كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
قمر أسود
وُلد الشاعر المكسيكي خورخي كونطريراس هيرّيرا عام (۱۹۷۸م) بولاية هيدالغو المكسيكية في بلدة تُسمّى «تيثايّوكا» وتُشتهر بكونها موطنًا ومسقط رأس أول شاعر رومانسي في تاريخ أدب المكسيك وهو إغناثيو رودريغيث غالبان (١٨١٦-١٨٤٢م). ويُعَدُّ خورخي كونطريراس شاعر هذه البلدة المكسيكية الأول حاليًّا وهو من الأصوات الشعرية الواعدة في المشهد الأدبي المكسيكي والأميركي اللاتيني. إضافة إلى كونه شاعرًا، عُرف كونطريراس أيضًا بكتابة المقالات وبنشاطه الأدبي والثقافي الدؤوب، وبخاصة على صعيد مدينته «تيثايّوكا» بولاية هيدالغو (وسط المكسيك) ولا سيما أنه يُدير عدة مهرجانات شعرية دولية أهمها «مهرجان إغناثيو رودريغيث غالبان الدولي للشعر» الذي يسعى من خلال تنظيمه إلى التعريف بهذا الشاعر الذي يدين له الأدب والشعر المكسيكيّان بالكثير بوصفه أول من أدخل التيار الرومانسي إلى بلاده، ورغم أنّه لم يعش طويلًا فإنّ أثره كان كبيرًا في المشهد الأدبي لبلاده خاصة، وأميركا اللاتينية عامة حتى قال عنه أحد النقاد المكسيكيين المعاصرين: «لو لم يَمُتْ رودريغيث غالبان شابًّا لكان بمنزلة شكسبير أميركا اللاتينية». أصدر خورخي كونطريراس ما يزيد على ست مجموعات شعرية أبرزها: «قصائد الكندور»، و«جَرْدُ اللّمسات»، و«المرآة المناسبة»، وديوان «حوت 52» وهو أحدث إصداراته؛ إذ نُشِر عام (٢٠١٨م) واستلهم عنوانه من اسم حوت فريد اكتُشِف سنة (١۹٨۹م) يسبح وحيدًا في المحيط، وكان يُصدر صوتًا لا مثيل له بقوة 52 هرتز، رأى فيه العلماء تعبيرًا عن عزلته وعلامةً على بحثه اليائس عن الرفقة. ويُمكن تأويل ذلك بإسقاط حالة الحوت على سيرة الشاعر خورخي كونطريراس الذاتية، إذْ إنّ فراقه المأساوي عن زوجته المحبوبة وأمّ ابنه الوحيد بصم حياته ومساره الشخصي والأدبي. فنجده يذكُرها ويتذكّرها في قصائده كثيرًا حتى أمست مصدر إلهامٍ له أكثر من أيّ شيءٍ آخر؛ إلى حدِّ أنّ شعره كلَّه صار يتمحور حول حبه الضائع لأسباب واقعية وظروف اجتماعية ما فتئ يُضمِّنها بين سطور أشعاره بطريقة رومانسية لا تخلو من نفحات حداثية مزاوجًا بذلك في الشكل والمضمون بين تيارين شعريين لهما أثرٌ عميقٌ في أعماله الشعرية. ويتّضح ذلك بجلاء من خلال الديوانين اللذين ترجمنا منهما على سبيل الاختيار القصائد الآتية وهما: «حوت 52» و«المرآة المناسبة» الذي صدّره الشاعر بإهداء خاص إلى طليقته جاء كالتالي: «إلى زوجتي السابقة مع حبٍّ مُؤلِم».
1. عائلةٌ مكسيكيّة
حين تزوّجتُ لَمْ أكُنْ أَملِكُ ما أؤدِّي بهِ ثَمنَ الكِراء
فأعطَوْني قِطعةً مِنَ المَنْزِل:
غُرفةُ الأطفالِ فيها سريران؛
وفي المطبخِ مَوْقِدٌ صغيرٌ،
وبرّادٌ مُفكَّك.
في غُرفتِنا هي تُعانقُني
والرضيعُ ينامُ إلى جوارنا.
إنّنا عائلة، أنا وهي،
رضيعٌ وطفلانِ يذهبانِ إلى المدرسة.
لقد تَخلّيْتُ…
لم أستطعْ أنْ أجِدَ وظيفةً جيّدة.
إنّها وُعودٌ تُؤْذينا.
أراكِ جميلةً حينَ تستقبلينني،
ولاحقًا، عِندَ الفجرِ، حينَ تنامين
وأنتِ تعانقينني ورأسُكِ على صدري
أراكِ فأُعاني، يُؤلمُني أنْ أمنَحَكِ الجُوعَ مع الحُبّ.
2. المِرآةُ المناسِبة
أعلمُ أنِّي لا أكتبُ لكي أُوقِفَ الزمن
أو لكي أَشْغَلَ حيِّزًا مِنَ الكون.
أكتبُ لكي أَفهَمَ وأَسْتَوعِب.
بمناسَبةِ الحديثِ عن عِلْمِ الأديان
إنَّ الربَّ خلقَ الناسَ ليتعارفوا.
ومِنْ دُونِ المِرآةِ المناسِبة
سَوْفَ تُفنينا العُزْلة.
3. المَرأةُ والقصيدة
المرأةُ كالقصيدة، تُلزِمُكَ بكلِّ شيْء.
أنتَ مَنْ يختار، قلبُكَ المُرتَجِفُ يختار.
وفي النهاية، تهجُرُكَ المَرأةُ أو القصيدة.
إحداهُما قد تَحرِمُكَ مِنْ كُلِّ شيءٍ
والأُخرى قد تَمنحُكَ كُلَّ شيْء.
4. أشباح
إنَّ الصّمْتَ خُطبةٌ طويلةٌ
مِنَ الصُّوَرِ والارْتِيابات.
إنَّهُ الجوابُ الذي لا ترْغَبِينَهُ،
الكلِمَةُ المُرَّةُ
والازْدِراء،
إنَّهُ النَّغْمَةُ المُوافِقة.
لقدِ استطَعْتُ كَسْرَ الوهْمِ
الذي شَكَّلَ كَيْنونَتنا،
ذلكَ الشّبَحُ المُسَمَّى:
نَحْنُ.
5. قمرٌ أسْوَد
يا قمرًا قد أَمْسَى الآنَ ليلًا
إنَّكَ بتواضعٍ سماويٍّ
تُظْهِرُ مِنَ النُّجومِ بَرِيقَها القديم.
إنِّي أسْتَشِفُّ حُضورَكَ
أيُّها القمرُ، يا أيُّها الأَسْوَد.
خُذْ لَكَ مِنِّي ظِلِّي أيْضًا.
6. شهورُ يناير
سيكونُ البدرُ كاملًا
دومًا خلالَ شهورِ يناير،
سترقصينَ عاريةً على راحةِ يدي؛
وستُحَلِّي فصولُ الشّتاءِ قهوتَنا.
سنستحْضِرُ كلَّ بدايةٍ
كَمَنْ عاشَ ألفَ سَنة،
معكِ، إنّها الجنّةُ المُسترجَعة.
7. الغد
أتيْتُ لأكْتُبَ تَحْتَ سماءِ «تيثايّوكا» هاتِه.
تُهَمْهِمُ الأشجارُ كُلَّما لامَسَت الرِّيحُ أوْراقَها.
وها أنا ذا هنا.
لقد نَجَوْتُ.
اليومَ وبَعْدَ كثيرٍ منَ الحُبّ، قَدْ ودّعْتُكِ.
تقولُ لي الرّياحُ أشياءً
أظُنُّها جيِّدة،
وأظنُّ أنّ هناكَ غَدًا مِنْ أجْلِي.
المنشورات ذات الصلة
برايتون
... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر...
في طريق السفر تخاطبك النجوم
مغامرة صغيرًا كنتُ، صغيرًا جدًّا رميتُ صنارتي إلى البحر اجتمعت الأسماك معًا، رأيتُ البحر! * * * صنعتُ طائرة ورقية بسلك...
بين صحوي وسُكْرها
رغمًا ترددتُ.. لم أسكَرْ ولم أَصْحُ! في كأسكِ البرءُ أم في كأسكِ الجرحُ؟ قصّت جناحي بأفْق الحبّ أسئلةٌ ...
0 تعليق