كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
إبراهيم سلامة.. استعادة طارئة لشاعر طارئ
«كلُّ الأبواب موصدة
حتّى باب الكنيسة ردّوه في وجهي
فأين أبيت هذه الليلة
ومغارة بيت لحم
احتلّها المراؤون والفريسيون»
لا أدري من أين ولا كيف حصلت على هذا الديوان، مع أني نادرًا ما أنسى طريقة حصولي على كتاب كان له هذا الوقع عليّ، فعمل ذاكرتي الحصري هو في أمور كهذه، ولأني عادة أكتب هذا في الزاوية العليا للصفحة الأولى من الكتاب؟!
«جنازة كلب» للشاعر إبراهيم سلامة، لم أكتب عليه أيّ تاريخ أو أيّ معلومة تساعدني على التذكر، فقط، على الصفحة الأخيرة، كتبت: (11/ 6/ 1977 منذر)، وهو ما يفيد بتاريخ قراءتي له لا أكثر. لكن حالة الكتاب كما ترون من صورة غلافه البالي المرفقة، تدل على أنني لم أحصل عليه من مكتبة السائح في طرابلس، ولا من أي مكتبة في مكتبات بيروت قرب الجامعة الأميركية، التي ابتعت منها كتب الشعر النادرة التي أتباهى بها. تلك الكتب التي لم تصل إلى المكتبات السورية لأسباب لا مجال الآن لذكرها.
جنازة كلب: أولًا، إصدار دار الطليعة- بيروت، التي تعففتْ، ككثير من دور النشر من أن تورد تاريخ الإصدار، لكني عرفتُ من البحث في شبكة الإنترنت، أنه توجد طبعتان للكتاب؛ الأولى: سنة 1963م أو 1965م، وهي الطبعة التي بين يدي، والثانية: سنة 1980م، وأحسب أنه من اللافت أن تكون لكتاب غير تجاري كهذا طبعتان، رغم شكّي بذلك، فالمعلومات التي نأخذها من شبكة الإنترنت غالبًا غير مؤكّدة. ثانيًا، كتاب من الحجم المتوسط، لا يتجاوز عدد صفحاته 64 صفحة، لا يتوافر فيه أي تعريف بالمؤلف، مع الإشارة إلى أنه قد صدر له «قصائد من خشب»، وتحت الطبع مسرحية «صاحب أوتيل»، لم أعثر على أي إشارة تدل على صدورها.
ثالثًا، مع مقدمة من ثلاث صفحات، بقلم الصحافي المصري المعروف أنيس منصور بعنوان: «شخص واحد ونصف مليون ظل»!. وهو ما أثار تساؤلي: «… متى كان المصريون يقدمون للشعراء اللبنانيين؟!»، لكن معرفة أنها مقالة من مقالات منصور في جريدة أخبار اليوم عام 1963م اختيرت لتكون مقدمة للكتاب، تُقدِّم الجواب الوافي عن هذا التساؤل. وتبين أن منصورًا سبق أن كتب عن ديوان سلامة الأول (قصائد من خشب-1962م): «فقد أحسست أن في هذا الشاب شيئًا جديدًا، وأدركت العلاقة الرائعة المريعة التي تربطه بالحياة إنها علاقة الفزع… شاعر جديد يدبدب بعواطفه في شوارع بيروت، يضرب رأسه في جدران بنوكها وفنادقها». ولكن بعد أن عرفه من قرب تبين له: «عندما كان يمطّ شفتيه بين السطور بحركة اشمئزاز عابرة، كان (يبصق على المعاني السلبية التي في أعماقه) كما يقول الشاعر أراغون». وإن مشكلته كباقي أبناء القرى الذين يهبطون من الجبال ويحطّون في المدن، هي أنهم يكتشفون: «بيروت مدينة شيطانية.. منزوعة العواطف.. كل شيء فيها للبيع.. فلا يوجد مجتمع وإنما أناس يحيون فرادى…»، فلا يكون في مقدور سلامة الشاب الثائر ومن هم على شاكلته سوى «الصراخ معًا».
رابعًا، تتضمن المجموعة 14 قصيدة، وثلاث مسرحيات قصيرة. يتبدى بها اهتمام سلامة بتفاصيل الواقع الموحل، كقصيدة «ماريكا» بيت البغاء المعروف في بيروت، وكذلك قصيدة «عميل» المهداة «إلى طقم لا بأس به من رجال السياسة عندنا». التي أحسب أنها كتبت بتأثير عمل صاحبها كصحافي. بقدر اهتمامه بالكليّات الجوهرية كالعلاقة بين الله والفيلسوف في مسرحية «جنازة كلب» التي عنون بها الكتاب.
خامسًا، ما زلت أذكر انطباعي الأول عند قراءتها، عداك عن متعتي وأعجابي بها، بأنه لا يمكن إلا أن يحضرك الشاعر السوري محمد الماغوط وأنت تقرأ القصائد والمسرحيات القصيرة التي تضمنتها «جنازة كلب». وبخاصة إن كنت ممن مرّوا به ووقعت في شراكه، إن من حيث المواضيع والمعاني (شاعر ريفي يشعر بالضياع والسخط وهو يتسكع في شوارع المدينة) وإن من حيث الأسلوب وطريقة التعبير: ص17: «نفسي أبيعها للزبالين/ مع قذارات الشارع». ص23: «اليوم على قبر سقراط/ اشتريت امرأة بعشر ليرات». ص 24: «وطني لا يعرفني». ص25: «… الجنة/ تركتها للبسطاء/ فقد حجزوا فيها جميع التذاكر». ص47: «يا رب أنزل صاعقة على (ستاركو)/ ودمّر البناية التي أنام على أدراجها/ حياتي خمس عشرة سنة/ تدوسها أقدام الساهرين هنا بأحذيتهم الموحلة».
وغير ذلك كثير. لكن المعلم الأول، كما يخال لي، أكثر حصافة في انتقاء كلماته، ففي المثال الذي جاء في ص25، لكان سيختار كلمة: المقاعد، والسبب في هذا أن التذاكر تنفد، في حين المقاعد تحجز. أما مثال ص47، فمن المستغرب أن تكون أحذية الساهرين في ستاركو موحلة؟! وكذلك في استخدامه، ولو بدرجة أقل، إحدى ثيمات الكتابة الماغوطية؛ حرف التشبيه (ك)، ص9: «اسمك مرفوع كعلم أمريكي في المحيط الهادي». ص29: «لترتمي تحت قدميك كامرأة مستسلمة مزقت قناعها وخلعت قميص نومها». ص58: «يا بني أتظنني غبارًا- كدخان معامل الكلسات». كما يمكن لي القول: إن قصائد سلامة أكثر شعبوية، صحفية، أو حتى سوقية، بالمعنى الإيجابي للكلمة، يتجلى هذا في انتقائه لمواضيعه وأيضًا لكلماته: «أنا تيس مثقف.. صاحب الجلالة… ترامواي بيروت» وربّما أكثر في طرق تفكيره وتعابيره، كأن يطلق على كتابه: «جنازة كلب» مستهلًّا إياه بالمثل الشعبي: «جنازة حامية والميت كلب». أقول أكثر شعبوية… من قصائد شاعر، تكشَّفت ذروة شعبويته وسوقيته في أعماله المسرحية المعروفة مثل: «ضيعة تشرين»، و«كاسك يا وطن»، و«غربة». إلّا أن كليهما، واسمحوا لي بهذه الصفة، شاعر ثوري رومانسي من الطراز العالي.
كلّ هذا، ولا يوجد في مقدمة أنيس منصور، الأمر الذي يمكن تبريره، بحجّة أن منصور المصري قد لا يكون مطلعًا على تجربة الماغوط السبّاقة، وكذلك في مقالة بول شاوول المطّلع والعارف، عن كتاب إبراهيم سلامة الثالث: «دموع التماسيح»، أي ذكر أو مقاربة لهذا التأثير الماغوطي، وبخاصة أن ديوان الماغوط الأول «حزن في ضوء القمر» كان قد صدر عن مجلة شعر في بيروت عام 1958م، وبعده بسنتين ديوانه الثاني «غرفة بملايين الجدران» الذي يتوافر لديَّ بطبعة مكتبة النوري دمشق 1960م، لا بطبعة مجلة شعر كما يذكر أحيانًا، التي لم أرها ولم أعرفها في حياتي، عداك عن قصائده التي كانت تنشر في مجلة شعر غالبًا، وهذا يعني أنّ اطّلاع صاحب «قصائد من خشب» الصادر عام 1962م على شعر الماغوط أقرب للمحتم.
سادسًا، على الوجه الثاني للغلاف، يكتب إبراهيم سلامة نفسه موضِّحًا، أو قلْ مؤكِّدًا، نظرته الساخرة والجارحة للواقع: «… ليس هذا الكتاب «جنازة كلب» بل جنازة الإنسان في زمن عزَّ فيه الكلبُ على الإنسان».
قصائد من خشب
في عام 1990م أصدرت دار رياض الريس للكتب والنشر، ضمن سلسلتها الشعرية الثانية، كتابًا أنيقًا ذا 162 صفحة من الحجم الوسط، جامعًا كلتا مجموعتي إبراهيم سلامة، اللتين أصدرهما تباعًا، ثم صام عن الشعر: «قصائد من خشب» 1962م، المتضمن 23 قصيدة، و«جنازة كلب» 1963م. وجامعًا أيضًا لثلاث مقدمات عن صاحبها، إضافة إلى مقدمة أنيس منصور، هناك مقدمة فواز طرابلسي المكتوبة على ما يبدو للكتاب خاصة حيث إنها مؤرخة، عام 1988م، أي قبل إصداره بسنتين، وهي في رأيي أهم المقدمات الثلاث، ولكن بالتأكيد ليس أطرفها؛ لأن ذلك من حق مقدمة سلامة نفسه المذيلة: «بيروت 20 حزيران 1962» التي يدلّ تاريخها ومضمونها أيضًا على أنها كانت مقدمته لديوانه الأول، غير المتوافر عندي بطبعته الأصلية.
إبراهيم سلامة بقلمه:
وكأنه يرغب بمصادرة رأينا قبل أن نقوله، يبدأ سلامة مقدمته لديوانه الأول: «هذا ليس بالشعر وليس بالنثر، ولا.. ولا.. إنما هذه خواطر، خواطر وليست أكثر. كتبت… في البارات والنوادي الليلية وفي الترامواي…خواطر إنسان كفر بكل القيم، وثار على كل المفاهيم؛ الحرية، العدل، الديمقراطية، الشرف، الأخلاق»، وينهيها: «عفوك قارئي العزيز… هذا رأيي في نفسي قبل أن يسبقني أحد ويقوله». مع أنه هو من أطلق عليها صفة «قصائد» في العنوان، كما أنه هو من يقول مفسِّرًا ومبرِّرًا: «أعرف سلفًا أن في هذا الشعر طباقات وتناقضات…قوة وركاكة…عمق وسطحية…فلسفة وسخافة.. صورة إنسان اليوم «غاغارين» و«التويست»… هذا (الشعر المخشب) ليس له قواعد؛ لأن الكون ليس له قواعد ولا ناموس ولا نظام، ولا موسيقا…».
متحف الفراديس:
تميزت مقدمة فواز طرابلسي برسم خلفية اجتماعية وسياسية لتجربة الشاعر، رغم وجود مشتركات معينة بينها وبين مقدمة أنيس منصور، واضعًا إياها ضمن إشكالية فهم وتقييم (الأعجوبة البيروتية) خاصةً، والتجربة اللبنانية عمومًا. ولا أظن أحدًا ممن يعرفون كتابات الطرابلسي يتوقع منه أن يكون أحد الرومانسيين الحالمين بالفردوس اللبناني الضائع؟! فيأتي بعجالة ظاهرة على ذكر تجربة النزوح من الريف للمدينة، ونقطة التصادم بين عالمي المرأة والمال، ضامًّا صديقه سلامة إلى تلك الكوكبة من الشعراء، بدءًا من جبران إلى شعراء الجنوب مرورًا بـإلياس أبي شبكة… وخليل الحاوي. وإن قارئ سلامة لن يجد صورًا برَّاقة عن العصر الذهبي الذي كان يعيشه لبنان، وعن بيروت كإحدى الفراديس العربية المفقودة. وهو بعد أن يبدد أسطورة بيروت باعتبارها الشواذ الذي قتلته القاعدة العربية، مستشهدًا بقول لمحمود درويش: «لولا هذه الدول اللقيطة لم تكن بيروت ثكلى». ينتهي بالقول: «لا المزاج السوداوي ولا التشاؤم المجسّم ما يسود صفحات هذا الكتاب، إنه صدى إنذارات لم تسمع حينها. فوراء هذا الاستهتار قلق وخوف…».
مقاطع مختارة:
«قصائد من خشب» – ص23: أنا بائع الكلمة/ التي كانت في البداية إلهًا/ وتحولت اليوم إلى نقطة سوداء/ على صفحة بيضاء/ أبيعها بليرة.. بليرتين/ بصحن فول/ بكرافات… أنا تاجر.
ص35: أنا مثقف/ دكتوراه حقوق/ اختصاصي في الأكل/ في الشرب/ في تعليك الكلام/ لا أبتسم إلا بالغرامات…مغرور/ متأله/ أحتقر البشر… مخشب القلب… أنا تيس. ص50: في الليلة الأولى يا خاطئة التقينا/ أين؟/ في البار القديم المغطى بستار شفاف/ حيث كنتِ تترصدين كالحية. ص67: كلما حل مساء تشرين/ خلت أن نهاية البشرية قد اقتربت/ وأن الحرب واقعة غدًا وليس بعد غد… أنا بدوري فزعت إلى غرفتي الصغيرة/ التي ليس فيها سوى سرير وطاولة وسبعة كتب… رباه لي طلب واحد/ أن تعطني الموت دفعة واحدة… لأشعر بالسعادة في موتي. ص72: أنا تحت.. في قبو صغير/ فوقي بثلاثة أمتار البشرية… سينمات/ مَلَاهٍ/ سيدات/ جرائد/ مشاكل العالم/ أخبار الأمم المتحدة/ نزع السلاح… أنا تحت كل شيء… تحت القانون/ تحت المحبة/ تحت النظام/ تحت الدولة… كل ما أراه وأسمعه/ قادم أو ذاهب-إلى تحت.
«جنازة كلب».. يلاحظ في بداية الديوان إضافة قصيدة بعنوان «روما تحترق» لم تكن موجودة في طبعة دار الطليعة 1963م، ومن المرجح أن ذلك كان بسبب تجاوزها للخطوط الحمر، حيث تتضمن، وعلى نحو غير مسبوق، هجاءً شديدًا قاذعًا للمجتمع اللبناني ورجال الحكم فيه بآن. ما يذكرنا بخلاصة فواز طرابلسي: «إنذارات لم تسمع حينها». ص101: أهل بلادي على الشاطئ/ أخذوا من السمك عاداته/ كبيرهم يبلع صغيرهم/ قويهم يأكل ضعيفهم/ غنيهم يدوس فقيرهم… الجمال قبح… الباطل ناموس… الصدق شعوذة… الإنسانية بهمنة… الرزيلة فضيلة… السرقة أمانة… اللصوصية شرف… تضليل الناس وطنية… بثّ السموم زعامة… بلادي روما تحترق/ وغدًا سيعبق دخانها. ص105: (ماريكا) يا أشهر امرأة في لبنان!/ بيتك تاريخ لم يكتب/ والتاريخ سجّل نصف حضارة الإنسان/ وجبن أن يسجل الباقي/ فتركه نقوشًا على حيطان بيتك. ص112: نفسي أبيعها للزبالين. ص115: مقبرة الجبل الصغيرة/ أربعة أمتار منسيّة/ بين الصنوبر منعزلة/ برأسها عمود صغير/ أصفر بلون الموت/ كشاعر..في داخلها ماذا؟/ لا شيء.. ذكريات إنسان/ من تراب مرّ على تراب./ سيارة صغيرة تمرّ قربها/ متمهلة/ في داخلها رجل وامرأة/ يغازلان التراب… ويمتصان شفاه بعضها/ كما تمتص المقبرة الصغيرة/ عظام الميت…/ مقبرة الجبل الصغيرة… مصطافة.. لا تأكل ولا تشرب/ تمثال شقاء الإنسان/ صليبه ضاع في البراري والوديان/ ولقيه دونما موعد. ص117: على قبر سقراط/ اشتريت امرأة بعشر ليرات/ لم تقل لي من أنت؟/ ومن أين أتيت؟/ ولم أقل لها: ما اسمك وماذا تعملين؟
دموع التماسيح
شيء محبط ألّا تجد أيًّا من صور أو قصائد أو مقالات بقلم أو عن إبراهيم سلامة، كأنه وجد واختفى قبل عصر التدوين الإلكتروني. أو كأنه ما إن جاء عالم الإنترنت حتى هرب منه، هو الذي يقول: «مارست الهروبين الجغرافي والتاريخي، وسقطت أسير لعبة الفرار الدائم»، إلا مقالتين كتبتا بمناسبة صدور الطبعة الثانية من كتابه الثالث «دموع التماسيح» 2012م. واحدة في صحيفة «السفير» المحتجبة، فلا يمكن معرفة من كتبها ولا ما كتب فيها سوى بعض الأسطر من بدايتها تشير إلى أسلوب سلامة المشهور بسخريته المريرة، كتقسيمه تاريخ العرب إلى ثلاث مراحل: «مرحلة العزّ، ومرحلة الهزّ، ومرحلة الطزّ المستمرة حتى أيامنا». حيث برأيه: «تبهدلت كل الأيديولوجيات العالمية، ماركس انتهى ضابط شركة».
أما المقالة الثانية فقد نشرت بصحيفة «المستقبل» بتاريخ 26/ 4/ 2012م، بقلم الشاعر بول شاوول. وهي بمجملها أقرب لشهادة مجروحة: «… من كبار الكتاب الصحافيين والمهنيين، وأهل التجارب والتاريخ… عمل ركنًا أساسيًّا ومؤسسًا في جرائد ومجلات عدة… الصوت المميّز، حتى (النشاز)… استقلاليته مقدّسة وكذلك مزاجيته، خصوصًا سخريته السوداء… دائمًا على حدة… في الداخل وفي الخارج… لم يألف الصالونات ولا أصحاب الشأن، ولا الحاشية، ولا السلاطين، ولا الشِّلَل، ولا الاستزلام، ولا الشحاذة، ولا البلاطات، ولا المجاملات، ولا الاسترقاق… يكتب دائمًا كما يشاء، لا كما يشاء هذا أو ذاك… الثائر والمتمرد، بلا حساب ولا مقابل. بل مقابل صحافيين انحازوا إلى الأنظمة الساقطة، وزمن المجرمين… بعدما أمطرونا بشعارات التمرّد، والخراب الجميل، وجنون الحرية، وحرية الجنون، فإذا بهم، عندما جاء الخراب… انصرفوا إلى مهنة المتاجرة بالصحافة والضمائر».
قلت: شيء محبط، ولكنه كان السبب في اهتمامي واستعادتي الطارئة لهذا الشاعر الطارئ، على الشعر وعلينا.. الغامض.. المتوار.. اليائس من العالم ومن الجنس البشري ومنّا.. إبراهيم سلامة، الذي أيضًا لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا، لا قدر الله، قد دخل الغيبة الكبرى. أم أنه، كما نتمنّى، ما زال حيًّا في مكان ما، يترصّد ما يحدث في العالم، وما يحلّ من مآسٍ ونكبات في فردوسه البيروتي المحطّم، وعالمه العربي، وأي عالم وأي عربي صار إليه، وأظنّه شيئًا رائعًا أن يقرأ ما كتبته عنه، لا لأهميته ولا لطرافته، بل لمقدار ما فيه من تأسٍّ وعاطفة، ليس أكثر.
اللاذقية 10/ 9/ 2018م
يمكن لي القول: إن قصائد سلامة أكثر شعبوية، صحفية، أو حتى سوقية، بالمعنى الإيجابي للكلمة، يتجلى هذا في انتقائه لمواضيعه وأيضًا لكلماته
المنشورات ذات الصلة
«جوامع الكمد» للشاعر عيد الحجيلي… عوالم شعرية بسيطة
يثير ديوان «جوامع الكمد» (الدار العربية ناشرون) للشاعر السعودي عيد الحجيلي مجموعة من الأسئلة القصيرة المتعلقة بالذات...
«حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس التخييل المرجعي للذاكرة
تأخذ رواية «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس -منشورات المتوسط- أذهاننا إلى زمن الحرب، إنها إحالة إلى الزمن، ولم...
السيد الجزايرلي في ديوانه الجديد بصير يتلمس عبر التصوف حنينه إلى الوطن
العلاقة بين التنبؤ والشعر قديمة ووطيدة منذ قصة وادي عبقر، والقول بأن لكل شاعر عفريتًا من الجن يلهمه أشعاره، مرورًا...
0 تعليق