المقالات الأخيرة

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

برايتون

برايتون

... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر لذيذ يعبر رأسه، تخلبه أشتات يوم قديم، يمسك بمعصم ابنه ويسيران إلى خارج المحطة، ينحدر بهما طريق يمتد من محطة القطار ويصب في شاطئ البحر، يقف أمام البحر...

الرسول في الوثائق الصينية

بواسطة | ديسمبر 25, 2015 | كتاب الفيصل

نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين، في قرن تتطور فيه العلوم بصورة مذهلة، وتسقط فيه القيم والأخلاق، وتقلّ فيه الجوانب الإنسانية، وتكثر فيه الهمجية مع أننا نعيش جميعاً في العصر المتحضّر، وكلنا يسعى وراء المصالح المادية والمنافع الذاتية تاركاً المُثُل والمبادئ. والبشرية اليوم في أشدّ الحاجة إلى الرقيّ الخلقيّ والسموّ النفسي من خلال التعرّف إلى عظماء التاريخ الذين قدّموا للعالم أجلّ الخدمات وأروع الأعمال والأخلاق.  ولا شك أن أعظم هؤلاء على الإطلاق هم أنبياء الله ورسله، وعلى رأسهم أفضل الرسل وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم

 

لذلك جعله الكاتب مايكل هارت في كتابه: (المئة.. تقويم لأعظم الناس أثراً في التاريخ)، أولَ هذه المئة بوصفه الشخصية الأكثر Untitled 3عمقاً وتأثيراً متجدِّداً في شعبه وفي تاريخ الإنسانية، وبوصفه الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي(1). وقد أكّد الله سبحانه وتعالى ذلك مصرِّحاً في محكم آياته: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{ (الأحزاب: 21)؛ أي: هو قدوة حسنة في الأقوال والأفعال والأعمال، وفي الصفات الخَلقية والخُلقية؛ ليكون للمسلمين أنموذجاً للتأسّي والاقتداء، ولغيرهم وثيقة صادقة تطلعهم على حقيقة الإسلام والصورة الحقيقية لرسوله صلى الله عليه وسلم.

لم يكن اسم محمد صلى الله عليه وسلم غريباً لدى الصينيين القدامى، فقد دخل هذا الاسم أول ما دخل في أذهان الصينيين مع دخول الإسلام والمسلمين العربِ الصينَ في وقت مبكر، فمن ذلك الوقت ظهر هذا الاسم المبارك في الوثائق والسجلات الرسمية، وأصبح معروفاً، كما كانت الصين معروفة لدى العرب آنذاك، وقد دلّ على ذلك القول المأثور: (اطلبوا العلم ولو في الصين). والحديث عن محمد صلى الله عليه وسلم في ثنايا الكتابات الصينية لا ينفكّ عن الكلام عن دخول الإسلام الصين؛ لذا سنتحدث عن الموضوع من الناحيتين: دخول الإسلام الصين، وذِكر محمد صلى الله عليه وسلم في الوثائق والسجلات الصينية.

نبذة عن تاريخ دخول الإسلام الصين

من المعروف أن اتصال الإسلام بالصين كان من طريقين: طريق الحرير البري، وطريق الحرير البحري. وقد كثرت الأقوال والآراء حول زمن دخول الإسلام الصين، واختلفت حتى يتعارض بعضها مع بعض. وفيما يأتي ذكر أهمّ تلك الأقوال والآراء بإيجاز مع ترجيح الرأي الراجح فيها.

  • دخول الإسلام الصين في العام الثاني من حكم يونغ خوي Yong hui الإمبراطور الثاني في دولة الأسرة الملكية تانغ عام651م، التي حكمت الصين من عام 618 إلى عام 907م:

الدليل على ذلك ما ذكر فن بلاد العرب قد أوفدت في العام الثاني من حكم الإمبراطور يونغ خوي عام 651م مبعوثها إلى الصين، وهذا العام يوافق سنة 30 أو 32ه تقريباً في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، بمعنى أن الخليفة الثالث من الخلفاء الراشدين قد بعث وفداً إلى الصين في ذلك العام، كما يروى ذلك في الكتب الصينية القديمة بوصفه اتصالاً رسمياً بين بلاد العرب والصين. وهذا الرأي يكاد يصبح شبه متفق عليه في أوساط الباحثين في هذا الموضوع؛ لأنه مبنيّ على التدوينات التاريخية المعتمدة.

ويقول صاحب كتاب (هوي هوي يوان لاي)- أصل المسلمين في الصين: إن الإسلام قد وصل إلى الصين في عام 628م، وكان السبب في ذلك أن الإمبراطور جنغ قوان رأى في منامه أن شيخاً معمَّماً يدفع عنه وحشاً مفترساً غريب الشكل، وقد هاجه ولم يجد مفراً منه، فعندما أصبح التقى وزراءه، وسألهم عن تعبير الرؤيا، فقال قائل منهم: إن الشيخ المعمّم هو العرب؛ فلديهم القوة والبسطة، والوحش المفترس الغريب الشكل الذي هاجم الإمبراطور هو عنصر عدائيّ أو شخص ثائر في البلاد، فلا يمكن قمعه إلا بقوّة المسلمين، فبعث الإمبراطور سفيراً إلى بلاد العرب، ملتمساً من ملكهم أن يرسل عدة فرق من الجيوش إلى الصين، فبودل ثلاثة آلاف من جنود المسلمين بثلاثة آلاف من جنود الصين، فكان هؤلاء الجنود هم آباء المسلمين في الصين.

لكن هذه الرواية ليس فيها شيء يدعونا إلى الاعتقاد بصحّتها؛ لأنها مبنيّة على رؤيا الإمبراطور التي لا تدلّ إلا على الأوهام والخرافات المسيطرة على أذهان الصينيين، وأن الرواية كانت في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولو حدث مثل ذلك في حياته لذُكر في السيرة النبوية وكتب  تسونغ لينغ(5)، واستولى على ختن، واستعد للهجوم على مدينة كاشغر. وكان الإمبراطور الصيني آنذاك روي تسونغ لا يريد الحرب، بل اختار الموادعة مع قتيبة ودفع الجزية للمسلمين، فأرسل قتيبة بن مسلم الباهلي عشرة من الدعاة وعالماً فلكياً إلى مدينة تشانغ آن عاصمة الصين حينذاك. وهذه هي بداية دخول الدعاة المسلمين الصين حسَب ما سجلته بعض الكتب التاريخية. وهذا القول مبني على أساس اجتياح قتيبة بن مسلم الباهليّ حدود الصين: منطقة تسونغ لينغ، واستعداده للهجوم على مدينة كاشغر. لكن الحقيقة أن قتيبة بن مسلم الباهلي لم يجتح بجنوده حدود الصين، بل توقّف عندها، ولم يَرِد في الكتب التاريخية الموثوقة أيّ ذكر عن إرسال الدعاة المسلمين وعالم فلكي إلى داخل الصين؛ مما يجعل المرء يشكّ في صحّة هذه الرواية.

– دخول الإسلام الصين في العام الثاني من حكم تشي ده Zhi de  في عهد دولة الأسرة الملكية تانغ عام757م:

يرى أصحاب هذا الرأي أن زمن دخول الإسلام الصين هو عهد حكم الإمبراطورين التاسع والعاشر: سو تسونغ Su zong، وداي تسونغ Dai zong في دولة الأسرة الملكية تانغ بين عامي 756 و780م، وهذا القول أقرب إلى الحقيقة التاريخية(6)، وهو ما نرجّحه؛ لأنه عندما ظهر تمرّد القائد الصيني آن لو شان An lu shan ضدّ الأسرة الملكية تانغ استنجد إمبراطور الصين بجنود المسلمين للقضاء على الثوار والمتمرّدين، فأرسل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف من رجاله البواسل لمساعدة ملك الصين في قمع الثورة، واستقر بعض هؤلاء الجنود في الصين بعد إخماد نيران التمرّد، وتزوّجوا من صينيات، وتولّدت منهم طبقة خاصّة أصبحت هي نواة المسلمين في الصين. ويمكن لنا أن نجعل هذه الحقبة هي بداية وجود المسلمين الحقيقي في الصين، وكذلك بداية حقيقية لانتشار الإسلام فيها.

والمراد بدخول الإسلام الصين هو ابتداء اعتناق أهل الصين الدين الإسلامي داخل أراضي الصين، وهذا الأمر فعلاً حدث في عهد الإمبراطورين: سو تسونغ، وداي تسونغ. وإن لم يكن هناك بدّ من تحديد الزمن، فلا بأس أن نحدّده بالعام الثاني من حكم تشي ده  Zhi de في عهد الإمبراطور سو تسونغ Su zong في دولة الأسرة الملكية تانغ عام 757م(7).

 

الإسلام في طيّات السجلات والوثائق التاريخية في عهد تانغ

لا شك أن الصينيين القدامى قد سمعوا كثيراً عن العرب قبل الإسلام بوساطة التجّار الذين كانون يتنقّلون بين المدن lojoالصينية والمدن العربية آنذاك على طريق الحرير المشهور. وقد أثبتت السجلات التاريخية وجود تبادلات تجارية بين بلاد الصين والبلاد الواقعة وراء حدودها الغربية، بما فيها بلاد الفرس وبلاد العرب منذ وقت مبكر، وأن ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية قوةً صاعدةً تشتدّ شوكتها يوماً بعد يوم قد هزّ العالم آنذاك. وكما كانت الصين معروفة لدى العرب بصورة يشهد عليها القول المأثور (اطلبوا العلم ولو في الصين)، فكذلك كان الصينيون على علم بالعرب، خصوصاً التغيرات التي ظهرت في بلاد العرب بعدما بزغ نور الهدى؛ لذلك نرى الكتب الصينية الوثائقية تكثر من ذكر الأحوال والتحوّلات التي وقعت في بلاد العرب، حتى قيل: إن جُلّ الأقوال في المؤلفات الصينية القديمة عن البلاد الأجنبية تمثّل ما قيل عن العرب وأحوالهم.

وكانت بلاد العرب في السجلات الصينية القديمة توصف بالبلاد الواقعة وراء حدود الصين الغربية، وأن المسلمين أو العرب في تلك السجلات العتيقة يُذكَرون باسم (داشي)، ولهذه الكلمة عدة تفسيرات؛ أقربها هو معنى التاجر في اللغة الصينية؛ لكون التجّار هم أول الوجوه المسلمة التي رآها أهل الصين؛ فقد اختلطت المهنة بالملّة كما ورد في وصف فهمي هويدي، وأطلق على كل مسلم اسم التاجر منذ تلك العصور المبكّرة، حتى أصبحت كلمة (داشي) لصيقة بالمسلمين فيما بعد. فالأمويون –مثلاً- يُذكَرون في السجلات الصينية باسم (باي يي دا شي)؛ أي: المسلمون أو العرب ذوو الملابس البيضاء، أما العباسيون فيطلق عليهم (خي يي دا شي)؛ أي: المسلمون ذوو الملابس السوداء؛ إشارةً إلى اللون الأسود الذي اتخذه العباسيون شعارهم(8).

أقدم السجلات والوثائق في عهد تانغ التي تتحدث عن الإسلام والمسلمين هي كتاب (ذكريات الرحلة)، لكاتبه دو خوان Du Huan ، الذي كان من ضمن الصينيين الذين وقعوا أسرى في أيدى المسلمين العرب في معركة طلاس عام 751م، وهو أحد الكتّاب المرافقين الجنود الصينيين تحت قيادة قاوشيان جي Gao xianzhi، ونقل إلى سمرقند، ثم إلى العراق والشام، وأقام بها اثنتي عشرة سنة، وأطلق سراحه فيما بعد، وسمح له بالعودة إلى بلاده عام 762م، فعاد إلى الصين على السفن التجارية في العام نفسه، وألَّف كتاباً سمّاه: ذكريات الرحلة(9)، وهو أول كتاب جاء فيه ذكر الإسلام، وتكلّم صاحبه فيه عن الدولة العباسية من حيث الديانة والتقاليد والعادات، ويعدّ من أصحّ الكتب وأكثرها موضوعية من حيث ذكر أحوال الإسلام والمسلمين آنذاك؛ لكون صاحبه قد عاش عدة سنوات في بلاد المسلمين، ومع ذلك فقد وقع في أخطاء كثيرة تتعلق بوصف الإسلام والمسلمين، إضافة إلى فقدان أصل هذا الكتاب منذ وقت مبكر، لكن سُجِّلت بعض موضوعاته الرئيسة في كتاب آخر، وهو كتاب (الكامل في الأنظمة والقوانين)، وكُتُب أخرى في العصور المتلاحقة(10)، وكثير منها يعكس الحقائق التاريخية، لكنها قد تتجاوز في بعض موضوعاتها فتصلّ حداً يشوّه صورة الإسلام الحقيقية.

يقول دو خوان Du Huan في (ذكريات الرحلة): من قوانين العرب أن من ارتكب جريمة لا يؤخَذ إلا بها من دون سائر أهله وأقاربه(11)، ولا يأكلون لحوم الخنزير والكلاب والحمير والحصان، ولا يعبدون إلا الله، ولا يركعون للملِك ولا للأبوين، وإن كانوا ينالون كل تقدير واحترام، ولا يؤمنون بالشياطين والجانّ، ويعبدون السماء فقط. ومن عاداتهم عطلة يوم واحد في كل سبعة أيام، وفي يوم العطلة لا يبيعون، ولا يبتاعون، ولا يشربون الخمر، بل يمرحون ويلهون طوال اليوم(12)، ويلقّب رئيس العرب بلقب أمير المؤمنين، ومدينة الكوفة هي عاصمتهم. والعرب رجالاً ونساء يتمتّعون بطول القامة، وقوّة البنية، ويهتمّون بحسن الهيئة والطلعة ونظافة الملابس. وإذا أرادت المرأة العربية أن تخرج من بيتها فيجب عليها أن تتحجّب وتستر وجهها، ويصلّون في خمسة أوقات في اليوم والليلة، يستوي في ذلك الملوك والعبيد، ويصومون (نهار شهر رمضان)، ولا يمتنعون من أكل اللحوم عند الإفطار، ويذبحون الأضحية تقرباً بها. ويلبسون الأحزمة المزخرفة الفضّية، ويقلّدون السيوف، ويمتنعون عن شرب الخمر، وينهون عن الموسيقا، وإذا تجادلوا لا يتقاتلون، ولهم مسجد يسع عشرات الألوف، وفي كل سبعة أيام يوم يخرج فيه رئيسهم إليه ليصلي بهم، ويصعد إلى المكان المرتفع، ويبيّن للناس الطريقة، فيقول: إن الحياة الإنسانية صعبة جداً، وطريق الاستقامة ليس سهلاً، والزنا جريمة، ولا ذنب أكبر من السرقة، وإن النهب والتكبّر والظلم والغشّ -وإن كان في أتفه صورة- وجلب النفع للنفس على حساب الآخرين، والتذمّر من الضعفاء، والإساءة إلى الفقراء؛ كلّ ذلك من الجرائم المنكرة لا جريمة بعدها، من ارتكب واحدة منها فقد احتمل إثماً كبيراً. ومن تقدّم إلى ميدان المعركة فقتله العدوّ فإنه يصعد إلى السماء (أي: يدخل الجنة)، وإن قتال الأعداء يجلب ثواباً لا يعدّ ولا يحصى. ويدعو إلى التيسير والتبسيط في تجهيز الأموات، ومن طقوسهم -أيضاً- أنهم يعبدون السماء، ولا يأكلون لحم الميتة، ولا اللحوم التي مضى عليها أيام بعد الذبح(13).

ووصف خوي تشاو Dui chao في كتابه (الرحلة إلى الدول الخمس الهندية)، الذي ألّفه أواخر عهد حكم كاي يوان من أسرة تانغ بين عامي 723 و742م: إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) كان من رعاة الإبل لملك الفرس، ثم تمرّد عليه، وقتله ونصّب نفسه ملِكاً(14). ويقول أيضاً: إن أهل بلاد العرب يحبّون القتل وسفك الدماء، ويؤمنون بالسماء ولا يعرفون شرائع بوذا، ويقولون: من أكل مما ذبحته يداه تحصل له بركة لا تعدّ ولا تحصى، وإن أهل بلاد العرب يذبحون الأضحية، ويتقرّبون بها إلى السماء، وليس في قوانينهم قانون الركوع والسجود(15).

ويقول دو يو Du you في كتابه (الكامل في الأنظمة والقوانين)، الذي ألّفه في عهد جين يوان Zhen yuan من أسرة تانغ بين عامي 785 و805م، الذي خصّص فيه باباً للعرب: إن العرب أرسلوا وفودهم إلى الصين في أواسط عهد يونغ خوي Yong hui  من أسرة تانغ بين عامي 650 و656م، وإن بلادهم تقع غرب بلاد الفرس، وأنه كان في بداية الأمر رجل ينتمي إلى الأقلية في بلاد الفرس (يعني به محمداً صلى الله عليه وسلم)، ساعدته العناية الإلهية، فقتل الناس، وأخضع القبائل المجاورة، فوقعت تحت سيطرته، وأخذت القبائل الأخرى ترسل إليه وفودها التي بلغت أحد عشر وفداً للإقرار برسالته(16).

ويقول الكاتب جيادان Jia dan في كتابه (أخبار البلدان المجاورة) الذي ألّفه في عهد جين يوان Zhen yuan من أسرة تانغ بين عامي 785 و805م: في أواسط عهد كاي يوان في الأسرة الملكية صوي، كان من القبائل العربية قبيلة قريش، وهي أعظم القبائل، وهي تتفرع إلى بني هاشم وبني أمية، ومن بني هاشم وُلد محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهو رجل مقدام حكيم، اتخذه الناس رئيساً ل

ويروى في كتاب تانغ القديم أن بلاد العرب تقع غرب الفرس، وفي أواسط عهد دا يه Da ye من الأسرة الملكية صوي، بين عامي 605 و617م ظهر رجل -يعني به محمداً صلى الله عليه وسلم- من الأقلّيّات الأجنبية في بلاد الفرس، يرعى الإبل على جبل المدينة -يعني المدينة المنورة- فإذا أسد يتكلم، ويقول له: إن في غرب هذا الجبل ثلاثة كهوف، تحتوى أنواعاً من الأسلحة، باستطاعتك أن تأخذها، وحجراً أسود مكتوباً عليه كلمات، من قرأها يستولي على عرش الملك. فذهب الرجل حسَب ما أشار إليه الأسد، فوجد في الكهوف حجراً وأسلحة كثيرة، وعلى الحجر كلمات مكتوبة تحرّضه على التمرّد، فجمع الرجل بعض الناس حوله من الذين لا يهابون الموت، وعبروا نهر خنغ خه، وبدؤوا يسلبون التجار، فارتفع شأنهم يوماً بعد يوم، واحتلّوا المناطق الغربية وراء الفرس، ونصّب الرجل نفسه رئيساً(18).

ويروى فيه أن بلاد (داشي)؛ أي: العرب، بغرب الفرس، منهم قبيلة قريش، وأن السيادة في أيديهم، وقد تفرّع من قريش بطنان: بنو هاشم، وبنو أمية، ومن بني هاشم ولد محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكان شجاعاً ذا علم واسع، فانتخب ملكاً عليهم، وقد قاتل من خالفه حتى كانت الغلبة له(19).

وفي كتاب تانغ الجديد، يقول: إن بلاد العرب تشمل الأرض التي كان قسم منها تحت حكم الفرس، وإن لرجالها أنوفاً شامخة، ولحى سوداً، ويحملون السيوف برباط الفضّة، ولا يشربون الخمر، ولا يعزفون الموسيقا، ونساءهم بيض يتقنّعن عندما يخرجن من البيوت. وفي بلاد العرب بيت عظيم للعبادة، فيه يخطب ملكهم مرة كل أسبوع قائلاً: إن الذين يقاتِلون في سبيل الله ويقتَلون على أيدي الأعداء يُرفَعون إلى الجنة، ومن كانت له الغلبة على أعدائه يكون سعيداً؛ لذا العرب كلهم محاربون مقاتِلون شجعان، ويصلّون خمس مرات كل يوم. وأما أرض بلادهم فكثيرة الحجارة، غير ملائمة للزراعة، فالسكان يشتغلون بالصيد والقنص والرعي، ويعيشون على أكل اللحوم وشرب الألبان، وعندهم جواد يقطع 400 ميل في يوم واحد، وعندهم الإبل أيضاً(20).

يتضح لنا مما سبق أن كلاً من الكاتبينِ: خوي تشاو، ودو يو، قد جعل محمداً (صلى الله عليه وسلم) من الأقلّيات الأجنبية في بلاد الفرس، ومن رعاة الإبل لملك الفرس، ووصفا أعماله التي قام بها في سبيل نشر العقيدة والدعوة إلى الله بالتمرّد وقتل الناس وحبّ سفك الدماء؛ كي يتمكن من الاستيلاء على عرش الملك كما يفعل الصعاليك. ولعلّهم أخذوا هذه المعاني من المصادر التي وصلت إليهم، وهي في الوقت نفسه غير صحيحة. والأغرب من ذلك ما فعله في كتاب تانغ الجديد (جزء العرب)، من أنه قَلَب بعض الأمور -التي كانت في كتاب تانغ القديم وغيره- رأساً على عقب، وبدأ يسرد الحديث عن طقوس العرب الدينية وعاداتهم؛ مثل الصلوات الخمس في اليوم والليلة، والجمعة في كل سبعة أيام، وغيرها، ثم يروي أخبار استيلاء محمد صلى الله عليه وسلم على عرش الملك وفتوحاته، كأنه لا صلة بين دين العرب ومحمد صلى الله عليه وسلم نفسه(21)، وكأن تلك الشرائع والطقوس كانت موجودة في السابق قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل بعض الكتّاب محمداً صلى الله عليه وسلم من الفرس، وجعلوا أعماله الدعوية وغزواته للدفاع عن الإسلام ونشر عقيدته حرباً ومنازعات من أجل الاستيلاء على السلطة والملك، ووصفوا الدين الإسلامي وشرائعه السمحة بأنه طريقة العرب(22).

ويقول دو يو  Du you في كتابه (الكامل في الأنظمة والقوانين)، الجزء المئة والثلاثين: وهم (العرب) يخلصون العبادة للسماء بكلّ إخلاص وتقدير… ومن أخلاقهم أنهم يقاتلون بشجاعة، ويفعلون الخير لإله السماء. وفي أوائل عهد كاي يوان جاء وفد من العرب يقول: إن أهل بلادهم لا يعبدون إلا إله السماء، حتى إنهم لا يؤدّون تحية الركوع أمام الملوك.

ويروى في الجزء المئة من كتاب (مجموعة من الأنظمة الاقتصادية والسياسية في عهد تانغ)(23) أن العرب يعبدون إله السماء، ويمرحون بشرب الخمر، ولهم مسجد يسع مئات الناس، وفي كل سبعة أيام يجلس رئيسهم على المكان المرتفع، ويبيّن لهم الطريقة والقوانين، ويقول: من قتله العدوُّ في المعركة يصعد إلى السماء (يدخل الجنة)، وإن قتال الأعداء يجلب ثواباً؛ لذا يقاتلون بشجاعة، وأغلب أراضيهم صحراوية لا تصلح للزراعة، ولا يأكلون لحم الخنزير، ولا يأكلون إلا لحوم الإبل والحصان.

 

مغالطات الوثائق التاريخية

نحن نرى تلك السجلات والوثائق التاريخية قد تناولت أغراضاً كثيرة؛ مثل: أركان الإسلام من إيمان بالله وصيام وصلاة، والأضحية، وغيرها، لكن هناك أغلاطاً فادحة؛ فقد خلط الكتّاب كلهم بين المصطلحات الإسلامية الخاصّة والمصطلحات الشائعة عند الصينيين البوذيين الوثنيين، فوصفوا الإله الحقّ الواجب الوجود بألفاظ مثل: السماء، أو إله السماء، كما هو المتعارف عليه لدى الكفار الصينيين القدامى، لكن الله سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد الفرد الصمد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. كما تناولت تلك الكتب الطقوس الدينية عند المسلمين العرب، ويوافق وصفهم جانباً من الصورة الواقعية من حياة المسلمين(24)، ومن ذلك:

  • التحريض على الجهاد، نحو قولهم: من قتله العدوُّ في المعركة فإنه يصعد إلى السماء (أي: يدخل الجنة)، وإن قتال الأعداء يجلب ثواباً لا يعدّ ولا يحصى.
  • المحرمات والمنهيات من الأطعمة والأشربة، نحو قولهم: من أكل مما ذبحته يداه تحصل له بركة لا تعدّ ولا تحصى، ولا يأكلون لحوم الخنزير والكلاب والحمير والحصان، ولا يأكلون لحوم الميتة، ولا اللحوم التي مضى عليها أيام بعد الذبح، ولا يشربون الخمر.
  • تجهيز الجنازة والأموات، نحو قولهم: إذا مات رجل فإنه يجهّز بأسرع ما يمكن، ويكفّن في الأثواب البيضاء، ولا يجعل له تابوت، ويدفن في التراب. وقديماً قيل: تجهيز الأموات يتطلب التيسير والتبسيط.
  • الأخلاقيات، نحو قولهم: إذا أرادت المرأة منهم أن تخرج من بيتها، يجب عليها أن تتحجّب وتستر وجهها.
  • الحجر الأسود، وهو حجر يقدّره المسلمون كلّ تقدير، غير أن الكتّاب الصينيين القدامى جعلوه من الحكايات الأسطورية، نحو قولهم: إن في غرب هذا الجبل (جبل المدينة المنورة) ثلاثة كهوف، وفيها أنواعاً من الأسلحة، باستطاعتك أن تأخذها، كما أن فيها حجراً أسود مكتوباً عليه كلمات، من قرأها يجلس على عرش الملك، ثم نقل الملك الحجر الأسود من الكهوف إلى قصره(25)، وعلى الحجر كلمات مكتوبة تحرّضه على التمرد، وغير ذلك.

ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الوثائق الصينية

وردت حكايات صينية كثيرة عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب الصينية القديمة، نذكر بعضاً منها على سبيل التمثيل بغضّ النظر عن تصحيحها وتوثيقها؛ إذ الغرض من ذلك معرفة مدى تأثير الإسلام في الأمم الأخرى. وإليكم ما سرده محمد مكين ناقلاً ما ورد عن ذكر النبي الكريم في بعض الوثائق الصينية: كانت عند مسلمي الصين رواية مشهورة مضمونها أن ملك الصين الملك الثاني من ملوك أسرة تانغ Tang الملقّب بتاي تسونغ Tai zong رأى في منامه حيواناً مفترساً يهاجمه، وبينما هو لا يستطيع التخلّص منه إذا برجل وقور، يرتدي طيلساناً، ويلبس عمامة بيضاء، وبيده سبحة، أخذ يدافع عنه. فأصبح الملك وجمع وزراءه وأمراءه وحواشيه جميعهم، وقصّ عليهم رؤياه، وطلب منهم تعبيرها. فقال قائل منهم: إن الحيوان المفترس يرمز إلى ثائر سيثور في البلاد، والرجل الوقور هو نبيّ من الأنبياء قد وُلد في جزيرة العرب. وتعبير الرؤيا أن بلاد الصين لا يدوم أمنها وصلاحها من دون بركة هذا النبي الكريم. فأوفد الملك وفداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليطلب منه أن يبعث بعثة لنشر الإسلام في الصين، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلبه، وبعث مع الوفد ثلاثة من صحابته الأفاضل، توفي اثنان منهم في الطريق بسبب متاعب السفر، وعندما الْتقى ثالثهم ملك الصين أكرمه وأحسن ضيافته، وبنى له مسجداً في العاصمة لنشر الإسلام، فهو نواة الإسلام في مواطن بني الجنس الأصفر. ووفق هذه الرواية، فقد ظهر الإسلام في الصين في آخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الملك تاي تسونغ استولى على عرش الصين من عام 627م إلى عام 644م، لكن المؤرخين الثقات لا يقيمون وزناً لهذه الرواية(26).

وورد في بعض الكتب التاريخية الصينية أن ملك الصين الملك الأول من ملوك أسرة صي الملقب ون تي Wen Ti رأى في ليلة من الليالي نجماً زاهراً، فأمر رئيس الكهنة أن يتكهّن له، فوجد ذلك دليلاً على ظهور رجل عظيم الشأن في بلاد العرب، فبعث الملك رسولاً لهذا الأمر، ووصل رسوله بعد سنة كاملة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يسافر بنفسه إلى الصين، فاعتذر إليه، وبعث معه أربعة من صحابته؛ منهم خاله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكان ذلك في عام 587م(27). وروي أن رسول الملك صوّر صورة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سراً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رفض طلبه، ولما رأى الملك صورته عليه السلام سُرّ بها كثيراً، وعلّقها على حائط بلاده ليسجد له، فمنعه سعد بن أبي وقاص، فسأله عن سبب المنع، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يمنعنا عبادة الصور والتماثيل، وأنه لا عبادة إلا لله الواحد القهّار، فأعجب الملك بهذا المبدأ النزيه. ويروى أن سعد بن أبي وقاص كان قد اعتذر إلى الملك بهذا الكلام نفسه؛ إذ امتنع عن السجود له، فعذره وأمر ببناء جامع في كانتون: مدينة قوانغتشو حالياً؛ ليسكن في أروقته، وسمّاه جامع الشوق إلى النبي، وهو قائم موجود إلى الآن(28). وكذلك في كانتون ضريح يسمى روضة سعد بن أبي وقاص، صار مزاراً مشهوراً تشدّ الرحال إليه.

وواضح أن هذه الرواية واهية وباطلة من غير شكّ؛ لبنائها على رؤيا هي بمنزلة الخرافة التي لا يقوم عليها علم يقينيّ، وأن العام الذي وقع فيه هذا الحادث هو عام 587م، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لَمّا يُكلَّف بالرسالة بعد، ثم إذا كان المراد بسعد بن أبي وقاص ذاك الصحابي الجليل المشهور فاتح القادسية فذلك لا يتّفق مع الحقائق التاريخية؛ لأن الثابت في المصادر العربية أن سعد بن أبي وقاص لم يذهب إلى الصين قطّ، وأنه مات بالعقيق على مسافة عشرة أميال من المدينة المنورة سنة 54هـ. إذاً، من هو هذا الشخص الملقّب بسعد بن أبي وقاص خال النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا نجد له جواباً إلى اليوم(29).

وهناك مقطع باللغة العربية يحمل اسم بياض اللون، وهو مقطع شائع جداً بين عوامّ الناس من المسلمين الصينيين، ويعدّون هذا المقطع شيئاً مقدّساً في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، حتى يجعله بعض الجهّال بمنزلة الرقية والتميمة، ويكتبونه بالخط الجميل فيعلّقونه في البيوت، وهو في الحقيقة وصف لبعض الصفات الخَلْقية للنبي صلى الله عليه وسلم، والمقطع هو: شمائل النبي عليه السلام بياض اللون، أزج، أشهل، أقنى الأنف، مجتمع اللحية، أملح، تامّ القدّ، رقيق الأنامل، شعره كالخط من الصدر إلى السرّة، طويل اليدين والأذنين. ولم نجد أصلاً لهذا المقطع.

ومن أروع ما ورد عن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب الصينية القديمة ما نُسب إلى الملك الأول من ملوك أسرة مينغ، الملقّب بتاي تسونغ عام 1328م، من قصيدة مكوّنة من مئة كلمة في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى الحرفيّ هو: وُلد في جزيرة العرب النبي الأعظم، الذي كتب اسمه في اللوح المحفوظ، وتلقّى من الملِك العليّ كتاباً منقسماً إلى ثلاثين جزءاً، وبُعِثَ رحمةً للعالمين، فكان ملِكاً مربّياً للخَلْق كافّة، وسيّداً كريماً للرسل والأنبياء أجمعين، وكاشفاً الفيض الأقدس، وحامياً الرعية، ويصلي كل يوم خمس مرات داعياً للعالم بالأمن والسلام، ويخاف من الملِك الحقّ، ويشفق على الفقراء والمساكين، ويعين على الشدائد، ويعلم أسرار الدنيا والآخرة، ويشفع للأرواح، وينقذها من النار، فقد غمر العالَمين بفضله، وبهر المتقدمين والمتأخرين بسُنَّته، وجمع الأديان فهذّبها، حتى صار ديناً طاهراً حقاً، وإن محمداً لأفضل الأنبياء(30).

هذا المقطع المكوّن من مئة حرف صيني منسوب إلى الملك الأول من أسرة مينغ الملكية تشو يوانتشانغ، الذي حكم الصين من عام 1368م إلى عام 1399م، على الرغم من التشكّك في صحة نسبته إليه في الأوساط الأكاديمية. وكان هذا المقطع منقوشاً على النصب الحجرية التذكارية لبناء مسجد جينغ جيوه بعاصمة الصين آنذاك مدينة نانجينغ عام 1388م، وقد سجّله العلّامة الصيني المشهور الشيخ محمد عزيز ليو تشي، المتوفى عام 1764م، في كتابه (سيرة خاتم النبيين)، وهو أول كتاب تسجّل فيه حياة النبي عليه الصلاة والسلام باللغة الصينية الكلاسيكية، وبطريقة منهجية، كما وضح ذلك في كلمة التقديم للكتاب.

 

الخاتمة

شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم من أعظم البشر وأكمل إنسان على الإطلاق، ويقرّ بذلك المنصفون في مشارق الأرض ومغاربها، ولا ينكر أفضليته وعظمته إلا الحاسدون الحاقدون، ولم يخلُ زمان من كلا الفريقين، فيظهر بين حين وآخر تشويه متعمّد لصورة الإسلام ورسوله في مختلف الوسائل؛ في الكتب، والروايات، والقصص، والتمثيليات، والصور الكاريكاتيرية؛ للنيل من الإسلام ورسوله الكريم؛ حتى إننا نجد من بين المسلمين أنفسهم من هو الجافي والغالي في حقّ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم. ومن خلال هذا العرض السريع يتضح لنا حقيقة ثابتة هي أن الحقائق التاريخية لا تُبنى على الحكايات والأساطير؛ لذا نصل إلى نتيجة مهمة، وهي ضرورة عرض سيرة رسولنا الصحيحة بشكل سليم وموثوق بشتى اللغات الحيّة، وأفضل طريق هو ترجمة الكتب العربية الأصيلة في هذا الصدد ونشرها؛ فمحمد هو الإنسان الذي يفرح ويحزن كما يفرح ويحزن سائر البشر، وهو الذي يحرص كل مسلم على أن يكون ظله في الأرض، فيتحلّى بخُلُقه ويهتدي بهديه. ومحمد هو الرسول الذي تلقّى الوحي، وتنزّل عليه الهدى؛ فهو مثال يحتذى به. ومحمد هو الرجل الكامل من حيث الوفاء، والأمانة، والحياء، والإخلاص، والصدق، والعفاف، وغير ذلك من مكارم الأخلاق. ومحمد هو المعلِّم الكبير، الذي كانت حياته كلها إرشاداً وهدايةً وتعليماً وتربيةً؛ لذا فالمسلمون مطالَبون بتعريف شعوب العالم برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وما قدّمه من خير للبشرية؛ كي يتغيّر مسار العالم به في المجالات الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويتحقّق ذلك من خلال دراسة سُنّته من أقوال وأفعال ومواقف، ودراسة سيرته العطرة؛ فهي الطريقة المثلى للتعريف بنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما أننا مطالبون بالتحلّي بأخلاق النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، وأن نكون خير نموذج لمبادئه وأخلاقه، بعيدين من أي قول أو فعل أو سلوك يسيء إليه أو يشوّه صورته؛ كي يُعرَض الإسلام في صورته الحقيقية السمحة.

 

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *