علاقة الفلسفة بالعقل العربي، راوَحتْ بين الرفض والقبول تارة، والتشكك والحذر، وأحيانًا القطيعة، تارة أخرى. والتاريخ العربي يتضمن صفحات غير ناصعة مع الفلاسفة والفلسفة، بصفتها مدرسة للحرية وفضاءً حرًّا لإطلاق الأسئلة وتمارين على ممارسة الشك.
ذلك أن الفلسفة هي تفكيك مستمر لما تكرس بفعل عادة اجتماعية أو اجتهاد فكري، ولهذا السبب يقدِّم دعاة الجمود وسادة الانغلاق الفلسفةَ على أنها خطيرة، ويتوجب الحذر منها والنأي عنها.
إذًا الذهنية العربية، كما يأتي في الملف، كانت ولم تزل تدور في فلك النص، ومن ثم «غابت السرديات العلمية والفلسفية والجمالية، إلى جانب حضور السرديات المقدَّسة الكبرى، تلك التي أصبحت تقود الحياة اليومية والفكرية والسياسية لدى كل طبقات المجتمع»، وإن هذه الذهنية هي التي أنتجت الفكر المتطرف الذي نجمتْ عنه عقليات إرهابية تسعى لتدمير كل شيء.
يعاني العالم العربي اليوم احتراباتٍ ورِدَّةً فكريةً، وأيضًا هجمات التكفير، ونبذ التنوير، وإقصاء العقل، لذلك تبدو الفلسفة والاهتمام بها ضرورة وحاجة مُلِحّة. فالتراث الفلسفي، كما يذكر نور الدين أفاية في هذا الملف، يزخر بأدوات فكرية من شأنها أن تسعفنا بفهم التحولات الجارية في مجتمعاتنا وفي العالم، ويمدنا هذا التراث بما يلزم من أدوات التفكير الذاتي والحس النقدي ومحاصرة الانغلاق والفكر السِّحْريّ.
من هنا، أن يتبنَّى مجتمع ما الفلسفةَ ويُدخلها في مناهجه، معناه الرغبة في القول: وداعًا لحِقبة هيمنتْ بظلاميَّتها وجمودها على المجتمع، وبالتالي عاقتْ تقدمَه، وفتْح صفحة جديدة تترك مساحة حرة للعقل لممارسة فاعليته من خلال التفكير العقلاني؛ سعيًا إلى رسم ملامح لمستقبل مختلف.
في الواقع اهتم العالم العربي بالفلسفة خصوصًا في المجتمعات التي توافرت لها باكرًا أسباب النهوض الفكريّ والحضاريّ، وكان هناك ممثلون من المفكرين والفلاسفة العرب، لفلاسفة من الغرب، لكن السؤال الذي من المهم طرحه هنا: هل أثر هذا الاهتمام بالفلسفة في الذهنية العربية، ودفعها إلى السؤال والتفكيك؟ أم بقيت الفلسفة أو آلت إلى مجرد درس في الجامعة أو المدرسة، ولم تتحول، كما يقول مراد وهبة، إلى رُؤى فلسفية في إمكانها الإسهام في تطهير المجتمع العربي من جرثومة التخلُّف المتمثلة في المُحرَّمات الثقافية التي يتوارى فيها العقل الناقد الذي هو أساس التفلسف؟
إقرار السعودية تدريس الفلسفة في مناهجها العامة، الإقرار الذي عدَّه المهتمون تاريخيًّا، رأت فيه «الفيصل» مناسبةً مثاليةً لفتح ملف الفلسفة في الوطن العربي، وأهمية أن يتفلسف العرب، إضافة إلى النظر إلى ما يحدث من حروب ورِدَّة في ضوء غياب الفلسفة أو في حضورها، فيما لو حضرت، ملف يشارك فيه فلاسفة ومفكرون وباحثون وأدباء عرب.
0 تعليق