المقالات الأخيرة

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

برايتون

برايتون

... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر لذيذ يعبر رأسه، تخلبه أشتات يوم قديم، يمسك بمعصم ابنه ويسيران إلى خارج المحطة، ينحدر بهما طريق يمتد من محطة القطار ويصب في شاطئ البحر، يقف أمام البحر...

الشعبوية أسلوب سياسي أم نزعة عابرة للأوطان؟

بواسطة | سبتمبر 1, 2020 | قضايا

هل ينبغي لدردشة حول الشعبوية أن تُعنى بالشعبوية، في مقابل نبذها لأوجه التطرف بشتى أنواعه، أو يجب أن تكون معنية بفشل المؤسسات وسوء تصرف النخب في عالم يمتلك فيه ثمانية مليارديرات نصف ما يمتلكله سكان العالم؟ سيؤدي الخيار الأول إلى نقاش مختلف تمامًا وربما يمكن التنبؤ به نوعًا ما أكثر من الأخير، والذي قد يشمل «السيئ والأسْوأَ منه». والخيار الثالث هو أن الأنماط المُختلفة لاقتصادات السوق تُسفر عن أنواع مُتباينة من الشعبوية، بما في ذلك البلوتو-شعبوية(١). وتتبع هذه المناقشة الخيارين الأخيرين.

ماذا يريد الناس؟ الشعبوية، مخاطبة الناس مباشرة، وتعني إخبار الناس ما يريدون، بما يكفي من الإقناع لإثارة العاطفة والمساندة. العديد من التفسيرات تتعامل مع الشعبوية بوصفها أسلوبًا سياسيًّا بالأساس يتمثل في تجاوز المؤسسات والنخب والتعامل مع الناس مباشرة، أو «الأسلوب السياسي العملي»(٢). من الواضح أن هذا النمط يمكن استخدامه بطرق مختلفة ولأغراض مختلفة على نطاق واسع، لذلك فإن الشعبوية لا تخبرنا الكثير دائمًا. مما يشمل مقاربة غرامشي(٣) للتعبئة الثقافة الشعبية لاكتساب النفوذ والهيمنة؛ «والعودة للماضي لتطبيق غرامشية اليمين». هذا أمر منطقي، لكن هذا يتعلق فقط بكيفية فهم آليات التوعية الشعبية. هذا تفسير قاصر للشعبوية. ملاحظة آرنستو لاكلو(٤) الألمعية هي أن الشعبوية تنشأ من تَشَظٍّ في ركائز السُّلطة مما يدعو إحدى فصائلها لمناشدة «الشعب» لتجاوز النخب السياسية عبر المؤسسات الخارجية(٥). مثل هذه النداءات، بالطبع، قديمة قدم أثينا الكلاسيكية وروما (نداء إلى الدهماء وهم عامة الشعب للتمركز في مجلس الشيوخ).

إحدى أوائل الحركات الشعبوية هي للأرجنتيني خوان بيرون(٦)، الذي وجّه خطابه «عاري الصدر» في بوينس آيرس بأسلوب شعبي حاملًا رسالة مساواتية. في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، جاءت الشعبوية أيضًا مصحوبة بمفاهيم العدالة والاشتراكية؛ مثل عبدالناصر في مصر، الاشتراكية العربية مع بن بلا وبومدين في الجزائر، القذافي في ليبيا في وقت مبكر، والخُميني في إيران(٧). اليوم قد ولّت، على حد تعبير لاكلو، القدرة المُهيمنة لليسار القديم. «إن اليسار القديم -بسبب سياساته الطبقية الراديكالية، وإنتاجيته وإحصاءاته القديمة- يموت في كل مكان»(٨).

يتطلب نجاح التوعية الشعبية تجاوز العدد من العَتبات:

• التلاؤم الثقافي. حيث غيرت مارين لوبان(٩) اسم حزبها من الجبهة الوطنية إلى التجمع الوطني (التجمع الوطني، 2018م)، بهدف التخلي عن صورتها «الشيطانية» وتليينها، بعيدًا من إهانة المحرقة النازية لوالدها.

• الدعم الإعلامي. الشعبوية هي صراع من أجل المنصة العامة. دون الدعم الإعلامي لتضخيم المنصة، لا يمكن اختراق القُوى الشعبية. وتتبادر للذهن القوة الإعلامية لبرلسكوني(١٠) ومردوخ(١١) فوكس ترمب. أيضًا يتبادر للذهن دور الإعلام في تايلاند (ثاكسين شينا واترا، ثم الصراع بين القمصان الحمراء والقمصان الصفراء المؤيدة للمَلَكية) ومصر (حكومة الإخوان المُسلمين). في البَرازيل، قام تليفزيون غلوبو بفضح عمليات الفساد في حكومتي لولا وديلما رُوسيف والتحقيق في رشاوى مَغسلة السيارات (Lava Jato) دون التعريج على أن مثل هذه الرشاوى كانت شائعة في الحكومات البرازيلية لأن المشكلة الأساسية هي العتبة المنخفضة للأحزاب لدخول البرلمان؛ لذلك تتطلب القابلية للتسوية حلولًا وَسَطية يمكن تسهيلها بواسطة الإحسانات أو الرشاوى. وقد مكن إقصاء لولا من الساحة الانتخابية من تركها مفتوحةً للوافد الجديد جائيير بولسونارو.

• أصداء الثقافة العامة. تبلي القمية المسيحية بلاءً حسنًا في أوربا الشرقية.

• التوقيت المناسب. (التزامن) لعب حزب الحرية اليميني في هولندا لـ«غيرت فيلدرز» دورًا مهمًّا في مواجهة الحركات المناهضة للإسلام، لكن مع حلول أزمة 2008م لم يكن أمام الحزب أي شيء ليقدمه وانخفضت تقديراته في سبر الآراء.

• التماهي مع الفئات الشعبية. أَحْضِر رسالة ريفية إلى جمهور ريفي صغير في المدينة. لقد لعبت الورقة الريفية بشكل جيد للعديد من الأطراف في كثير من البلدان. رغم أن هذا يصب في صالح الهدف المرجو. في عصر الذروة التواصلية، لا يمكن رفع الغشاوة بشكل كبير وإلا فإن الجموع الحضرية لن تكتفي بالمشاهدة (كما يفعلون في معظم البلدان) بل يتجمعون ضده. وهذا هو السبب في أن الاستهداف السياسي الجزئي للانتخابات الأميركية لعام 2016م عبر فيسبوك وبيانات كامبريدج أناليتيكا كان مهمًّا جدًّا. تم تطبيق المنهجية نفسها في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي.

• تجييش العاطفة. ذَكرْ بالملاحم (من قبيل «جعل أميركا عظيمة من جديد»)، وليس بالوقائع أو السياسات(١٢). في ظل مجتمعات تُسَاقُ لها المعلومات على مدار الساعة وطيلة الأسبوع، ليست البيانات هي المحرك وإنما العاطفة.

• في الدور الثاني: يفضل تسجيل بعض الحاجيات التي يجب قضاؤها. رغم ذلك، مع حلول الوقت وقد جرى تقليب الموجات البثية وتجميعها يصبح من الصعب التفريق بين التمثيلية وبين النصر.

هذه العتبات العامة معتمدة في عدد من البلدان، بل إن الحزم الحالية تعدُّ موضوعًا حساسًا. ومن ثَمَّ، فإن الشعبوية متنوعة والشعبوية الفَوضوية ضرورية. عدد من الروايات والتفسيرات للشعبوية لها طابع إقليمي وغالبًا ما يجري استقراؤها من بلدان أخرى أو على مستوى العالم، كما لو كانت تطبيقًا لتفسيرات مماثلة. المشكلة الأخرى هي أنه بسبب موضوع الشعبوية التي تهتم بالشكل والأسلوب، فإنها تصرف الانتباه عن المضمون، مثل البرامج السياسية والبنى التحتية للسلطة. يُناقش هذا المقال هذه المشكلات ويقترح تصنيفًا لاستحضار تنوع الشعبوية كعلاج. على مدى السنوات الأخيرة، أصبحت الشعبوية أكثر بروزًا كموضوع، وتزايد اهتمام وسائل الإعلام والوثائق البحثية. في هذه الأثناء، هناك فصائل أخرى من كتل السلطة لا تقف مكتوفة الأيدي. مثل العديد من المصطلحات في الوقت الحاضر، أصبحت الشعبوية سلاحًا. والسؤال إذن هو ما وظيفة الخطاب الشعبوي الذي يُحققه.

ما الدور الذي تلعبه في المجال الخطابي؟

بالنظر في العناوين الأخيرة:

• «كوربين وترمب مقابل النظام الليبرالي» (Philip Stephens، فايننشال تايمز، 1 سبتمبر 2017م).

يمكن أن تكون القوى الناشئة هي المنقذة للنظام الليبرالي العالمي (أميتاف. أشاريا، فايننشال تايمز، 19 يناير 2017م).

• التحركات الشعبية تنذرعمالقة المال (جيليان تيت، فايننشال تايمز، 19 يناير 2018م).

تستشهد جيليان تيت(١٣) بمُخطط حول «السياسة الحديثة» التي أنتجها صندوق الإحاطة في بريدجووتر، وهو مزعج على حد تعبيرها: «كشف العدد الساحق أن نسبة الأصوات التي حصل عليها المرشحون الشعبويون المُناهضون للبِيروقراطية في الغرب، مثل الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة، الفرنسية ماري لوبان وزعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين، انفجروا من 7% في 2010م إلى 35 % في 2017م.»

تكتسب الحركات والأطراف المنضوية تحت عنوان الشعبوية زخمًا، ومن هنا تأتي فكرة الموجة أو انفجار الشعبوية(١٤). تتعامل العديد من التفسيرات مع الشعبوية بوصفها عابرة للأوطان أو نزعة عالمية. عدد من المُناقشات ترى أن الجانب الآخر من الطيف «ليبرالي»، كما في الديمقراطية الليبرالية والقيم الليبرالية والرأسمالية الليبرالية والنظام الليبرالي الدولي. باختصار، قد يُمثَّل ذلك أيضًا كديمقراطية، كما في الرأسمالية الديمقراطية. يُشير تكتل كوربين وترمب «في مواجهة النظام الليبرالي» إلى أنهما يعبران عن اضطراب.

مصطلح «ليبرالي» هو مصطلح بريطاني وأميركي له معنى معاكس تقريبًا في أوربا القارية، حيث الأحزاب السياسية الليبرالية عادة ما تكون أحزابًا مؤيدة لأعمال الوسط. وصف أوربا بأنها «ليبرالية»، كما هو الحال في «أوربا الليبرالية»(١٥)، أو في الافتتاحية «ميركل تقود الكفاح الأوربي من أجل القيم الليبرالية» (افتتاحية الفايننشال تايمز، 3 يناير 2017م)، ليس منطقيًّا خارج بريطانيا. من الغريب أنها تتغاضى عن حزب ديمقراطي مسيحي. جلبت التطورات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة موضوع الشعبوية إلى الواجهة. خلقت انتخابات ترمب وبريكست انطباعًا بوجود موجة شعبية. تجمعتْ مع الأحزاب اليمينية في أوربا، والسلطوية في أوربا الشرقية، والتطورات السياسية في تركيا والفلبين والهند، و«المد الوردي» في أميركا اللاتينية. كذلك جزء من الذاكرة القريبة هو حركة حزب الشايفي الولايات المتحدة. إن دور الرجال الأشداء في كثير من البلدان، مثل بوتين وأردوغان ومودي وكاغامي في رُواندا، زاد من الانطباع بأن الديمقراطية في تَراجع. تتميز مسألة الشعبوية إلى جانب الشعارات بتهديدها للديمقراطية والرأسمالية.

تعبير عن شرطة الحدود

وهكذا يُعرَّف مجال بأكمله، نظام عالمي يشتمل على داخلي وخارجي، ومركز ومحيط، وهو المجال الذي تعارض فيه «قوى مقاومة المؤسسات» «المؤسسة». في هذه الحالة تصبح الشعبوية مُشكلة مركزية بارزة. ثم تعمل الشعبوية كتعبير عن شرطة الحدود. البحث جارٍ عن تعريف وتحديد وتفسير سوسيولوجي للشعبوية. وفي تلك الأثناء، فإن التركيز على الشعبوية، وتعريف مورفولوجيتها، يضع «المؤسسة الحاكمة» بعيدًا من الأنظار. إن المخاوف التي ربما تكون قد ولدت الشعبوية، مثل الاتفاقيات التجارية والعولمة (على سبيل المثال، الطريقة التي نُظِّمتْ بها العولمة)، تطفو على السطح، لكن تشير المباحثات إلى أنه بالنظر إلى مورفولوجيا الشعبوية، من الأفضل ترك مثل هذه المخاوف للمؤسسة.

ومع ذلك، ننظر عن كثب وتتضح الصورة. لا توجد موجة من الشعبوية. نعم، تبدو بعض المظاهر السطحية متشابهة، إلا أن علم الأنساب والسياسات الاقتصادية وسياق الحركات والأحزاب مختلفة تمام الاختلاف. من خلال تسليط الضوء على أوجه التشابه السطحية، فإن مناقشة الشعبوية في الواقع تشتيت للانتباه ومضللة. تُشير الشعبوية حسب كثير من التفسيرات إلى أسلوب سياسي ما (نقد النخب، وتجاوز المؤسسات، والنداء المباشر للناس) بينما تراوح جداول الأعمال على نطاق واسع. التركيز على التهيكل يؤدي إلى تجمع واسع النطاق من الشعبوية، عبر اليسار واليمين، بينما يؤدي التركيز على جداول الأعمال إلى تمايز حاد. مقاربة واحدة تتعلق بأسلوب ما، والآخر يتعلق بالجوهر.

يجب أن يكون هناك حدود واضحة بين الشعبوية اليمينية واليسارية. خلال السنوات الأخيرة، تشترك القوات اليمينية واليسارية في الانتقادات للاتفاقيات التجارية و«العولمة». ولكن بينما يهاجم الجناح اليميني المُهاجرين والأقليات والبُلدان الأجنبية («الصين»)، فإن اليسار (مثل حراك الغاضبين وحركة احتلوا وول ستريت، حملة سندرز) يهاجم الشركات والبنوك والمؤسسات ووحشية الشرطة. تتطلع سياسات اليمين إلى إلغاء القيود، وتخفيض الضرائب، والتعريفات الجُمركية، وإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية (صعبة لأن الشركات متشابكة في سلاسل القيمة العالمية)، في حين تركز سياسات اليسار على إعادة تنظيم البنوك والشركات، وزيادة الضرائب على الشركات، والدعم الاجتماعي وسياسات الاستثمار. بمعنى آخر، الملفات الشخصية مختلفة اختلافًا جذريًّا.

تفكيكُ الشعبوية

تتمثل إحدى طرائق تفكيك الشعبوية في التمييز بين أنواع الرأسمالية. التصنيف الأساسي هو اقتصادات السوق الليبرالية، واقتصادات السوق المهيكلة، واقتصادات السوق التي تقودها الدولة، كل منها ينطوي على علاقات مختلفة بشكل ملحوظ بين الدولة والسوق والمجتمع. ومن ثَمَّ يستوفي المد الشعبوي في كل مكان وظائف مختلفة. يشير التعدد الموجود في الرأسمالية إلى مؤسسات الضبط التي تهيكل الأنشطة الاقتصادية في اقتصادات السوق. جميع اقتصادات السوق مختلطة مع فروع مختلفة. يشير العنوان إلى الوضع السائد للتنسيق. على سبيل المثال، المملكة المتحدة هي تشكيل هجين له تنظيم ليبرالي مهيمن، ولكن مع قطاع عام قوي نسبيًّا مثل الخدمة الصحية الوطنية. أصناف الرأسمالية ليست أوصافًا شاملة. يميزون النمط السائد لتنسيق الأنشطة الاقتصادية.

الفرق واضح بين اقتصادات السوق الليبرالية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واقتصادات السوق المهيكلة في بلدان الشمال الأوربي (الإسكندنافية). أجندة الحركات الشعبية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واسعة النطاق – فهي تشمل الوظائف، وتقويض التصنيع، والتنمية الإقليمية غير المتكافئة، والهجرة، وعدم المساواة، والاتفاقيات التجارية، والعولمة والمنافسة الدولية («الصين»)، والقومية البيضاء؛ في المملكة المتحدة على غرار الاتحاد الأوربي. لكن في أوربا الشمالية، أجندة الأحزاب الشعبية هي ببساطة الهجرة والإسلام. الفرق هو أن اقتصادات السوق الليبرالية تترك كل شيء على الطاولة؛ الشركات تأتي في المرتبة الأولى، والمجال العام يميني، والناس أكثر عرضة للخطر وغير آمنين من اقتصادات السوق المهيكلة. في هذا المكان، تعد الشعبوية نوعًا بسيطًا إلى حدٍّ ما، غريبًا، مختلفًا في الأسلوب والدرجة ولكن ليس في المضمون. الفارق بين النيوليبرالية (ريغان: «إنه صباح في أميركا مرة أخرى») والنيوليبرالية الشعبوية (ترمب: «اجعلوا من أميركا عظيمة مرة أخرى») بسيط في بعض النواحي.

في أوربا الغربية، تركز الأحزاب الشعبوية عادة على الهجرة. الديمقراطية الاجتماعية هي عقد اجتماعي وطني والهجرة كانت كعب أخيل لها طوال الوقت. إن تقويض التصنيع، والتقشف، وخفض الرفاهية يعززان ذلك، كما يفعل انتشار الحروب والصراعات في الشرق الأوسط. على المزيد من القادمين مشاركة الفطيرة التي تقلصت مع تدابير التقشف. أصبح النسيج الثقافي للعقد الاجتماعي هشًّا وسط تسارع العولمة. لكن بخلاف الهجرة والإسلام، لا تجلب الأحزاب الشعبوية شيئًا إلى الطاولة، ولا يوجد برنامج اقتصادي للحديث عنها. فقد خسروا في كل من فرنسا وهولندا وألمانيا، بينما تقدموا للأمام 2018م في النمسا وجمهورية التشيك وإيطاليا. هذه الأحزاب التي غالبًا ما تُلَقَّب بالمناهضة للمهاجرين يجب أن تسمى كذلك (مثل حزب التقدم في النرويج).

في أوربا الشرقية، القومية هي الخطاب السياسي السائد، وهو أمر ليس بالغريب بالنظر إلى تاريخ الاحتلال (ألمانيا والنمسا والاتحاد السوفييتي) وما بعد الشيوعية. تأتي القومية مع ميول استبدادية وجدائل ثقافية («القيم المسيحية») في بولندا والمجر وجمهورية التشيك. في المجر حاضرة أيضًا مقترنة مع رأسمالية المحسوبية. الحكومات في المجر وبولندا ترفض الهجرة والإسلام وتقف ضد «بروكسل». إن وصف هذه الشعبوية بالكاد يضيف قيمة؛ الاستبداد القومي هو بيتُ القصيد. في منطقة البحر الأبيض المتوسط، الشغل الشاغل لسيريزا(١٦)، وبوديموس(١٧)، وحركة النجوم الخمسة(١٨) هو الإصلاح الحكومي بالتركيز على مشكلات العمالة والفساد. الأجندة الثانية هي التقشف والوحدة الأوربية؛ الثالثة هي الهجرة وتدفقات اللاجئين. إنها أحزاب يسارية، ومن التضليل وصفها بأنها شعبوية. ومع ذلك، فإن رابطة الشمال(١٩)، حزب يميني لا يقتصر على المهاجرين والاتحاد الأوربي، بل يسعى أيضًا للحد من المصاريف الموجهة للجنوب، هو الأجندة المضادة لحراك النجوم الخمسة، الذي أصبح الفصيل الأضعف ضمن الائتلاف الحاكم.

في أميركا اللاتينية، غالبًا ما يسمى «المد الوردي» شعبويًّا(٢٠). من وجهة نظر القطاع المالي، تعني الشعبوية عدم الاستقرار والنمو البطيء، أو الأسوأ من ذلك تحول السياسة نحو الأولويات الاجتماعية والقيود الحكومية على القطاع المالي. راقب القطاع المالي منذ مدة طويلة الاتجاهات الشعبوية في أميركا اللاتينية، لكن المد انحسر في الأرجنتين والبرازيل والإكوادور وبيرو وشيلي، وهو ينهار في فنزويلا(٢١) لكن تتصاعد المخاطر السياسية في وقت تحقيقات الفساد الشاملة(٢٢). تمتلك البرازيل استخراجًا (من بين أعلى مؤشرات مُعَامِل جِيني في العالم) إضافة إلى فروع تنموية (كما هي الحال في حكومتي كاردوسو وحزب العمال). يشيد القطاع المالي بصعود غائيير بولسونارو، بدعم من لوبيات «إنجيل، شكوى و رصاصة»(٢٣). يمثل بولسونارو قطيعة مع شعوب أميركا اللاتينية التي غالبًا ما تحمل تصورًا تقدميًّا اجتماعيًّا.

ينتمي أردوغان وحزب العدالة والتنمية في تركيا مرة أخرى إلى تكوين مختلف تمامًا. تعود الخلفية للهوة السحيقة بين الريف والحضر، بين الريف المُسلم في الأناضول والتحالفات العسكرية العلمانية الحضرية التي حكمت تركيا لعقود من الزمن، كجزء من برامج التحديث التي تعود إلى أتاتورك في عشرينيات القرن المنصرم. سد حزب العدالة والتنمية تلك الفجوة عن طريق الإسلام، والتعويل على البرجوازية المسلمة والمهاجرين الريفيين في المدن كجسور، مقترنة بالسياسات الاجتماعية (شأنها شأن التحريرية) والقومية. يمثل حزب العدالة والتنمية تحولًا من القومية العلمانية إلى القومية الإسلامية، إلى جانب «التطلع نحو الشرق» باتجاه الشرق الأوسط في السياسات الخارجية والاقتصادية.

تتمتع حكومة دوتيرتي(٢٤) في الفلبين أيضًا بخلفية مميزة. عادة ما كانت الفلبين محكومة بأحزاب تقودها عائلات ملكية كبيرة. لم يعد إصلاح الأراضي، الذي كان مصدر قلق كبير منذ مدة طويلة، مدرجًا في جدول الأعمال(٢٥). حولت حرب دوتيرتي على المخدرات جدول الأعمال من الاقتصاد السياسي إلى الأمن وتقوية قوات الأمن (كما هي الحال في البرازيل) بينما لم تحرك ساكنًا لتحويل الاقتصاد السياسي. نظرة عامة على جداول أعمال القوى المسماة شعبوية (الجدول 1) تُوضح تنوع المناطق، وبالتالي جداول الأعمال.

من المثير للاهتمام ملاحظة المكان الذي لا تلعب فيه الشعبوية دورًا. على الرغم من أن الشعبوية تُصوَّر على أنها موجة أو انفجار، إلا أنها لا تظهر فعليًّا إلا في عدد قليل من البلدان. في معظمها فازت فقط بهوامش صغيرة – فاز ترمب فقط في بعض الولايات وبمؤشرات عددية محتشمة (ولم يفُز بالتصويت الشعبي)، مر بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي) ببضع نسب مئوية، ورُفضَ استفتاء أردوغان لتوسيع سلطته في إحدى عشرة مدينة من مجموع اثنتي عشرة مدينة من أكبر المدن التركية، وهكذا دواليك.

وتفترض ظاهرة الشعبوية التقلب أو التغيُّر. ومثل هذه الشروط لا توجد في شمال شرق آسيا، وكندا، وكمبوديا أو فييتنام. من الطرائق الأخرى لتسوية الخلافات داخل أعمدة السلطة هي الانقلابات العسكرية (مصر، وتايلاند، وزيمبابوي)، التدخلات القضائية (كوريا الجنوبية، وجنوب إفريقيا، والبرازيل، وبيرو)، وبطبيعة الحال، العمليات الانتخابية (جنوب إفريقيا، والأرجنتين، وماليزيا، … إلخ).

في معظم اقتصادات السوق التي تقودها الدولة، بالكاد توجد حركات شعبية محاذية لحكومة يمينية على هامش القومية، كما هي الحال في روسيا والصين وكازاخستان. هامشي لأن المجال العام وطني بالفعل. حزب بهاراتيا جاناتا في الهند هو حزب محافظ استبدادي قريب من الشركات القوية مثل الإخوة أمباني وريلاينس.

بالتمعن في وجهات النظر المختلفة، تتضح الاتجاهات المُتقاطعة. أحدها هُو العودة إلى القومية – «القومية الاقتصادية» (ترمب، بانون، بركسبت). رفض عامة الناس في الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وجنوب شرق آسيا عمومًا الاتفاقيات التجارية العابرة للقارات والشراكة عبر المحيط الهادئ وشراكة التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي؛ إعادة التفاوض على شروط العولمة هي مصدر قلق عام وليست مميزة للشعبوية. لكن الأحزاب الشعبوية تعيد تعريف الأمة بعبارات ضيقة -كما هي الحال في القومية البيضاء («نريد استعادة بلدنا»)، أو مهاجمة التعددية الثقافية، أو متابعة الهيمنة العرقية. كانت التعبئة العرقية أداة لأصحاب المشاريع السياسية منذ زمن سحيق. ثالثًا، عند رفض «العولمة»، تتجه الأحزاب الشعبوية إلى العصبيات الثقافية المحلية.

معاداة التعددية

هل تُعدّ الشعبوية معادية للتعددية؟(٢٦) بما أنها تدعي ترتيبًا مختلفًا لدور «الأغلبية» (الشعب) ومكانتها، فهي إذًا صاحبة الأغلبية والتراتُبية. في العديد من الحالات، يكون التأثير الحقيقي للإثنية، شأن إسرائيل. في تركيا، يتموقع الأتراك فوق الأكراد والعلويين. في الهند، الهندوس فوق المسلمين، الداليت(٢٧)، والأديفاسيس(٢٨)؛ في الولايات المتحدة، الأنغلوس فوق الهسبان(٢٩) وبقية الأقليات؛ في الدول الأوربية، تستهدف الأحزاب الشعبوية المهاجرين والمسلمين.

بمراجعة النماذج، فإن المناطق المحورية التي برز فيها الشعبويون هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. القصة وما فيها هي أن كل الرهانات كانت في السوق والشركات؛ لذا فإن انهيار سوق 2008م كان أيضًا أزمة نموذج اجتماعي. تواجه اقتصادات السوق المهيكلة احتجاجات ضد الهجرة والإسلام، وهو الأمر الذي ينتج عنه مع عدم الرضا الاقتصادي نشوء معارضة، لكنها ليست «ديمقراطيات مُنقسمة» كما هي حال اقتصادات السوق الليبرالية. لا تُواجه اقتصادات السوق التي تقودها الدولة من النوع التنموي (الصين، سنغافورة) طفرات شعبية؛ لأن التنمية تنطوي على التزام اجتماعي واسع النطاق.

الأشجار أم الغابة؟

يجب أن يكون التركيز على الحركات والأحزاب الوافدة، أو ينبغي أن يكون بدلًا من ذلك على المجال الأوسع الذي خلق الحركات فضلًا عن خطاب الاحتقار؟ تدوين الشعبوية يعني النظر إلى المجال بأكمله من خلال أفق رحب. الشعبوية إذن هي أحد الأعراض وينبغي التركيز بدلًا من ذلك على الداء.

النماذج التجريبية للنمو صريحة: ثمانية مليارديرات يمتلكون ما يعادل ممتلكات نصف سكان العالم (2017م). يتزايد عدم المساواة في جميع أنحاء العالم، وبشكل حاد في اقتصادات السوق الليبرالية. وفقًا لمنظمة أوكسفام الدولية (2018م)، فإن «واحدًا من المئة من الأثرياء حصل على 82% من الثروة التي أُنشِئتْ في العام الماضي –في حين لا يحصل نصف فقراء البشرية على شيء». هل هذا هو النظام الليبرالي؟ على ما يبدو، يعتقد بعضٌ أن الاضطراب قد يكون خيارًا أفضل.

من بين أشكال الشعبوية، تبرز الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. هذه المجتمعات الحضرية قادت لوقت طويل وصاغت الاقتصاد العالمي. تميل المؤسسات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة نحو الأولويات اليمينية منذ الثمانينيات، منذ مارغريت تاتشر(٣٠) («لا يوجد بديل»؛ «لا وجود للمجتمع»)، ورونالد ريغان («الحكومة هي المشكلة»). لقد قادوا تحولات واسعة النطاق بإجماع واشنطن، الإصلاح الهيكلي، صُندوق النقد الدولي والبنك الدولي. قادت وول ستريت ومدينة لندن عملية التمويل. من وجهة نظر القطاع المالي، فإن النمو أمر بالغ الأهمية، وإعادة التوزيع ليست مُربحة، واقتصاديات العرض هي القاعدة.

من خلال تقرير واحد، «يمسح اليمين الشعبوي اليسار: اليسار التقليدي أبعد ما يكون أن يرى من جديد»(٣١). ولكن التحيز المؤيد للسوق والتركيز على النمو كانا مُهمشِين لسياسات الجناح اليساري منذ الثمانينيات، وكذلك في المرحلة الثالثة للعامل الجديد والديمقراطيين الجُدد. أصبح ازدراء اليسار أمرًا طبيعيًّا في المجال العام، وبخاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لا يُمكن للمركز الصمود، ولكن البدائل تُلقَى جانبًا والشعبوية شبح جديد، على الرغم من أنه جرى حثّه على تجريد المناصب البديلة المعتدلة جانبًا.

بعد أربعة عقود من اقتصاديات العرض (النمو، والشركات أولًا)، لم تعد اقتصاديات الطلب (النمو وإعادة التوزيع) جزءًا من الأجندة الأميركية الرئيسية، وغالبًا ما يجري تغيير علامتها التجارية بوصفها «يسارًا صعبًا» في المملكة المتحدة، في حين تجاوز التقشف إعادة التوزيع في أوربا(٣٢).

إن أجندة الشعبوية هي الأوسع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تشير إلى أن القضية ليست الشعبوية في حد ذاتها، وإنما هي الشكل الذي توجد فيه اقتصادات السوق الليبرالية.

من يخدم الخطاب؟ ما علم اجتماع المعرفة الشعبوية؟ بريدجووتر هو صندوق حيطة بقيمة 160 مليار دولار. فايننشال تايمز ووول ستريت جورنال هما صحيفتان للقطاع المالي. أرقام حسابات مماثلة في مجلة الإيكونومست، الشؤون الخارجية، ونيويورك تايمز. يمكن أن تعمل الشعبوية على صرف الانتباه، وتوجيه التركيز، بينما في المؤسسات العملية تميل إلى أقصى اليمين، كما في حالة إدارة ترمب.

في الولايات المتحدة، ينطوي معظم ما يُعتقد أنه شعبوي على أموال داكنة(٣٣) في العمل (Mayer 2016). تشير الشعبوية المعاصرة في الولايات المتحدة إلى شعبوية السوق(٣٤). كانت حملة ترمب جيدة بالنسبة لتصنيفات سي إن إن. «واجهت سي إن إن مشكلة، تعامل معها ترمب»(٣٥) -علاوة على ذلك، أضف علاقات ناشيونال إنكوايرر (صحيفة تابلويد أميركية) ومردوخ- ترمب… وهكذا، فإن النص الفرعي لصعود القوى الشعبوية في اقتصادات السوق الليبرالية هو التمويل المارق في العمل (الذي صار ممكننًا من خلال تحرير القطاع المالي في الثمانينيات).

في السنوات الأخيرة، تحول الحديث نحو تهديد الشعبوية للديمقراطية. ولكن كيف يمكن مقارنة ذلك بالتآكل المطرد للمؤسسات على مدى عقود من الديمقراطية الليبرالية (إلغاء القيود، التحرير، الحكومة المناهضة للحكومة)، وبخاصة في الولايات المتحدة؟ في الديمقراطيات الليبرالية، استطاعت الشعبوية أن تنتشر على وجه التحديد؛ بسبب التضحية بالنفس للديمقراطية الليبرالية.

مركزية جديدة

على المستوى العالمي، هناك تحول طويل الأمد من الاقتصاد الأطلسي إلى اقتصاد المحيط الهادئ (تمامًا كما في القرن السادس عشر كان العالم المتوسطي قد تجاوزه المنعطف الأطلسي). تحول آخر هو أنه بعد أربعة عقود من اقتصاديات العرض، لم يعد المركز قائمًا. يشير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وانتخاب ترمب إلى أن هذا الأمر آخذ في الانهيار.

على مستوى واحد، الشعبوية هي تعبير عن تراجع النظام، وبالتالي الشقوق في كتلة السلطة. على مستوى آخر، تعمل الشعبوية كعلامة جديدة للحدود. إن ادّعاء فوكوياما بأنه بعد نهاية الحرب الباردة، أصبحت الديمقراطية الليبرالية هي الأيديولوجية السياسية الوحيدة التي تقف وراء اليسار، وأصبحت الآن نقطة تحول حضارية للشعبوية. في هذه الوسطية الجديدة، يستأنف النظام الأطلسي مكانه كنظام عالمي(٣٦). والنص الفرعي للشعبوية وهو يعمل في عدد من المناقشات هو إعادة ترتيب النظام المتراجع.

في حُكومة الشعبوية الأميركية تأخذ الشعبوية شكل البلوتو- شعبوية(٣٧) بتخفيضات ضريبية دائمة وهائلة(٣٨). إن إدارة ترمب هي «يوم ميداني بالنسبة للولايات المتحدة بنسبة واحد في المئة» مع أكبر الفائزين في وول ستريت، وصناعة الوقود الأحفوري، والدفاع(٣٩). قد تتعاون المحافظات العدوانية مع بلوتوقراطية مستقرة، ومزيج من التدهور المؤسسي، وعدم المساواة المتزايدة والديمقراطية المنقسمة. مدى استقرار هذا، هو سؤال مختلف. الشعبوية هي إلهاء لأسباب عدة. أولًا، في معظم الحالات، لا يضيف العنوان أي قيمة. ثانيًا، نظرًا لأن الموضوع الشعبوي يُحَول الانتباه من جوهر إلى أسلوب. تميل مناقشات السياسة العامة إلى أن تكون طويلة في التشكل وقصيرة في المحتوى. أشكال الشعبوية سائلة وغالبًا ما تكون مذهلة في عصر وسائل الإعلام الوراثية، لكنها جوهر المسألة. يخلق العنوان انطباعًا مضللًا عن التماسك العابر للأوطان.

ليس من المرجح أن الديمقراطية الليبرالية يمكن أن تعالج عدم المساواة. في الولايات المتحدة، النتيجة المحتملة بمرور الوقت هي البلوتوقراطية(٤٠) المستقرة، أي إضفاء الطابع المؤسسي على ما كان موجودًا بالفعل، مع عدوانية العصبيات الثقافية المحلية. القضايا في الاتحاد الأوربي ذات ترتيب مختلف تمامًا. بسبب التهرم السكاني، والهجرة والتعددية الثقافية هي الطريق إلى الأمام. من دون بريطانيا، قد يكون الاتحاد الأوربي قادرًا على وضع ميثاق اجتماعي أقوى، إلى جانب الابتكارات مثل سوق العمل المخطط رقميًّا. الديمقراطيات الاجتماعية والمسيحية قد تكون قادرة على استحداث عقد اجتماعي سيجعل هذا ممكنا مع مرور الوقت.

تشير الشعبوية إلى محاولات إعادة التوازن بين الدولة والسوق وعلاقات المجتمع. في هذه العملية، تلقي الشعبوية الضوء على ما يريده الناس في مختلف الاقتصاديات السياسية. إنها مشوهة ومرشحة جدًّا من خلال عدسة أي فصيل من كتل السلطة يقوم بتطوير التوعية الشعبية. في الشعبوية اليمينية، يزعم أن التواصل لصالح المجتمع ولكن في الواقع لصالح المصالح المالية والشركات. الشعبوية لا تختلف عن الحملات السياسية إلا بدرجة.


هامش:

• جان نيدرفين بيترس أستاذ مميز في الدراسات العالمية وعلم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا. متخصص في العولمة ودراسات التنمية والدراسات الثقافية ومؤلف لخمسة وعشرين كتابًا. عمل سابقًا في جامعة ماليزيا الوطنية (كرسي التميز)، وجامعة ماستريخت، وجامعة إلينوي أوربانا شامبين، ومعهد الدراسات الاجتماعية في لاهاي، وجامعة كيب كوست، في غانا، وجامعة أمستردام. قام بتحرير سلسلة كتب مع روتليدج وبلغراف ماكسيمليان.

• الإحالات الموجودة بين قوسين في الهوامش تعود للمترجم وليس للكاتب، والهوامش غير المذيلة بعبارة «الكاتب» هي من عند المترجم.


هوامش:

(١) حركة سياسية تجمع بين البلوتوقراطية (حكم الأثرياء وأصحاب النفوذ) والشعبوية. حيث يقدم فيها الأثرياء أفكارهم وسياساتهم التي تروق للفرد العادي من المجتمع.

(٢) موفيت، 2016، ( إشارة لكتاب بينجامين موفيت «الصعود العالمي للشعبوية، 2016،The Global Rise OfPopulism »» (الكاتب).

(٣) (1891-1927م)، فيلسوف ومناضل ماركسي إيطالي.

(٤) (1935-2014م) فيلسوف وعالم اجتماع من مواليد بيونس آيرس بالأرجنتين.

(٥) لاكلو 2005م، في إشارة لكتاب «إرنستو لاكلو، في العقل الشعبوي»، ErnestouLaclau on populistreason). (الكاتب).

(٦) (1895-1974م)، كان رئيس جمهورية الأرجنتين لفترتين؛ الأولى ما بين عامي 1946 و1955م، والثانية بدأت عام 1973م وانتهت بوفاته عام 1974م. وقد أنهى انقلاب عسكري فترة رئاسته الأولى عام 1955م، وهو ما اضطره إلى ترك الأرجنتين. ولكنه عاد إلى بلاده عام 1973م ، وانتخب رئيسًا لها حتى وفاته بعدها بعام.

(٧) دوراج 2017م، (في إشارة لكتاب منوشهر دوراج» «الشعبوية والتشاركية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: تحليل مقارن»، “Populism and Corporatism in the Middle East and North Africa: A Comparative Analysis”).(الكاتب).

(٨) لاكلو 1990م، 228، (في إشارة لمقالة لآرنستو لاكلو صادرة في مجلة «دراسات ثقافية» cultural studies).

(٩) (1968م-)، سياسية فرنسية وبرلمانية أوربية عن فرنسا ورئيسة حزب الجبهة الوطنية (فرنسا) اليميني، أصبحت منذ 2016م مرشحة عن حزبها واليمين المتطرف للانتخابات الرئاسية 2017م.

(١٠) (1936م-)، سياسي ورجل أعمال إيطالي، يُلقب بـاسم «الفارس» بسبب التكريم الذي حصل عليه في عام 1977م من قبل الرئيس جيوفاني ليوني، أصبح برلسكوني في عام 2013م على لقب أغنى سابع رجل في إيطاليا ومن أغنى 194 في العالم وذلك بسبب ثروته الشخصية التي تقدر بنحو 6.2 مليارات دولار، صوت مجلس الشيوخ الإيطالي في 27 نوفمبر 2013م لإعفائه من منصبه من مجلس الشيوخ. ومن ثم لم يعد برلسكوني نائبًا بعد ما يقرب من عشرين عامًا من وجوده المتواصل في المجلسين.

(١١) (1931م-)، كيث روبرت مردوخ، هو رجل أعمال أسترالي أميركي، يعدّ قطبًا من أقطاب التجارة والإعلام الدولي، وهو مؤسس، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة القابضة للإعلام الدولي News corporation التابع لها قناة فوكس نيوز الإخبارية المشهورة بمناصرتها المطلقة لإسرائيل وعدائها الشديد للقضية الفلسطينية.

(١٢) Simon Kuper, “How to Take on the Populists,” Financial Times, June 24–25, 2017.(الكاتب).

(١٣) صحافية وكاتية بريطانية أنثروبولوجية التكوين.

(١٤) جيديس 2016م، (في إشارة لكتاب جون جيديس «الانفجار الشعبوي: كيف غير الركود الكبير السياسةَ الأميركية والأوربية» الصادر في 2016م بالإنجليزية « The Populist Explosion: How the Great RecessionTransformed American and EuropeanPolitics »). (الكاتب).

(١٥) زيلونكا 2017، (الإشارة للباحث السياسي في جامعة أكسفورد جان زيلونكا صاحب العديد من الكتب المتعلقة خاصة بالقرار والمصير الأوربي على المستويين المتوسطي والعالمي). (الكاتب).

(١٦) ائتلاف بين عدد من الأحزاب اليسارية في اليونان.

(١٧) بالعربية: قادرون، هي تنسيقية تعمل ببرنامج اليسار الاجتماعي ضد الفساد السياسي والاقتصادي في إسبانيا، وأصبحت حزبًا سياسيًّا في يناير سنة 2014م. والوجه البارز لهذه الحركة هو دكتور العلوم السياسية بابلو إغليسياس.

(١٨) هي تنظيم سياسي في إيطاليا، أطلقه في 4 أكتوبر 2009م كل من جوزيبي غريللو، الكوميدي والناشط المدون في المجال العام وجيانروبرتو كازالدجيو المستشار في إستراتيجيات الويب. يتبع التنظيم سياسات شعبوية معادية للفساد ومناصرة للبيئة ومتحفظة جزئيًّا على سياسات الاتحاد الأوربي.

(١٩) الاسم الكامل هو «رابطة الشمال لاستقلال بادانيا» وهو حزب سياسي في إيطاليا تأسس عام 1991م كاتحاد لعدد من الأطراف الإقليمية الشمالية ووسط إيطاليا، التي نشأ معظمها وتوسعت حصتها من الناخبين خلال الثمانينيات.

(٢٠) Marques and Mendes 2006.(الكاتب) .

(٢١) John Authers, “Fears over LatAmPopulismOverdone as Stocks Play Catch-Up,” Financial Times, January 25, 2018.(الكاتب)..

(٢٢) J. P. Rathbone, “The Year of Living Dangerously,” Financial Times, February 8, 2018.(الكاتب).

(٢٣) J. Wheatley, “Waiting Game Would Be Wise on Brazil Prospects underBolsonaro,” Financial Times, October 11, 2018. (الكاتب).

(٢٤) (1945-)، رودريغو دوتيرتي محامٍ وسياسيّ فلبيني، وهو الرئيس السادس عشر الحالي للفلبين، تولى دوتيرتي المنصب وعمره 71 عامًا، ليكون هو أكبر من تولى رئاسة الفلبين سنًّا.

(٢٥) Bello 2015, 2017.(الكاتب).

(٢٦) Galston2018; Müller 2016. (الكاتب).

(٢٧) أو المنبوذون وهم طبقة اجتماعية توجد في كيرلا وتاميل نادو في الهند وفي سريلانكا، عددهم 1,860,519 في الهند حسب إحصاء 2001م.

(٢٨) هم السكان الأصليون للهند وهو مصطلح جماعي يطلق على قبائل شبه القارة الهندية، يعدُّون من السكان الأصليين في مناطق (الغابات) في الهند حيث يعيشون، كمجموعات أو مجتمعات قبلية مستقرة. وهم يشكلون أقلية من الحجم الثقيل من سُكان البلاد.

(٢٩) هم مواطنو الولايات المتحدة الأميركية من ذوي الأصول الأميركية اللاتينية أوالإسبانية.

(٣٠) (1925-2013م)، سياسية بريطانية، كانت رئيسة وزراء المملكة المتحدة للمدة من 1979م إلى 1990م، وهي أول امرأة تولت رئاسة وزراء المملكة المتحدة، ومدة حكمها في بلدها هي الأطول خلال القرن العشرين، وقد لازمها لقب «المرأة الحديدية» الذي عُرفت به، وتعد من أهم الشخصيات المؤثرة في تاريخ المملكة المتحدة ووسمت سياساتها بالتاتشرية.

(٣١) Philip Stephens, “The Populist Right SweepsAside the Left: The TraditionalLeft Is Nowhere to Be Seen,” Financial Times, December 2, 2016. (الكاتب).

(٣٢) Blyth 2013.(الكاتب).

(٣٣) في سياسات الولايات المتحدة، تشير الأموال المظلمة أو الداكنة إلى الإنفاق السياسي من جانب المنظمات غير الربحية.

(٣٤) Frank 2000; Lichtenstein 2016. (الكاتب).

(٣٥) J. Mahler, “That’s Great Television,” New York Times Magazine, April 4, 2017.(الكاتب).

(٣٦) E.g., King 2017.(الكاتب).

(٣٧) حركة سياسية تجمع بين البلوتوقراطية (حكم الأثرياء وأصحاب النفوذ) والشعبوية. حيث يقدم فيها الأثرياء أفكارهم وسياساتهم التي تروق للفرد العادي من المجتمع.

(٣٨) M. Wolf, “America’s Pluto-populism Laid Bare,” Financial Times, May 3, 2017.(الكاتب).

(٣٩) Edward Luce, “A Field Day for America’s One Per Cent,” Financial Times, February 27, 2017.(الكاتب).

(٤٠) هي نظام حكم يتولى فيه علية القوم من الأثرياء مقاليد السلطة.

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *