كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
تجليات الصداقة في السينما
أصدقاء يخونون وآخرون يتساءلون: لكَمْ من الوقت سأتمكن من الاستمرار بلا صديق؟
تتعدّد مداخيل الحديث عن موضوع الصداقة في السينما، من هذه المداخل ما تشترك فيه مع مجالات معرفية وأدبية وفلسفية وفنية أخرى، ومنها ما تختصّ به السينما وحدها، فالصداقة لم تغادر السينما قط! ولا يخلو أيّ فِلم من طرح مختلف عن الصداقة، فهي إما أن تكون موضوعًا رئيسًا، أو موضوعًا ثانويًّا، أو محورًا للصراع، أو للمساعدة، حتى بتجاوز حضورها المتعلّق بالمضامين، فهناك مدخل آخر يتعلق بصداقات صنعت السينما، كصداقة المخرج والممثل أو صداقة ممثلين.
لقد عوّلت السينما كثيرًا على موضوع الصداقة في خطابها الدعائي؛ ذلك أن أفلامًا كثيرة احتفت بكلمة صداقة في عناوينها، وجعلتها عتبةً أولى للَفْتِ الانتباه إلى الفِلم ومخاطبة الجمهور من خلالها، هذا الخيار يعزّز حضور قيمة الصداقة في السينما خصوصًا أن ملصق الفِلم ينحاز في إستراتيجيته التواصليّة إلى القراءة السيميائية للصورة المعتمدة على النجم أو العناصر المكتوبة كالعنوان أو أسماء طاقم العمل، وهكذا سنجد عشرات الأفلام الأجنبية والعربية تراهن على دلالات وسحر كلمة صداقة؛ ومن الأفلام التي جعلت الصداقة أوّل عتباتها نجد: رائعة مارتن سكورسيزي «الأصدقاء الطيّبون» (1990م)؛ الفِلم الذي يقدّم ملصقه نجوم الفِلم الثلاثة وأسفلهم بلون أبيض عريض عنوان الفِلم، كما نجد الفِلم الفرنسي «أفضل صديق» (باتريس لوكونت، 2006م)، الفِلم الذي يبدو في ملصقه صديقان مبتسمان وفوقهما كُتِب العنوان بخط أحمر عريض وواضح، كما نجد أيضا الفِلم الأميركي «حب وصداقة» (2016م) للمخرج ويت ستيلمان، كما حضرت الصداقة في عنوان للفِلم الألماني «طلب صداقة» (2016م) للمخرج سايمون فرهوفن. وفي السينما العربية نجد فِلم «سلام يا صاحبي» (1987م) لنادر جلال، وفِلم «أصحاب ولا بزنس» (علي إدريس، 2001م).
ما الصداقة في السينما؟
تحضر الصداقة في السينما بكثرة، ورغم أنها لا تُشكّل ثيمة قائمة الذات، فإن حضورها يكاد يكون مطلقًا ودائمًا؛ إذ تحضر داخل كلّ الأنواع الفِلمية: حرب، دراما، حركة، رحلة… لكن رغم ذلك فإن تحصيل جواب دقيق عن ماهية الصداقة في السينما مطلب منزلق وغير يسير، قد يبدو أحيانًا سهل القطف وفي المتناول، وأحيانًا أخرى يستعصي ويتمنّع. هذا المأزق يتملكنا في الكثير من الأفلام والمشاهد والحوارات. في فِلم «أفضل صديق» (باتريس لوكونت، 2006م) يطالعنا الحوار الآتي: «الصداقة غير موجودة، أنت صديق للجميع، والجميع يعني لا أحد، صدّقني نحن دائمًا وحدنا»، هذه الجملة التي تتوجّس من الصداقة لا تقدّم أيضًا موقفًا سلبيًّا منها، لكنها تضعنا أمام إشكال تحديد الصديق من بين الجميع. أما فِلم «الخلاص من شاوشانك» (فرانك دارابونت، 1994م) فيعبّر عن الاشتياق والأمل؛ يقول البطل في أحد الحوارات: «آمل أن أتمكن من الوصول عبر الحدود. آمل أن أرى صديقي وأصافح يده. آمل أن يكون المحيط الهادئ أزرق كما هو في أحلامي. آمل…». وفي فِلم «فوائد أن تكون خجولًا» (ستيفن تشوبسكي، 2012م) تحضر الصداقة كاكتشاف بعد فراغ «لا أعرف لكم من الوقت يمكنني الاستمرار من دون صديق، لقد اعتدت القيام بذلك بسهولة، لكن هذا كان قبل أن أعرف ماذا يعني أن يكون لديك صديق»… ورغم المعاني الكثيرة التي يمكن أن يلعبها محور الصداقة في السينما، سنجد أن محوري الصديق الوفي والصديق الخائن هما أكثر المحاور التي تغلّف مفهوم الصداقة في السينما، وذلك بالنظر لعدة اعتبارات تتعلّق ببناء الفِلم وموضوعه، وتطوّر أحداثه، والدّفع بالصراع إلى الأمام وخلق حبكة مشوقة.
من بين الشخصيات التي تحمل على عاتقها أعباء القصّة وجزءًا من البناء السرديّ، نجد شخصية البطل التي تقع في المركز، فكل الأحداث تنتهي إليها، وأغلب المفاصل الكبرى للحكاية تُبنى حولها، لكن لم يكن لشخصية البطل أن تقوم بكل الأعباء من دون وجود شخصية أخرى –قد تكون أقلّ أهمية منها- لكنّها دائمة الوجود ولا يستقيم السّرد من دونها، هذه الشخصية هي شخصية الصديق، ومن هذا المنطلق كانت السينما تُعلِي من قيمة البطل الثاني، أو المساعد أو السنيد، وكلّها أسماء لتلك الشخصية التي تكون خلف البطل، تنتشله عندما يقع، وتتدخل لإنقاذه، وتُنَبِّهه، شخصية كانت دائمًا داخل بؤرة اهتمام المخرج، واستدعى لها ممثلين عظامًا عبر تاريخ السينما. حتى إن جوائز الأوسكار خلّدتها وعدَّتها أحد أهم عوامل نجاح الفِلم عندما خصّصت لها جائزة هي «هي جائزة أفضل دور مساعد». ومن ضمن حضور الصديق المساعد تبرز قيمة الوفاء فنجدها ترتبط بالصداقة في أفلام كثيرة وعظيمة، فقد كان للصّديق دائمًا دور ما في الحكاية، قد يتجاوز دور البطل نفسه في إنجاح المهمّة أو بلوغ القصص منتهاها. في ثلاثية «ملك الخواتم» (لبيتر جاكسون)، كانت مهمة البطل فرودو أن يصل بالخاتم إلى المكان الذي صُنع فيه منذ البداية -جبل النار- وأن يُلقِيه في نهر الحِمَم واللهب؛ لكي ينتهي شرّ سارون وتكتمل مهمة إنقاذ البشرية من الظلام وسيطرة الشر المطلق، فرودو يطرد صديقه سام بعد أن أوقع بينهما سميغل، يصرخ في وجهه ويطلب منه الرحيل، لكن عندما اشتدت الصعاب على فرودو من دون سنيده سام وانهار البطل وكاد يموت، يعود سام لينقذ رفيقه ويساعده على إتمام مهمته، بل يحمله فوق ظهره إلى أعلى الجبل ويلقيان الخاتم هناك. ولم تكن المهمة لتنتهي من دون وجود الصديق.
الصديق والخيانة
على نقيض الأفلام التي جعلت الصداقة قيمة إنسانية مرتبطة بالوفاء، هناك أفلام أخرى جعلت الصديق خائنًا، وهكذا كانت الصداقة تتحوّل إلى عداء بسبب خيانة أحد طرفيها، فقد قدّمت السينما هذا التصوّر الكلاسيكي في عشرات الأفلام، خصوصًا أن هذا الانحراف كان يفتح مجالات رحبة لتطوّر الأحداث وصنع التشويق، ولعلّ أبرز الأعمال التي تمثل خيانة الصداقة، فِلم «حدث ذات مرّة في أميركا» (لسيرجيو ليوني، 1984م) الذي يحكي قصّة طفلين من شرق منهاتن، يحاولان تغيير واقعهما المأساوي، والهروب من الفقر، فيلجآن إلى السرقة، وبعد مدّة يتحوّل الصديقان نودلز (روبرت دي نيرو) مع ماكس (جيمس وودز) إلى الكثير من الأعمال الإجرامية، انتهت بدخول نودُلز إلى السجن بعد أن انتقم لمقتل صديقهما دومينيك، وبعد خروجه كان صديقها ماكس قد وسّع من عملياته، وخطّ حياة بلغ فيها موقعًا سياسيًّا قويًّا، وجنى ثروة وتحول إلى السيد بايلي، فيما نودلز كان فقيرًا، وعلى هذه الحال سيجتمع الصديقان في نهاية الفِلم، ماكس على مشارف أن يفقد كلّ شيء حتى حياته بعدما تورّط في علاقات كثيرة تتطلب التضحية به، يستدعي نودلز ويطلب منه تخليصه وإطلاق رصاصة عليه، يقول له: «لقد سلبت منك كلّ شيء المال، وزوجتك، لم أترك لك سوى 35 سنة من الألم اقتلني كردٍّ لدينك…» لكن نودلز يجيبه وهو يخاطبه بالسيد بايلي وليس ماكس، «أنا أيضًا لدي حكاية.. حكاية بسيطة، كان لدي صديق عزيز تركته ينام لأنقذه لكنه قُتل… لقد كانت صداقتنا عظيمة لكن الأمور صارت بشكل سيئ له ولي». فِلم عصابات آخر قدّم النموذج نفسه عن الصديق بوصفه خائنًا، هو «أصدقاء طيبون» (مارتن سكورسيزي، 1990م) الذي يحكي قصّة هيل الذي تدرّج في عالم الجريمة منذ الطفولة، ليصبح واحدًا من رفقة يقومون بالنهب وبيع المسروقات، والإقراض بفوائد، لكنه سيتحوّل إلى مُخبِر لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وسيقدّم معلومات عن أصدقائه.
أمّا السينما العربية، فقد تناولت خيانة الصديق كثيرًا، ولعلّ فِلم «اللص والكلاب» (كمال الشيخ، 1962م) المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ التي تحمل العنوان ذاته، هو واحد من أقوى الأفلام العربية التي ركّزت على خيانة الصديق، فسعيد مهران، الذي يؤمن بمبادئ صديقه رؤوف علوان التي تركز على أن الإنسان لكي يحصل على مبتغاه عليه أن يأخذ ما يريده بيديه، هكذا كان يمارس عمليات السطو على منازل الأغنياء تحت هذه الذريعة، لكن في إحدى المرات سيقوم عليش سدرة (الذي كان مساعدًا لسعيد مهران) بخيانة سعيد والإبلاغ عنه، وبعد سجنه سيأخذ منه كلَّ شيء: الزوجة والابنة والبيت، أما رؤوف علوان فسيتنكر لسعيد بعد أن صار صحافيًّا مشهورًا. تصبح الخيانة هنا هي المصدر الأوّل والأساس لتطوّر الحدث وتشكيل الحكاية، هذا الفِلم يجعل من الصديق خائنًا، إنسانًا من دون مبدأ. حضور الصديق الخائن ظل موجودًا في السينما العربية كثيرًا، فقد تردّد صداه في أفلام كثيرة عبر كلّ الحِقَب وصولًا إلى السنوات الأخيرة مع فِلم «إبراهيم الأبيض» (مروان حامد، 2009م)، الذي قدَّم نموذج صداقة متين بين إبراهيم (أحمد السقا) وعَشْري (عمرو واكد)، في نهاية الفِلم سيشارك عَشْري في الإيقاع بصديقه، وبعد اكتشاف إبراهيم خيانةَ صديقه، قال له جملته الشهيرة: بعتني بكام يا عشري؟
الصديق وفيٌّ وخائنٌ في الوقت نفسه
تحوُّل الصديق من الوفاء إلى الخيانة موجود في أفلام كثيرة، وهذا التحوّل فتح أمامنا تصوُّرًا غير كلاسيكي للصداقة، في الفِلم الإيطالي «الرجل الكلب» (ماتيو غاروني، 2018م) الذي نافس على السعفة الذهبية لمهرجان كان عام 2018م، قدَّم نموذجًا فريدًا للصّديق هذه المرة؛ البطلُ هو من سيخون أصدقاءه، فهو إنسان خائن ووفيّ في الوقت نفسه تضعه الظروف بين المنزلتين. سنتعرّف إلى مارسيلو وهو بطل الفِلم وصاحب محلّ للعناية بالكلاب، يمتلك مشاعر فريدة تجاه الكلاب، فيعالجها ويطعمها، بل يغامر بحياته لإنقاذها، تصير جزءًا من حياته. بجانب محلّه يوجد محل صديقه فرانكو بائع الذهب، وكل أصحاب المحلات أصدقاء يشكّلون عائلة صغيرة، يلعبون الكرة في وقت الفراغ ويشكلون مجتمعًا متناغمًا، لا يعكّر صفوه سوى شخصية أخرى شريرة تقطن الحي نفسه هي سيموني الذي يقوم بعمليات سطو وقتل على مدار الوقت، وأحيانًا يسرق جيرانه ويعنفهم. وفي واحدة من محاولاته الكثيرة لسرقة جيرانه سيُرغِم مارسيلو على ترك باب محلّه مفتوحًا، كي يتسلّل ليلًا ويُحدث فجوة في الجدار الفاصل بين دكان مارسيلو ودكان فرانكو والسطو على الذهب، مارشيلو لم يشأ المساعدة في هذه الجريمة التي ستؤذي صديقه وجاره، لكن خوفه من سيموني يجعله يرضخ، ويتحمل تبعات هذه الجريمة، فقد وضعت الشرطة مارسيلو بين خيارين؛ إمّا الاعتراف بأن سيموني أرغمه ويدخل سيموني السجن ويخلّص الحي من جرائمه، أو أن يلتزم الصمت ويدخل هو السجن بدلًا من سيموني، لكنه أيضًا لم يشأ أن يؤذي صديقه سيموني رغم أنّه مجرم! ولم يتعاون مع المحقّقين وقضى سنة في السجن بسبب خيانة صديقه فرانكو، والوفاء أيضًا لصديقه سيموني، وبعد الخروج من السجن يجد نفسه وحيدًا، فسيموني تنكَّر له من جهة، وأصدقاؤه القدماء أخرجوه من دائرة صداقتهم من جهة أخرى، وفي آخر مشاهد الفِلم سيقتل مارسيلو سيموني كردّ دين لمجموعة أصدقائه الذين كانوا يرغبون في قتله أيضًا، لكن بعد فوات الأوان، الفِلم يقدّم هذا التصور المخالف لما عهدناه عن الصديق الوفيّ أو الخائن.
لقد تناولت الفلسفة الحاجة إلى الصديق، وكان اهتمامها به بوصفه آخر، فتعدّدت المواقف بشأنه، ومن بين التوجّهات المثيرة عن الآخر، ما ذهب إليه جان بول سارتر عندما عدَّ الآخرَ جحيمًا، في تفسير العلاقات التي تخلِّف المعاناة والألم، ومن ضمن هذا الآخر يقع الصديق في كثير من الأحيان، لكن هذا التصور يمهِّد لسؤال شائك آخر: ما الذي سيحدث لو لم يكن هناك آخر، وبعبارة أدق: لو لم يكن هناك صديق؟ إنه سؤال مرعب حقًّا! لكن السينما قدّمت إجابتها عن هذا الموضوع، فقد طرح فِلم «منبوذ» (روبيرت زيميكس، 2000م) اختبارًا حقيقيًّا لعدم وجود هذا الآخر، حيث نتعرّف إلى «شاك نولان» (في دور رائع لتوم هانكس) الموظف في شركة فيديكس للشحن، الذي يجد نفسه وحيدًا في جزيرة معزولة، بعد أن سقطت طائرة تابعة لشركة فيديكس في عرض البحر وجرفه التيار إلى شاطئ الجزيرة، لم يكن أمام نولان من سبيل إلى للنجاة غير التكيُّف مع واقعه الجديد، فاعتمد على قدراته الجسدية، واتبع سبل عيش بدائية من أجل البقاء. لكن هذه العزلة جعلت نولان وحيدًا، فقد استطاع أن يعيش بيولوجيا أن يصطاد ويأكل ويشرب، لكن كان في حاجة إلى أشياء أخرى… في مشهد من الفِلم يتأمل كرة طائرة من نوع ويلسون، التي كان قد لطخها بدمائه، تأملها جيّدًا فصنع منها وجهًا عن طريق رسم ملامح داخل بقعة الدم، وأطلق عليها اسم ويلسون، لاحقًا يصبح ويلسون جزءًا مهمًّا من حياة نولان يحدّثه في كل تفاصيل يومه، فقد كان يمثِّل له كلَّ شيء في هذا المكان النائي، وبعد مدّة طويلة يقرِّر نولان صُنع قارب والعودة إلى الديار، لكن لم ينجُ ويلسون، لم يكمل رحلته مع نولان، في أعظم مشهد من الفِلم، ينتبه البطل إلى أنّ صديقه ويلسون غير موجود على القارب، يفزع كثيرًا ويصرخ باسمه… بعد لحظات يظهر ويلسون بعيدًا بأمتار من القارب، يقفز نولان لإنقاذ صديقه فيسبح في اتجاهه والأمواج تبتعد منه، وبعد محاولات كثيرة كادت تغرق نولان أيضًا يصرخ وهو يقول لصديقه بألم: «ويلسون أنا آسف»، هذا المشهد يجيب عن أسئلة فلسفية كثيرة عن الحاجة إلى الصديق وماهيته.
صداقات صنعت السينما
وبعيدًا من ارتباط الصداقة بمضامين الأفلام وأشكالها البنائية، هناك موضوع آخر لحضور الصداقة في السينما، فالصداقة كانت السّبب الرئيسي وراء تحف سينمائية خلّدها التاريخ، ولعل أبرزها: صداقة المخرج مارتن سكورسيزي والممثل روبرت دي نيرو، التي امتدت منذ فِلم «شوارع وضيعة» (1967م) حتى اليوم، أنجزا خلالها أفلام «سائق التاكسي» (1976م)، و«نيويورك نيويورك» (1977م)، و«الثور الهائج» (1980م)، و«ملك الكوميديا» (1982م)، و«أصدقاء طيّبون» (1990م)، و«خليج الخوف» (1991م)، و«كازينو» (1995م)، و«دي أوديشن» (2015م)، وآخر أعمالهما معًا سيكون فِلم «الرجل الأيرلندي» الذي سيعرض العام المقبل. لقد شارك روبرت دي نيرو في أفلام كثيرة أخرى اختلفت قيمتها الفنية، لكن حضوره أمام كاميرا سكورسيزي مختلف، هناك تناغم كبير بينهما، تناغم يصل حدّ معرفة ما يريده الآخر من المشهد من دون الحاجة إلى الكلام. كما ساهمت الصداقة أيضًا في بزوغ جيل المخرجين، ستيفن سبيلبيرغ، براين دي بالما، فرانسيس فورد كوبولا، مارتن سكورسيزي، جورج لوكاس. كل هذه الأسماء شكلت أخوية مخرجين متزامنة، والصداقة بينهم كانت سبب دعمهم للكثير من القرارات التي صنعت أفلامًا عظيمة، كانوا أوّل من يشاهد بعضهم أفلام بعض، يقدّمون مقترحاتهم، يحكي لنا ستيفن سبيلبيرغ بعضًا من تفاصيل صداقتهم: «لقد جعلنا جورج لوكاس نشاهد فِلمه «حرب النجوم» أوّل مرّة، في البداية لم يكن هناك أي مؤثرات، كانت مجرّد مشاهد بالأبيض والأسود من الحرب العالمية الأولى، بعد مشاهدتنا للفِلم ذهبنا إلى مطعم صيني، وأخذ «براين دي بالما» يصرخ، ما هذا الفِلم، ما علاقة هذه الشخصيات ببعضها؟ أين السياق؟ إن هذا الفِلم يصيبني بالجنون… وبعد نقده للفِلم اقترح على صديقه «جورج لوكاس» أن يبدأ الفِلم بمقدّمة موسيقية، وأن يقدّم له بنص يضع المشاهد في السياق، وكان اقتراحه عبارة عن نصّ يتجه إلى الأعلى مصحوبًا بموسيقا خاصة، وهذه النصيحة ساهمت في نجاح الفِلم، وكانت هي ميلاد تلك المقدّمة الشهيرة. لقد كانت هذه المجموعة يشاهد بعضها أفلام بعض، ويدعم بعضها بعضًا. وهذا ما جعلهم يسيطرون على صناعة السينما في العقود التالية ويحقّقون لهوليود أزهى حقبها. وهنا يمكن أن نطرح تساؤلًا: هل كان الأمر سيكون كذلك إذا كان كلٌّ منهم قد شقّ طريقه منفردًا، في حقبة كانت صعبة على الأجيال الجديدة؟
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق