كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الثقافة السعودية خارج فضاءاتها الوطنية
حول كيف يمكن للثقافة في السعودية أن تدشن علاقات تعاون مع بعض المؤسسات الدولية المعنية بالثقافة وقضاياها، وكيف يمكن استثمار هذه القنوات لجعل الثقافة السعودية حاضرة ومنتشرة ومؤثرة في العالم، عبر إستراتيجية وخطة عمل واضحة؟ (الفيصل)
المنتوجات الثقافية بكل أشكالها لا تترحل وتؤثر خارج فضاءاتها الوطنية الأصلية إلا ضمن خطط ترويجية محددة وفعالة قدر الممكن. غياب هذا البعد عن الفاعلين الرئيسين في الحقل الثقافي يدل على رؤى ضيقة، هذا إن لم يوحِ بعدم الثقة في المنتوج. من هنا أعتقد أن لدينا الكثير مما يمكن عمله في هذا المجال لتدارك الوضعية الراهنة التي لا تليق بنا ولا ترضي أحدًا من المثقفين والمبدعين، وبخاصة من الأجيال الجديدة التي لديها ما تقدمه في مجالات الفنون الحديثة كلها.
ولكي أضرب مثلًا محددًا من واقع عملي الحالي مديرًا لمعهد العالم العربي كم أتمنى لو كانت لدينا جهات متخصصة في العمل الثقافي الخارجي وأن تكون لها أنظمة وقوانين مستقلة تكفل لها المرونة لاتخاذ القرارات وتنفيذها بمجرد أن يُتَّفَق على النشاط والبرامج التفصيلية التي يتضمنها. وأركز على هذه القضية التي قد تبدو جانبية لأنني طالما لاحظت أن تعدد الجهات وتداخل الاختصاصات ومركزية القرارات الحاسمة تعوق وقد تعطل الكثير من مشروعات التعاون.
فالمؤسسات الثقافية في فرنسا وعموم البلدان الغربية مفتوحة لكل من يريد أن يتعاون معها من مختلف بلدان العالم، وبغض النظر عن شكل التعاون فإن لديها معايير فنية وتقنية لا تتنازل عنها. هي حين تتشدد في هذا الجانب فالهدف هو ضمان الجودة في المعروضات وضمان المردودية الإعلامية والتربوية للنشاط في المقام الأول. فلكل مجتمع خصوصياته الجغرافية- التاريخية، وتقديم الأفضل من منتوجاته الثقافية والفنية والمعرفية التي تشكل قيمة جديدة لما هو معروف هو ما يجذب الجمهور ويخلق بيئة تلقٍّ مواتية للمزيد من الأنشطة. نعم، ربما يقال إنه ليس لدينا مواد في بعض المجالات تنافس ما هو موجود في باريس لكني واثق تمامًا أن هناك عديد الفنون التي تعوض عنها بدءًا بالآثار وانتهاءً ببعض الفنون الغنائية والتشكيلية والحركية والمعمارية، التي عادة ما تكشف عن العمق الحضاري لكل منطقة وتجسد معاني الخصوصية لمجتمعنا الوطني في مجمله.
وأخيرًا لعلي ألحّ على أن العمل الثقافي الخارجي قد يبدو مكلفًا لبعض الأشخاص وبعض الجهات، لكن المؤكد أن التأثيرات الإيجابية لأي نشاط جدي خلاق تظل كثيرة عميقة متصلة حتى لقد تشكل على المدى البعيد أفضل طريقة لمواجهة الصور النمطية والأفكار السلبية والأحكام المسبقة التي عادة ما يكرسها غياب التواصل الفعال مع الآخرين. وبما أن معهد العالم العربي مؤسسة معنية أصلًا بتنويع مجالات التواصل والتبادل والتعاون بين ضفاف المتوسط فنحن نرحب دائمًا بكل من يشاركنا هذه الرؤية ويعيننا على أداء الرسالة النبيلة الجميلة ذاتها.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق