مقالات   |   دراسات   |   قضايا   |   سيرة ذاتية   |   إعلامتحقيقات   |   ثقافات   | تراث   |   تاريخ   |   بورتريه   |   فضاءات   |   فنون   |   كاريكاتير   |   كتب   |   نصوص   |   مدن   |   رسائل

المقالات الأخيرة

في مرسم العين الشاحبة عند إيمانويل لفيناس أو نحو تفكيك مركزية العين في الوجه

في مرسم العين الشاحبة عند إيمانويل لفيناس

أو نحو تفكيك مركزية العين في الوجه

لطالما تملكنا انهمام دائم بقراءة وتأويل وتفكيك العين؛ لونها ولغتها وإيماءاتها وشكلها، على أساس أنها أهم الثيمات في الوجه ورمز وحدة النوع الإنسي؛ ففيها نشهد انفجار معجزة الكون والحياة وعنفوان مجدها المهيب، كما نلمح في بُؤْبُؤ العين الغرائبي ظلنا وشبحنا؛ فصورة ذواتنا لا...

التربية شأنًا فلسفيًّا أو في مشروعية فلسفة التربية

التربية شأنًا فلسفيًّا

أو في مشروعية فلسفة التربية

نشأت فلسفة التربية بصفتها غرضًا مخصوصًا في حقل البحوث الفلسفية الذي يهتم بدراسة مسألة التربية دراسة نسقية، في النصف الثاني من القرن العشرين، وليس أدلّ على ذلك من ظهور المجاميع والحوليات والإصدارات المختصة التي تعنى بهذا النوع من الدراسات(1). ولكن مع ذلك لم يحسم الموقف...

المركزية الصوتية بين الفلسفة والعلوم الإنسانية

المركزية الصوتية بين الفلسفة والعلوم الإنسانية

لم ينفك «جاك دريدا» يردد أن تاريخ الفكر مسكون بنزعة مركزية صوتية تراهن على أولوية الكلام والصوت، وحضور الكائن أو الذات، وتتوجس من كل تأخير أو إرجاء الآثار المباشرة للكلام، أو إحداث شرخ في قوته الحضورية(1). فما هي جذور وامتدادات «المركزية الصوتية» داخل الفلسفة وداخل...

«الدكتور نازل» لطالب الرفاعي خطاب مجتمعي يمزج بين الفانتازيا والسخرية!

«الدكتور نازل» لطالب الرفاعي

خطاب مجتمعي يمزج بين الفانتازيا والسخرية!

المتتالية السردية، لماذا؟ استطاع السرد العربي أن يتخذ لنفسه طريقًا خاصًّا للتعبير عن ثقافة متميزة وإبداع متطور، وكانت للرواية والقصة العربية شكلهما الخاص، عبر قرن كامل من الزمان ارتبط فيه التعبير السردي العربي بالتطورات التاريخية والاجتماعية العربية، من حيث ارتباط...

أدبية اللغة القانونية: بحث في إشكالات بناء الخطاب القانوني

أدبية اللغة القانونية: بحث في إشكالات بناء الخطاب القانوني

كثيرًا ما تساءلت، وأنا أحاول الاقتراب من مجال القانون، سواء بما تضمنه من مواد وفصول، تجلى بنصوصه في مدونات، أو راج في ردهات المحاكم وبمنطوق القضاة، أو تضمن فلسفات القانون ومذاهبها، عن الغاية والمقصد من هذا الاقتراب. انتابني في البداية نوع من التردد، يمكن التعبير عنه...

هوامش على دفتر التراث

| نوفمبر 1, 2019 | مقالات

في تغريدة لي في «تويتر» قلت: «الباحث عن الحقيقة في كتب التراث، كالباحث عن إبرة في كومة من القش»، وما هذا المقال إلا توسع في تلك التغريدة واستجلاء لها. ولكن قبل الاستطراد، يجب أن نحدد ما هي «الحقيقة» المتحدَّث عنها هنا. فوفقًا لأبي حامد الغزالي (1058 – 1111م)، فإن الباحثين عن الحقيقة لا يتعدون هذه الفئات الأربع: المتكلمون، والباطنية، والفلاسفة، والصوفية، والحق (الحقيقة) لا يعدو أن يكون من نصيب إحدى هذه الفئات.

بطبيعة الحال فإن الغزالي لم يذكر الحقيقة العلمية، القائمة على العقل والتجريب؛ إذ إن هذه الحقيقة لا وجود ولا اعتراف كامل بها في تراثنا الفكري ولدى المشتغلين فيه، اللهم إلا لدى فئة قليلة كانت توصف بالكفر، أو الزندقة على أقل تقدير، مثل ابن سينا والرازي وغيرهما. أن لا تهتم الثقافة التراثية التقليدية بالحقيقة العلمية كثيرًا، أمر لا يضيرها، فلكل ثقافة أو حضارة مفهوم مركزي محوري يحدد مجال البحث فيها واتجاهاته، وطبيعة «الحقيقة» في هذه الثقافة أو الحضارة، والمفهوم المركزي في ثقافتنا التقليدية والتراثية هو العلاقة بين الإنسان والله، وحول هذا المحور تدور الثقافة، أما المفهوم المركزي للثقافة المعاصرة فهو العلاقة بين الإنسان والطبيعة، والإنسان والإنسان، وفي ذلك يقول زكي نجيب محمود، في كتابه «تجديد الفكر العربي» (دار الشروق، القاهرة وبيروت، 1978م): «إن هذا التراث كله بالنسبة إلى عصرنا قد فقد مكانته؛ لأنه يدور أساسًا على محور العلاقة بين الإنسان والله، على حين أن ما نلتمسه اليوم في لهفة مؤرقة هو محور تدور عليه العلاقة بين الإنسان والإنسان» (110). ويستطرد زكي نجيب محمود بالقول في الكتاب نفسه: «إني لأقولها صريحة واضحة: إما أن نعيش عصرنا بفكره ومشكلاته، وإما أن نرفضه ونوصد دونه الأبواب لنعيش تراثنا… نحن في ذلك أحرار، لكننا لا نملك الحرية في أن نوحد بين الفكرين…» (189).

ولكنني أعلق على ما يقوله فيلسوفنا الكبير بالقول: إنه حتى في هذه، أي أننا أحرار في الاختيار بين التراث والمعاصرة، فإننا في الحقيقة لسنا أحرارًا، والأصح أن نقول: إما أن نعيش عصرنا بفكره ومشكلاته، وإما هو الاندثار إذا كان التراث وفكره وثقافته هو الاختيار، كما حدث لأمم ومجتمعات درست وأصبحت أثرًا بعد عين، حين تشبثت بتراثها وفكره، في وجه أعاصير التغير والتحول.

وبنظرة فاحصة، أو نحاول أن تكون فاحصة، إلى تراثنا وفكره وأمهات كتبه، سواء في التاريخ أو الفقه، الذي نفتخر بغناه وثرائه، أو حتى الأدب، نجد أنه في مجمله مجرد جمع ولصق وشروحات مستفيضة لقول هنا أو مقولة هناك قابعة في أعماق التاريخ، وفي النهاية نسمع جعجعة ولا نرى طحينًا. وإذا خرجنا من هذا السياق، سياق اللت والعجن وشروحات النص، وشروحات الشروحات، لا نجد حقيقة، إلا ما ندر من شاردة هنا أو واردة هناك، إلا أساطير، أو حقائق مدعاة لا تمت إلى الحقيقة العلمية بأي وشيجة أو صلة، أو قداسة مزعومة لا علاقة لها بأي قدسية أو تنزيه.

خذ مثلًا أمهات كتب في تراثنا، وهي تلك التي تعتبر نصوصًا يستفاض بها في الشروحات والهوامش، مثل «تاريخ الرسل والملوك» للطبري، أو «البداية والنهاية» لابن كثير، أو «الكامل في التاريخ» لابن الأثير، أو «الطبقات الكبرى» لابن سعد، أو «أنساب الأشراف» للبلاذري، أو «سير أعلام النبلاء» للذهبي، وغيرها كثير، هذا غير شروحاتها وهوامش الشروحات التي شكلت تراثنا لمئات السنين، تجد أنها في النهاية لا تعدو أن تكون لتًّا وعجنًا وتكرارًا فيما لا طائل من ورائه، أو فرض قداسة على أشخاص وحوادث من حوادث الدنيا لا علاقة لها بما هو ما ورائي، أو أساطير وخرافات قدمت على أنها حقائق لا غبار عليها، وغيبيات لا يدرى من أين جاد بها من سطرت أقلامهم تلك الكتب.

كان من الممكن أن يبدأ نقد التاريخ في ديارنا انطلاقًا من مقدمة ابن خلدون (1332 ـ1406)، لكتابه الموسوعي في التاريخ، التي قال فيها بضرورة الاعتماد على مقاربة أخرى للتاريخ، مقاربة ناقدة، تقوم على أساس الملاحظة العلمية بما يجري في عالم الواقع، وليس ذلك العالم الافتراضي المليء بالأسطرة والمبالغة وعنعنة الرجال والمبلغين، الذين تتحكم فيهم الأهواء والميول، فلا يعودون قادرين على التمييز بين ما هو حقيقي، وبين ما هو مجرد خيال أو مبالغة تأباها نواميس الطبيعة، والقوانين التي تسير المجتمعات، لا فرق بين مجتمع وآخر في هذا المجال. نحن اليوم فخورون بابن خلدون بصفته مؤسس علم الاجتماع الحديث، سابقًا بذلك أوغست كونت (1798 – 1858م) بأربعة قرون تقريبًا. قد يكون ذلك صحيحًا، ولكن مقدمة ابن خلدون لم تجد لها قبولًا في وقتها لهيمنة ثقافة الغيبيات والأسطورة من ناحية، ولمصادمتها «البارادايم» المعتمد لدى الباحثين والمؤرخين في ذلك الوقت، وغاب ابن خلدون ومقدمته عن ثقافتنا، حتى اكتَشف أهميةَ طرحِه علماءُ الغربِ في العصر الحديث.

ولكن، ورغم اقتناعنا بما جاء في «المقدمة»، بل رغم أننا نعيش في ظل الحضارة المعاصرة، ونستورد منتجاتها، فإن العقل الجمعي والثقافة المهيمنة ما زالت تراثية الجذور، تقليدية المحتوى. فأي سلوك أو فكرة لا بد لها من سند تراثي يبررها ويشرعنها، وإلا فهي أمر مرفوض، رغم أن الإبداع، وهو مهماز الحضارة، تكمن شرعيته وتبريره في ذاته، بل إن الإبداع هو التحرر من أسر التقليد. نقد التراث، وما يحتويه من فكر ليس له علاقة بالعقل الخلاق، هو الخطوة الأولى في عودة المسلم إلى الوعي الحضاري، ذلك الوعي الذي يمكنه من الإسهام في صنع حضارة العصر، بدل أن يكون مستهلكًا لمنتجاتها رافضًا لعقلها، وذلك كما فعلت أوربا حين استهلت يقظتها في القرن الخامس عشر، بنقد الثقافة المدرسية الكنسية القروسطية التي جعلتها راكدة ركود المياه الآسنة لأكثر من ألف من السنين، وصدق فيلسوفنا الرائد زكي نجيب محمود حين قال: «لقد كان العامل الأول في النهضة الأوربية هو تحول الناس من حالة الاكتفاء بما كتب الأقدمون، إلى كتاب الطبيعة المفتوح لكل من أراد أن يقرأ علمًا جديدًا…» (ص 5٤،5٣). وهذه في الحقيقة زبدة الموضوع.

يرى بعض أن النهضة إنما تكمن في التراث والتقليد، والعودة إلى نجاحات الماضي بصفتها نماذج لنجاحات المستقبل، وأنه لن يصلح حال الأمة إلا بما صلح به أولها، وهذا قول مردود عليه حقيقة، إذ إن لكل جماعة من الناس بيئتها الاجتماعية التي تحدد مجالات الفكر والثقافة فيها، وغالبًا ما تكون ملائمة لظروف تلك الجماعة واحتياجاتها في الزمان والمكان. ولكن المكان متغير، والزمان متحول، ومن الخطأ، بل من الخطيئة، أن يجمد ما كان صالحًا لزمان ومكان معينين، ثم فرضه على كل الأزمنة والأمكنة، باسم قداسة مفترضة، أو أصالة مزعومة، بغير ذلك فإن الفناء هو المآل، فالنهر العريض لا يغير مجراه خضوعًا لرغبات ذاتية، فإما أن تتكيف مع مسار النهر، وإلا فإن التيار جارفك في النهاية.

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *