كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
محمد فيروز: ليس من السهل تحقيق النجاح في الموسيقا.. إنها تنافسية إلى حد التحارب
تتوالى الأعمال الموسيقية للفنان الإماراتي الأميركي محمد فيروز (المولود عام 1985م)؛ لتأخذ طابع المشروع الذي لئن تعددت مكوناته وتنوعت مفرداته، فإنها تنطلق من رؤية شمولية تخترق الأعمال كلها، رؤية مرتكزاتها الأساسية تقوم على التعايش وحوار الحضارات، فهو يحرص على المزج بين نصوص عربية، فلسطينية ويهودية مثلًا، وبين نصوص لشعراء من أنحاء مختلفة من العالم. كما يجمع بين المقامات الشرقية والموسيقا الغربية. ووفقًا لهذا المشروع فإن محمد فيروز، ليس مجرد موسيقي إنما أيضًا حامل رسالة إلى العالم. من أعماله: سادات. صلاة إلى العالم الجديد. عالم أحببت. الشام. أغنية ألمانية رومانسية. زابور، غابرييل. منابع الضوء. دبكة هندستانية. أي شيء يمكن أن يحدث. بوش. جبل لبنان. تحرير. للضحايا. وأصدر مجموعته الأولى «فولو، بويت» المستوحاة من أبرز شعراء القرن العشرين، وقد أصبح مع هذه المجموعة أصغر مؤلف تصدر له علامة «دوتش غراموفون» العريقة، مجموعة كاملة. وهو يعمل حاليًا على وضع الموسيقا لملحمة أوبرالية مشتقة من كتاب «الأمير» لمكيافيلي أعد نصوصها الكاتب والصحافي الأميركي ديفيد أغناتيوس، وستقدم الأوبرا تحت عنوان «الأمير الجديد». «الفيصل» حاورته حول مشروعه الموسيقي وعدد من القضايا:
ما الذي جعلك تختار الموسيقا تحديدًا؟
– مدخلي الأول إلى الموسيقا كان عبر القراءة، أتذكر صغيرًا جلوسي في حضن والدتي، أقرأ بصوت عالٍ كتابًا للأطفال، ثم حانت لحظة كانت فيها إحدى شخصيات الكتاب تغني، وبشكل طبيعي نظرت إلى الكلمات على الصفحة وبدأت أغني.. والدتي تعجبت من هذه النغمة الجديدة التي أنشأتها وسألتني: «من أين جئت بهذه النغمة؟».
أشرت إلى النص على الصفحة قائلًا: «إنه هنا». طبعًا في سني ذاك تخيلت أن جميع من يقرأ هذه الكلمات سيسمع النغمة نفسها التي كنت أغنيها، لكنني كنت أصنع موسيقاي.
إلى جانب كونك موسيقيًّا تبدو أيضًا صاحب رسالة عالمية تحرص على إيصالها؛ فما هي رسالتك؟
– عندما يقرر أي شخص أن يكرس حياته لتأليف الموسيقا، أو كتابة الروايات، أو المقالات، أو تعليم الأطفال، أو تصميم المخططات المعمارية لبناء مسجد عظيم أو تخطيط مدينة؛ عندما يقرر أي شخص فعل ذلك أو سواه؛ فهو يرسل رسالة واضحة: نحن نكرّس حياتنا للبناء بدلًا من الدمار، هذه حقيقة سواء فكرنا بإسهامات الكندي في الموسيقا، أو ابن الهيثم في البصريات، أو ابن رشد في دراسة التاريخ، أو إسهامات أبي نواس الشعرية.. والقائمة تطول. هؤلاء جميعًا قالوا: إنهم راغبون في التنوع الإنساني وليس بتدمير الإنسانية، هذه هي الرسالة، وهي ليست كافية للقول: إننا ملتزمون بالسلام والبناء، بل يجب أن نعمل بجد لإنشاء بنية ملموسة لعمل يسهم في الحضارة.
يبدو في عملك محاولة لتعزيز التبادل الثقافي والحوار بين الحضارات من خلال الموسيقا، وذلك عبر المزج بين موسيقا من الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى، هل تعتقد أنك ستستطيع أن تغير الصورة النمطية في الغرب عن العرب والمسلمين؟
– أتذكر كلمة الراحل الأمير سعود الفيصل حين قال: «أعتقد باستحالة وجود صراع حضارات بيننا؛ لأن هذا تعبير متناقض، الحضارات ليست سلعًا متنافسة في السوق، بل نتاج الجهد الجماعي للعبقرية البشرية بمساهمات متراكمة من ثقافات متعددة».
لقد كان معه حق، وفي الحقيقة إن الإنسانية اليوم في صراع من أجل الحضارة وليس بين الحضارات، الصدام يظهر حين لا يفهم الناس بعضهم بعضًا، ويصبح الواحد منهم يخاف الآخر، إنه ليس أمرًا يسيرًا أو لحظيًّا، لكن كل الصور النمطية يمكن تغييرها عبر تعرف الناس إلى بعضهم البعض، ومن خلال المحبة. المعرفة هي البداية، فلنتذكر هذه الآية القرآنية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 13).
تعاملت في موسيقاك مع نصوص شعرية لشعراء فلسطينيين وعرب، إضافة إلى شعراء يهود وغربيين؛ ما هدفك من هذا الجمع؟
– الحقيقة أننا عشنا مع اليهود لآلاف السنين بدون أي مشكلات، لعلك تتذكر أننا نحن العرب كنا حماة لهم في العصور المظلمة في أوربا، لقد تشاركنا الموسيقا والثقافة والقصص بكل الأشكال وبكامل الحرية بدون مشكلات، القضية التي آمل معالجتها عبر الدبلوماسية الفنية هي الصراع الحالي مع إسرائيل. فعلى الرغم من أهمية التقاء الناس في مناسبات غير سياسية لمشاركة الشعر والموسيقا والثقافة؛ إلا أني أقول: إن الدبلوماسية الفنية غير كافية، أتمنى أن تقبل إسرائيل مبادرة السلام العربية التي أطلقها الراحل الملك عبدالله، وكما قلت من قبل: نحن عشنا مع اليهود لقرون كثيرة بدون مشكلات، واليوم هناك حل ناجع للنزاع مع إسرائيل، لكننا نحتاج من الإسرائيليين أن ينصتوا لمخاوفنا، فلا يمكن أن نرى الفلسطينيين يعيشون بالطريقة التي يعيشونها الآن. نحتاج إلى السلام.
كيف تنظر إلى من يتعصب للموسيقا الكلاسيكية، ويرفض التجديد والانفتاح على الموسيقا العالمية؟
– أراهم كما أرى أي مجموعة أخرى من الناس المنغلقين، إن مقاومة الانفتاح على العالم، هي أمر خطير ومضر، وفي النهاية رتيب، وغير مثير للاهتمام .
أنت مع حرية التعبير، كما أنك ضد الأعمال الإرهابية، سواء تعلقت بأشخاص أو بمؤسسات إعلامية أو غيرها.. حدثنا عن هذا الموضوع.
– أعتقد أن حرية التعبير قد أسيء استخدامها تمامًا كما أسيء استخدام الأسلحة، أنا أقف مع حق الناس في التعبير عن أفكارهم، لكني أصر على أن تكون هذه الأفكار مثقفة ومصقولة، وأنا أقف بحماس مع الاحترام، فحرية التعبير ليست إذنًا لاستعمال لغة مدمرة أثبتت أنها خطيرة على نسيج المجتمع الواحد.
في الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال؛ نحن سيطرنا على وجهات النظر المتطرفة، ومنعناها من الحصول على المنابر السياسية والدينية، وذلك لسبب وجيه فنتائج الخطاب المتطرف كانت تخرب العالم، سواء بتدمير المجتمعات، أو حياة الإنسان الفردية. الولايات المتحدة والأمم الغربية الأخرى ستحسن صنعًا لو أنها احتوت الخطاب المتطرف الخطير، ولم تخلطه مع الحرية. فحرية التعبير هي فكرة عظيمة ما دام الناس يطورون أفكارهم، ويمارسون الاحترام قبل فتح أفواههم.
بصفتك موسيقيًّا أميركيًّا من أصول عربية؛ هل كان من السهل عليك الوصول إلى العالم وتحقيق كل هذا النجاح؟
– أعتقد أنه ليس من السهل لأي أحد أن يحقق النجاح في مهنة الموسيقا. إنها تنافسية بشكل مذهل، وأحيانًا تصل إلى حد التحارب. أعد نفسي محظوظًا جدًّا؛ لكوني حصلت على أساس متين من الدعم وبعض الأبطال الرائعين الذين آمنوا بي. لقد وصلت لهذه المرحلة ليس فقط عبر الموهبة والعمل الشاق؛ بل أيضًا عبر اللطف الرائع، ووقوف عدد من الناس العظماء معي. لهذا كله أنا ممتن جدًّا.
هل تعتقد أنك نجحت في تغيير الصورة النمطية عن العرب والمسلمين؟
– أرجو أن أكون على الطريق الصحيح، وإن بخطوات صغيرة، وكما قلت سابقًا: المعرفة هي البداية، ورهاني دائمًا على مشاركة هذه المعرفة، ودعوة الناس للاطلاع على ثقافتنا، وفي الوقت نفسه الاستماع لهم، والتعامل مع ثقافتهم. وإذا كان هناك من نقد بناء لنا في الخليج؛ فهو أنه يجب أن نكون أكثر فصاحة حول طريقتنا في الحياة، نحن شعب محافظ، وهذا ليس شيئًا سيئًا، ولكننا أيضًا أناس معروفون بالكرم متى دخل الآخرون قلوبنا ومجتمعاتنا. إذا أوضحنا هذا كثيرًا فسوف ننجح في كسب قلوب الناس في الغرب وعقولهم. معظمهم لا يكرهنا لكنهم ببساطة لا يعرفوننا. المعرفة هي أفضل سلاح للتغلب على الخوف. وفي النهاية أعتقد أننا جميعًا نكتشف وجود كمّ كبير من القواسم المشتركة بيننا.
المنشورات ذات الصلة
الترانيم العربية- اليهودية… عن مكانة الموسيقا العربية في الكُنُس الشرقية
تقوم الثقافة اليهودية الشرقية على الموسيقا بدرجة لا تقل أهمية عن النص أو التقاليد؛ لذا دخلت الموسيقا العربية...
موديست بتروفيتش موسورسكي.. اضطراب المآلات وخلود التجربة
المؤلِّف الموسيقي الروسي موديست بتروفيتش موسورسكي حالة فريدة لا من حيث مستوى منجزه الفني فحسب، ولكن عبر مراحل سيرته...
تشاو جي بينغ: يجب أن يكون لموسيقانا صوتها الوطني
تشاو جي بينغ مؤلف موسيقي، وأستاذ جامعي. يشغل في الوقت الحالي منصب الرئيس الفخري لرابطة الموسيقيين الصينيين، ورئيس...
0 تعليق