كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
شقيق البلخي:
دهاليز البحث عن الحقيقة
«اصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها واحذر أن تحرقك» (شقيق البلخي)
للحقيقة مسارها الخاص على مستوى الفرد والثقافة والتاريخ. ولكل منها «دهاليزه» الخاصة، مع أنها بمجموعها تشكل ما أدعوه بمنطق الثقافة في تاريخ الأمم. وقد أبدعت الثقافة الإسلامية «منطقها» الخاص أو عقلها الثقافي بوصفه نتاجًا لتلقائية نموها الذاتي.
وقد سار التصوف ضمن المسار العام للعقل الثقافي ومنطقه الذاتي ولكن عبر تجاربه الخاصة بوصفها فلسفة المطلق الروحي والأخلاقي. وحقق ذلك في التجارب الفردانية لشيوخه واستمرارها في السلسلة الصوفية، أي في نمو وتهذيب التجارب الخاصة لشيوخه وبثّها في روح المكابدة الحية من أجل بلوغ الحقيقة. وليس مصادفة، أن يصل التصوف إلى الفكرة القائلة، بأن من ليس له إمام فإمامه الشيطان. والمقصود بذلك أن من لا يتمسك بتراكم التجارب الحية للبحث عن الحق والحقيقة، أي خارج تكامل التجارب التاريخية للثقافة الخاصة ومرجعياتها في العلم العمل، فإنها عادة ما تؤدي بالفرد إلى الزيغ والضلال أو الدوران الفارغ في ما لا قيمة له وفيه. فالشخصية الحقيقية والأصيلة بمختلف مستوياتها وميادين إبداعها النظري والعملي هي التي تختزل في ذاتها وتتمثل تجارب الأسلاف، أي تجارب الواقع والتاريخ. من هنا فكرة «الإمام» الصوفية أو فكرة الشيخ والمريد التي تتمثل تجارب التربية الروحية والأخلاقية والعقلية والذوقية في مجرى غرسها الوجداني الحي في ما أطلق عليها المتصوفة مصطلح السلسلة الصوفية. فهي توحي من حيث الظاهر بالقيد والقيود، لكنها في جوهرها هي نفي لقيود التقليد بفعل جوهرية الطريقة في بلوغ الحقيقة. إنها قلادة الوصال الروحي والوجداني الذي لا بد منه من أجل أن تتكامل الشخصية بمعايير التجربة الفردية المقيدة بدورها بمرجعيات الروح الثقافي العام والصوفي الخاص.
فالسلسلة الصوفية تؤدي في التصوف الوظيفة المتناقضة نفسها لربط وتقييد المريد بشيوخ الطريقة، بوصفه طريق الارتقاء إلى مصافّ المشيخة، أي جعل إدراك الحدود وتحقيقها أسلوب بلوغ الحرية. ومن ثم فهي تتمثل رحيق التجارب التاريخية بأبعادها التربوية والأخلاقية والمعرفية والنفسية والوجدانية. إنها سلسلة الذاكرة الحية وليس حلقة من حلقات الذكر. وهو الأمر الذي يوسِّع بدوره، رغم المفارقة الظاهرية للعبارة، الأبعاد الحية في التجربة الفردية.
وقد حقق شقيق البلخي (ت-194 للهجرة) هذه الحالة، بوصفه نموذجًا لتمثل وتمثيل حقيقة الزهد. وحقيقته، كما في وصف أبي نُعَيْمٍ الأصفهاني إيّاه، هي «الركون والسكون، ونحول الأعضاء والغضون، والتخلي عن القرى والحصون». كما لو أنه التائه في بيداء التوكل على المطلَق بوصفه تحريرًا من رقّ الأغيار، حسب العبارة المتصوفة. فقد دخل شقيق البلخي طريق التصوف بحالته الخاصة. وعمومًا لم يدخل اثنان الطريق بصورة متشابهة، من هنا تعرّج مساراتهم في البحث عن الحقيقة. فالحقيقة جلية فقط في دهاليز البحث الحر والإخلاص لها. آنذاك يأخذ لمعانها في القلب وعبره إلى الوجود. فدخول الطريق يعني المسار غير المتناهي في البحث عن الحقيقة؛ وذلك لأنه امتحان دائم للإرادة عبر تنقيتها والسمو بها صوب الحق، ونهايتها السكون في وحدة العزيمة والتوكل، أو الفناء في الحق والبقاء به، وما بينهما دهاليز المقامات والأحوال بوصفها التجربة الذاتية لتذوق الحقيقة والعمل بمعاييرها.
لقد سلك المتصوفة جميعًا طريق الانتقال من شريعة الجسد إلى حقيقة الروح، ومن جسد الشريعة إلى روح الحقيقة. ولم يشذ شقيق البلخي عن هذا المسار المتعرّج لكي يستقيم في نهاية المطاف مع نفسه في الأقوال والأعمال والفكر. فالتعرج هو استقامة ضمن دهاليز البحث عن الحق والبقاء به، شأن الاعوجاج بالقوس هو عين الاستقامة فيه، كما يقول ابن عربي.
فقد كان شقيق البلخي في البداية شاعرًا وتاجرًا. وقد ظلت بقايا التجارة متحجرة في شخصية المريد فيه قبل أن يقطع مسار الطريق بالتوبة الشاملة والانتقال إلى قيم التصوف ومعاييره وذوقه وأحكامه. وهو أمر طبيعي، كما نراه في النادرة المروية عنه؛ إذ يحكي أنه جاء إلى أستاذه أبي هاشم الرماني، وفي طرف كسائه شيء مصرور. فقال له أستاذه:
«أي شيء هذا معك؟
لوزات دفعها لي أخ، وقال لي: أحب أن تفطر عليها.
يا شقيق! وأنت تحدّث نفسك أنك تبقى إلى الليل؟ لا كلمتك أبدًا». وأغلق في وجهه الباب(١).
أو أن يقول له عبدالعزيز بن داود: «يا شقيق! ليس البيان في أكل الشعير ولا لباس الصوف. البيان المعرفة. أن تعرف الله وتعبده ولا تشرك به شيئًا. ثم الرضا عن الله، ثم تكون ما في يد الله أوثق منك في أيدي المخلوقين»(٢). وقد كان مقصود العبارة هنا يعني أن معرفة الله وعدم الإشراك به هو ضرورة رؤية الأشياء جميعًا بعين المطلق، وأن الله موجود في كل موجود، وأنه الجمال والجلال في كل مظاهر الوجود، وأنه التنوع والتبدل والتغير، وكل الاحتمالات الكامنة في الوجود، بوصفها نعمة، ومن ثم محبة. فمعرفة من هذا القبيل تؤدي إلى الرضا والتوكل.
لكل تجربة صوفية حالتها الخاصة
وبغض النظر عن طابعها الجزئي والعابر، فإنها تكشف عن الحقيقة القائلة بأن السير في الطريق هو معاناة وتهذيب دائم للإرادة وتنقية القلب. إذ لا يتحرر المرء من ثقل الماضي بين ليلة وضحاها. ومن ثم فإن الخلاص من أثر الميزان الخفي الكامن في الشخصية و«تقييمه» لثمن السلوك يفترض تدمير هذا الميزان أو رميه. ولكل تجربة صوفية حالتها الخاصة.
إذ يروي عن أسباب وبداية انتقاله إلى الطريق الصوفي هو أنه خرج إلى بلاد الترك للتجارة وهو حَدَثٌ. وكان الأتراك بمختلف قبائلهم يعبدون الأوثان. فدخل إلى هيكلهم وعالمِهم محلوق الرأس واللحية، ويلبس ثيابًا حمراء أرجوانية. فقال له شقيق: إن هذا الذي أنت فيه باطل! ولهؤلاء ولك ولهذا الخلق خالق صانع ليس كمثله شيء، قادر على كل شيء، رازق كل شيء.
ليس يوافق قولك فعلك!
وكيف ذلك؟
زعمت أن لك خالقًا رازقًا قادرًا على كل شيء، وقد تعنيت إلى ههنا لطلب الرزق. ولو كان كما تقول، فإن الذي رزقك ههنا هو الذي يرزقك فتريح العنا.
لقد اصطدم هنا بحجارة الوثنية التي لم يجد لاحقًا أسلوبًا لتفتيتها سوى سحقها في نفسه بوصفها نفسًا لا وحدة فيها ولا صلابة؛ بسبب كونها محكومة ومسيَّرة بالقيم الجزئية العابرة. وسوف تجد هذه الحالة الجوهرية التي أجبرته على دخول طريق الحق تعبيرها في ما وضعه من فكرة تقول: «عملت في القرآن عشرين سنة حتى ميزت الدنيا من الآخرة في حرفين وهو قوله: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى)»(٣).
لقد تراكمت شخصية شقيق البلخي قبل دخوله التصوف في عوالم الشعر والتجارة، بمعنى أنها كانت تحتوي من ناحية مقدماتها الشخصية على عوالم الوجدان والعصيان، أو المادي والروحي ولكن في أكثر أشكالها نتوءًا ومفارقة. وليس مصادفة أن يكون نفيها اللاحق في شخصيته قد جرى عبر تمثل وتحقيق الزهد وفكرة الزهد في أغلب مواقفه النظرية والعملية. كما أنه ليس مصادفة أن تتبلور شخصيته اللاحقة، بعد التصوف، على مزاج المغامرة الحية ولكن باسم الحق. ففي إحدى المعارك الدامية مع الترك عندما كان مع حاتم الأصم، قال له شقيق وهما بين الصفين(٤):
كيف ترى نفسك يا حاتم؟ تراه مثل الليلة التي زفت إليك امرأتك؟
لا والله!
لكني والله أرى نفسي في هذا اليوم مثله في الليلة التي زفت فيها امرأتي!
ثم نام بين الصفين ودرقته تحت رأسه(٥).
لقد كانت هذه الصيغة «المتهورة» للشجاعة تعكس هدوء الروح واستراحته بما في ذلك في أشد حالات المواجهة الخطرة لمظاهر الوجود. وليست هذه الصفة سوى إحدى حلقات القلادة الروحية التي كانت تزين شخصية البلخي، بوصفها تراكم حلقات القيم الصوفية العملية. فالشجاعة العميقة هي الوجه الظاهري للخوف الباطني (الصوفي). فقد توصل شقيق البلخي إلى أن حدّ الخوف وحقيقته تقوم في ما وضعه بعبارة تقول: «العاقل لا يخرج من هذه الثلاثة أحرف (خوف)، الأول أن يكون خائفًا لما سلف منه من الذنوب، والثاني لا يدري ما ينزل به ساعة بعد ساعة، والثالث يخاف من إبهام العاقبة لا يدري ما يختم له»(٦). ففي هذه الفكرة نعثر على عناصر ومقومات ومحددات الشجاعة. فالذي يخاف من ذنوبه وجهله بما سيقع له ومما ستكون عاقبته أولى بالشجاعة منه. ففيها تحقق معاني الخوف العقلي -العملي، والروحي- الأخلاقي وليس خوف الغريزة والجسد. من هنا قوله: «استعد إذا جاءك الموت لا تسأل الرجعة»، و«احذر ألّا تهلك بالدنيا، ولا تهتم إن رزقك يُعْطى أحدًا سواك».
إن تحرير المرء بالخوف من الخوف هي الصيغة الأرقى لتراكم حقيقة الشخصية بمعايير الحق والحقيقة. وينطبق هذا على كل قيم ومواقف المتصوفة بوصفها أحوال الوجدان الحق ومواقف الحقيقة المتعرجة في مقامات الارتقاء الذاتي وطريق الاستقامة الثابتة. فالفقير يصبح من «أصاب من الله حفظ الفقر»، وينطبق هذا على موقفه من الجوع الذي وضعه في عبارة تقول: «العبادة حرفة حانوتها الخلوة وآلتها المجاعة»(٧). أما التوبة فهي «أن ترى جرأتك على الله وترى حلم الله عنك»(٨). بينما حقيقة الطاعة هي الطاعة لكل شيء حسن. وإن حسن الطاعة أربعة أشياء هي: «إذا رأى العبد نفسه في طاعة فليقل لنفسه: «هذه طيبة من الله»، وإذا علم ذلك كسر العجب، وإذا نسي الله طمع في الخلق، وألّا يكون همّ المرء في طلب رضى الخلق»(٩).
إن مهمة وحقيقة القيم المتراكمة في شخصية البلخي تهدف إلى تحريره من رق الأغيار، بما في ذلك نفسه وحياته ومماته. من هنا وصاياه التي وضعها في اثنتين، الأولى وكان يقولها لمن يقدم عليه من العرب: «توحّد الله بقلبك ولسانك وشفتك. وأن تكون بالله أوثق مما في يديك، وأن ترضى عن الله». والثانية وكان يقولها لمن يأتيه من الأعاجم: «احفظ مني ثلاث خصال: أولها أن تحفظ الحق، وأن يكون الحق بالإجماع، وألّا تدخل في شيء من الأشياء إلا أن يكون معك بيان ذلك الشيء وعلمه»(١٠). وهما وصيتان مترابطتان، الأولى «نظرية» والثانية «عملية» وكلاهما من أصل وجذر واحد، كما أنهما يرميان إلى غاية واحدة وهي الحرية الذاتية المحكومة بمعرفة الحق وتحقيقها العملي.
وقد ترتب على تأسيسه لفكرة الحرية الذاتية المحكومة بمعرفة الحق وتحقيقها العملي نوعية إسهامه الفكري والروحي في مسار التصوف العام. فقد كان شقيق البلخي أول من دقق في تصنيف العبارة والفكرة. وتتبع بذلك ووسّع ما وضعه إبراهيم بن أدهم، وتتبعه بهذا الصدد وتوسع أيضًا به تلميذه حاتم الأصم. كما أنه وضع أسس فكرة الأحوال أو أنه أول من تكلم بها وحوّلها إلى قضية فكرية وعملية من خلال جعلها ميزان تدقيق وتحقيق الوجدان الذاتي في الموقف من الحق.
فقد رفع التصوف فكرة الحق (الله( إلى مصافّ المرجعية المطلقة. وهو الأمر الذي جعل من الطريق الصوفي ونمو الوجدان النظري والعملي فيه أسلوبًا لبلوغ المرجعية المتسامية لعناصره الجوهرية. فالتصوف هو فكرة المرجعيات، وليس الأصول. مع أن للأصول قوتها فيه. وقد كانت فكرة تطابق الله مع فكرة الحق والحقيقة من بين أكثر المرجعيات تعميمًا وتدقيقًا. وحقيقة الله في التصوف هي الحقيقة. والطريق إليها يفترض السير أولًا بمعايير الشريعة من أجل إعادة إدراكها والعمل بموجبها بمعايير الحقيقة، أي رؤية أبعادها الأخلاقية والإنسانية غير المتناهية والمتجددة، بوصفها تجارب العقل الثقافي الإسلامي والإنساني.
واتخذت هذه الأبعاد لشقيق البلخي تحقيقها النظري والفعلي في ميدان التجربة الصوفية. وقد حققها من خلال إبراز جوهرية الزهد بوصفه الطريق الفعلي لبلوغ الحقيقة. إذ نعثر هنا للمرة الأولى في تجارب المتصوفة الأوائل على تصنيف وتدقيق للفكرة والعبارة والكلمة في الموقف من الأحوال والمقامات. ومن ثم مساهمتها الجدية في حدّ وتحديد المسار العام للفكرة الصوفية.
فعندما تناول فكرة الزهد وتجلياتها، فإننا نراه يحدد ماهية الزهد ونتائجه الفعلية، كما في قوله: «الزهد ثلاث خصال هي نتاج الزاهد: أن يميل على الهوى ولا يميل مع الهوى؛ وينقطع الزاهد إلى الزهد بقلبه؛ وأن يذكر كلما خلا بنفسه كيف مدخله في قبره وكيف مخرجه»(١١) .وعليها بنى فكرته عن التمييز بين الزاهد والمتزهد. «فالزاهد الذي يقيم زهده بفعله، بينما المتزهد هو الذي يقيم زهده بلسانه». من هنا استنتاجه عن حقيقة الزاهد ومظاهره المتكاملة كما في قوله: «أكمل الزهاد عند الله أتقاهم له، وأقرب الزهاد إلى الله أشدهم خوفًا، وأحب الزهاد إلى الله أحسنهم عملًا، وأفضل الزهاد عند الله أعظمهم فيما عنده رغبة، وأتم الزهاد زهدًا أسخاهم نفسًا وأسلمهم صدرًا، وأكمل الزهاد زهدًا أكثرهم يقينًا»(٢١) .واستكمل هذه الفكرة بما سمّاه تبيان الفرق أو التمييز بين الزاهد والمتزهد. إذ هناك عشرة أبواب من الزهد إذا خالفها سُمِّيَ متزهدًا (بمعنى يتشبه بالزاهد في المظاهر).
١. إذا سرَّته حسنة وساءته سيئة،
٢. كره أن يحمد بما لم يفعل،
٣. إذا عرف هذه الخصال صرف فيها ليله ونهاره،
٤. ذِكْر الله عنده أحلى من العسل،
٥. محبة مجالسة الزهاد وتفضيلهم على غيرهم،
٦. الخلوة بالبكاء على الذنوب،
٧. إظهار التبسم والنشاط مع الناس، كأنه دار رغبة لا رهبة،
٨. لا يعتبر نفسه أنه خير من أحد،
٩. معرفة ذنوب النفس ثم ذنوب الغير،
١٠. (ترك الفتنة (فتنة النفس(١٣).
وتتلو هذه الأبواب العشرة، حسب رؤية شقيق البلخي، سبعة أبواب أخرى هي:
١. التواضع لله بالقلب لا بالتصنُّع، طوعًا لا اضطرارًا،
٢. حسن المعاشرة مع من ابتُلِيَ بمعاشرتهم،
٣. الهرب من المنكبين على الدنيا،
٤. طلب العافية من كل من يخاف عقابه،
٥. مجالسة البكائين على الذنوب،
٦. مخاطبة العالمين بظاهره لا بقلبه،
٧. عدم الخوف من الكائن بعد الموت والأهوال والشدائد(١٤).
يعكس هذا التدقيق تراكم إشكاليات العلم والعمل. ومن خلالها بدأت تظهر وتتدقق مختلف جوانب الفكرة، وبالأخص أثرها في السلوك، وبالأخص في مجال توسع وتعمق وتدقيق الأبعاد الباطنية للفكرة والسلوك. ومن ثم تدقيق وتحقيق الفكرة الصوفية بوصفها فكرة المطلق الإسلامي، أو النموذج الأخلاقي المتسامي والنزعة الإنسانية. وهو الأمر الذي يجعل من الزاهد الصوفي الفرد المقيد (ومن ثم الفردانية المقيدة) بهذا الثالوث.
الزهد بوصفه أداة الرقي الأخلاقي
إننا نقف هنا أمام لوحة دقيقة في خطوطها وألوانها عن ماهية وحقيقة ومهمة الزهد، بوصفه أداة الرقي الأخلاقي وإدراك الحقيقة. وأولها هو ما يمكن دعوته بصمدية القلب وصموده أمام الأهواء والهوى. وهي الفكرة التي وضعها في عبارته القائلة، بأن من نتائج الزهد هو أن يميل المرء على الهوى ولا يميل مع الهوى، ومن ثم انقطاع الزاهد بقلبه تجاه كل شيء، أي الانقطاع الباطني أو الانقطاع بمعايير الحقيقة. والأخير يعني الاشتراك الفعال بمعاييرها في العلم والعمل. من هنا جوهرية العمل وليس الكلام. ولا معيار لجوهرية العمل سوى الله أو الحق. بمعنى أن معيار الزهد هو الله. من هنا تنوع الإنصات إلى الباطن والظاهر وتحكيم فكرة الحق في كل ما يواجهه بمعايير الزهد مثل كراهية أن يحمد بما لم يفعل، ومحبة مجالسة الزهاد وتفضيلهم على غيرهم، وإظهار التبسم والنشاط مع الناس، كأنه دار رغبةً لا رهبةً، وألّا يعتبر نفسه أنه خير من أحد، وترك الفتنة وما إلى ذلك. وذلك لأن كمال الزهد كما يقول شقيق البلخي يقوم في إدراك وتحقيق الفكرة القائلة، بأن حقيقة الزهد هي اليقين. وهي الذروة التي يبلغها الصوفي حالما يمر بمختلف أو أغلب طرق الوصول إلى الحق.
ووضع شقيق البلخي هذه المقدمة المفصلة والمدققة لحقيقة الزهد ومظاهره وتجلياته الفعلية الظاهرة والباطنة في أساس تميز الزاهد من غيره. فعندما تناول هذه القضية على مثال المقارنة بين الزاهد والراغب نراه يضعها بالشكل التالي: الزاهد والراغب كرجلين يريد أحدهما المشرق والآخر يريد المغرب. دعاء الراغب: «اللهم ارزقني مالًا وولدًا وخيرًا، وانصرني على أعدائي، وادفع عني شرورهم وبغيهم وبلاءهم وفتنتهم، آمين». بينما دعاء الزاهد هو: «اللهم ارزقني علم الخائفين وخوف العاملين، ويقين المتوكلين وتوكل الموقنين، وشكر الصابرين وصبر الشاكرين، وزهد الصادقين، وألحقني بالشهداء والأحياء المرزوقين، آمين رب العالمين»… هذا طريق وذاك طريق(١٥). ومع أنهما لا يتعارضان، إلا أن الفرق بينهما يرتقي إلى مصافّ الخلاف النوعي بين فكرة الرجعية المتسامية وفكرة القواعد العملية. الأولى تترقّى في مسار الروح، والثانية تتمنى بلوغ رغبات النفس والجسد. الأولى مهمتها العطاء والثانية مهمتها الاغتناء.
إن طريق الصوفي في الزهد، هو عينه طريق الزاهد في الطريق (الصوفي). من هنا رغبته في بلوغ حقيقة ما سمّاه البلخي علمَ الخائفين وخوف العاملين، ويقين المتوكلين وتوكل الموقنين، وشكر الصابرين وصبر الشاكرين، وزهد الصادقين. بمعنى بلوغ الحق عبر معاناته في المفاصل الجوهرية للطريق الصوفي التي حصرها شقيق البلخي في كل من الخوف، والتوكل، والشكر، والصبر، والزهد.
وقد طبعت هذه المنظومة الفكرية الصوفية الأولية وحددت في الوقت نفسه مضمون المقامات والأحوال كالرضا والتوكل والصبر. إذ عدَّ الرضا على بِضع خصال وهي «أمن من الفقر، وحب القلة، وخوف الضمان»(٦١). بينما عدّ التوكل أربعة أنواع وهي : توكل على المال، وتوكل على النفس، وتوكل على الناس، وتوكل على الله(١٧). أما الصبر فيحتوي، حسب تصنيف البلخي، على سبعة أبواب يسلك بها طريق الزهاد(١٨)، وهي الصبر على الجوع بالسرور لا بالفتور، وبالرضا لا بالجزع(١٩)، والصبر على العري بالفرح لا بالحزن، والصبر على طول الصيام بالتفضل لا بالتعسف، والصبر على الذل بطيب النفس لا بالإكراه، والصبر على البؤس بالرضا لا بالسخط، وطول الفكرة حول الأسئلة من أين؟ وكيف؟ ولعل؟ وعسى؟(٢٠). وتقدم لنا هذه الصورة المختصرة والمكثفة عن أولوية وجوهرية الاعتماد على الحق بوصفه صبرًا. فالصبر هو معاناة وبلاء ظاهري، لكنه في جوهره هو مكابدة الإرادة الباحثة عن نموذج أمثل لتمثل وتحقيق فكرة الحق والحقيقة. ففي ظاهره هو مواجهة المشكلات بما ينفيها عبر تنقية القلب، لكي لا تتهشم حقيقة الإرادة بوصفها انتصاب القلب في طلب الحق. وهي النتيجة التي بلغت ذروتها في فكرته عن التوحيد، التي جعلت من توحيد القلب مقدمتها الأولية، ومن ثم العمل بما فيه محكومًا بفكرة الحق (الله)، وبعدها تحقيق حقيقية التوحيد بالإخلاص التام. ووضع ذلك بصورة مقتضبة تقول، بأن التوحيد هو «أن توحّد الله بقلبك ولسانك وعملك، وأن تجعل عملك كله لله لا لغيره، ثم التوحيد والإخلاص والتوكل عليه»(١٢).
عوالم الحدس والمعرفة النقية
وقد احتوت هذه الذروة العلمية – العملية في تصوف شقيق البلخي على أبعادها المعرفية (النظرية) والعملية. بمعنى الخروج من مألوف القواعد النظرية المنطقية العادية إلى عوالم الحدس والمعرفة النقية، ومنها إلى عوالم الإنسان ووعيه الذاتي. من هنا قول شقيق البلخي، بأن أهم شيء في المعرفة هو معرفة الله، ومعرفة النفس، ومعرفة أمر الله ونهيه، وأخيرًا معرفة عدو الله وعدو النفس(٢٢). وقد حدد شقيق البلخي مضمون هذه المعارف من خلال مطابقة «معرفة الله» بالمعرفة القلبية، أي تحرير المعرفة من شقاق الكلام والأهواء والمصالح والأعراف والتقليد. فالقلب يتقلب في معرفته للحق ولكنه ثابت فيها. أما معرفة النفس له فهي معرفة الحقيقة القائلة، بأن الإنسان ذَرَّة في الوجود، ومن ثم معرفة الإنسان لنفسه بأنه لا يضر ولا ينفع بحد ذاته. بينما نراه يطابق معرفة الأمر والنهي «الإلهيين» بفكرة الإخلاص في العمل. أما معرفة أعداء الله والنفس فطابقها مع مهمة الجهاد القلبية، أو ما وضعه بعبارة «أن تكون محاربًا مجاهدًا بالقلب». والجهاد القلبي لشقيق البلخي هو جهاد شامل يشمل النفس والروح والعقل والجسد والمواقف من ظواهر الوجود وتجليات الباطن. من هنا موقفه من فكرة وحالة ما سمّاه بالحجاب المغلف للقلب، أو حسب عبارة شقيق البلخي: «على قلب ابن آدم أربعة حجب هي: «إذا أيسر لم يفرح، وإذا افتقر لم يحزن. وكان في الأمرين سواء. فقد هتك سترين. فعند هذا لا يستقر الخير والحكمة في قلبه حتى يكون فيه خصلتان : ترك فضول الشر، وترك فضول الكلام»(٣٢). بعبارة أخرى: إن الصمدية الصارمة لإرادة الروح هي أسلوب تذليل حجب الوجود التي تغلّف قلب المرء وتعرج بالإرادة صوب الجهل. بينما حقيقة الإرادة تستلزم بلوغ الحكمة بالقلب، أي الحكمة الصافية في التعامل مع الوجود بمختلف أشكاله ومستوياته. ولن يتم ذلك، حسب فكرة شقيق البلخي، إلا بسلوك طريق الخير والتأمل الذاتي، أو ما دعاه بترك فضول الشر وترك فضول الكلام. ويستحيل بلوغ ذلك من دون الاختبار الدائم للمفاهيم والقيم عبر تحقيقها في السلوك أو العمل.
إن تحقيق المفاهيم والقيم في العمل هو الوجه الظاهري لباطن المعرفة الصوفية أو ما أسميته بصمدية القلب في الإرادة. ومن الممكن العثور على هذه الفكرة عند شقيق البلخي في ما سمّاه الاستقامة. ومع أنها شاملة وعامة بما في ذلك في تعرجاتها المحتملة، فإنه حددها بأربعة «قواعد» وهي: «لا يترك أمر الله لشدة تنزل به، ولا يترك لشيء يقع في يده من الدنيا، ولا يعمل بهوى أحد، ولا يعمل بهوى نفسه»(٤٢). ووراء هذا النفي تكمن إيجابية الفعل بوصفه استقامة الروح في طلب الحق والحقيقة، أو ما أطلق عليه شقيق البلخي عبارة «استتمام صلاح العمل»، الذي ربطه بضرورة وجود ست خصال وهي: التضرع الدائم والخوف من وعيد الله، وحسن الظن بالمسلمين، والاشتغال بعيبه لا بعيب الآخرين، والستر على الإخوان، واستعظام الأخطاء وأمل الرجاء بالخلاص عنها، وأن يكون صاحبه عنده مصيب(٥٢). إننا نعثر في هذه الخصال على مختلف الصفات الجوهرية للفكرة الإسلامية منذ بدايتها حتى عصر شقيق البلخي، ولكن بعد حصرها وعصرها بأنامل الإرادة واستقامتها الفكرية والعملية. من هنا قوله: «لا نفع بالعلم ما لم تكن فيه خصلتان : التفكر والعبر»(٢٦). ومعنى التفكر والعبرة عند شقيق البلخي هو تفريغ القلب للتفكر، وتفريغ العين للعبر. وضمن هذا السياق تبلورت وتحددت مواقفه من مختلف قضايا الفكر والواقع. فعندما يتناول، على سبيل المثال، الموقف من «دخول الجنة»، أو بلوغ المرام الكبير أو السعادة الخالصة أو ما يقارنها في الحياة، فإننا نراه يربط «حق الدخول إليها» بالمعرفة واليقين والرضى، أي أنه يربطها بقيم الفكرة الأخلاقية والمعرفية المتسامية وليس بتصورات الفقهاء وعلماء الكلام وتقاليد العبادات أيًّا كان نوعها. بمعنى أن هذا «الحق» هو حصيلة الروح المبدع للقيم المتسامية وليس حركات الجسد المعطّر بروائح العبادات وشموعها وبخورها! بالتالي، فإن معنى المعرفة وقيمتها لـ«دخول الجنة» يتطابق مع معرفة الله بالقلب واللسان والسمع وجميع الجوارح. وينطبق هذا بالصيغة نفسها على اليقين. أما الرضى فيعني الرضى بما هو موجود بوصفه وجودًا إلهيًّا مع ما يترتب عليه من حدود وحوافز الإرادة التلقائية في مواقفها الظاهرة والباطنة، ومن ثم «لا يحرّك شيئًا من جوارحه إلا بإقامة الحجة عند الله» كما يقول شقيق البلخي. وهي ذات الفكرة التي بلورها في ما سمّاه ضرورةَ وجود ثلاث خصال لا بد للإنسان من القيام بها، وهي: أن يوحّد الله بقلبه ولسانه وعمله، وأن يجعل عمله لله لا لغيره، وأن يتوكل عليه في كل حال ومقال وموقف(٢٧).
مركزية الاستقامة
حددت هذه الرؤية التلقائية لتجربة شقيق البلخي الصوفية مواقفه الفكرية مما كان يدور حوله وفيه. بمعنى مركزية الاستقامة العلمية والعملية المحكومة بمرجعية الحق والحقيقة في «الأنا». من هنا قوله، على سبيل المثال: «من دار حول العلو فإنما يدور حول النار». بمعنى أن كل ما في دورانه عبث مرهق لا طائل تحته، كمن يدور حول النار ليأكل ما فيها! وأنه «إذا نسي الإنسان الله طمع في الخلق». من هنا مطالبته بالابتعاد من الأغنياء؛ لأن «الطمع فيهم يجعلهم أربابًا»(٨٢). واستكماله بطلب آخر يقول: «لا يكون همك في طلب رضى الخلق وسخطهم، ولا يكونن خوفك إلا ما قدمت من الذنوب»(٩٢). وينطبق هذا على كل مواقفه العديدة والمتنوعة والمختلفة في مظاهرها أحيانًا، لكنها تتوحد في كونها تعبيرًا صادقًا عن الأحكام المجردة والقيم المتسامية للقلب الباحث عن صفاء وجوده في وجده الدائم لحقائق الحال والحقيقة. وقد يكون موقفه من مهمة السلطة والسلطان، أو الدولة تجاه المجتمع والفرد، والموقف من «وحدة الأديان» أحد النماذج الكبرى بهذا الصدد.
إذ يمكن العثور على موقفه من السلطة والسلطان في الحكاية المروية عن لقائه هارونَ الرشيد. وتقول القصة: إن شقيقًا البلخيَّ دخل على هارون الرشيد يومًا، فقال له هارون الرشيد:
أنت الزاهد؟
أنا شقيق، ولست بزاهد.
أوصني!
يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قد أجلسك مكان الصديق رضي الله عنه، وإنه تعالى يطلب منك مثل صِدْقِه، وإنه تعالى أعطاك مكان عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه، وهو يطلب منك الفَرْقَ بين الحق والباطل مثله، وإنه تعالى أقعدك مكان ذي النورين عثمان رضي الله عنه، وإنه يطلب منك حياءه وكرمه، وإنه أقعدك موضع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإنه يطلب منك العلم والعدل كما طلب منه.
زدني من وصيتك.
نعم! إن لله دارًا تعرف بجهنم، وإنه جعلك بواب تلك الدار، وأعطاك ثلاثة أشياء لتردَّ عباده عنها: أعطاك بيت المال، والسوط، والسيف، وأمرك أن تمنع الخلق من دخول النار بهذه الثلاثة، فمن جاءك محتاجًا إلى طعام حلال فلا تمنعه حقه في بيت المال حتى لا يسرق ويقتل. ومن خالف أمر دينه تعالى، وخرج على حدود الله فأدِّبْه بالسوْط. ومن قتل نفسًا بغير حق فاقتله بالسيف، بإذن ولي المقتول. فإن لم تفعل ما أمرك الله فأنت تكون الغريم لأهل النار، والمتقدم إلى أهل البوار.
زدنا!
يا أمير المؤمنين، مثلُك كمثلِ مَعِين الماء، ومثلُ سائرِ العلماء كمثل السواقي على منبع الماء، فإذا كان المَعِين صافيًا لا يضرُّ كدر السواقي، وإذا كان المعين كدرًا لا ينفع صفاء السواقي.
فبكي هارون الرشيد من قوله، وأمر له بمال، لكنه أبى أن يأخذه، وتركه وانصرف.
إننا نقف هنا أمام أحد الأنماط النموذجية للوصية السياسية التي ميزت الثقافة الإسلامية بشكل عام والصوفية بشكل خاص. بمعنى خلوها من الانصياع للسلطة والعمل بمعاييرها ورغباتها. بل على العكس، إننا نعثر فيها على مهمة التوعية الأخلاقية المتسامية المميزة لتقاليد الوصايا. وفي عبارات شقيق البلخي نعثر على وصية الروح المتسامي الذي توصل إلى أن السياسة المتروحنة هي ضمان العدل الشامل في الدولة والأمة. ومن ثم مقدمة النجاح في الحياة الدنيا والآخرة حسب معايير الرؤية الإسلامية آنذاك. وفي الوقت نفسه ينبغي للسلطة أن تتبع تقاليد السياسة الإسلامية الرفيعة وجعلها مرجعية في الموقف من الفرد والجماعة والأمة، مع التركيز على الدور الفاعل والجوهري للسلطة بالنسبة للصلاح والإصلاح.
أما موقفه من «وحدة الأديان» فنعثر عليه في رده أو تعليقه على النصائح التي قال بها حاتم الأصم. حيث قال شقيق البلخي: «إني نظرت في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فوجدت الكتب الأربعة تدور حول هذه الفوائد. فمن عمل بها كان عاملًا بهذه الكتب الأربعة»(٠٣). ولا يعني ذلك من حيث الجوهر سوى العمل بمعايير الروح الصوفي المتسامي، أي المجرد عن ضيق الانتماء. فالانتماء الصوفي الكبير هو انتماء للحق والحقيقة. وما عداها غلاف وحجاب قد يفيد وقد يضر، غير أن ذلك يبقى ضمن مطالب «الغريزة الثقافية» وليس ضمن مساعي الروح والحقيقة، بوصفها دهاليز الأنا الباحثة عن ذاتها وغاياتها الكبرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(١) الغزالي: إحياء علوم الدين، بيروت، دار الفكر (ب-ت)،ج4، ص454.
(٢) الأصفهاني: حلية الأولياء، بيروت، دار المكتبة العلمية (ب-ت)، ج8، ص59.
(٣) السلمي: طبقات الصوفية، ليدن، 1960م،ص56-57.
(٤) إننا نعثر في هذه الحادثة وكثير غيرها من الروايات على الانهماك الفعال للمتصوفة الأولى بشؤون الحياة الكبرى للدولة والأمة، كما هو جلي في اشتراكهم في الحروب والغزوات.فقد مات إبراهيم بن أدهم بأثر اشتراكه في الحروب، كما نعثر على ذلك في شخصية حاتم الأصم وغيره من بين أوائل المتصوفة. وهو الأمر الذي يشير إلى الصيغة الأولية والفعالة للسمو الباطني والاشتراك الظاهري في الحياة. وقد كانت هذه السمة والصفة مميزة لأغلب شيوخ التصوف الكبار، بما في ذلك في العصر الحديث، كما نراه في مثال شخصية المهدي في السودان، والسنوسي وعمر المختار في ليبيا، وعبدالقادر الجزائري في الجزائر وغيرهم. حتى في مصر كان أغلب القادة الأوائل متربون بتقاليد التصوف.
(٥) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص 64.
(٦) السلمي: طبقات الصوفية، ص57.
(٧) الغزالي: إحياء علوم الدين، ج3، ص82.
(٨) السلمي: طبقات الصوفية، ص59.
(٩) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص69.
(١٠) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص62.
(١١) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص62.
(١٢) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص70.
(١٣) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص67.
(١٤) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص67.
(١٥) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص70. هنا نقف أمام بروز واضح للمصطلحات الصوفية ومفاهيمها، إضافة إلى تحديدها الدقيق.
(١٦) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص61.
(١٧) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص61.
(١٨) إن فكرة وعبارة الزهد والزهاد لها استتبابها في الوعي والطريقة والأسلوب والفكرة. إننا نعثر فيها هنا على جمع بين طريق وزهد، أي أسلوب خاص بالزهاد، وأن هذا الأسلوب يختلف عن غيره في ما يتعلق بالصبر. وهو الأمر الذي يجعل من الصبر هنا شيئًا آخر غير ما هو متعارف عليه بمعاني العبارة وتقاليده الإسلامية السابقة وصيغته القرآنية المباشرة.
(١٩) إننا نعثر هنا على حالة تشير إلى أن بداية التصوف كانت تحتوي على مواجهة الواقع بمعايير الرؤية المتفائلة والسلوك الجميل. إنها المرحلة الأولية التي لم تتعامل مع الواقع بمعايير وحدة الأضداد، بل بمعايير مواجهته وتحديه عبر مواجهة النفس وتحديها، أي أولوية الإرادة وتربيتها بمعايير الحق.
(٢٠) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص60.
(٢١) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص63.
(٢٢) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص60-61.
(٢٣) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص68.
(٢٤) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص71.
(٢٥) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص66.
(٢٦) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص71.
(٢٧) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص63.
(٢٨) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص71.
(٢٩) الأصفهاني: حلية الأولياء، ج8، ص69.
(٣٠) الغزالي: فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، دمشق- بيروت، 1986م، ص12.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق