كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
القطط
كنت جالسة إلى مكتبي أعمل عندما سمعتُ فجأة صوت ارتطام قوي على زجاج النافذة، ثم صوت قطط تتعارك مع بعضها الآخر. دنوتُ من النافذة فرأيت قطين، أحدهما كان أبيض اللون، منكمشًا في الزاوية من حافة النافذة، والآخر بني اللون، واقفًا أمامه، وكأنه سيهجم عليه، نافشًا وبره بالكامل، كان غاضبًا ومستعدًّا للعراك حتى الموت. لم أعرف سبب العراك، ولكن القطط هي هكذا دومًا، وقد بدأت تتكاثر في الحي الذي أسكن فيه، بسبب وجود القمامة القريبة من المنزل، حيث كانت القطط تتجمع هناك لتعثر على طعامها. لم يكن هذا غريبًا، بل أصبح أمرًا معتادًا. دائمًا ما أرى القطط وهي تتمشى في فناء منزلنا، أو على الأسوار. كنت بالأمس قد كنست قذارتها من فناء المنزل، وحينما فتحت الباب لأخرج القمامة وجدت قطيْنِ عند الباب، هكذا، صارت القطط تنافس السكان في عددها، وهي جريئة بحيث إنها كانت تروح وتجيء بكامل حريتها. في إحدى المرات لمحت قطًّا أسود اللون يتخايل في سيره من أمام منزل جيراننا في بهجة وارتياح. حتى إنني عندما كنت عائدة في أحد الأيام من رمي القمامة مرّ بجانبي قط أبيض اللون، مرّ بدون خوف، بل كأنه يعرفني منذ زمن بعيد، أما أنا فقد كنت مندهشة، ولكنه لم يعرني اهتمامًا، وأكمل طريقه وهو يتهادى إلى حيث مكان القمامة.
أخذتُ أضرب بيدي على زجاج النافذة، وأهشّهما بغضب ونفاد صبر كي أخيفهما، ويتوقفا عن العراك، ويفرا هاربين، إلا أنهما واصلا ما كانا يفعلانه. عندها خطر في بالي أنهما يعتبران نفسيهما مهمين أكثر مما كنت أعتبر نفسي. ظلا ينفخان على بعضهما، ورفع القط البني مخالب يده في وجه القط الآخر. وعندما ضربتُ للمرة الثانية زجاج النافذة التفت القط البني نحوي نصف التفاتة، أما القط الأبيض فقد طالعني بجانب عينه حتى لا يفقد تركيزه. أخيرًا نزل القط البني من على حافة النافذة إلى الأرض، ثم رفع رأسه ناحية القط الآخر في تهديد واضح، في حين تسمر الآخر في مكانه، منتظرًا أية فرصة للإفلات. تركت النافذة، وعدت إلى عملي على المكتب. بعد مرور بضع دقائق سمعت صوت محاولة فتح نافذة. تذكرتُ أن إحدى القطط في السابق قبل اختفائها كانت تفتح بيدها شبك النافذة، ولكنها لم تكن قادرة على زحزحة زجاج النافذة الثقيل من مكانه. قلت في نفسي ربما تكون تلك القطة قد عادت مرة ثانية. فقمت من مكاني كي أتفحص النوافذ، ولكنها كانت جميعها مغلقة. فعدت إلى مكتبي وأنا أشعر بالتهديد والخوف من جحافل القطط من حولي.
المنشورات ذات الصلة
برايتون
... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر...
في طريق السفر تخاطبك النجوم
مغامرة صغيرًا كنتُ، صغيرًا جدًّا رميتُ صنارتي إلى البحر اجتمعت الأسماك معًا، رأيتُ البحر! * * * صنعتُ طائرة ورقية بسلك...
بين صحوي وسُكْرها
رغمًا ترددتُ.. لم أسكَرْ ولم أَصْحُ! في كأسكِ البرءُ أم في كأسكِ الجرحُ؟ قصّت جناحي بأفْق الحبّ أسئلةٌ ...
0 تعليق