كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
خُبْزُ الغَريب
(1)
هأنَذَا يا أجنبيَّةُ أتفقَّدُ وَجْهَكِ في السُّلْوانِ،
وأسكُبُ السُّهَادَ على حُطَامِكْ..
هأنَذَا في اللَّيلِ مُثخنٌ بالأصْدَاءِ والمواقيتْ، أتشرَّدُ في الفَلَوَاتِ الَّتي من ذُهُولٍ مُطبِقْ، مَشدُودٌ بأنداءِ البعيدِ وأسرابهِ الضَّائعةْ، غاربٌ مثلِ شِرَاعٍ أوهنتهُ الظُّنُونْ..
هأنَذَا مِثلَ قِفَارٍ سَاهِرَةْ،
مثلَ شُجُونٍ أوقدتها المغَارِبْ.
(2)
هأنتَ ذَا يا أيِّلَ البِلادِ الضَّرِيرَةْ،
هأنتَ ذَا يكتُبُكَ النَّابُ وتتهجَّاكَ المخالِبْ،
هأنتَ ذَا في شُرُودِ الطَّرَائدِ لا تَزَالْ.
(3)
أيَّها الغريبُ في القَفرْ، من سرقَ نواحيكَ وألواحَكَ يا غَرِيبْ، منْ طمسَ حروفَكَ ثمَّ دلَّ عليكَ النُّحَاةْ، امضِ ها هيَ حَافِلاتُكَ في ترقُّبِ التَّفَاتِيشْ، امضِ هَا هُو زَادُكَ في بُرودَةِ العَوَامِيدْ، امضِ ها هيَ العَتَبَاتُ والجُسُورْ، التَّلوِيحاتُ والأسَفْ، امضِ لكيلا تنتابُكَ صَرخَةُ الطَّرائدْ، لكيلا الأنقاضُ تعلو عليك.
(4)
ها حَامِلٌ محَاَرِيثِي وَسِلالِي مِن الوجَعْ، مُتشبِّثٌ بطفُولةِ الصَّباحَاتِ وَغَيمَاتِهِ الملوَّنةْ، في المحطَّاتِ والتَّفَاتِيشْ، أترقَّبُ شَجوًا يُقلِّني، أُلَملِمُ ما تَحَاتَّ على الطَّريقِ منِّي، منذُ تَيهِي وغُربَتي، أتدثَّرُ والسُّفَّارِ بالصَّمتِ والحَكَايَا، الحَكَايَا التي من شَجَنٍ وَظَلامْ..
كلُّ شَيءٍ يتقوَّضُ حَولك، وكأنَّكَ أجَّلتَ الخَسَاراتِ يَومًا تِلوَ آخرَ حتَّى امتلأتْ وِديَانُكَ والوِهَادْ، فكيفَ تنجو وأنتَ مُثقَلٌ بالضَّياعِ هَكَذَا؟
كيفَ تنجو وقد أثخنتكَ البِلادْ؟
(5)
وإذَنْ يا غَريبْ، هَا هِيَ ذِي صَبَاحاتُكَ قَدْ شَهُبَتْ.
ها تَتَقَاسَمُ خُبزَ النِّسيَانِ المرِّ معَ العَابرين، جَالِسٌ على العَتَبَاتِ ذَاتِها، تِلكَ مَسَاكِنُكَ البعيدَةُ يا غَرِيبْ، تِلكَ مَسَاكِنُكَ التي حِيكَتْ مِنْ أَسْمَالِ الذَّكريَاتِ وَأيَّامِها، تلكَ مَسَاكِنُكَ بأجْرَانِهَا،
بِقَمُوحِهَا ومَحارِيثِهَا،
بقَمَاريهَا ونَارِنجِهَا،
بنقشِ آنِيَتِهَا،
بندَى أُزْيَارِهَا،
بِنَوَافِذِها،
بحبالِ غَسِيلِها،
بالنَّجَّادِينَ ينفِضُونَ قُطْنَ أعيادِهَا،
تِلَكَ مَسَاكِنُكَ البَعيدةُ يا غَرِيبْ، تلكَ مَسَاكِنُكَ مشغولةٌ بالأمَلْ، تلك مَسَاكِنُكَ عندَ نَحْرِ الظَّهيرَاتِ فهلْ تَرَاهَا؟ تلكَ مَسَاكِنُكَ بِرَواكِيبِها التي مِنْ ذَهَبِ المقيلِ وَلَيمُونِها، تلكَ مَسَاكِنُكَ أيُّها الغريبُ بكِسْرَةِ إفطَارِها وَقَهْوَةِ فجرِهَا تَفتحُ البِيبَانَ لَكْ، تُغدِقُ أَحضَانَها على نَوَاحيكَ فَخُذْهَا، وانْهَرِ اليأسَ المقرفِصَ في عتَبَاتِكَ يَا غَرِيبُ وخُذْهَا،
يَنتَظِرونَ دربَكَ يَا غريبُ فالحقْ بهمْ..
ينتَظِرونكَ بالفَوَانِيسِ أوَّلَ اللَّيلِ فالحَقْ بهمْ،
يَنتظِرونكَ بالحكاياتِ فالحَقْ بِهمْ،
يَنتظِرونكَ بالمَشَاويرِ فالحَقْ بِهمْ،
وانسَ المآتمَ،
انْسَهَا يا غَريبْ.
المنشورات ذات الصلة
برايتون
... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر...
في طريق السفر تخاطبك النجوم
مغامرة صغيرًا كنتُ، صغيرًا جدًّا رميتُ صنارتي إلى البحر اجتمعت الأسماك معًا، رأيتُ البحر! * * * صنعتُ طائرة ورقية بسلك...
بين صحوي وسُكْرها
رغمًا ترددتُ.. لم أسكَرْ ولم أَصْحُ! في كأسكِ البرءُ أم في كأسكِ الجرحُ؟ قصّت جناحي بأفْق الحبّ أسئلةٌ ...
0 تعليق