كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
رؤية ثقافية لمجابهة التطرف
يذهب مدير مكتبة الدكتور إسماعيل سراج الدين في كتابه الصادر حديثًا عن مكتبة الإسكندرية، وعنوانه: «التحدي: رؤية ثقافية لمجابهة التطرف والعنف»، إلى أن ظهور التيارات الدينية المتطرفة في العالم العربيّ؛ جاء نتيجة مجموعة من التراكمات الثقافية، في مقدمتها الإفلاس الفكريّ لدى كثير من الأنظمة العربية مدة زمنية طويلة، سبقت ثورات الربيع العربيّ، فقد عجزت تلك الأنظمة عن تجديد العقد الاجتماعيّ بشكل حقيقيّ، إضافة إلى الاحتكار المستمرّ للسلطة من نخبة متواضعة الفكر؛ نخبة كبحت مواهب الشباب، وفرضت نظامًا من الهيمنة على الترقِّي السياسيّ والاجتماعيّ، إضافة إلى عودة الإسلام السياسيّ بعد أن استمر قمعه زمنًا من جانب الخطاب السياسيّ القوميّ والعلمانيّ، لكنه اكتسب زخمًا جديدًا من خلال الثورة الإيرانية، والتمويل من بعض الدول النفطية وأثرياء العرب، وظهور حزب الله في لبنان في أثناء الحرب الأهلية الطويلة الدائرة هناك، ودوره في المقاومة في أثناء الحرب الإسرائيلية في لبنان. ولقد «تفاقمت» تلك الأوضاع وغيرها بعد عودة «العرب الأفغان» الذين تحالفوا مع المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان؛ مما أدَّى إلى اعتلاء طالبان سُدَّة الحكم هناك.
ومن الأسباب أيضًا، الغزو الأميركي للعراق عام 2003م، وما تبعه من إخفاق في إدارة الانقسامات العرقية والدينية الشديدة في ذلك المجتمع، إضافة إلى الحرب الطويلة التي شنَّتها أميركا وحلفاؤها على أفغانستان، وبعدها أعمال القتل الممنهجة للمدنيين باستخدام الطائرات من دون طيار في باكستان وأفغانستان واليمن وغيرها؛ كل ذلك ساهم في تأجيج مشاعر الظلم التي غذَّت الاستعداد النفسيّ لدى الأغلبية المسلمة لقَبول مواقف أكثر تطرفًا من شأنها استعادة القليل من احترام الذات والكرامة، في مواجهة ما يرونه إهانة متواصلة لكرامتهم.
ويشير سراج الدين إلى إن مصر التي كانت تسيطر على السوق الثقافيّة في العالم العربيّ أصبحت اليوم واحدة من كثير من منتجي الفن والثقافة، بعد أن أصبح الإنتاج أكثر تنوعًا من قبل، لافتًا إلى انفتاح دول الخليج، بما تملكه من مصادر ثروة هائلة أمام الأفكار الجديدة؛ لتصبح مراكز عالمية للإنتاج الإعلاميّ والمؤسسات الثقافية. وعلى الرغم من تدهور الحال اجتماعيًّا واقتصاديًّا في العالم العربيّ، فإن المؤلف يجد ارتفاعًا ملحوظًا في النشاط الثقافيّ، فالأدب والسينما والمسرح والموسيقا تشهد ازدهارًا عجيبًا يشير إلى حال فصامية.
وفي أغلبية البلدان ترفض النخبة القديمة المسيطرة على المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية إفساح المجال لازدهار المواهب الشابة؛ مما أدَّى إلى مناخ لم يشجع إلا المواهب المتواضعة، وكبح قدرة الشباب على المبادرة، وخلق فجوة واضحة بين الأجيال؛ تفصل بين النظام من جهة وجيل الشباب من الفنانين والمثقفين والقادة السياسيين المحتملين من جهة أخرى؛ مما زاد من الانفصام الذي حدث نتيجة لتبنِّي جيل الشباب التقنيات الحديثة المتصلة بثورة المعلومات والاتصالات، التي صيرت شكل الحياة جذريًّا، تلك الثورة التي لا يكاد آباؤهم يفهمونها، ناهيك عن أن يتمكنوا من أدواتها.
ويتأمل سراج الدين ما حدث من تحول واضح في الفن والأدب الغربيّ في المدة بين نهاية القرن التاسع عشر ونهاية الحرب العالمية الثانية، فقد تهاوت في تلك المدة الإمبراطوريات، وحدثت ثورات، وتركت حقبة الركود الاقتصاديّ الكبرى أثرًا لا يمحى في أجيال في أميركا، وشهدت ألمانيا تضخمًا شديدًا، وولدت أنظمة فاشية ونازية وشيوعية. وقلما عانى المشهد السياسيّ من ظروف أسوأ، لكن التحولات الثقافية التي طرأت على الغرب لم تدفعها قدمًا النخب والمؤسسات الثقافية، بل الشباب المتمرّد والحركات الثقافية المضادة.
ويؤكد سراج الدين أن هناك نموًّا قويًّا في كثير من الصناعات الثقافية، ولقد تسارع هذا النمو بفضل جيل الشباب من الفنانين، وبخاصة عقب الربيع العربيّ، لكن تلك الجوانب تتوازى مع تنامي التعصب الذي تظهره الأنظمة الشمولية، وتصاعد التشدّد من جانب مجموعات تستخدم السلاح لتحقيق أشكال متطرفة من الإسلام السياسيّ؛ حتى إن بعضها قد تخطى حدود السلوك الإنسانيّ المتحضر؛ مثل: داعش، ولم يتبقَ سوى جزر متفرقة من الانفتاح منثورة داخل الأراضي الشاسعة في العالم العربيّ الممتد من المحيط الأطلنطيّ إلى الخليج. ومن ثم فإنه يشدد على حتمية مواجهة التطرف.
المنشورات ذات الصلة
«جوامع الكمد» للشاعر عيد الحجيلي… عوالم شعرية بسيطة
يثير ديوان «جوامع الكمد» (الدار العربية ناشرون) للشاعر السعودي عيد الحجيلي مجموعة من الأسئلة القصيرة المتعلقة بالذات...
«حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس التخييل المرجعي للذاكرة
تأخذ رواية «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس -منشورات المتوسط- أذهاننا إلى زمن الحرب، إنها إحالة إلى الزمن، ولم...
السيد الجزايرلي في ديوانه الجديد بصير يتلمس عبر التصوف حنينه إلى الوطن
العلاقة بين التنبؤ والشعر قديمة ووطيدة منذ قصة وادي عبقر، والقول بأن لكل شاعر عفريتًا من الجن يلهمه أشعاره، مرورًا...
0 تعليق