غير معتادين عليها ليست مماثلة للأمور غير المحتملة (“).
إنّ مثل هذه الأسئلة الأخلاقياتية هي بالتأكيد بعيدة عن معضلات المعيش اليومي لغالبية البشر؛ لكنها تبقى أسئلة جوهرية يتوجّبُ التفكّر الجدي بها على أوسع النطاقات الممكنة، ومن الأمور الطيبة وجود بعض الفلاسفة الذين يسائلون مثل هذه الموضوعات الإشكالية وإن كانوا في حومة مساءلاتهم تلك يمثلون تحدّيًا للعلماء أنفسهم؛ لكنهم (أي الفلاسفة) في كل الأحوال يقدّمون سببًا إضافيًّا يدفعُ باتجاه تناول جوانب محدّدة في العالم المادي والتي قد تبدو بعيدة عن نطاق اهتمامات الجمهور العام. إنّ مثل هذه الأفكار تقودنا من التفكّر في نطاق محلي ضيق إلى منظور كوني أكثر رحابة.
مجتمع الخوارزميات: أخلاقيات عصر المراقبة الشاملة واللصوصية الرقمية
عصرنا هذا هو عصر الخوارزميات بامتياز لا يدانيه امتياز آخر. الخوارزميات صارت (الدجاجة التي تبيض ذهبًا) في عصرنا الرقمي؛ فالشركات الكبرى في يومنا هذا (الأخوات الأربع: غوغل، فيسبوك، أمازون، مايكروسوفت) فضلًا عن شركات أبل وسامسونغ هي الشركات الأكثر توليدًا للثراء في العالم لكونها خالقة ومطوّرة للخوارزميات الحاكمة لحياتنا أو صانعة للوسائل التي تتعامل مع الخوارزميات. سيكون للخوارزميات سطوة عظمى في المستقبل القريب إلى حدّ ستعيد معه تشكيل مفهوم «أخلاقيات العيش» للكائن البشري وعلاقته مع بيئته البيولوجية والمعلوماتية؛ إذ ستجعل هذه الخوارزميات من الكائنات البشرية محض كينونات متحرّكة خاضعة لرقابة آنية شاملة في إطار ما أسمته (شوشانا زوبوف) «عصر رأسمالية المراقبة» وهو عنوان كتاب ذائع الصيت لها نشرته عام 2018م، وقد شهدنا بعض ملامح هذه السياسات الحكومية في كيفية تعامل الحكومة الصينية مع تداعيات الجائحة الكورونية بوسائل المراقبة الرقمية الصارمة. هل ستجعلنا خوارزميات المراقبة المستديمة تحت سطوة دكتاتورية رقمية وإن تقنّعت بأخلاقيات عصر الديمقراطية الغابرة؟ وماذا سيتبقّى من «خصوصية» الكائن البشري في مثل هذا البيئة؟
كم أتمنّى أن تشاهد أوسع حلقة ممكنة من المشاهدين وبمختلف الأعمار والتوجّهات المهنية فلمًا وثائقيًّا رائعًا معروضًا على شبكة النتفلكس بعنوان «المعضلة الاجتماعية»؛ فقد وجدتُ فيه أفضل مادة رصينة تتناول المعضلات التقنية والأخلاقياتية المرتبطة بتطوير الخوارزميات وتعاظم سطوتها في حياتنا البشرية الراهنة والمتوقعة في المستقبل، وما يمنح هذا الفلم إثارة أكبر كونُ المتحدّثين فيه طائفة من أفضل العلماء ومُطوّري البرامجيات الخوارزمية الذين عملوا في (الأخوات الأربع)؛ لذا فإنّ أحاديثهم انطوت على أكبر قدر من المصداقية والمهنية والرصانة، فضلًا عن تأشير المعضلات الأخلاقياتية الحالية والمحتملة على الصعيدين الفردي والمجتمعي.
العلمُ في المجتمع: تشكيل المستقبل البشري بعيدًا من المراهنة الفاوستية
ليست التقنية الجديدة ولا التغيرات العنيفة المصاحبة لها قوة خارجة عن طوع البشر. كلنا مسؤولون عن قيادة هذه الثورة التقنية عبر القرارات التي نتخذها يوميًّا باعتبارنا مواطنين ومستهلكين ومستثمرين؛ لذا يتوجّبُ علينا أن نتفهّم طبيعة القدرة التي باتت بحوزتنا وأن ندرك أبعادها لكي نشكّل الثورة الصناعية الرابعة ونقودها نحو مستقبلٍ يعكسُ أهدافنا وقيمنا المشتركة. في كلّ الأحوال، ولكي نحقق هذا الأمر، يجب أن نطوّر رؤية شاملة ومُتشاركَة عالميًّا بشأن الكيفية التي تؤثر بها التقنية في حيواتنا وفي كيفية إعادتها تشكيل بيئاتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية.
تمتلك الثورة الصناعية الرابعة في نسختها الأكثر تشاؤمًا والأبعد عن الحس الإنساني – بالتأكيد – القدرة على «روْبتة» الإنسانية وبالتالي حرماننا من قلوبنا وأرواحنا؛ لكن هذه التقنية لطالما كانت جزءًا مكمّلًا لأفضل كينونات طبيعتنا البشرية (الإبداع، التعاطف، القيادة)، ويمكن لها أن تدفع الإنسانية إلى مرتقيات جديدة من الوعي الجمعي والأخلاقي الذي يقودُ إلى حس مشترك بالمصير الإنساني العام.
يعتمد مستقبلنا على اتخاذ خيارات حكيمة بشأن التحدّيات المجتمعية المفصلية: الطاقة، الصحة، الغذاء، الروبوتيات، البيئة، الفضاء، وما سواها. هذه الخيارات تعتمد العلم بالضرورة؛ غير أنّ القرارات الجوهرية لا ينبغي أن يتخذها العلماء وحدهم دون سواهم لأنّ تلك القرارات تهمّنا جميعًا ويتوجّبُ في كلّ الأحوال أن تكون حصيلة ناتجة عن مناقشات جمعية شاملة واسعة النطاق، وإلى أن يتحقّق هذا الأمر على أرض الواقع بفاعلية مؤثرة نحتاج تطوير «شعور» جمعي تجاه الأفكار الأساسية في العلم، فضلًا عن امتلاك بصيرة مدرّبة تؤهّلنا لتقييم المخاطر والاحتمالات والمآزق وبكيفية تجعلنا محصّنين – بقدر ما يمكن – من الوقوع في شرك الخبراء التقنيين ذوي الأجندات الخاصة أو الشعبويين الذين لا يجيدون سوى تمجيد الشعارات الكبيرة الخاوية.
يتشاركُ العلماءُ جميعًا التزامات محدّدة إضافة إلى مسؤوليتهم القائمة على كونهم مواطنين مثل سواهم. ثمة التزاماتٌ أخلاقياتية تواجه البحث العلمي ذاته، على شاكلة: تجنّب التجارب التي يمكن أن تتسبّب بخطورة – حتى لو كانت ضئيلة للغاية – قد تقود إلى وضعٍ كارثي، واحترام مُدوّنة الأخلاقيات عندما يتناول البحث العلمي الكائنات البشرية والحيوانات على حدّ سواء.
لكنّ الموضوعات الأكثر تعقيدًا تنشأ عندما يكون للبحث العلمي الذي ينهض به العلماء مترتّباتٌ تتجاوز نطاق المختبرات وتخلق تأثيرًا ذا مفاعيل اجتماعية واقتصادية وأخلاقياتية تخصُّ كلّ المواطنين ولا تختصُّ بطائفة محدّدة منهم، أو عندما تكشف تلك المترتّبات عن تهديد خطير لم ينل التحسّب المسبّق المناسب، ولا ينبغي للعلماء أن يكونوا غير مكترثين بثمار أفكارهم التي هي صنائعهم في نهاية الأمر، ويتوجّبُ عليهم أن يحاولوا – ما استطاعوا لذلك سبيلًا – تعزيز الاستخدامات السلمية لصنائعهم (تجارية كانت أم سوى ذلك)، وكذلك ينبغي أن يُبدوا مقاومة لا تستكين، وبقدر ما يستطيعون، لكلّ التطبيقات المشبوهة أو تلك التي تنطوي على نتائج تهدّد الحياة البشرية أو الكوكب الأرضي، وهم في سعيهم هذا ينبغي أن يسجّلوا تحذيرهم بشأن كلّ تطبيق علمي يحمل نُذُر التهديد للإنسانية وبكيفية تجعل السياسيين يدركون تلك المخاطر بطريقة لا لبس فيها كلّما كان هذا الأمرُ متاحًا.
إذا ما شعر العلماء بأنّ مكتشفاتهم أو مصنّعاتهم التقنية تثيرُ موضوعات أخلاقياتية إشكالية (وهو ما يحصلُ بصورة حادة وفي أحايين كثيرة) فيتوجّبُ عليهم أن يشركوا العامّة في النقاشات الدائرة بشأن تلك الموضوعات، واضعين في حسابهم حينذاك أن ليس من مزايا خاصة يستحقونها خارج تلك المزايا التي تجعلهم ذوي دراية وخبرة في نطاق حقلهم العلمي التخصّصي.
كلنا نعرف أن السياسيين مقامرون بصيغة أو بأخرى: هم يفضّلون النتائج السريعة التي يجتنون منها مكسبًا على الجهود طويلة الأجل التي تتطلّب تضحيات بالمواقف الآنية، وقد أبانت الجائحة الكورونية أنّ هذه البراغماتية السياسية القبيحة التي لو كنّا قبلناها من قبل على مضض فلن يكون مقبولًا الإبقاء عليها في قادمات الأيام.
من جانب آخر لا مفرّ من إشاعة الاهتمام بالعلم والسياسات العلمية على أوسع نطاق، بعد أن أثبت العلم أنه مقاربتنا الوحيدة للتعامل المعقلن مع الطبيعة والكشف عن القوانين الحاكمة لعالمنا الفيزيائي، وسيتبع هذا الاهتمام غير المسبوق نكوص الأصوليات (الدينية والأيديولوجية) التي تعتمد اليقين مقابل الفكر الشكوكي الذي يسمُ الفكر العلمي، وقد عبّر بروفسور الفيزياء النظرية (جيم الخليلي) عن هذه الحقيقة بطريقة رائعة عندما كتب في مقالة حديثة له بعنوان «شكّ العلماء ويقين السياسيين» نشرها في صحيفة الغارديان البريطانية: «… لم يكن يومًا ما ثمة ما هو أكثر أهمية من إشاعة الفهم الخاص بكيفية عمل العلم: في السياسة يُنظرُ إلى الاعتراف بارتكاب خطأ ما على أنّه شكل من أشكال الضعف والوهن؛ في حين أنّ الأمر معاكسٌ لهذا تمامًا في العلم حيث يكون ارتكاب الأخطاء حجر الزاوية في المعرفة. إنّ استبدال النظريات والفرضيات القديمة بأخرى أكثر حداثة ودقّة هو أمرٌ يتيحُ لنا اكتساب فهمٍ أعمق للمادة العلمية موضوعة البحث، وفي الوقت ذاته نحنُ (أي العلماء) نطوّرُ نماذجنا الرياضياتية ونشكّلُ تخميناتنا تأسيسًا على البيانات والشواهد المتوفّرة لنا. بقدر ما يختصُّ الأمر بشيء جديد على شاكلة فايروس الجائحة الكورونية فقد شرعنا من خط بداية واطئ من المعرفة، وكلما راكمنا المزيد من البيانات الجديدة فإنّ نماذجنا وتخميناتنا ستستمرُّ في التطوّر والتحسّن”، ثم يختتم مقالته بالعبارات المشرقة التالية :”إذا كنّا نتطلّعُ بحقّ لتجاوز معضلة الجائحة الفايروسية الراهنة فيتوجّبُ علينا جميعًا أن نحوز فهمًا أساسيًا للكيفية التي يعمل بها العلم، فضلًا عن امتلاك القدرة على الإفصاح بأننا (وفي خضمّ أزمة كبيرة مثل الجائحة الحالية) إذا ما أبدينا شكوكنا (إزاء نظرياتنا وسلوكياتنا العلمية الراهنة) عوضًا عن التظاهر باليقين فإنّ هذا الأمر هو مصدر قوة لنا …..).
ملحق: قراءات إضافية
قائمة قصيرة بمراجع مفيدة عن العلم والأخلاقيات
أولًا: المراجع العربية
1. مارتن ريس، ساعتنا الأخيرة (إنذارٌ من عالِم)، ترجمة : د. مصطفى إبراهيم فهمي، دار العين للنشر، 2006م.
2. ديفيد ب. رزنيك، أخلاقيات العلم : مدخل، ترجمة : د. عبدالنور عبدالمنعم، سلسلة عالم المعرفة (العدد 316)، 2005م.
3. جون ب. ديكنسون، العلم والمشتغلون بالبحث العلمي في المجتمع الحديث، ترجمة: شعبة الترجمة باليونسكو، سلسلة عالم المعرفة (العدد 112)، 1987م.
ثانيًا: المراجع الإنجليزية
1. Kristen Renwick Monroe, Science, Ethics, and Politics: Conversations and Investigations, Routledge, 1st Edition, 2015.
2. Adam Briggle, Ethics and Science: An Introduction, Cambridge University Press, 2012.
3. John G D’Angelo, Ethics in Science: Ethical Misconduct in Scientific Research, 2nd Edition, CRC Press, 2018.
4. Luciano Floridi, The Ethics of Information, Oxford University Press, 2015.
5. Mark Coeckelbergh, AI Ethics (MIT Press Essential Knowledge series), MIT, 2020.
6. Shoshana Zuboff, The Age of Surveillance Capitalism: The Fight for a Human Future at the New Frontier of Power, Public Affairs, 2020.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق