كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
صورتنا الثقافية وسؤالنا الثقافي.. تحول في التحول
الثقافة ليست أدبًا وكتبًا ومؤلفين ومؤسسات ثقافية ومجلات ونشاطات فحسب، الثقافة أيضًا هي سلطة، بتعبير المفكر محمد الرميحي، ربما غير مرئية لكنها سلطة تساعد أو تعوق المجتمع، وهي فيما تعنيه، من معانٍ كثيرة، هوية متجذرة في المجتمع الذي تعكسه أو تنعكس عليه. وبالتالي لا يمكن فهم الثقافة، كما يرى الكاتب أحمد بوقري، بعيدًا من علاقتها بالمجتمع وتأثير مفاعيلها في بنيته ونسيجه. عانت الثقافة في المجتمع العربي والسعودي خاصة، ارتيابًا تارة وتجاهلًا تارة أخرى، وهو ما جعل السيطرة لخطابات أخرى، رافقها ضجيج أيديولوجي راوح بين اليسار واليمين، وأدى ذلك إلى تراجع الثقافة، بما هي أسئلة ملحّة تشتبك مع الراهن وتُسائِل الماضيَ وتتطلَّع إلى المستقبل.
الثقافة في السعودية، وهي جزء من كل عربي، مقبلة على مرحلة مليئة بالوعود الكثيرة، خصوصًا بعد استئثارها أخيرًا بوزارة مستقلة. مرحلة تأتي تزامنًا مع تحول يترقبه المثقف السعودي ويحلم بالإسهام فيه. والرهان على الثقافة اليوم هو إدراك -لا نقول جاء متأخرًا- لأهمية الثقافة ودورها المعرفي والتنويري في نهضة الأمم. الاهتمام بالثقافة، يعني أيضًا، التنبه إلى وجود طاقات وكوادر، تشمل مجلات ثقافية وفكرية وفنية متنوعة، تستطيع أن تضطلع بأدوار حيوية في تقدم المجتمع.
بالتأكيد لم تعد صورتا المثقف والثقافة، هما نفساهما قبل هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، التي بلورت صورة أخرى، قد تبدو مجحفة للمثقف. على أن الأمر ليس بهذا الوضوح، فلا تزال صورة المثقف في الإجمال غير واضحة، أو هكذا تبدو. من هنا فالحديث عن مستقبل الثقافة في السعودية لا بد له أن يفتح نقاشًا واسعًا ومسؤولًا، وأن يضع خططًا، وأن يبلور أسئلةً، ويبحث عن إجابات. إذًا لا بد للثقافة من سؤال ثقافي جوهري، فالثقافة بلا سؤال ثقافي، هي، بتعبير الكاتب زكي الميلاد، ثقافة بلا وعي ومعرضة للتفتُّتِ والانقسام.
من ناحية أخرى، وبما أننا نتحدث عن المستقبل، ينبغي ابتكار نظرة جديدة للثقافة في علاقتها بالتنمية، والمتأمل في خطط التنمية السابقة، سيلحظ، كما يقول الكاتب والأكاديمي عبدالله البريدي، غياب ركائز قوية للفعل الثقافي والإبداعي، وبالتالي لم تفلح، في رأيه، تلك الخطط في تفعيل الثقافة والإبداع وجعلهما رافدين للتنمية والاقتصاد.
«الفيصل» تكرس هذا الملف لمستقبل الثقافة في السعودية في ضوء التحولات الراهنة. على أن الحديث عن الثقافة في السعودية، هو، في الوقت نفسه، حديث عن الثقافة العربية بشكل عام، فلا تزال الصورة، بشكل أو بآخر، هي نفسها، والافتقاد للأسئلة الحيوية هو نفسه. من هنا سعت «الفيصل» إلى فتح نقاش واسع يشارك فيه عدد من الكتاب السعوديين والخليجيين والعرب.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق