لا شك في أن «النخب» بما يتوافر لها من قدرات ذاتية مدعومة بالتميز الفكري والثراء المعرفي، وبما تملك من أدوات التأثير والاستنارة، فئة موجودة في كل المجتمعات والثقافات، ومتجذرة في تاريخ الشعوب والحضارات منذ القدم، وهي مطلب قائم ودائم ومتجدد، وصناعة ضرورية لكل مجتمع ولكل...
المقالات الأخيرة
الإنترنت وسيلتي للخروج من دائرة العقبات التي تواجه المسرحيين
لم تكن بداية المسرح في السعودية متأخرة إذا ما قيست بظهور التجارب الأولى على مستوى دول الخليج وبعض الدول العربية، فأكثر الروايات التي وردت حول البدايات والتي أرجعت ظهور المسرح إلى الفكرة التي كانت تراود الأديب الراحل أحمد السباعي في تقديم عرض مسرحي في مكة بعنوان «فتح مكة» في عام 1960م، وهي الفكرة التي لم تظهر للنور رغم المحاولات الحثيثة من السباعي والتي اصطدمت برفض اجتماعي آنذاك. أو تلك التي أشارت إلى أن البداية كانت في عام 1974م، يوم عرض المسرحي إبراهيم حمدان مسرحيته «طبيب بالمشعاب» المعدة عن مسرحية موليير «طبيب رغم أنفه» وعرضها في العاصمة الرياض، أو أيضًا تلك الروايات التي حددت البدايات بعام 1972م وهو التاريخ الذي وصلتنا فيه أول مسرحية موثقة من فرع جمعية الثقافة والفنون بالأحساء «العزوبية» تأليف خالد الحميدي وإخراج حسن العبدي، ومسرحية «ريتا» تأليف وإخراج حسن العبدي التي انطلقت منها فكرة جمعية الثقافة والفنون وخرجت رسميًّا للنور في عام 1974م، فات هذه الروايات الرجوع لوثيقة تؤكد أن المسرح المدرسي كان موجودًا قبلها بسنوات وبالتحديد في عام 1928م وهي مسرحية «بين جاهل ومتعلم» قدمتها المدرسة الأهلية بعنيزة والتي أسسها صالح بن صالح أحد رواد التعليم في المملكة.
ومع هذا التأكيد على قدم المسرح في المملكة إلا أن هذا المسرح كان ولا يزال يواجه عقبات تؤخر من مسيرته الإبداعية موازاة مع الحركة المسرحية في دول الخليج رغم ما قدمه هذا المسرح من تجارب إبداعية لفتت الانتباه، لكن هذه التجارب لم تتأتّ إلا من نضال المسرحيين السعوديين أنفسهم؛ من أجل مسرح سكنهم فعشقوه، فلم يقفوا عند كل عقبة بل حاولوا تجاوزها، ولكن العقبات تتراكم وتتكاثر فتضعهم في أزمة وجود.
اجتهادات شخصية
هناك عدد من العوامل تظافرت مسؤوليتها على عدم تطور المسرح السعودي وبقائه في دائرة الاجتهادات الشخصية وإن كان بعضها لافتًا. فالبداية في النظرة الاجتماعية الملتبسة للمسرح، والفهم الخاطئ لرسالة المسرح وجدواه، وهو ما جعل بعضهم يقف موقف الضد تجاهه، هذه النظرة التي أخرت الاعتراف بالمسرح كفن يمكن أن يقدم للمجتمع رسائل قيمية وجمالية. وثاني العوامل هو الجهات المنوط بها دعم ورعاية واحتضان المسرح، كوزارة الثقافة والإعلام؛ إذ إنها لم تخصص للمسرح ما يكفي لدعمه معنويًّا وماديًّا؛ معنويًّا بالتغطيات الإعلامية واهتمام التلفزيون مثلًا بالعروض المسرحية والبرامج التي ستساهم في ترسيخ هذا الفن اجتماعيًّا بين جمهور التلفزيون، وماديًّا في شح ما تقدمه الوزارة للمسرح، فهي لم تقدم البنية التي يمكن أن تخدمه، كالمسارح والقاعات في المدن الكبرى بالمملكة، ولم تخصص له موازنات كافية؛ لتسير عجلة المسرح بشكل طبيعي، فالذي ينظر إلى مخصصات لجان المسرح في فروع جمعية الثقافة، ويقارنها بمخصصات الفرق المسرحية الشبابية في دول خليجية مجاورة؛ تتجلى له صورة المأزق الذي يعيشه المسرح السعودي الذي وصل إلى حالة تقشف يعانيها الآن كل فروع جمعية الثقافة والفنون التي لا تتمكن من إقامة أي نشاط مسرحي من دون استجداء الدعم من القطاع الخاص الذي بدوره لا يبدي حماسة للمسرح. أضف إلى ذلك تعطيل العديد من المشاريع المسرحية المهمة، كجمعية المسرحيين، ومهرجان المسرح السعودي الذي يفصلنا عن آخر دورة له ثماني سنوات رغم الوعود المتكررة بإقامته.
والعامل الأهم، ويبدو أكثر إثارة للسجال، هو غياب المرأة عن المسرح في السعودية سوى عن العروض النسائية البحتة التي يمثل فيها نساء في حضرة جمهور من النساء، الافتراق بين جنسين مسرحيين؛ مسرح رجالي وآخر نسائي (ليس بالضرورة نسوي) يضع كتاب المسرح والمخرجين في مواجهة صعبة مع هذا الغياب. هناك عامل آخر أجده يؤثر سلبًا في المسرح في السعودية وتقع مسؤوليته على المسرحيين أنفسهم، فمن يطالع أخبار المسرحيين في الصحف أو في مواقع التواصل الاجتماعي، يجد أنهم يقضون كثيرًا من وقتهم في الجدال والسجالات التي لا تنتهي، والخلافات التي تضيع عليهم الوقت الكثير الذي يكفيهم ليتفرغوا لإبداعاتهم، فالمسرح يحتاج لتواصل واتصال، وعلاقات وتآلف، لا علاقات تتسم بالاختلاف والصراعات.
تجاوز العقبات
وعلى المستوى الشخصي، فأنا ككاتب مسرحي ربما حاولت تجاوز تلك العقبات بالكتابة لمسرح مختلط، مسرح تتشارك فيه المرأة والرجل في حكاية واحدة، أكتب من دون سقف، ومن دون حواجز، ووجدت أن مواقع الإنترنت وسيلة سهلة لوصول نصوصي لأكبر عدد من المهتمين بالمسرح؛ لتقرأ نصوصي، وتنفذ خارج دائرة المسرح السعودي الذي لا أملك فيه من رصيد سوى عرضين مسرحيين «المزبلة الفاضلة» لماهر الغانم، و«بارانويا» لياسر الحسن، وثلاث مسرحيات اجتماعية. بينما نصوصي كلها تقريبًا نفذت في دول عربية وبرؤى إخراجية مختلفة، فـ«المزبلة الفاضلة» نفذت أكثر من عشر مرات في دول خليجية وعربية، بلغتها الأصلية وبلهجات محلية؛ مثل: اللهجة العمانية واللهجة الجزائرية، كما ترجم لي نص «هجرة النوارس البرية» وقدم باللغة السريانية شمال العراق، وقدمت لي مسرحية «المعلقون» في الكويت وعمان، ونص «الموقوف رقم 80» في عمان والجزائر، و«صبية كان اسمها حنين» في المغرب، و«جزيرة الأماني» في فلسطين المحتلة وفي عمان، إضافة إلى أول نصوصي التي فزت بها في جائزة الشارقة للإبداع العربي 2001 «فصول من عذابات الشيخ أحمد» التي قدمت في افتتاح مهرجان أيام الشارقة المسرحية 2003، وقدم بعضًا منها لاحقًا في البحرين المخرج عبدالله السعداوي.
الإنترنت كان وسيلتي للخروج من دائرة العقبات والصعوبات التي تواجه المسرحيين في السعودية، فهو الفضاء الحر والجسر الأقرب لخشبات المسرح العربي، فلولاه لما وصلت نصوصي لأكثر الدول العربية؛ لتنفذها الفرق المسرحية العربية، وتكون مشاريع تخرج ومادة إخراج في معاهد وكليات فنية ومسرحية، فانتظار مخرج تقنعه نصوصي لينفذها في المملكة ربما يطول كثيرًا، والأسماء التي تنفذ نصوصها صارت معدودة على الأصابع، وصار لكل فرقة كاتبها الذي لا تخرج عن طوع نصه؛ لذا كان لزامًا عليّ أن أبحث عن منفذ جديد لنصوصي المسرحية؛ لتخرج من أدراج المكاتب. وهذا ما أحاول تمريره على كتّاب النص المسرحي، وأطلب منهم أن ينشروا نصوصهم في مواقع الإنترنت المسرحية المتخصصة، فالباحث عن النص يلجأ لهذه المواقع أولًا.
المنشورات ذات الصلة
«آخر البحر» مسرحية جديدة فاضل الجعايبي يواصل مساءلة المجتمع وكشف الخفايا النفسية
تواصل مسرحية «آخر البحر» للمخرج التونسي فاضل الجعايبي سلسلة عروضها في قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة، وتواصل إثارة...
رئيس مهرجان الرياض المسرحي عبدالإله السناني: نسعى إلى تعزيز الوعي المسرحي.. وتقديم جيل جديد من المسرحيين السعوديين
أوضح الدكتور عبدالإله السناني، رئيس مهرجان الرياض المسرحي -الذي أقيم في المدة من 13 إلى 24 ديسمبر الماضي- أن قرار وزير...
المسرح السعودي.. تنوع في الطرح وتحدٍّ للظروف
المُطلع على المسرح السعودي مِن قربٍ ودراسةٍ يُدرك التنوع الشديد الذي حظي به منذ بداياته. وعلى الرغم من قسوة النقد...
0 تعليق