المقالات الأخيرة

صناعة النخب

صناعة النخب

لا شك في أن «النخب» بما يتوافر لها من قدرات ذاتية مدعومة بالتميز الفكري والثراء المعرفي، وبما تملك من أدوات التأثير والاستنارة، فئة موجودة في كل المجتمعات والثقافات، ومتجذرة في تاريخ الشعوب والحضارات منذ القدم، وهي مطلب قائم ودائم ومتجدد، وصناعة ضرورية لكل مجتمع ولكل...

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

عصر الثقافة الثالثة.. علماء ومفكّرون يجاهدون للحلول محل المثقفين التقليديين

بواسطة | مارس 1, 2020 | علوم

جون بروكمان

أقدّم هنا ترجمة للمقالة الموسومة بـ«الثقافة الثالثة» التي كتبها جون بروكمان ونشرها في مدوّنته الإلكترونية www.Edge.Org، ثمّ اعتمدها – بعد إعادة تحريرها – كمقدمة لكتابه الموسوم بـ«الثقافة الثالثة: ما بعد الثورة العلمية» المنشور عام 1993م، وقد ارتأيتُ أن أمهّد للترجمة بتعريف موجز بالسيرة الثقافية والمهنية لِـ جون بروكمان إلى جانب قائمة موجزة ببعض الكتب التي أشرف على تحريرها. جون بروكمان: وكيل أدبي وكاتب تخصّصَ في ميدان الأدبيات العلمية. ولِد عام 1941م في بوستن بولاية ماساتشوستس الأميركية. يُعرَفُ عنه تأسيسه لمؤسسة EDGE التي تسعى للتشارك بين الآراء الفكرية لدى العلماء والفلاسفة والمهنيين العاملين في جميع الحقول العلمية والتقنية التي تُصنّفُ في التخوم العليا للمعرفة البشرية (مثل: الذكاء الاصطناعي، خوارزميات التعلّم العميق، النظم الدينامية الفوضوية المعقدة، نظرية التعقيد، طبيعة الوعي، أصل الحياة، أصل الكون، دينامية التفكير البشري… إلخ).

أدخل بروكمان عبارة «الثقافة الثالثة» إلى ميدان الأدبيات العلمية والسياسات الثقافية، ويُعرفُ عنه موقعه الإلكتروني الأشهر Edge.org. أشرف بروكمان على تحرير العديد من الكتب المهمة خلال مسيرته الثقافية الطويلة، أذكر منها الكتب التالية: ممارسة العلم: نادي الواقع، 1988م. السنوات الخمسون المقبلة: العلم في النصف الأوّل من القرن الحادي والعشرين، 2002م. الإنسانيون الجدُد: العلم عند التخوم، 2003م. عقول متوهجة: كيف يصبح الطفل عالمًا، 2004م. ما نؤمن به ولا نستطيع إثباته: العلماء القياديون في يومنا يتحدثون عن العلم في عصر اليقين، 2006م. ما فكرتك الخطرة؟ العلماء القياديون في يومنا يتحدّثون عن الأفكار غير المفكّر فيها، 2007م. الثقافة: علماء قياديون يستكشفون المجتمعات، والفن، والسلطة، والتقنية، 2011م.

نص المقالة:

تضمّ الثقافة الثالثة أولئك العلماء – ونظائرهم من سائر المفكّرين – العاملين في نطاق العالم الاختباري، والذين يجاهدون عبر أعمالهم وكتاباتهم للحلول محلّ المثقفين التقليديين، وهم إذ يفعلون هذا فإنهم يلقون أضواءً جديدة على المعاني الأكثر عمقًا التي تنطوي عليها حياتنا، فضلًا عن أنهم يعيدون تعريف (من نحنُ؟) و (ما نحنُ؟).

شهدت الحياة الفكرية خلال السنوات القليلة الماضية انزياحًا واضحًا كان من بعض نتائجه تعاظم التهميش الذي راح يلقاه المثقف التقليدي وبكيفية ما عاد معها التثقّف بأفكار (فرويد)، و(ماركس)، و(الحداثة) الذي ساد في خمسينيات القرن الماضي مؤهّلًا كافيًا للفرد المفكّر في تسعينيات القرن ذاته. من المؤكّد أنّ المثقفين التقليديين (الأميركيين منهم بخاصة) هم، بمعنى ما، نكوصيون لا تفتأ ميولهم الرجعية تتعاظم يومًا بعد آخر، وهم في الوقت ذاته يُظهِرون تفاخرًا بعدم معرفتهم للعديد من المنجزات الفكرية المؤثرة التي حصلت في عصرنا، ويمكن القول باختصار: إنّ ثقافة هؤلاء المثقفين النكوصيين، التي تطرد العلم من تخوم مملكتها، هي ثقافة لا تستفيد أبدًا من السياقات الاختبارية (التجريبية) التي يعتمدها العلم، وبهذه الشاكلة يصحّ توصيف هذه الثقافة النكوصية بأنها لا تستطيب إلا ملاعبة رطانتها الخاصة بها و(تنظيف غسيلها بنفسها من غير طلب معونة أي طرف آخر). إنها تبدو وكأنها لا تفعل شيئًا سوى أن تعلّق على تعليقات سابقة في دورة لا نهائية، وأنّ هذه الكتلة الحلزونية المتضخمة من التعليقات بلغت حدودًا ضاع معها فهمنا المرتجى للعالم الحقيقي الذي نحيا فيه.

نشر اللورد سي. بي. سنو عام 1959م كتابًا بعنوان «الثقافتان»: ثمة المثقفون الأدبيون من جهة، والعلميون من الجهة المقابلة، وقد أشار اللورد سنو في انتباهة لافتة منه إلى أنّ المثقفين الأدبيين خلال العقد الثلاثيني من القرن العشرين اعتادوا على وسم أنفسهم بكونهم «المثقفين» الوحيدين المعتمدين في الثقافة السائدة وليس ثمة من مثقفين آخرين سواهم في الساحة الفكرية، ولم تكن هذه الانتباهة التي أشار إليها اللورد سنو لتحظى بالتفكّر المطلوب فيها قبل أن يشير إليها في كتابه ذاك. إنّ هذا التعريف المعتمد للمثقفين بكونهم (متعاطي الأدب) فحسب كان متوقعًا منه أن يستبعد من طائفة المثقفين علماء من أمثال: الفلكي إدوين هابل، والرياضياتي جون فون نيومان، ومبتدع علم السايبيرنيتيكا (التحكّم والاتصال في الآلة والحيوان) نوربرت فينر، فضلًا عن فيزيائيين أفذاذ مثل: ألبرت آينشتاين، ونيلز بور، وفيرنر هايزنبرغ.

كيف حصل الأمر بحيث انفرد المثقفون الأدبيون بتعريف المثقف وجعله مقتصرًا عليهم؟ ثمة أسباب عديدة وراء هذا الأمر. أولًا، لم يبذل المشتغلون في المجالات العلمية جهدًا مؤثرًا في الإفصاح عن المترتبات الضخمة التي تنطوي عليها أعمالهم العلمية. ثانيًا، في الوقت ذاته الذي كتب فيه علماء مرموقون ذوو شهرة عالمية (من أمثال آرثر إدينغتون وجيمس جينز) كتبًا موجّهة لعامة القرّاء فقد بقيت أعمالهم العلمية مجهولة لدى هؤلاء الذين يرون في أنفسهم مثقفين حقيقيين (بعبارة أخرى، يدّعون كونهم مثقفين)، وهكذا بقيت قيمة أفكار هؤلاء العلماء -فضلًا عن أهميتها- مجهولة وبعيدة من مضمار الحراك الفكري الدينامي؛ لأن العلم ما كان موضوعًا مطروحًا للنقاشات الجادة في الصحف والمجلات الرئيسة.

في الطبعة الثانية من كتاب «الثقافتان» المنشورة عام 1963م أضاف اللورد سنو للكتاب مقالة جديدة بعنوان «الثقافتان: نظرة ثانية»، اقترح فيها وهو مفعم بروح التفاؤل ثقافة جديدة، أسماها «ثقافة ثالثة»، رآها ستنبثق قريبًا لتجسّر الفجوة التي تعوق التواصل بين الثقافتين الأدبية والعلمية، وقبل هذا بين المثقفين الأدبيين والعلميين. يبدو المثقفون الأدبيون بموجب رؤية «الثقافة الثالثة» التي طرحها اللورد سنو قادرين على التحدّث بمفردات محددة يتشاركونها مع العلميين؛ لكن ما حصل لاحقًا يشي بأنّ هذا الوصف للثقافة الثالثة لايصف بدقة مفهوم الثقافة الثالثة الذي توقّعه اللورد سنو؛ إذ إنّ المثقفين الأدبيين لا يبدون توّاقين لإدامة التواصل بأي شكل من الأشكال مع العلميين في الوقت الذي يتواصل فيه العلميون بطريقة مباشرة مع الجمهور العام، ولم يعُد المفكرون العلميون يتركون أية سانحة إلا اقتنصوها لمخاطبة الجمهور العام عبر الوسائل الإعلامية المتاحة، وفي يومنا هذا بات مفكّرو «الثقافة الثالثة» المكرّسون يتحاشون فكرة القارئ العادي الذي يخاطبونه بعبارات تعتمد التبسيط والمُداراة والاختزالية المفرطة، وبدلًا من هذا راح هؤلاء المفكرون المكرّسون يجاهدون في التعبير عن أعمق أفكارهم بطريقة متاحة للجمهور القارئ الذكي فضلًا عن الشغوف بالمبتكرات العلمية المتسارعة ذات الطبيعة الثورية.

أساليب تفكير عتيقة

لم تعُد النجاحات الكبرى الراهنة التي تلقاها المنشورات العلمية الجادة والرصينة مثار دهشة لأحد باستثناء المثقفين ذوي أساليب التفكير العتيقة، وغالبًا ما يتحجّج هؤلاء بأنّ هذه الكتب المنشورة ليست سوى مقتنيات شاذة يبتاعها المرء من غير أن يسعى لقراءتها بطريقة جادة! لا أوافق على هذا الأمر بأي شكل من الأشكال: إنّ الانبثاق المتعاظم لهذه الفعالية الخاصة بمنشورات الثقافة الثالثة لهي شاهدة ودليل على ذلك المدى الواسع من الجوع الفكري الذي يبديه الجمهور القارئ إزاء الأفكار المستحدثة في ميادين علمية مهمة، وفي الوقت ذاته هي برهان لا يقبل الدحض بأنّ هذا الجمهور يرحّب ببذل كلّ المجهودات الفكرية، ومهما تعاظمت مشقتها، لتثقيف أفراده بما يجعلهم يتعايشون مع أفكار الثقافة الثالثة.

لا يمكن أن تعزى الجاذبية الواسعة التي يحظى بها مفكّرو الثقافة الثالثة إلى محض قدراتهم الكتابية المتفوقة؛ بل يمكن القول: إنّ ما كان يُعدُّ «علمًا» من وجهة النظر التقليدية قد استحال اليوم «ثقافة جمعية عامّة». يكتب (ستيوارت براند) في هذا الشأن:

«العلم هو الأخبار الوحيدة الجديدة في العالم. عندما تجري مسحًا سريعًا لأية صحيفة أو مجلة ستجد أن كلّ المادة التي تحوز على الاهتمام الإنساني هي تلك المادة القديمة التي تدور في فلك «قال فلان أو قالت فلانة». كل السياسة والاقتصاد تبقى الحكايات الدرامية المعادة ذاتها التي تدعو مع الأسف، وكلّ الموضات ليست سوى توهّمات مَرَضية باكتشاف ما هو جديد غير مطروق، حتى المكتشفات التقنية تبقى متوقّعة إذا ما كان للمرء شيء من معرفة علمية مقبولة. الطبيعة البشرية لا تتغيّر كثيرًا؛ العلم هو الذي يتغيّر مجترحًا تبدّلات شاسعة التخوم من شأنها تعديل شكل العالم الذي نحيا فيه بطريقة لا رجعة عنها…».

نعيش في يومنا هذا وسط عالمٍ أصبح مطلعًا على التغيّر الأعظم الذي شهدته البشرية على مدى تأريخها، ويتبدّى العلم من جانبه في هيئة موضوعات نشهد ملامحها معروضة على صفحات الصحف والمجلات منذ سنوات عديدة خلت، وتشمل هذه الموضوعات على سبيل المثال فحسب:

البيولوجيا الجزيئية. نظرية الفوضى. الشبكات العصبية. الكون المتضخّم. الكسوريات. النظم التكيّفية المعقّدة. الأوتار الفائقة.التنوّع البيولوجي. التقنية النانوية. الجينوم البشري. النظم الخبيرة.  الآلات الذاتية الخليوية. المنطق المضبّب. النطاقات الحيوية الفضائية. فرضية غايا(١). الواقع الافتراضي. الفضاء السيبراني… إلخ، وليس ثمة في واقع الحال ما يمكن اعتباره شريعة قانونية معتمدة ومتفقًا عليها في الأفكار العلمية (على خلاف حال الشريعة الأدبية الراسخة). إنّ قوة الثقافة الثالثة تكمن في هذه الحقيقة تمامًا – أي في إظهارها روح التسامح وعدم الجزم بشأن أي الأفكار يتوجّب اعتبارها أفكارًا جادة دون سواها. من جانب آخر، وعلى خلاف الحال مع المساعي الفكرية السابقة؛ فإنّ منجزات الثقافة الثالثة لم تعُد تمثّل ميدان نزاعات هامشية لا نهاية لها بين أفراد طبقة النخبويين الكبار في المجتمع والميالين بطبعهم إلى المناكفة وإذكاء روح التنازع والمخاصمة؛ بل صارت هذه المنجزات تؤثر في حياة كلّ فرد يعيش على هذا الكوكب.

المثقف خالقًا للأفكار المركبة

يشمل دور المثقف العديد من المهام، ومن بين تلك المهام مهمّة التواصل الفكري مع الآخرين. المثقفون ليسوا محض كائنات تعرف بعض المعرفة عن أشياء بعينها بل هم أبعد من هذا الدور المعرفي المكتفي بذاته لأنهم وحدهم الخليقون بتشكيل أفكار أجيالهم، وعلى ضوء هذا الفهم يكون المثقف خالقًا للأفكار المركّبة إلى جانب نشرها وإدامة فاعلية تواصلية مع سواه من الناس بشأنها. في كتابه المنشور عام 1987م بعنوان «المثقفون الأخيرون» تنهّد المؤرخ الثقافي (راسل جاكوبي) وأطلق زفراتٍ حرّى ناعيًا غياب جيل كامل من المفكّرين الجماهيريين وحل محلهم طائفة من الأكاديميين باردي الفكر والمفتقدين إلى وهج الحياة في اندفاعاتها العاطفية التي لطالما عبّر عنها المثقفون الأدبيون طوال أعوام مديدة. كان جاكوبي محقًّا بمثل ما كان مخطئًا: هؤلاء هم مفكّرو الثقافة الثالثة الذين صاروا المثقفين الجماهيريين الجدُد في عصرنا الحاضر.

تعدُّ أميركا في عصرنا هذا الروضة الفكرية التي تنطلق منها شرارة أفكار الثقافة الثالثة باتجاه أوربا وآسيا. بدأ هذا المنحى الفكري مع الهجرة الواسعة – التي حصلت قبل الحرب العالمية الثانية – لكلّ من ألبرت آينشتاين وغيره من العلماء الأوربيين نحو الولايات المتحدة الأميركية، وقد تفاقمت مفاعيل هذا التوجّه الفكري مع التفجّر الهائل الذي طال منظومة التعليم الأميركية على صعيد تعليم العلوم في المدارس والجامعات في أعقاب إطلاق السوفييت القمر الاصطناعي الأول في العالم (المسمّى سبوتنيك). يجلب انبثاق الثقافة الثالثة معه أنماطًا جديدة من الخطاب الفكري، وفي الوقت الثقافة ذاته يعزّز الريادة الأميركية في ميدان الأفكار العلمية الخلاقة. ثمة في هذا الجانب حقيقة تخبرنا أنّ الحياة الفكرية، وعلى مرّ التأريخ المعروف، تمتاز بميزة خاصة وهي أنّ قلّة قليلة نخبوية فحسب من الأشخاص هي التي تأخذ على عاتقها عبء النهوض بالتفكير العميق الذي يخدم الباقين من سائر البشر، وما شهدناه بكيفية متواترة في التأريخ البشري هو تسليم مشعل الفكر البشري من طائفة من المفكّرين (هم المثقفون الأدبيون التقليديون) لجماعة جديدة (هم مثقفو الثقافة الثالثة البازغة حديثًا).

من مثقفو الثقافة الثالثة؟

تضمّ قائمة هؤلاء المثقفين أسماء علماء وفلاسفة ساهمت أعمالهم – فضلًا عن أفكارهم – في خلع معنى حيوي على مفهوم الثقافة الثالثة. فيما يأتي بعض من هؤلاء:

– الفيزيائيون: بول ديفيز، جَيْ. دوين فارمر، موراي غيلمان، آلان غوث، روجر بينروز، مارتن ريس، لي سمولن، سِثْ لويد، ماكس تيغمارك، فرانك ويلكزيك، ديفيد دويتش.

– البيولوجيون التطوّريون: ريتشارد دوكنز، نايلز إلدرج، ستيفن جاي غولد، ستيف جونز، جورج سي. وليامز.

– الفلاسفة: دانييل سي. دينيت.

– البيولوجيون: براين غودوين، ستيوارت كاوفمان، لين مارغوليس،  فرانشيسكو جَي. فاريلا.

– علماء الحاسوب والذكاء الاصطناعي: دبليو. دانييل هيليس. كريستوفر جي. لانغتون، مارفن مينسكي، روجر شانك، مارغريت بودِن.

– السيكولوجيون: نيكولاس همفري، ستيفن بِنكر.

كانت لي خلال السنوات الثلاث الماضية مناقشات وجاهية محتدّة مع العلماء – المفكّرين المشار إليهم آنفًا، وتناولت مناقشاتنا أعمالهم أو أعمال سواهم. إنّ هذه القائمة ليست قائمة نهائية مصطفاة بالعلماء – الفلاسفة – المفكرين الذين يمثلون الثقافة الثالثة بأجلى صورها، ومن جانبي أرى هؤلاء ممثلين رائعين لتأريخ بازغ من منظومة فكرية دينامية، كما أرى في مناقشة أفكارهم ونشرها على أوسع نطاق ممكن احتفاءً مناسبًا بأفكار مفكّري الثقافة الثالثة الذين يطرحون الأسئلة المدهشة الأكثر أهمية في عصرنا الراهن. لستُ في حاجة للقول: إنّ هذه الثلة من المثقفين أبعد ما تكون عن الاكتمال، وثمة أسماء إضافية تضاف لها كل عام، ولا بأس من التصريح في هذا المقام بأنّ اختياري لهذه الأسماء هو عمل كيفي تمامًا من جانبي ويتفق مع ذائقتي وميولي العلمية الشخصية، ويمكن القول عمومًا إنّ أفكار هؤلاء العلماء – المفكّرين تمثل الجبهات المُتقدمة في المعرفة ضمن الحقول المعرفية الخاصة: البيولوجيا التطوّرية، وعلم الوراثة، وعلم الحاسوب والذكاء الاصطناعي، والفسيولوجيا العصبية، والسيكولوجيا الإدراكية، والفيزياء.

ثمة بعض الأسئلة الجوهرية التي تتشاركها كل الحقول المعرفية: من أين جاء الكون؟ من أين نشأت الحياة؟ من أين انبثق العقل؟ تتمظهر الخلاصة المتحصلة من التفكّر في الأسئلة الجوهرية التي تتناولها الثقافة الثالثة في نشوء فلسفة طبيعية تقوم على إدراك أهمية مفهوم التعقيد في تطوّر جميع النظم شديدة التعقيد، على شاكلة: الأحياء العضوية، الأدمغة، النطاق الحيوي، الكون ذاته… إلخ، وقد تطوّر الأمر إلى حدّ بات يستلزم معه اللجوء إلى طائفة جديدة من المفاهيم الاصطلاحية (التعقيد أحدها) لوصف أنفسنا، وعقولنا، والكون، وكلّ الموجودات التي نعرفها في الكون، ووحدهم المفكّرون الحائزون على هذا المخزون المعرفي من الأفكار والمفاهيم الجديدة هم القادرون – بواسطة كتاباتهم المنشورة – على إدامة البواعث البشرية الدافعة إلى التفكّر الخلاق في الأسئلة الوجودية ذات الطبيعة الجوهرية.


مصادر مرجعية في الثقافة الثالثة: قائمة منتخبة

استكمالًا لفائدة القارئ الشغوف، ورغبةً في توسيع نطاق القراءات الخاصة بميدان الثقافة الثالثة، أقدّم فيما يأتي ثلة منتخبة بقراءات مرجعية أراها ممثلة لهذه الثقافة، وكلّي أملٌ أن تحفّز هذه القائمة الرغبة في ولوج العوالم اللامتناهية لهذه الثقافة التي باتت معلمًا أساسيًّا في حياتنا المعاصرة:

 أ. المصادر العربية:

– بول ديفيز: أصل الحياة، ترجمة: منير شريف، الناشر: المركز القومي للترجمة، 2010م.

– ديفيد دويتش، بداية اللانهاية: تفسيرات تغيّر وجه العالم، ترجمة: دينا أحمد مصطفى، الناشر: كلمات للترجمة والنشر، 2016م.

– ديفيد دويتش، نسيج الحقيقة، ترجمة: منير شريف، الناشر: المركز القومي للترجمة، 2009م.

– راي كيرزويل، عصر الآلات الروحية: عندما تتخطى الكومبيوترات الذكاء البشري، ترجمة: عزّت عامر ، الناشر: مشروع كلمة للنشر، 2010م.

– نِك بوستروم، الفكر العابر للإنسانية: موجز تأريخي، ترجمة: لطفية الدليمي، الناشر : دار المدى العراقية، 2019م.

– نِك بوستروم، ما فوق الإنسانية: دليل موجز إلى المستقبل، ترجمة: ياسر عبد الواحد راشد، الناشر: مكتبة سطور العراقية، 2019م.

– ميشيو كاكو، مستقبل العقل: الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته، ترجمة: سعد الدين خرفان، الناشر: سلسلة كتاب عالم المعرفة الكويتية، 2017م.

– ميشيو كاكو، رؤى مستقبلية: كيف سيغيّر العلم حياتنا في القرن الحادي والعشرين، ترجمة: سعد الدين خرفان، الناشر: سلسلة كتاب عالم المعرفة الكويتية، 2001م.

ب. المصادر الإنكليزية:

  1. مصادر عامة

John Searle, Minds, Brains, and Science. Cambridge: Harvard University Press (1984).

Paul Davies, The Cosmic Blueprint. New York: Simon & Schuster (1989).

Marvin Minsky, The Society of Mind. New York: Simon & Schuster (1986).

Stephen W. Hawking , A Brief History of Time: From the Big Bang to Black Holes. New York: Bantam (1988).

Steven Weinberg , Dreams of a Final Theory. New York: Pantheon (1992).

Roger Penrose, The Emperor’s New Mind: Concerning Computers, Minds, and the Laws of Physics. New York: Oxford University Press (1989).

_____. Shadows of the Mind: A Search for the Missing Science of Consciousness. New York: Oxford University Press (1994).

  1. مصادر حديثة خاصة بالذكاء الاصطناعي، والمجال المعلوماتي، والروبوتيات، وعالم ما بعد الإنسانية

– Luciano Floridi , The Fourth Revolution: How the Infosphere is Reshaping Human Reality , Oxford University Press , 2016

 – Ray Kurzweil , The Singularity Is Near: When Humans Transcend Biology , Penguin Books , 2006

– Max Tegmark , Life 3.0: Being Human in the Age of Artificial Intelligence , Vintage Reprint Edition , 2018

– Nick Bostrom , Superintelligence: Paths, Dangers, Strategies ; Oxford University Press , 2016

– Peter Mahon , Posthumanism: A Guide for the Perplexed ; Bloomsbury academic , 2017


هوامش:

(١) فرضية غايا:فرضيةبيئية تفترض أن الأجزاء الحية وغير الحية من الأرض تبدو كنظام متفاعل معقد يمكن التفكير فيه على أنه كلّ عضوي واحد. تم تسمية هذه النظرية بهذا الاسم تيمنًا بآلهة الأرض اليونانية (غايا)، وتقوم الفرضية على التسليم بأن جميع الأشياء الحية لها تأثير تنظيمي في بيئة الأرض يدعم تشكل الحياة كظاهرة كلية. (المترجمة)

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *