المقالات الأخيرة

صناعة النخب

صناعة النخب

لا شك في أن «النخب» بما يتوافر لها من قدرات ذاتية مدعومة بالتميز الفكري والثراء المعرفي، وبما تملك من أدوات التأثير والاستنارة، فئة موجودة في كل المجتمعات والثقافات، ومتجذرة في تاريخ الشعوب والحضارات منذ القدم، وهي مطلب قائم ودائم ومتجدد، وصناعة ضرورية لكل مجتمع ولكل...

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

مثقفون في العزلة القسرية.. قراءات ومشاهدات وتأملات في مآل البشر

بواسطة | مايو 1, 2020 | الملف

أعاد كورونا صياغة العالم، وفرض حظرًا على الجميع في البيوت، كما لو أنه قرر أن يذيق العالم تجربة السجون، والحبس الانفرادي في الزنازين، فكيف يرى الكتاب العزلة القسرية التي عثروا على أنفسهم مقادين إليها؟ كيف يقضون يومياتهم في ظل تهديدات كورونا، أي طعم للكتابة وللقراءة، وعلى مقربة منهم وباء يكاد يعصف بالعالم في لحظة؟ المدن العربية التي سلمت من حروب الربيع العربي، في لحظة تحولت مدن أشباح؛ بسبب التدابير التي اتُّخِذَتْ لتجنب وباء كورونا، فهل هي عدالة من نوع آخر، أم أن ذلك يكشف هشاشة المؤسسات الرسمية في العالم العربي؟ إلى أي حد شكل كورونا تحدِّيًا لمجتمعات العولمة وللعولمة نفسها، بتفشيه على هذا النحو، وجعل حكومات الدول الكبرى في العالم عاجزة، عن فعل أي شيء؟ هل المناخات القائمة الآن، من عزل، ومن احتياطات وتدابير، قد تصلح في يوم ما لتغذي المخيلة وتشحذها لكتابة تقارب ما يحدث؟

يومٌ في بستان العزلة

أحمد المديني

انتهى هذا اليوم والوقت يلعب بين يديّ ورأسي ينتقل من رشفة القهوة إلى صفحة كتاب عيناي عليه تجريان فيه بكسل وتوان، ويحملهما الملل إلى سماء عالية زرقتُها تتدفق على شرفة مكتبي أراها لاهيةً عني وعن حالها كأنها غير موجودة وإنها لكذلك، غائبة؛ إذ لا ينظر إليها أحد، فالشيءُ، الطبيعةُ، الكائنُ نفسُه لا يكتمل وجوده ويكتسب معناه إلا وهو واقع في دائرة نظر وإحساس؛ لذلك الطبيعة ليست حزينةً ولا جَذْلَى، لا غَضْبَى وما هي منشرحة إلا بما نسقطه علينا نحن، هكذا فكر بودلير في زمن سابق، يتحدث عن الشجر، لا عجب وهَب النباتَ خَصْلةً (أزهار الشر) فلم يعد محايدًا؛ أوَيوجد حقًّا شيءٌ محايدٌ في هذا العالم؟!

لست في عزلة أبدًا؛ لأن هذا هو عيشي الطبيعي، لكنّ الإعلامَ المهلوس، والصمتَ المطبق، والفراغَ الموحش في الشارع، وتذكيرَ زوجتي لي الملحاح بغسل يديّ مرات كلما فتحت الباب، ومُنَغِّصَات أخرى، تفسد عليَّ عزلتي الحقيقية، طالما عَدَدْتُها كنزًا من دون الأثرياء ومنجمَ ثراءٍ لا ينفد؛ ها هو بإرادة وباء تافهٍ يُقعد البشرية جمعاء في غرفة الصمت والوحشة ويُملي عليها شروط البقاء من الفناء، ألتفتُ إلى مكتبي فأحس به بغتة لا يشبه ما كان عليه وينبغي، وصدره الفسيح بي يضيق، والأشباح المدفونة في كتبي يا لها دفعةً واحدةً تستفيق.

إنني بالضرورة هذا الكائن بقوة آخرين في الجماعة، والآخرون من يصنعون شروط وضعي ويتحكمون في نوع إحساسي، سواء أجرمت أو كنت بريئًا من أي ذنب، فائضُ الحرية الذي أعيشه في هذا البلد الغربي جعلني أسرف في تقدير قوة إرادتي وفسحة حركتي، بين الليل والنهار أستطيع أن أصبح على هواي وقتًا ثالثًا في مدار الزمن وخارج فَلَكه، أتمدد أتقلص أطُول أقصُر أكبُر أَضْؤُل أشِبُّ أشيخُ أرقصُ أغنِّي أنتحبُ أصدحُ أصيحُ أصرخُ، تنطفئ جميع أضواء الغرف في العمارات المقابلة، وحدها عيونٌ تبقى تتلصّص عليَّ تقتل وحدتي كـ(متلصص) رواية روب غرييه ينفّذ جريمته ويمضي لا يدري وهو يتلصص.

يسرقون عزلة الذهب، «أعز ما يطلب» عندي من كتاب ابن تومرت، انظروا لا شك ممسوس، يعنونني، ننام نصحو نتناسل نركض في الأنفاق نلهو بالصفقات نمجن بالصفاقات ونعود نؤوي إلى أسِرّتنا مُترعين بالشبق، بينما هو، هو، حيث تركناه، لا يَظهر وجهُه، فالعتمة غلالتُه، وحدها الأبجورة ضوؤُها مسلَّط على حاسوب أمامه ترقص فوق لوحته أصابع مثل ساقَيْ بهلوان، ربما هو يُغنِّي، يروي ربما نكتة، أو لعله يحبك لعبة من حِيل يقال يلعبها في روايته، لِمَ لا صورةً شعريةً يقبسها من أولمب الأزل، أوَلا يحب، يغضب، يمرض، يجوع ويعطش مثل سائر الناس حتى وهو ليس مثل سائر الناس؟! في الوقت الثالث بين الليل والنهار ومن نوافذ وشرفات العمارت المقابلة الأعناق مشرئبةٌ والناظوراتُ مسددةٌ نحو نافذتي وأنا خلفها جالس هنا في مكتبي كما أنا منذ الأزل، قد استنفدت تاريخ البشرية، ولا أمل، أراهم يحدقون غير مصدقين أني.. أتغذى، أعيش فقط…بفاكهة العزلة!

روائي وكاتب مغربي

إيجابيات كورونا

محمود زعرور

تتسم يومياتي، قبل موجة فيروس كورونا، بشيء من الثبات، وببعض الانتظام في تفاصيل وأجزاء الانشغالات المختلفة، وهي عادات كنت قد ألفتها منذ أمد بعيد، ومكنتني من متابعة سلوكاتي بشيء كبير من الاستمرارية، غير أن ظهور الوباء وانتشاره الحالي، وما تبعه من ظروف متصلة بالإجراءات المتعلقة بالحذر، واتخاذ أسباب الوقاية، والتشدد في مراعاة القواعد الصحية، وغير ذلك، أكثر من أي وقت مضى، قد أكد أكثر فأكثر على أوضاع الثبات، وعلى بعض التقييد في الحركة العامة.

لكن هذا الوضع، نفسه، الذي يمتاز بندرة الالتزامات والعزلة، والوقت المديد، قد مكنني كذلك، من الإقبال على انشغالات محددة، كنت في السابق أتردد في التعامل معها، مثل إعادة قراءة أعمال بعينها، كبعض الأعمال الأدبية الكلاسيكية، في الرواية والقصة القصيرة، وكذلك في النقد الأدبي أيضًا، وهي فرصة، كما أظن، لقراءة جديدة، لبعض أهم الموضوعات والأساليب والرؤى المختلفة.

وعلى صعيد الكتابة، أتابع العمل في كتاب في النقد الأدبي كنت قد بدأت به منذ مدة ويتعلق بالرواية والثورة السورية، وهو دراسة نقدية في أعمال روائية محددة، قامت بالرد على تحدٍّ عاصف، وواكبت لحظة فاصلة، وفارقة، في التاريخ السوري.

تتسم الحياة المعاصرة، في هذه الأيام، بملاحقة هموم ومكابدات عديدة، وتتوزع في أكثر من صعيد، ولقد انضاف القلق من تبعات ونتائج فيروس كورونا، والخشية من انتشاره وتفشيه في عالمنا، إلى هموم مختلفة أخرى، استطاعت أن تحاصر الإنسان المعاصر، وتقيد من دوره، بشكل عام.

قد يكون لكورونا جانب إيجابي على حياتنا الاجتماعية والثقافية، إذا استطعنا أن نجعل من بعض القيم والتقاليد المتصلة بالتمسك بالعلم والطب من أجل مكافحة الأمراض والأوبئة سبيلًا رئيسًا ضد الجهل والخرافة، كذلك، وفي النظر إلى بعض ما ظهر من قصور ونقص في استعدادات وإمكانيات دول كثيرة في مواجهة الوباء، ينبغي، مجددًا، ودائمًا، التأكيد على أولوية نظم التعليم المتقدم والمتطور، والرعاية الصحية المقدمة كحق من حقوق الإنسان.

ومما يكون له الدور الأكبر، أيضًا، تعزيز التضامن الدولي، وتقوية التكافل الاجتماعي، للتأكيد، مرة أخرى، على المسؤولية المشتركة في طرق المواجهة الفعالة، لكوننا أمام مصير واحد، وعلى الثقافة إعادة التأكيد، مجددًا ودائمًا، على معنى المعاني: الإنسان أولًا، أي الحياة أولًا.

من أجل هذا تتوالد بقية الالتزامات الفردية والجماعية، وهي التزامات تستثمر في مجالات تعزيز دور الإنسان، واستمراره، ومدّه بالحقوق والسبل التي تمكنه من العيش الكريم، ومناهضة كل المعوّقات لها من أي جهة أتت، لقد نجح العلم، في السابق، في الفوز بتحديات عديدة، وأنا متأكد من نجاحه الآن، أيضًا، في هذه المعركة الشاملة.

ناقد وروائي سوري مقيم في هولندا

إيقاع البيت

زاهر الغافري

أعيش حياتي يوميًّا على إيقاع لا يختلف كثيرًا عن حياتي الماضية، ولقد وفَّرت لي البيئة التي أعيش فيها إمكانية التحرك ولو على نحو أقل من السابق، فأنا أعيش في السويد في مدينة مالمو والناس هنا يتحركون بحذر ويحسبون الخطوة تلو الخطوة ولا يختلطون معًا في مجموعات كبيرة، أقضي أوقاتي في البيت في القراءة والكتابة وسماع الموسيقا الكلاسيكية، وأشاهد الأفلام ذات التوجه الطليعي، حتى الأفلام التي شاهدتها سابقًا في دول مختلفة.

أظن أن هذا هو الوقت المناسب لكي يعود الإنسان إلى ذاته ويتأمل ماضيه وحياته السابقة، فالإنسان فوق هذه البسيطة وصل من الغطرسة والقوة بحيث نسي أن الطبيعة التي يقوم بتدميرها ستنتقم وتعاقبه ذات يوم، وفي ظني أنه على الإنسان أن يتواضع قليلًا وينصت إلى الطبيعة ويستمتع بالانسجام أو الهارموني في هذا الكوكب الذي نعيش فيه.

كان الربيع العربي تعبيرًا عن رفض الشعوب للطبقات الحاكمة، وكان حركة احتجاج ضد الهيمنة والقوة، وكان هذا الأمر طبيعيًّا وفق حركة التاريخ الذي لا يعرف ثباتًا، لكن ما نعيشه الآن هو زمن مختلف، هو زمن مدن الأشباح، ففيروس كورونا المستجد لا يضرب بلدًا واحدًا أو اثنين بل يمتد في كل الكرة الأرضية بكاملها في أوربا وفي الأميركتين وفي آسيا وإفريقيا وأستراليا وكندا إلى آخره، بهذا المعنى إنها مطحنة الجثث، أنا شخصيًّا أفضل البيت لأنه المكان الحميم للكائن، وتحديدًا أفضل العلية مثلًا أو الشرفة المغلقة بالزجاج كما كتب مرة غاستون باشلار في كتابه جماليات المكان. صحيح أن هناك حالة من الخوف والهلع عند الناس ولكن في المقابل هناك حالة من المبالغة، وربما كانت وسائل الإعلام تقوم بهذا الدور طبعًا.

هناك نظريات كثيرة حول فيروس كورونا المستجد كوفيد ١٩ بما في ذلك أنه فيروس مصنع في مختبرات أميركية أو أوربية أو صينية، لا أحد يعرف يقينًا حول الأمر لكنه واقع حال. علاقتي بالآخر لم تتغير كثيرًا، زوجتي معي، أما ابنتاي فهما في بلدان أوربية أخرى، أطمئن عليهما وأتابعهما هاتفيًّا بشكل يومي تقريبًا.

شاعر عماني مقيم في السويد

تأمّل هذا المخلوق غير المرئي لإنتاج ما هو مرئي بعيدًا من العاطفة

علي لفتة سعيد

كلّ شيء محاصر باليأس حتى من قبل أن يولد كورونا، سواء كانت ولادته سماوية أم ولادة مختبرات عالمية تسعى لتحطيم بعضها بعضًا، قبل هذا كان الأمر عبارة عن صراع وجود لإثبات أن الحياة جميلة فنسعى للقراءة والكتابة ومن ثم الإنتاج.. من أجل أن نثْبِت لذواتنا المبعثرة أن الحرف هو الوحيد الذي يمكنه لصق ما هو مبعثر، وننفخ فيها الروح كي تكون حيّةً حيث يشاء الحرف البقاء في أماكن يريدها، سواء تلك التي يتلقّفها القرّاء أو التي تبقى حبيسة الرفوف، المهم أنها عملية مواجهةٍ ما بين الحرف كنوعٍ ثقافيٍّ، والواقع كنوعٍ سلطويٍّ قامعٍ أو متكبّرٍ أو حتى متجبّر، في محاولة لصناعة الأمل.

ولهذا فإن المناخات التي تعصف بالكاتب هي مناخات غير طبيعيةٍ من أجل أن ينتج أو يقوم بتخليق نصوصٍ طبيعية، وهو ما يعني أن المؤلّف لا يتعامل مع المناخات التي حوله على أنها قامعة، بل هي حافزة، ومنها هذا المرض اللعين أو الفيروس القاتل الذي يشغلنا الآن بالكثير من القلق وأيضًا الكثير من التفكير الاستهلاكي عن جدوى الحياة ذاتها، بل العمر الذي يسحق سواء تحت عجلات الواقع الاجتماعي أو السياسي أو الديني أو حتى الاقتصادي، في المحيط الذي نعيش فيه أو في الواقع العام الكوني الأرضي، الذي اكتشفنا كم نحن غافلون عن كوننا نتشارك في الأرض ليس في العيش بل في الهموم، حتى لو اختلفت البيئات.

إن المثقف المنتج للنص الأدبي هو مخلوقٌ كي يجد فعلًا، فينتج ردّة فعلٍ لما حوله، إذا عددنا الكتابة بحدّ ذاتها هي ردّ فعلٍ لما ينتجه الواقع، باتجاه المخيّلة؛ لكي يسطّر الحلم أو الأمل أو حتى حين ينتقل الواقع المأساوي إلى الإبداع، فإنه يريد رسم العوالم والخرائط التي تؤدّي إلى التفكير بعمقٍ بالأسباب التي يريدها للمتلقّي أن تكون فاعلةً، لتنتج عنده فعلًا آخر هو فعل الحياة.. ولهذا فإن التدابير التي يحيط بها الكاتب المثقّف هي تدابير متناسلة
لما سيأتي.

الكتابة الشعرية الآن تنفع لإنتاج ردّ الفعل الآني، ولكن الرواية والقصة قد تكون بحاجة إلى تأمّل هذا المخلوق غير المرئي لإنتاج ما هو مرئي بعيدًا من العاطفة.. ولهذا فإن المعادلة صعبة بأن تعيش داخل تفكيرٍ محبطٍ عن جدوى الحياة العاجزة عن إيقاف فيروس غير مرئي، يبطش بالعالم ويجعل البشرية في حجرٍ إجباريٍّ، وبين أن تترك حرية للشخص الآخر الماكث في الداخل المشغول بالإبداع والباحث عن فعل لينتج رد فعل، كي يجمّل الحياة، ويجعلها مقبولةً وكأن الكتابة هي قدرٌ آخر للإيمان بجدوى الحرف ذاته.. ولهذا نجد الأديب أو الفنان يعمل على تخليق الخزين المعرفي وتزويده بمهاداتٍ عديدةٍ حتى لو كانت إعادة ترتيب المكتبة أو القراءة التي لم يكن يجد لها وقتًا.. وها هو الوقت الزائد يأتي طائعًا ليقول له: تزوّد بالمعرفة لتؤمن بالقدر.

صحفي وروائي عراقي

سينتهي كورونا لتتبوأ شركات الأدوية العالم

سليمان شفيق

تجربة العزلة التي حفرت وجداني كانت في الحبس الانفرادي في سجن القلعة عام 1977م. السجن الانفرادي جعل اليوم عندي يبدأ وينتهي من خلال النظر إلى الجدار والنافذة وإعمال الخيال، وفعلًا هناك جزء كبير من روايتي الوحيدة «ثلاثة وجوة» كتبتها في مخيلتي بالزنزانة الانفرادية، هكذا أستيقظ اليوم وأنظر إلى شباك غرفة نومي وأبتسم مرددًا ما قاله محمود درويش: «لا زلت أحيا شكرًا للمصادفة السعيدة»، ثم أذهب إلى الكلور وأنظف الحمام وأنا أفكر: من اخترع الكلور؟… أترك الحمام وأفرك يديّ بالكحول، وأنظر إلى طاولة الطعام في خوف وأتخيل أن معي نظارة ميكروسكوبية كاشفة للفيروسات، أجدها تخرج لسانها استعدادًا للهجوم، أنظف بعناية الطاولة، وأركض إلى الحوض أغسل يديّ بعناية ولمدة عشرين ثانية، أعود إلى الطعام، رائحة الفنيك والكلور تختلط بالفول، أترك الفول وأستنشق رائحة القهوة. أحاول القراءة، السطور معقمة والكلمات تصارع الوباء.

يا إلهي حاربت مرتين حيث كان العدو واضحًا، ولكن هذه الحرب مع ذلك العدو الخفي تحتاج إلى مزيد من الخوف والحزن والكتابة، نعم أكتب لكي أعيش، أكتب وأتذكر في سفر الرؤيا ليوحنا اللاهوتي كتب القديس كلمة أكتب سبع مرات، وفي مطلع إنجيل يوحنا كانت «في البدء كانت الكلمة، والكلمة صارت بشرًا» وهكذا أحاول أن أكتب، ولكن لا بد من رؤيا حتى تصير الكلمات بشرًا، لا يعرفون الخوف.. أتخيل مليارات الفيروسات تهاجم المليارات من العالم، الإنسان يواجه المجهول والعلم يبحث عن قنابل دوائية لقتل هذا
العدو الخفي.

في الليل عرفت أن هناك مظاهرات في الإسكندرية تطلب من الله سبحانه وتعالى إبادة هذا العدو؟! تذكرت أجدادي حينما خرجوا لمقابلة الحملة الفرنسية بالنبابيت ولكن حينما أطلق عليهم نابليون «القنبل» أي القنابل، صرخ الناس مع مشايخنا: «يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف». وفي الليل أتوقف أمام سؤال: هل سقطت العولمة أمام فيروس صغير الحجم جعل الحكومات تغلق الحدود، ورحلات الطيران تتوقف، والشركات المتعددة الجنسيات تخسر المليارات وتغلق فروعها في كل مكان؟ هل يتجه العالم الآن إلى الاشتراكية ومبادئها المعنية بالفقراء؟

سؤال محيِّر جعلني أعود إلى أكبر وباء حدث للبشرية وهو الطاعون: وباء الطاعون الذي اجتاح أنحاء أوربا بين عامي 1347م و1352م، وتسبب في موت ما لا يقل عن ثلث سكان القارة الأوربية. انتشرت أوبئة مشابهة في الوقت نفسه في آسيا والشرق الأدنى، وهو ما يوحي بأن هذا الوباء الأوربي كان جزءًا من وباء عالمي أوسع نطاقًا. لكن رغم ذلك بعد انتهاء الوباء تعاظم موقف الكنيسة ورجال الدين في أوربا والعالم، ثم وباء الكوليرا في عام 1820م، كان وباء الكوليرا الذي اجتاح العديد من دول العالم ومنها إندونيسيا وتايلاند وأيضًا تسبب في وفاة 100 ألف شخص آخرين، ونحو 30 ألفًا يوميًّا في مصر، وبعد وباء الكوليرا عرف العالم بداية ظهور الحركات الدينية والفاشية في الغرب. أما الآن فسوف ينتهي كورونا لتتبوأ شركات الأدوية العالم، ويتم تبديل العولمة من قيادة الدول إلى قيادة الشركات، فنجد مثلًا الأمم المتحدة أو مجلس الأمن يتكون من شركات عدة، وتتحول الدول إلى مدير تنفيذي للشركات ومنسق بينها وبين السوق. وتظل الاشتراكية حلمًا متجددًا في أحلام المناضلين العشاق للعدل والحرية.

باحث وصحفي مصري

رسائل الطبيعة

الحبيب السايح

صدقًا، إنه يقع انقلاب جذري في حياتي لعاملين اثنين؛ الأول: الحراك الذي تعرفه الجزائر منذ 22 فبراير 2019م، والذي نقلني إلى بُعد جديد؛ إذ دخلت في تأمل جديد لما أعيشه كإنسان وككاتب، وقد أعجزني فعلًا عن أن أجد له اللغة التي تصف زخمه وتحويله وتأثيره، بالرغم من أني كنت ولا أزال أحد الفاعلين فيه. إني في حال استيعاب للاستعارات التي أفرزها؛ مما يتطلب مسافة زمنية للكتابة عنه كفعل سياسي واجتماعي وثقافي. وقد كان قلقي على خطورة الانفلات أكثر من أي شيء آخر.

العامل الثاني: هو وباء كورونا الذي، قبل أسابيع قليلة جدًّا، لم أكن أعدُّه سوى مجرد طارئ مرضي عارض يصيب مجموعة بشرية في مساحة ضيقة من هذه الأرض بعيدة مني بآلاف الكيلومترات. ثم فجأة ها هو يقترب، كما عاصفة. وفي صباح تالٍ، أفقت على قتلاه ومصابيه عند النافذة والباب! هنا أحسست، لأول مرة، أني فقدت اللغة ونسيت أني كنت كاتبًا ولم تعد كتب مكتبتي بين عيني فجأة سوى مجرد أشياء جامدة. وبخطفة أخذني رعبي إلى الفضاء الأزرق. هنا وجدت العالم لم يعد كما كان قبل أسابيع قليلة. هنا وقفت على هشاشة الإنسان، على ضعفه ورعبه وعجزه وموته. وهنا، وهنا فحسب، عاينت استهتارنا برسائل الطبيعة إلينا.

اليوم، أحس مثل انكسار حدث في علاقتي مع القراءة، التي كانت جزءًا من حياتي اليومية. فذهني مشدود كله إلى هذا العدو الخفي. إني أحاول أن أجبر الأمر بنحو ثلاثين دقيقة قبل النوم. ومن الطريف، لنفسي، أن أعيد قراءة «بينوكيو ـ قصة دمية متحركة». يبدو أننا لسنا سوى دمى لن نكتسب صفة البشر الحقيقيين إلا إذا تعلمنا الحوار مع طبيعة كوكبنا حتى لا تغضب غضبتها المدمرة والنهائية.

يمكن لنا، نحن الأمة العربية، قبل غيرنا، أن نستخلص الدرس من مخلفات هذه الجائحة الفادحة، بأن نخصص نسبة معتبرة من عائداتنا -كيفما تكن طبيعتها ويكن حجمها- إلى الاستثمار في إنساننا وفي البحث العلمي وفي الصحة العمومية والتعليم والاستشراف.

أما الدولة المتقدمة، وبعيدًا من نظرية المؤامرة والحرب البيولوجية وما شابه، فإنها ستكون مدعوة إلى إعادة النظر في سياسة التكفل بالإنسان، وبخاصة الشرائح الهشة. وأن تراجع مواقفها تجاه حماية الطبيعة. وأن تخلص النية حقيقة في التقليل من الإنفاق على التسليح. وأن تسهم في إخماد بؤر التوتر والحروب؛ لأن كورونا أظهر للبشرية كلها أنها تعيش في كوكب واحد وفي زمن واحد وهي معرضة، بلا تمييز، للمخاطر ذاتها.

روائي جزائري

ليست عندي مشكلة مع الموت

أنور الهواري

في الساعات الأولى من ميلاد ٢٠٢٠م كان الشرق الأوسط يقف على حافَة الحرب بين أميركا وإيران، وكانت المنطقة تسلم نفسها -دون تمنع- لما عرف باسم صفقة القرن أو خطة ترمب للسلام في الشرق الأوسط ، ساعتها كتبت لأقول: ٢٠٢٠م عام صعب. لم يكن يدور في خيالي من قريب أو من بعيد، أن يكون ٢٠٢٠م قد دخل علينا يطوي تحت جناحيه بذور فنائنا جميعًا، وأخذت وقتًا طويلًا أقرأ وأسمع وأشاهد دون أن أصدق.

وجدتني في تمزق على عدة جبهات، أو بالأدق ثلاث جبهات: جبهة قديمة هي الديمقراطية التي كنت وما زلت أتخيلها زورق الإنقاذ الوحيد الذي يمكنه خلاص بلادنا وشعوبنا من التخلف المزمن والاستبداد المستقر والفساد المطمئن. ثم دخلت على الخط قضية وجودية أخطر مليون مرة من قضية الديمقراطية وهي مياه النيل بعد أن وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. ثم لم أكد أبتلع الصدمة حتى جاءت أخطر قضية وجودية دقَّتْ طبولها على رؤوس البشر منذ طوفان نوح عليه السلام في الأيام الأولى للإنسانية كما يسردها سفر التكوين في العهد القديم.

ليست عندي مشكلة مع الموت، فقد سبق وتقدمت له بكامل إرادتي، ووقعت للأطباء على وثيقة تُبَرِّئهم من موتي، وتُحَمِّلُني مسؤولية ما يؤول إليه أمري، قبل ساعات من جراحة كبرى، دامت عشرين ساعة من دون انقطاع، استأصلوا كبدًا تلف وتليَّف وكان على حافَة السرطان، وزرعوا مكانه نصف كبد تطوَّعت به شقيقتي، وأبقوا لها النصف الآخر تعيش به.

مددت رُوحي قبل جسدي على محمل طبي في استسلام كامل للقضاء والقدر لا يشغلني شيء مما كان في حياتي ولا شيء مما أتوقع أن يكون موتًا كان أم حياة جديدة.

فقط تألمت ألمًا شديدًا، حين وقعت عيناي على شقيقتي، وهم يحملونها ليبقروا بطنها، وليجزوا كبدها، ولينزعوا نصفه، ثم يعيدون زراعته عندي. كانت تبتسم فوق سرير العمليات كطفل ذهب به أهله إلى مَلَاهٍ يحبها أو إلى ملاعب يشتهيها، كانت طفلة بريئة بكل معاني البراءة والطفولة، آلمني ذلك أشد الألم، وما زال يؤلمني أشد الألم، إحساس عميق بالذنب أني فعلت فيها ما فعلت وأخذت منها ما أخذت.

كنت في تلك الأيام عضوًا في نادٍ للصحفيين والأدباء والسياسيين من أبناء جيلي ومن أجيال تسبق وأجيال تلحق، كنّا جميعًا قد أدركنا فيروس الكبد الوبائي، ولم يكن له علاج، وكنا نضطرب في أسواق الطب من دون مغيث، كنّا نشحب، وتضعف قوانا، وتخبو جذوة الحياة في أوصالنا، كنّا نصبح على همود، ونمسي على خمود، ونطوي الصدور على حزن دفين وأسف مقيم.

أتذكر كل ذلك الآن، ويؤلمني أشد الألم، وسوف أبقى ما حييت رهين الألم، فقد ماتوا جميعًا، ماتوا ولم يبقَ منهم أحد، مات الروائي محمد ناجي وكان يقاسمني دواءه، مات المستشار الثقافي والصحفي في الأهرام المسائي محمد عبدالواحد وقد دخل غرفتي في المستشفى ثم لم يخرج منها وكانت طفلته الصغيرة تنتظره مع والدتها على الباب، مات الصحفي والسياسي عزازي علي عزازي وكان سعيدًا بنجاح عمليتي وشجعه ذلك على المغامرة، كثيرون جدًّا ماتوا، وتركوا في نفسي لوعة وجودية عميقة لا مهرب منها إلا بأن أطلق ساقي على طريق مفتوح، وأظل أمشي ثم أمشي ثم أمشي حتى تنفد طاقتي على الحركة والتفكير، فأوقف سيارة تاكسي وأرمي فيها ما بقي من روحي وجسدي عائدًا إلى البيت وقد تخدرت اللوعة وسكنت إلى حين.

ليست عندي مشكلة مع الموت، عندي مشكلة مع موتِ مَنْ أُحب. بطبعي تقليدي وريفي ومحافظ وأحب انتظام الحياة وفق قواعد أعرفها سلفًا، تروعني المفاجآت والثورات والانقلابات والزلازل والفيضانات والمجاعات، ومن باب أولى تروعني فكرة الطوفان، روعتني منذ كنت  أتلقى سُوَر القرآن المجيد على الألواح في كتاب سيدنا الشيخ محمد حسبو -الله يرحمه- وقد ارتفعت الأمواج لتفصل بين الأب وابنه، بين نوح وولده، في مشهد مهلك للأعصاب.

تذكرت الطوفان القديم وأنا أتابع طوفان الوباء يكتسح العالم ويشلّ حركته ويعزل القارات والبلدان والشعوب والأفراد. قرأت العهد القديم أول مرة في العام الدراسي ١٩٨٠- ١٩٨١م وكنت في الصف الثاني الثانوي، قرأته بما يكفي لأن يكون مألوفًا عندي، لكن ليس بما يكفي لأكثر من ذلك، حتى دارت الأيام وقرأت الإلياذة، وتعودت على مجتمع الآلهة، بينما العهد القديم -ومن بعده الإنجيل والقرآن- أسس لمفهوم الإله الواحد، والكون الواحد، والإنسانية الواحدة، والمصير الواحد، فكرة في حد ذاتها مريحة وملمومة وبسيطة.

وجدتني، في لحظتنا هذه التي نعيشها كإنسانية تحت سيف الوباء، أتوقف عند النص الأخير من الطوفان: «أقيم عهدي معكم، فلن ينقرض ثانية بمياه الطوفان أي جسد حيّ، ولن يكون طوفان آخر لخراب الأرض»! وقد أعجبني، أن ترجمة النسخة التي أقرأ منها، تضع عنوانًا مثيرًا جدًّا لصحفي مثلي مشغول بالكتابة في السياسة، فعنوان الفقرة التي أعقبت فقرة الطوفان من سفر التكوين هو «نظام جديد للعالم»! وأظن أن هذا ما نحن، والإنسانية كلها، بصدده الآن. عالم جديد أو الفناء. ليس بطوفان من الله ولكن بحماقات من الإنسان.

كاتب وصحفي مصري

وداعًا للرأسمالية

صلاح بوزيان

تجدني خلال هذه الأيّام ونحن نتابع انتشار فيروس كورونا، أرابطُ في البيت فلا أغادره إلّا عند الصّباح مسرعًا لأجلب بعض اللّوازم: الخبز والحليب والخضراوات. أمرّ بالشّوارع المقفرة فيطالعني باب الجلّادين مقهى طقطق حيث كنتُ أمضي سويعات مع مثقّفي القيروان نخوض في أمور الأدب، الأشجار والفوانيس وسور المدينة حزينة. المقهى مقفلٌ وكآبة تنتشر في الشّوارع والأزقّة، حيرة على الوجوه، الطّوابير تملأ المدينة، أقف في الطّابور أشتري الخبز وقليلًا من الخضراوات من المغازة العامة، وأعود إلى البيت. أجلس في المطبخ رفقة زوجتي وأمّي وأبنائي، نتحدّث ونتابع التّلفاز للحظات، ثمّ أخلعُ ملابسي وأرتدي الدجوقنق، أرتقي الدّرج إلى مكتبي في الطّابق العلوي أنفق كامل وقتي في المطالعة ومن حين إلى آخر أتنقّل بين المحطّات التلفزيونية التونسية والعالمية لأتابع الوضع في جميع أنحاء العالم.

أنزل لتناول الغداء، وأعود وأنزل في الليل لأتعشّى مع العائلة وعندما تهدأ الحركة، أترك المطالعة والكتابة، أدخل غرفتي لأنغمس في مشاهدة التّلفاز، وملاحقة الأخبار، أتفرّج في الملفّات التلفزية التي تتناول كورونا وأسبابها وتوقّعات عالم ما بعد كورونا. تمضي الأيّام بهذه الوتيرة. وأعتقد أنّ هندسة خريطة العالم الجيوسياسية والمالية ستتغيّر وفق النتائج التي ستحصل بعد كورونا، وستضطرّ كثير من البلدان إلى التوجّه نحو التشاركية الاشتراكية، بمعنى سيطفو على السّطح نظام سياسي مالي جنوب جنوبي تتقدّمه الصّين وروسيا والهند، وستتغيّر ملامح أوربا ويتفكّك الاتّحاد الأوربي. وستصعد قوى جديدة تهيأت لها الأسباب قبل الكورونا لتكون فاعلة أكثر في العالم، وقد يحتدم الصّراع بين قدماء الهيمنة والمهيمنين الجدد، ولكن بلا عودة إلى الرّأسمالية القبيحة. الثّقة في الله وحده أن يعمّ السّلام العالم.

روائي وصحفي تونسي

أزمة كورونا تُحدِث صدمة هائلة

ليلى عبدالله البلوشي

بالنسبة لكائن بيتوتي مثلي لم أشعر مطلقًا بعزلة كورونا. صارت العزلة والجلوس في البيت خيارًا شخصيًّا منذ أعوام، منذ سحبتني الكتب إلى عوالمها الغامضة، ومنذ جاءت الكتابة إليّ. كان المنزل هو منعزلي المثالي، بعيدًا من صخب العالم، أحببت ألفة البيت حتى إنني قدمت استقالتي من الوظيفة كي أجلس في البيت أقرأ وأكتب، ويحدث أنني في كثير من الأحيان لا أفعل شيئًا، لكن الشعور بالحرية المطلقة يكفيني. أن أكون سيدة نفسي، وزمني.

حتى مسألة العمل عن بعد هو نمط اعتدت عليه منذ وقت طويل، فقد اخترت أن أعمل في منزلي، أن أبعث مقالاتي لمجلات وصحف متنوعة، وأتواصل مع العالم المترامي عبر شاشة صغيرة.

* * *

أزمة كورونا أحدثت صدمة هائلة على الأصعدة كافة، ربما الذي خفف من جرعة الأزمة مع الوقت هو في كونه صار وباءً عالميًّا، أي أنه يشمل جميع سكان الأرض. منذ أعوام وجزء من هذا الكوكب يعاني، حروبًا ومجاعات وأزمات سياسيةً واقتصاديةً إلى لا آخره.. وجاءت كورونا لتخبرنا أن جميع من في هذا العالم معرض للخطر والموت في أي لحظة، ولن تفلح أسلحة العالم كلها للقضاء عليه أو الحد من تفشيه!

* * *

هذه العزلة جاءت مفاجئة وبلا مخطط مسبق، بل إنها نسفت كل خطط العالم، وصار الإنسان حبيسًا في عزلة ليست من اختياره؛ لذا سيسعى جاهدًا للتخلص من هذه العزلة، بتقويضها عبر القيام بأعمال لم يقم بها سابقًا، فوفق ما قرأت ولاحظت أن معظم الرجال صاروا يمارسون ما يسمى في ثقافتنا المجتمعية (أعمالًا منزلية) التي صارت منذ وقت طويل لا حكرًا على النساء فحسب بل على عاملات المنازل، حتى النساء العاملات، صرن يتعرفن إلى مطبخهن وإلى عادات صغارهن أيضًا. لكن مفهوم العزلة في حد ذاته ليس سواء بين الرجال والنساء في مجتمعاتنا العربية، فالمرأة تظل تحت ضغوط اجتماعية في مجتمع هو ذكوري حتى النخاع، بينما الرجل يملك مساحة عزلته ويتحكم فيها على النحو الذي يريده.

وقد عرضت الناقدة الكندية نانسي هيوستن في كتابها «أساتذة اليأس» هذه المسألة؛ إذ أعلنت قائلة:«لا وجود لمُعادِل نِسوي للكاتب هنري دافيد ثورو، الذي عاش لسنوات في عزلة فردية مكتفيًا بذاته. ولا وجود «لروبينسونات كروزو» في جزيرة مقفرة. فاستيهام العزلة التامة نادرًا ما يكون استيهامًا نسائيًّا».

كاتبة عمانية

المنشورات ذات الصلة

صناعة النخب في الوطن العربي

صناعة النخب في الوطن العربي

صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *