المقالات الأخيرة

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

برايتون

برايتون

... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر لذيذ يعبر رأسه، تخلبه أشتات يوم قديم، يمسك بمعصم ابنه ويسيران إلى خارج المحطة، ينحدر بهما طريق يمتد من محطة القطار ويصب في شاطئ البحر، يقف أمام البحر...

الجسد مشتبهًا به

الجسد حبِّي وضحيتي

بواسطة | يناير 1, 2019 | فضاءات

ما القاسم المشترك بين الانجذاب للآخر، والحجاب الإسلامي، والبغاء، والجراحة التجميلية، والوشم، وتغيير الجنس الأصلي، أو مجاوزة النوع البشري؟ إن الجسد السمين، النحيل، الطويل، القصير، الشاب أو الشيخ، المذكر أو المؤنث، السليم أو المريض، هو اليوم رهان أغلب النقاشات التي تهز مجتمعنا. الجسد- الرغبة، الجسد- اللذة، الجسد- العمل، الجسد- الغذاء، الجسد- الصورة، الجسد- السياسة، الجسد- الملاذ، الجسد- المرض، الجسد- القربان…: يوجد الجسد في كل مكان. مسلَّمة، بداهة، ما دام أننا لا نساوي شيئًا من دونه. طبيعي إذن أن يكون موضوع كل اهتماماتنا، همّنا الأول. صحيح أننا نخصص له مالا كثيرًا لنغذيه، لنعالجه، لنكسوه، لنحافظ عليه ونزينه… إلخ. ومع ذلك، فالنتيجة لم تكن كما ينبغي: إننا نهمله، نسيء تغذيته، نغذيه كثيرًا أو ليس بما يكفي، ننهكه، نبتر أعضاءه، نقايضه. إنه أداتنا، تحفتنا، استثمارنا، ضحيتنا. نحبه كثيرًا، نضرّ به، إلى درجة تجاهله. لماذا؟ هذا ما أردنا فهمه. من هنا هذا العدد من مجلة لوبوان Le Point، الذي يعرض لنا، من الكتاب المقدس إلى جوديث باتلر، مرورًا بالقرآن، وأفلاطون، وأرسطو، وديكارت، وطبعًا أبقراط، كيف كان يفكّر في الجسد عبر العصور: صراعه مع الروح ثم العقل، توازن اللاشعور والاندفاعات الغريزية، مقارنته بالآلة، وعلاقاته بالثقافة والمجتمع…تاريخ طويل، لم يكن مستقيمًا قط، يقودنا من الغرب إلى الصين مرورًا بإفريقيا، ويبين لنا بدهشة، لسبب أو لآخر، كيف أن الجسد كان دائمًا مشتبهًا فيه، قليلا، أو كثيرًا. وكأن الإنسان يجد صعوبة في أن يسلّم بأنه من لحم ودم، جسد على العقل أن يحترمه ليحترم هو نفسه. أمر غريب حقًّا.

مجلة «لوبوان»

الجسد‭ ‬دون‭ ‬أعضاء

كاترين‭ ‬كوليو

عند خروج أنتونين أرتو (١٨٩٦- ١٩٤٨م) من مستشفى المجانين لروديز يوم ١٣ يناير ١٩٤٧م، محطم الجسد والروح بسبب الصدمات الكهربائية ومثوله على خشبة مسرح Vieux Colombier، حثت كل باريز الثقافية الخطى لترى وتسمع من يبدو كأنه راجع من الجحيم. جون بولهان، أندريه جيد، أندريه برويتون، مارسيل كامو، بابلو بيكاسو، يشاهدون إذن إنجازًا سيطبع القرن: قاذفًا، نافثًا كلمات ومقاطع، مازجًا صراخًا وضجيجًا ، فإن «أرتو المومو»، كما يسمي نفسه، قد خلخل الأصناف الأدبية والفلسفية. ألم يعلنه الدكتور لاكان مع ذلك منذ «١٩٣٩م «مكرسًا نفسه» وهائمًا بالأدب؟ لا بد أيضًا ومن دون شك إعادة النظر في مقولات الطب النفسي.

قميص المجانين

إن أنتونين أرتو يفرض علينا بالفعل تأملًا عميقًا في نظام الجسد والمعاملات التي يفرضها المجتمع عليه. «جسدي لي أنا، لا أريد أن يتصرف فيه أحد»، إنه يرفض أن يوضع في حجرة ضيقة، وأن يحصر في قميص دار المجانين، ويغلق عليه في مستشفى المجانين. غير أن آخرين يريدون هذا. لماذا؟ إن الأطباء ليسوا في نظره سوى تجسيد لقانون مفروض. إنهم لا يرغبون في شيء بقدر ما يرغبون في القضاء على كل بذرة إبداع لهذه الكائنات الخلاقة التي يسميها «مرضى». ولكن الأمر مفروغ منه للمريض أرتو ليتخلى عن توقّده النادر وجنونه النبيل! إذا كان الجسد البشري، كما يؤكد في نصه الأول «بطارية كهربائية، أخصينا لديه التفريغات وكبتناها»، فالأمر يتعلق بإيجاد إمكانياته العليا جدًّا مع مساءلة المنطق العضوي، وحرفيًّا العضو المنظم، ثم فتح الطريق لثورة متفجرة لتحريره وجعله يرقص، مع جعل أعضائه وبمعنى دقيق تترنح يَمنةً ويَسرةً.

لعبة الاندفاعات الغريزية

إن صناعة جسد يرقص بتشجيع لعبة الغرائز التي تكوّنه، كان هو طموح نيتشه. لقد أخذ فيلسوف آخر، جيل دولوز (١٩٢٥- ١٩٩٥م) عن أرسطو مفهوم «الجسد دون أعضاء» ليجعل منه تصورًا أساسيًّا لفلسفته الخاصة. وصحبة المحلل النفسي فيليكس غيتاري (١٩٣٠- ١٩٩٢م) الذي اشترك معه في كثير من مؤلفاته، فإنه نظّر بالفعل، عقب أحداث مايو ٦٨، لصراع ما سمياه معًا «الآلات الراغبة» و«الجسد دون أعضاء». إن الحديث عن «الآلة الراغبة»، كما يفعلان هنا، هو قبل كل شيء، القطع مع المفهوم القديم للروح وفهم الاقتصاد «النفسي» انطلاقًا من فكرة الإنتاج. إن اللاشعور مصنع للرغبة، وهو نفسه منتج للآثار. إننا جسد ولا شيء آخر، جسد راغب وعلى طريقة أي آلة، وفي علاقة مع أي آلة أخرى، هو نفسه يجري سلسلة من العمليات الميكانيكية: «إنه يتنفس، ويأكل، ويتغوط، وينكح» كما يقول دولوز وغيتاري بفظاظة. ولكن هل نقتصر على هذا التنظيم الآلي الذي يجعل منا آلات متحركة؟ إن احتفال أرتو بجسد قد «لا يكون في حاجة إلى أعضاء» يفتح إمكانية كمال متعلق بحرمان أقلّ منه بتعطيل إكراهات التنظيم، يتعلق الأمر بتجريب لا يخلو فضلًا عن ذلك من مخاطر: إن الفصامي، وهو في صراع مع أعضائه، سيدفع ثمن تمرده غاليًا… ولكن السؤال يبقى مطروحًا، ألا يمكن لجسدنا أن يكون غير مجموعة من «السدادات، المصافي، الحواجز، الأقداح، أو أوعية مترابطة؟ جسد مائع حيث تتحرك القوى بحرية – على طريقة بيضة – كما يوحي بذلك دولوز وغيتاري، قبل ظهور الأعضاء، تفاضلها، وتدرجها، جسد غير منتج، «دون مسمار في لحمه»، دون عذاب.

فتحي‭ ‬بن‭ ‬سلامة‭:‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬الجسد‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬الجنس

حاورته‭ ‬كــاتـريـن‭ ‬كـوليـو

ليس الجسد ملكًا للفرد وحده، فهو في ملكية السلالة العائلية كذلك. ومن هنا كان يتوجب حمايته عند الاقتضاء بفضل التمارين الرياضية، والحمية الغذائية، والانضباط السلوكي. إن العناية التي نوليها للآخر جسدًا وروحًا، هي عمل سياسي واجتماعي تلعب النساء فيه دورًا كبيرًا وهو الذي تنظر له فلسفة العناية بالجسـد. هنا ثلاثة حوارات تتناول الجسد من زوايا مختلفة: مع فتحي بن سلامة أستاذ العلاج النفسي بجامعة باريس ديدرو، ورومـان كـرزيـانـي، أستـاذ الـدراسـات الصينيـة بـالمـدرسـة الـوطنيـة العليا بليـون، وفابييـن بـروجـر: فيلسوفة، تدرس بجامعة باريز 8.

• هل يوجد للإسلام تصور خاص للجسد مقارنة مع الديانات التوحيدية الأخرى؟

– أعتقد أن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن أي إسلام نتحدث. عن الدين بمعناه الضيق، أم عن الدين بمعناه الحضاري. إذا كان الأمر يتعلق بهذا الأخير، فالأمور إذن واضحة. لا يوجد تصور موحد للجسد ما دام أن الديانة الإسلامية جاءت لتضاف إلى ثقافات مختلفة جدًّا. من المغرب إلى إندونيسيا. ومن السنوات الأولى لتأسيس الإسلام، إلى القرن السابع، إلى الآن، لا يمكننا بداهة إبراز تصور منسجم ودائم في الإسلام بوصفه دنيا، وفي المقابل، يوجد تفكير في الجسد، بل حتى في لغة خاصة بـه.

•  ومــا هي؟

– لا توجد في اللغة العربية، التي هي لغة القرآن، كلمة وحيدة تختصر الجسد، وعلى عكس الفرنسية، التي وحدت مجموع الحقائق الجسدية في كلمة واحدة، ومن اللاتينية «Corps» جسد التي تعني اشتقاقيًّا «جثـة». وهكذا فالجسم المستعمل بكثرة في الفلسفة وعلوم الدين، يعني الكتلة، المادة اللحمية، الصورة والمادة الموجودتين في الفضاء؛ بدن تحيل على حالات الجسد المختلفة، «هزيل»، «سمين» «هرم»،… إلخ، جسد هو الجسد الجمالي، اللذة، المتعة. نقول: إن امرأة تملك جسدًا جميلًا، فهذا جسد. وفيما يتعلق بالجثة، فهي الجسد المتحلل، بلا حياة. فالخطاب إذن يملك أربعة سجلات «للجسد» التي لا يمكن أن نخلط بينهما، ولكن لا يمكنها أن تحيل بأي حال من الأحوال، على النظرة التي يملكها الغربيون عن الجسد. لا يوجد إذن جسد «مطلق» ولا جسد للإله في الإسلام.

• مــاذا يكــون إذن الجسد؟

– حسب الميثولوجيا، هو خزفة من طين مليئة ثقبًا، خلقها الله. ومنذ خلقها، تسلل الشيطان عبر هذه الفتحات، ليبين أن الجسد البشري يمكن أن يخترقه هذا الكائن الناري الذي هو الشيطان نفسه. هذا التصور الشيطاني قريب من تصور الغرائز بوصفها طاقة. ولا يأمر الله النفس بالدخول إلى الجسد إلا في مرحلة ثانية. لقد حبست فيه رغمًا عنها، ومن هنا شعورها بأنها منفية داخل الجسد، ومن هنا أيضًا شعورها بالغربة تجاه جسدانيتنا. وعلى مستوى آخر، فالروح في العربية نَفْس. إنها مرتبطة جيدًا بالجسد التي هي صورته والنفس الحيوي، فالجسد لا يمكن أن يرفض، ما دام أنه لا يحيا إلا بالروح- النفس.

• غير أن الإسلام يقدم رواية أخرى…

  نعم. ورد في سورة المؤمنون : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}. إنه تصور للخلق في عدة أطوار. تلاحظون ذكر «أنشأناه خلقًا آخر»؟ وهو ما يعطي الصورة الروحية للكائن البشري هو عندما تسكن الروح الهيكل الجسدي. فبأخذهم بعين الاعتبار هذا الأمر، استنتج العلماء المسلمون القانون الأخلاقي للجنين. إنه المرور من الحياة إلى الكائن الذي يتعلق الأمر به هنا.

• ما السبب في أن كل كتب الجنس من تأليف الفقهاء؟

– إن المتعة مقبولة في الإسلام، بل هي مطلوبة في هذه الكتب. لم يكن الجنس قط موضوع رفض.لا يُدان إلا إذا كان خارج إطار الشريعة، القانون، و ما هو القانون؟ إنه عقد يربط بين شخصين. يسمى الزواج عقد النكاح، وهو عقد المتعة الجنسية بين رجل وامرأة.

• هل مفاهيم النقاء أساسية؟

– إن الجسد في الإسلام طاهر ونجس في الآن نفسه. وجسد المرأة هو الذي يعرف الدناسة أكثر بسبب الحيض. والمعروف أن متعتها يصعب ضبطها؛ لأنها لا تخضع للقوانين نفسها التي يخضع لها الرجل. ينظر إلى انتفاخ المرأة على أنه لغز وغير ثابت، وهذا ما تؤيده أحاديث كثيرة ترى أن المرأة حليف للشيطان.

«‬جسد‭ ‬خُلق‭ ‬لامتصاص‭ ‬كل‭ ‬الإمكانيات‭ ‬التائهة‭ ‬لما‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬الفراغ‮»‬

أنتونين‭ ‬أرتو

أنتونين أرتو

الجسد البشري بطارية كهربائية، كبتنا فيه التفريعات. خلق حقيقة ليمتص بتحركاته الڤولتية كل الإمكانيات التائهة، لما لا نهاية الفراغ، لثقب الفراغ الشاسع أكثر فأكثر، لإمكانية عضوية لم تمتلئ قط. الجسد البشري في حاجة للأكل، ولكن لم يجرب قط بصورة أخرى سوى على مستوى الحياة الجنسية القدرات الضخمة للرغبات؟ أخيرًا اجعلوا الجسد البشري يرقص من الأعلى إلى الأسفل، من الوراء إلى الأمام ومن الأمام إلى الوراء، ولكن من الوراء إلى الوراء أكثر، فضلًا عن ذلك من الوراء إلى الأمام، ومشكل الندرة، المواد الغذائية، لن يحل؛ لأنه لن يوجد أبدًا، ولا أن يطرح، لقد جعلنا الجسد البشري يأكل، جعلناه يشرب، لنتنافس لجعله يرقص.

إن الآلات الراغبة تجعل منا نظامًا، ولكن داخل هذا الإنتاج، في إنتاجه نفسه، يعاني الجسد كونَه منظمًا بهذا الشكل، ومن كونه لا يملك تنظيمًا آخر، أو لا تنظيم البتة. «وضع غير مفهوم وغاية الاستقامة» وسط تطور كوقت ثالث «لا فم، لا لسان. لا أسنان.لا حنجرة. لا مريء. لا معدة. لا بطن. لا شرج». إن الآلات تتوقف وتسمح بصعود الكتلة غير المنظمة التي تحركها. إن الجسد الممتلئ من دون أعضاء هو اللامنتـج، العقيم، الذي لم يولد، اللامستهلك. لقد اكتشفه أنتونين أرتو هناك بلا صورة ولا شكل.غريزة الموت هذا هو اسمه. والموت ليس من دون نموذج؛ لأن الرغبة ترغب أيضًا في هذا الموت، لأن الجسد الممتلئ بالموت هو محركه الذي لا يتحرك، مثلما يرغب في الحياة، لأن أعضاء الحياة هي الآلات العاملة. بين الآلات الراغبة والجسد بلا أعضاء يقوم صراع واضح. لم يعد الجسد بلا أعضاء يحتمل كل اتصال للآلات، كل إنتاج للآلات، كل ضجيج للآلة. وتحت الأعضاء، يشعر باليرقات والديدان المنفّرة. (الجسد هو الجسد. إنه وحده وليس في حاجة إلى أعضاء. لم يكن الجسد يومًا نظامًا. الأنظمة هي أعداء الجسد).

مسامير كثيرة في جسده، عذابات كثيرة. إن الجسد بلا أعضاء يخالف بواجهته الملساء والغامضة والمشدودة الآلات – الأعضاء. والتدفقات المرتبطة، الموصولة والمتمفصلة، تخالف صفته المائعة عديمة الشكل وغير المميزة. ويخالف بأنفاسه وصيحاته التي هي كتل غير منطوقة الكلمات المصوّتة. نعتقد أن الكبت الذي نعدّه أصليًّا ليس له معنى آخر: ليس تركيزًا نفسيًّا، ولكن نفور الجسد بلا أعضاء هذا للآلات الراغبة.

إن الآلات الراغبة تجعل منا نظامًا، ولكن داخل هذا الإنتاج، في إنتاجه نفسه، يعاني الجسد كونَه منظمًا بهذا الشكل، ومن كونه لا يملك تنظيمًا آخر، أو لا تنظيم البتة. «وضع غير مفهوم وغاية الاستقامة» وسط تطور كوقت ثالث «لا فم، لا لسان. لا أسنان.لا حنجرة. لا مريء. لا معدة. لا بطن. لا شرج». إن الآلات تتوقف وتسمح بصعود الكتلة غير المنظمة التي تحركها. إن الجسد الممتلئ من دون أعضاء هو اللامنتـج، العقيم، الذي لم يولد، اللامستهلك. لقد اكتشفه أنتونين أرتو هناك بلا صورة ولا شكل.غريزة الموت هذا هو اسمه. والموت ليس من دون نموذج؛ لأن الرغبة ترغب أيضًا في هذا الموت، لأن الجسد الممتلئ بالموت هو محركه الذي لا يتحرك، مثلما يرغب في الحياة، لأن أعضاء الحياة هي الآلات العاملة. بين الآلات الراغبة والجسد بلا أعضاء يقوم صراع واضح. لم يعد الجسد بلا أعضاء يحتمل كل اتصال للآلات، كل إنتاج للآلات، كل ضجيج للآلة. وتحت الأعضاء، يشعر باليرقات والديدان المنفّرة. (الجسد هو الجسد. إنه وحده وليس في حاجة إلى أعضاء. لم يكن الجسد يومًا نظامًا. الأنظمة هي أعداء الجسد).

مسامير كثيرة في جسده، عذابات كثيرة. إن الجسد بلا أعضاء يخالف بواجهته الملساء والغامضة والمشدودة الآلات – الأعضاء. والتدفقات المرتبطة، الموصولة والمتمفصلة، تخالف صفته المائعة عديمة الشكل وغير المميزة. ويخالف بأنفاسه وصيحاته التي هي كتل غير منطوقة الكلمات المصوّتة. نعتقد أن الكبت الذي نعدّه أصليًّا ليس له معنى آخر: ليس تركيزًا نفسيًّا، ولكن نفور الجسد بلا أعضاء هذا للآلات الراغبة.

الجسد‭ ‬وأنتونين‭ ‬أرتو

جيل‭ ‬دلوز

إن الآلات الراغبة تجعل منا نظامًا، ولكن داخل هذا الإنتاج، في إنتاجه نفسه، يعاني الجسد كونَه منظمًا بهذا الشكل، ومن كونه لا يملك تنظيمًا آخر، أو لا تنظيم البتة. «وضع غير مفهوم وغاية الاستقامة» وسط تطور كوقت ثالث «لا فم، لا لسان. لا أسنان.لا حنجرة. لا مريء. لا معدة. لا بطن. لا شرج». إن الآلات تتوقف وتسمح بصعود الكتلة غير المنظمة التي تحركها. إن الجسد الممتلئ من دون أعضاء هو اللامنتـج، العقيم، الذي لم يولد، اللامستهلك. لقد اكتشفه أنتونين أرتو هناك بلا صورة ولا شكل.غريزة الموت هذا هو اسمه. والموت ليس من دون نموذج؛ لأن الرغبة ترغب أيضًا في هذا الموت، لأن الجسد الممتلئ بالموت هو محركه الذي لا يتحرك، مثلما يرغب في الحياة، لأن أعضاء الحياة هي الآلات العاملة. بين الآلات الراغبة والجسد بلا أعضاء يقوم صراع واضح. لم يعد الجسد بلا أعضاء يحتمل كل اتصال للآلات، كل إنتاج للآلات، كل ضجيج للآلة. وتحت الأعضاء، يشعر باليرقات والديدان المنفّرة. (الجسد هو الجسد. إنه وحده وليس في حاجة إلى أعضاء. لم يكن الجسد يومًا نظامًا. الأنظمة هي أعداء الجسد).

مسامير كثيرة في جسده، عذابات كثيرة. إن الجسد بلا أعضاء يخالف بواجهته الملساء والغامضة والمشدودة الآلات – الأعضاء. والتدفقات المرتبطة، الموصولة والمتمفصلة، تخالف صفته المائعة عديمة الشكل وغير المميزة. ويخالف بأنفاسه وصيحاته التي هي كتل غير منطوقة الكلمات المصوّتة. نعتقد أن الكبت الذي نعدّه أصليًّا ليس له معنى آخر: ليس تركيزًا نفسيًّا، ولكن نفور الجسد بلا أعضاء هذا للآلات الراغبة.

رومان‭ ‬كرزياني‭:‬

الاعتناء‭ ‬بالذات‭ ‬يـأخـذ‭ ‬بعـدًا‭ ‬وجوديًّا‭ ‬في‭ ‬التقليد‭ ‬الصيني

حاورته‭ ‬كــاتـريـن‭ ‬كـوليـو

• هل الجسد الصيني هو نفسه الجسد الغربي؟

– لا. إن النظرة إلى الجسد واستعمالاته، تجعل منه، في الغالب، واقعًا مختلفًا. يبدو الجسد في الصين، قبل كل شيء كمركز للطاقات من أصناف مختلفة يكون الإنسان مسؤولًا عنها.

• كيف تظهر هذه المسؤولية؟

– أولًا، من خلال الاهتمام بالعافية. على الإنسان أن يقي جسده من أي أذى. وحسب تصورات المفكرين الذين يسمون «طقوسيين»، والذين فرضوا أنفسهم في الصين ابتداءً من القرنين الرابع والثالث قبل عصرنا، فإن حادثًا جسديًّا يعد إساءة تصيب الجسد الأكبر الذي هو العائلة. في واقع الأمر، لقد منحنا آباؤنا أجسادنا، وعلينا أن نحافظ عليها سليمة لنخدمهم حتى في حياتهم التي يعيشونها بعد الممات.

• ولكن كيف نحافظ عليه؟

– بالقيام بكل ما يهذب مخزون الطاقة ومنابع الحياة التي يحتوي عليها التي هي مكون منها. وهذا يفترض التغذية الصحية، والقيام بالتمارين الرياضية، ومراقبة مستمرة لكل ما يخرج من بدنه وينحل إليه. هذا الاعتناء بالذات يأخذ بعدًا وجوديًّا في التقليد الصيني، ويغدو فنًّا للعيش يسميه الصينيون تقليديًّا «ثقافة الذات». لقد أعطت سجلًّا غنيًّا من الممارسات الجسدية القائمة على تمارين التنفس، والاستعراضات، والوضعيات أو الحركات الرياضية أو فنون الحرب أيضًا،… إلخ. لقد ظهرت نحو القرن الرابع السابق على عصرنا، في عصر الممالك المحاربة حيث أصبح من الضروري تعلم كيف نتوقى العنف الذي يمارس بطريقة قاسية على الجسد: وهكذا فنظام العقوبات يركز على عقوبات بتر الأعضاء. فهذا المبدأ المقدس للسلامة الجسدية والحفاظ على القوى الحيوية تفسر أيضًا جزئيًّا كيف أن لا بطولة في الإصابة في الحروب، ولا مجد في التهور في أثناء المعارك، وأن معطوب الحرب لا يتمتع بأية حظوة. إن ابنًا صالحًا يتلافى المخاطرة التي لا تجدي نفعًا، سيكون أنانيًّا من جهته.

• لقد أثرتم المفكرين الطقوسيين القدماء، ولكن هل الطاوية والكونفوشيوسية، التياران الروحيان الصينيان الكبيران يريان الجسد بالطريقة نفسها؟

– أبدًا. فالكونفوشيوسيون، الذين هم ورثة الطقوسيين يحثون على إخضاع الجسد للمعايير ولمراسيم شاقة. لا بد من ترويضه، تلقينه سجلًّا من المواقف تحددها الطقوس للوصول إلى نوع من الجسدانية الرشيقة، متحكم فيها وغير متروكة أبدًا إلى الارتجالية الذاتية. إن الجسد إليهم مرآة الفضائل، ومن ثم هذا المثل الأعلى لجسد يمثل روح الاستقامة والتأديب. وهكذا ففي القرن الرابع قبل الميلاد، كان منسيوس Mencius الكونفوشيوسي الكبير يجتهد في وصف الرجل الخير، النبيل، بمدح نقاء بشرته المرمرية، القوة التي تصدر عن جسمه، المهابة والشعور بالقوة الصادرة عن شخصيته كلها، غير أن ما يؤخذ في الطاوية، هو الحفاظ المتزن للقوة الحيوية من دون استعراضها على الإطلاق. لا بد من إخفاء مصادرنا وقوانا في ذاتنا، وعدم استعراض مؤهلاتنا ونقط قوتنا.

• يستعمل الأطباء الصينيون لغة منمقة للغاية ولكنها محيرة للإنسان الغربي.

– إن إدراكنا وتشخيصنا للجسد قائمان على المقاييس وتحديد الكمية، نبحث عن الاشتغال بأوزان عالمية ومعايير موضوعية. أما المعالج الصيني، فيعطي الأولوية إلى الإحساس وما يشعر به عندما يفحص المريض، سواء أتعلق الأمر بشعوره هو أم بشعور المريض، ويترجم هذا إلى لغة مجازية، وانطباعية تقريبًا، وغامضة جدًّا واستعارية في نظرنا. إن الجسد بوصفه متصورًا كعالم مصغر، فليس من المستغرب أن تكون مفاهيم علم الكونيات الكبيرة (Cosmologie) (اليين Yin واليان Yan، النار، الماء، المملوء، الفارغ) صالحة لوصف الجسد وحالاته المختلفة.

• ولكن كيف يشتغل الطبيب الصيني في الواقع؟

– لنأخذ مثال النبض، إن علم النبض في الصين لا يهدف إلى الإحساس بالنبض الشرياني، إنه يدرك حقيقة أكثر تعقيدًا، يمكن أن نقول: إنه يرتبط بالتيارات الحيوية التي تحدد حيوية الكائن الحي.

• كيف؟

– بالضغط قليلًا على النقطة المسماة تسوان (Ts’ouen) بالمعصم الأيمن، نعرف مثلًا حالة الأمعاء الغليظة، وعندما يضغط الأصبع أسفل على النقطة كـوان (Kouan)، فإنه يشخص المعدة، إلخ. وبالعمل على درجات الضغط، نصل إلى تيارات الطاقة. وهكذا يمكن أن نسبر مظاهر الطاقة عند الكائن الحي من دون الحاجة مثلًا، إلى الكشف عنه بالطرائق البصرية أو الخطية. إنها قبل كل شيء طريقة الجس والاستماع التي تسمح بتصوير أكثر دينامية للجسد ولعلاقة أكثر توازنًا في العلاج.

• أين يتجسد ذلك؟

– إن المريض ليس شيئًا مطاوعًا يسمع إليه الطبيب بالكاد وينظر إليه كقطعة تشريح. ولكن هل هو زكام في بدايته، متقدم، منته، نركز في الصين على مرحلة المرض لكي نلم بخصوصيتها. هل يسعل المريض سعالًا جافًّا أم سعالًا نخاميًّا؟ في أي وقت من اليوم؟ ما هو مهم هو ملاحظة، درجة تطور المرض لنعمد إلى أفضل الأسلحة.

• إنها خطة حربية.

– تمامًا المرض جيش نحاربه. والنموذج العسكري يستعمله الأطباء الصينيون كثيرًا. إن مصادر المناعية، وتطورات الدفاع تسمى وايتسي (Weits’i)، الأنفاس الدفاعية.

• هل يتصور الجسد بوصفه موضوع لذة، بطريقة مختلفة؟

– توجد ثابتة عامة في مجال الرغبة: حب الصور الجميلة، والبحث عن المتعة، ولكن في الصين، لن نجد أبدًا احتفالًا بالعري وبالجسد المحبوب، إنه مختفٍ دائمًا. إنه الرفض الجزئي المرتبط بالتأثير الكونفوشيوسي، الذي يرفض العري والقرب الجسدي. لقد وبخ مانسيوس زوجته لأنه وجد صدرها عاريًا بغرفتها. إن المحافظة على الطقوس يقتضي تلافي كل تلامس جسدي بين الرجل والمرأة غير المتزوجين.

• والحب المادي؟

– لقد حاولت الأوساط الطبية والطاويون أن يفكروا في تجارة الجسد كفرصة للرجال، لتدعيم طاقاتهم الحيوية باغترافهم من بوتقة الجسد الأنثوي طاقات يـن (Yin) التي كانت تنقصهم. إن الجماع، والمتعة، تعدّان ضياعًا خطيرًا للطاقة الحيوية. وهكذا فإذا كنا نريد طفلًا، فلا بد أن يكون هذا في حالة معينة، في ساعة معينة، في ليلة بدراء مع اتباع حمية مناسبة،… إلخ. ينظر إلى اللذة من أجل اللذة في التقليد الصيني، كباب مفتوح لكل الأمراض التي تقلل الدفاعات المناعية. إن التراث الإيروتيكي شاهد على ذلك: إنه ينهى خيال المرأة الذئبة التي تمتص طاقات الرجل.

• هل ما زالت هذه النظرة إلى الجسد موجودة إلى اليوم؟

– نعم. حتى في الأوساط الشعبية، كثير من الصينيين لديهم وسواس الصحة، ورهان فقدان الطاقة، وينصرفون إلى كل أنواع العناية بالصحة. إن ثقافة الحمية أكثر انتشارًا في الصين من الغرب. وهكذا يمكن تعريف المطبخ الصيني كفنِّ التوفيق بين الأذواق والمواد الغذائية بحيث نضبط الجسد، نتلافى أكل النيء في الشتاء ونستهلك الزنجبيل أكثر لنمنح الجسد حرارة. ومع ذلك فممارسة الاستهلاك هذه تتعايش مع دراسة السوق حول الفيتامينات التي يمكن الحصول عليها عوضًا عن الهدايا. وماكدونالز تزدهر بالصين.

فابيين‭ ‬بـروجـر‭: ‬

لنكـن‭ ‬جميعًـا‭ ‬جســدًا‭ ‬ملتحمًـا

حـاورتهـا‭ ‬فيكتوريا‭ ‬غارين

• ماذا تقصدون بالعناية على وجه التحديد؟

– إنها فعل العناية بالذات، وبالآخرين. يمكن أن تكون ذات مضامين حيوية، كالاعتناء بمريض؛ اجتماعية: مثل الاهتمام بالمقصيين؛ أو بالبيئة: مثل احترام الطبيعة. وواقعيًّا هي بذل رعاية، والسماح بتنمية جسد، أو مداواته. إن العناية تعود إلى فلسفة «الاهتمام بالذات» التي كان يلقنها في العصور القديمة فلاسفة مثل سقراط أو أبكتيتوس. ولكن إذا كانت الفلسفة اليونانية للعصور القديمة قد أعطت بعدًا روحيًّا للاهتمام بالذات، فإن الحداثة تركز على أنشطة العناية بالجسد، التي تنطوي على المعاودة والخصوصية.

• يمكن أن يبدو هذا تحصيل حاصل، فكيف نشأت ضرورة التذكير به؟

– لقد نشأ المفهوم في الثمانينيات، بالولايات المتحدة على عهد رونالد ريغان والمملكة المتحدة على عهد مارغريت تاتشر عندما قللا من الخدمات الاجتماعية لتخفيض الضرائب أكثر. نشأت إذن إشكالية جديدة للمسألة الاجتماعية خصوصًا حول النصين الأميركيين اللذين أصبحا أساسيين: «حماية ذوي الهشاشة» لروبرت كودين، «وطريق مختلفة» لكارول جلليكن الذي تناول المسألة من وجهة نظر أخلاقية ونسوية. يوجد في المجتمع أشخاص يهتمون بالآخرين باسم الأخلاق العاطفية، وهن النساء على الخصوص. وتجاه دولة تتخلى عن التزاماتها، فالأمر يتعلق بفهم الأنشطة المرتبطة بالاهتمام بالآخرين وبتحايلهم أيضًا.

• لقد تطورت مجتمعاتنا على مدى ثلاثين سنة…

– لقد أكدت الأبحاث الاجتماعية حدوس كاليكان، كانت النساء خط الدفاع الأول عن الرعاية. وهذا ما نسميه «اليوم المزدوج»، فبعد عملها، تهتم المرأة بمنزلها، بالأطفال، بأبويها عندما يصبح هذا ضرورة… حتى وإن كانت الأمور تتطور شيئًا فشيئًا، وأصبحت الأعمال المنزلية والرعاية تتقاسم أكثر فأكثر بين الزوجين، فما زال «اليوم المزدوج» يهم أكثر من 80% من النساء العاملات. ما هو مهم هو أن أخلاق العناية تدعو إلى خلق أدوار جديدة، ليس فقط رجل- امرأة ولكن أيضًا أب- أم. ويهتم «الآباء الجدد» اليوم بالأطفال أكثر، وبالواجبات. إن العقليات تتغير تدريجيًّا، ولم نعد نعتبر هذه المهام نسوية خالصة، وهذا يحصل، على أي حال، في عدد من الدول.

• ولكن العناية أصبحت سياسية، متى حصل ذلك؟

– لا بد من انتظار «عالم هـش» لخوان ترنتو كي نشهد ولادة مقترح. إن التحليل النقدي للعناية لعالمة السياسة هذه أصبح ضروريًّا أكثر من أي وقت مضى. ففي أنظمتنا الرأسمالية، الإنتاجوية، فكل ما يتعلق بالعناية تبخس قيمته. وغالبًا ما يصبح غير مرئي، وتحديدًا لأنها دوائر حياة «غير منتجة». لقد بلورت ترنتو نموذجًا يعيد مهام الرعاية إلى قلب المجتمع. وهكذا يمكن اقتراح عدة حلول. فإما أن نبقى داخل مجتمع السوق وتصبح العناية فيه خدمة. والمشكل حينئذ تعميق الفجوة أكثر بين الأغنياء والفقراء. وإما أن نتوجه نحو صورة جديدة للنسوية، والالتزام السياسي قائم على تقسيم للعمل مختلف، كما ينادي بذلك الفيلسوف الأميركي نانسي فريزر من الممكن العمل أقل ولكن مع إمكانية التحرر من الالتزام بالوقت ]الذي نمنحه[ الآخرين. إن الحل الوحيد لفريزر بمفهوم السياسات العمومية هو التفكير في التعويض عن المهام، بحيث لن يصبح الأمر عمل النساء فقط.

• تبقى الشيخوخة والتبعية والهشاشة في مجتمعاتنا من التابوهات. كيف نتجاوز هذا الأمر؟

– إن هشاشتنا ترتد علينا منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، ومؤخرًا مع تضاعف الهجمات. ندمج فكرة أن الضحايا يمكن أن يكونوا أي واحد منا. زد على ذلك فهذا هو معنى «أنا شارلي». وكذلك الأمر فيما يتعلق بأزمة استقبال اللاجئين بأوربا. أما المتطوعون، والإنسانيون، وكل الأشخاص الذين يهتمون بالمهاجرين، هناك فكرة مفادها أن هذا يمكن أن يحصل لهم يومًا ما.

غير أن «التدمير» يعم:

– إنه رهان الغد، ماذا نفعل بإنسانيتنا؟ ما قيمة الجسد البشري تجاه الجسد الآلي؟ من حسن الحظ أن جسدنا يملك تاريخًا، ذاكرة ورغبات. إن اللامتوقع والشعر خاصان ولا يمكن لأي سياسة أرقام أو الإحصائيات أن تحل محلهما أبدًا.

• هل يجب احترام جسدنا الخاص؟

– إن الفرنسيين يتعلمون هذا شيئًا فشيئًا. الكثيرون يعتقدون أنهم لا بد أن يعودوا إلى منازلهم ليعطوا قيمة بالمؤسسة. ولكن بعض الظواهر، مثل نجاح الجري، والولع باليوغا، تعيد المكانة إلى الحفاظ على الحياة وصيانة الجسد.

ولكن بعد أخذ كل هذا في الحسبان، فإن العناية تستتبع أيضًا بعدًا جماعيًّا… قطعًا. ولكن المرور من الجسد الفردي إلى الجسد الجماعي ليس أمرًا سهلًا. لا بد من المرور من منطق الجوهر الفرد إلى منطق التعاون، وأن نقتنع بأننا سنذهب بعيدًا بالتضامن فيما بيننا. إنها ثورة ثقافية صغيرة.

 

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *