كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
أوربا تنأى عن مآسي العالم الثالث وتنطوي على نفسها
هل باتت أوربا على موعد مع أزمنة التفكك، عوضًا عن الوَحْدة، بعد أن حلَّق حلم الاتحاد الأوربي نحو عقدين من الزمن في الآفاق؟ فرائدة التنوير تجتاحها اليوم ردّة حضارية تتعالى فيها أصوات القوميات المتعصبة، وتنتشر بين ثناياها وحناياها رايات الهويات العرقية والدينية القاتلة.
أوربا، القارة العظيمة التي كانت شعاعًا حضاريًّا في القرن الأخير على الأقل، يأفل نجم إشعاعها تدريجيًّا في السنوات الأخيرة، ويرتد هذا الإشعاع إلى الداخل أو إلى الذات الأوربية. تشهد أوربا حالًا من الصعود المتنامي للأحزاب اليمينية فيها، التي حققت في عام 2017م نتائج لم تحققها منذ عام 1945م. ورغم اختلاف التجارب في كل بلد عن الآخر فإن الأجندة التي نجحت في تبنيها كل هذه الأحزاب ركزت على قضايا الأمن والهجرة والإرهاب والتقلبات الاقتصادية، ورفعت جميعها لافتة أن الآخر هو الجحيم، وهو ما يعني أن أوربا التي تغامر أعداد كبيرة من شباب شعوب العالم الثالث للوصول إليها لم تَعُدْ ذلك الفردوس المفقود الذي يحلمون به؛ إذ باتت تغلق أبوابها في وجوه القادمين إليها، وتضع عشرات القيود في مواجهة حرية انتقالهم بين بلدانها، وتبحث عن كل هفوة لترحيلهم.
لذا كانت أكثر الشعارات الضامنة للنجاح في الحملات الانتخابية هي رفض وجود المهاجرين وتأكيد إعادتهم لبلدانهم، وأغلبها رسم صورًا كاريكاتورية للمهاجرين يحتلُّون فيها أماكن الأوربيين، في العمل والسكن والمرافق، وأنهم سيحدثون نوعًا من الردّة في الثقافة والقيم والتقاليد الأوربية لما قبل عصر النهضة؛ لذلك راجت كل الأحزاب اليمينية، ولجأ إليها المواطن الأوربي لتحميه من طوفان الهجرة الذي سيقضي على حياته، فوصلت ببرامجها العدائية للآخر وثقافته ووجوده إلى سُدّة الحكم. إضافة إلى أن موجة العنف التي شهدها عدد من البلدان الأوربية وأسهم فيها إما متشددون ينتمون إلى الإسلام أو أوربيون رافضون لوجود عرب ومسلمين، كان لهذه الموجة تأثيرها الفعال فيما أسماه باحثون، الردة الأوربية عن الديمقراطية والتراجع عن قيم الدولة المدنية.
إذًا، فقد كان لهذا التحول من الليبرالية إلى اليمين المتشدد انعكاسه على وضع أوربا نفسها؛ إذ إنها بدأت تضيق بصورتها التي قدمتها طوال عقود بصفتها الملاذ المثالي لكل الطامحين إلى تحقيق أحلامهم والباحثين عن عيش كريم وكرامة للإنسان، بما سنته من قوانين وحققته من حرية وديمقراطية تكفل لمن يعيش على أراضيها الحقوق وتحدد له الواجبات.
إنّ خوف أوربا على نفسها من «الآخرين» ليس جديدًا، كما يطرح في هذا الملف، لكن ماذا عن بلدان أوربية عريقة تجهد في الانسلاخ من بقية أوربا، كما يحدث اليوم لبريطانيا؟ «الفيصل» تكرس ملفها لما يطلق عليه الأورباوية الجديدة أو أوربا الجديدة، سعيًا إلى تأمل هذا التحول والوقوف على الأسباب التي جعلت من البلاد التي طالما شكلت أنموذجًا في الحريات والمساواة والقوانين تجهد في التراجع، منطوية على نفسها ومبتعدة بمسافات من الآخر، وإلى أي حد أسهم المهاجرون العرب والمتشددون الإسلاميون فيما آلت إليه أوربا. في الملف يشارك مفكرون وباحثون وكتاب، عددٌ منهم عاش زمنًا في أوربا، وبعضهم لا يزال يعيش.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق