كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
المسرح العربي طارئ ينتهي بانتهاء العرض
قَدَّمَ المسرح العربي منذ تأسيسه حتى وقتنا الحالي تجارب مهمة، على مستوى المسرح الاجتماعي والتاريخي؛ حتى ضمن ما يمكن أن نطلق عليه بتيار التجريب المسرحي، رغم ما واجهه منذ بدايات التأسيس، فالتاريخ ينقل لنا ما عاناه أبو خليل القباني ليؤسِّس مسرحه، وما عاناه أيضًا غيره من المسرحيين من صعوبات في تحقيق أحلامهم بمسرح قريب من الناس، فقد عانى مثلًا أحمد السباعي إيقافَ مشروعِه المسرحي في مكة، والمسرحيون الذي لحقوه في المملكة مع تيار يتضادّ مع الفنون وبخاصة المسرح. فالمسرح لا يمكن أن يخرج إلى النور وسط هذه البيئة الطاردة التي لاحقت المسرحيين في أكثر من بلد.
وهذه ليست الصعوبة الوحيدة التي لم تواجه المسرح في دول غربية أخرى، كان المسرح متأصلًا في الوجدان الشعبي لكونه خارج من خاصرة الطقوس الدينية قبل أن يصبح فنًّا خالصًا متجردًا. لكن، لأن المسرح كان فنًّا مستوردًا للعرب فقد واجه هذه البيئة الطاردة، حتى حينما تعزَّز وجوده في البلاد العربية واجَهَ مشاكل أخرى، منعته أن يقدم تجربة عالمية يمكن أن تضعه على خريطة المسرح العالمي. فالمسرح لم يكن يومًا صناعة كما في الغرب، ولم يكن حاضرًا ضمن خطط التنمية الشاملة للدول العربية، فبقي فنًّا فقيرًا يعتمد على الجهود الذاتية، وما دخل في دائرة الصناعة أو الاستثمار، كان مسرحًا سطحيًّا ركز على الإضحكاك من دون قيمة، فصار مسرحًا طارئًا ينتهي بانتهاء العرض، فلا يبقى ويدوم. فالصناعة قادرة على ضمان ديمومة المسرح، فهي تهيئ الأرضية المناسبة للإنتاج المسرحي، ولإنتاج أشكال متنوعة من المسرح، حتى الفِرَق المستقلة قادرة على إنتاج مسرحيات نوعية.
أضيف إلى المشكلات التي تواجه المسرح العربي، هو سقف الحرية المتباين بين دولة وأخرى، فهناك دول حدت المسرح في إطار ضيق جدًّا، وصارت الموضوعات التي يمكن تناولها معدودة وهذا يشكل عائقًا في وجه أي إبداع مسرحي الذي يحتاج إلى حرية وفضاء متسع، صحيح أن هناك دولًا عربيةً أعطت المسرح مساحة من الحرية لكنها تظل محدودة. المسرح العربي يحتاج إلى المال والموازنات وقبلهما الاهتمام الحقيقي والإيمان بأن المسرح فن ضرورة، ثم يحتاج إلى حرية ليكون قادرًا على أن يتماسّ مع قضايا الناس، ويقترب أكثر منهم، ليجذب إليه الجمهور لتكتمل معادلة المسرح. أما مسألة التراث، فإن المسرح كان ولا يزال ينهل من التراث الإنساني عامة، والتراث المحلي خاصة في الخليج العربي، فالمسرح في الخليج وفي تراث المنطقة، من حكايات شعبية ومفردات تراثية حفزت كتاب المسرح ليكتبوا نصوصهم انطلاقًا من هذا التراث، ومع ذلك ما زال ثمة قصور في التناول المسرحي لمفردات التراث، فمثلًا في المسرح السعودي، انشغلنا كثيرًا بالعموميات، انشغلنا بالإنسان ككل وتناسينا تراثنا المتنوع، فغابت الصحراء بكل ما فيها من زخم عن المسرح السعودي، وغاب الجبل والسهل، كما كان حضور البحر خجولًا، قِسْ على ذلك المسرحَ العربيَّ عامة. رغم أن التراث يمكن أن يكون مخزن حكايات، لو التفت له المسرحيون وركزوا عليه أكثر من التركيز على الهم الإنساني العام والمجرد. ولكن يبدو أن التغيرات التي طرأت على العالم وتحوله إلى قرية صغيرة تشابهنا فيها وتلاشت التباينات، بدا التراث بعيدًا من الهم، حتى محاولات التأصيل المسرحي التي علا صوتها في الماضي، خفت وهجها واستسلمت للواقع.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق