المقالات الأخيرة

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

برايتون

برايتون

... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر لذيذ يعبر رأسه، تخلبه أشتات يوم قديم، يمسك بمعصم ابنه ويسيران إلى خارج المحطة، ينحدر بهما طريق يمتد من محطة القطار ويصب في شاطئ البحر، يقف أمام البحر...

جماعات ثقافية أم «شِلَل» همُّها مصالحُها الضيقة؟

أدوارها تبدَّلت من ضبط إيقاع المؤسسات إلى ابتزازها

بواسطة | نوفمبر 1, 2018 | تحقيقات

في أربعينيات القرن الماضي كانت توجد جماعات أبولو والديوان والخبز والحرية وغيرها، وفي خمسينيات وستينيات القرن ظهرت جماعة شِعْر التي تمحورت حول مجلة شعر البيروتية المناصرة للتيارات الشعرية الجديدة، وفي السبعينيات ظهرت في مصر جماعتا أصوات وإضاءة اللتان تنافستا في ضم الأدباء الجدد في مواجهة شعراء القصيدة الكلاسيكية، فضلا عن رفضها للتعامل مع المؤسسة وعدّ مَن يسعى لذلك خائنًا لاستقلال المثقف. لكن مع الوقت تغيرت الأحوال، وتفننت الدول في استقطاب المثقفين المناوئين لها في أروقة مؤسساتها الرسمية، وسرعان ما جعلتْ لكل طريقة شيخًا لا يمكن الحصول على الجوائز أو السفر إلى المؤتمرات أو المشاركة في الندوات من دونه، فانفضت الجماعات القديمة التي كانت تمارس ضغطها على المؤسسة الرسمية لضبط إيقاع عملها، إلى جماعات جديدة تسعى للضغط على الدول أو المؤسسات الرسمية لاستيعابها في تشكيلات لجانها ومِنَحها وجوائزها وسفرياتها.

زاد الأمر صعوبة بعد أن أضعفت ثورات الربيع العربي قبضة المؤسسات، وجعلت المسؤولين يسعون لاسترضاء الجماهير واحتواء غضبهم، وهو ما جعل الواقع الثقافي، في رأي بعض المثقفين، أشبه بميليشيات تجوب الشوارع، كل مجموعة لها مقر معروف سواء مقهى ثقافي أو دار نشر أو حتى صالون في منزل، ولكل جماعة أب روحي عادةً ما يكون شاعرًا أو ناقدًا كبيرًا، ورئيس فعلي يستمد قوته من كونه موظفًا كبيرًا في مؤسسة ثقافية، أو مسؤولًا في جريدة كبرى، أو مجلة قوية، أو صاحب دار نشر حققت قدرًا من شهرة. هذه الجماعات أصبحت بديلًا للجماعات القديمة، لكن أدوارها تغيرت من ضبط إيقاع المؤسسات الرسمية إلى ابتزازها لأجل مصالح شخصية للأعضاء، كالنشر والترجمة والحصول على الجوائز والمشاركة في المؤتمرات والسفر إلى الخارج والتحكيم في المسابقات. فكيف يرى المثقفون أنفسُهم هذا التحولَ وأسبابه؟

ناصر الظفيري: موظفو الدولة وأشباههم

ناصر الظفيري

الحياة الثقافية بالتأكيد ككل حياة مشابهة تخضع للمؤسسة الرسمية أو شبه الرسمية. لا توجد اليوم جمعيات ثقافية غير ربحية في الوطن العربي. السلطة في العالم العربي هي التي تقوم بالصرف على هذه المؤسسات وإن أطلقت عليها تسميات بعيدة عنها، ولكنها بالتأكيد تتبناها ماديًّا وإعلاميًّا، ومتى توقفت المؤسسة الرسمية عن الصرف عليها ستموت فورًا. العاملون في هذه المؤسسات هم موظفو دولة يخضعون لسياستها ويتبنون آراءها وأفكارها وبالتالي لن يتقبلوا أي عمل لا ينسجم مع هذه الأفكار السياسية للدولة. هذه هي الجماعات الضاغطة، التي غالبًا لا نعرف الأيدي التي تحرك جيش الموظفين أو حتى لجان التحكيم. في الجوائز العربية لا أعتقد أن اللجان مثلًا تقرأ جميع الأعمال ولكنها تخضع لدور النشر التي أيضًا ترتبط بمصالح مع المؤسسة الرسمية. تستطيع أن تكتشف هذا من تكرار الأسماء المدعوة للمهرجانات الثقافية. في الكويت مثلًا أتذكر أن كل أمسية شعرية للمجلس الوطني يتكرر اسم شاعرين أو ثلاثة. وفي كل ندوة تتكرر أسماء الباحثين أنفسهم، هذه الأسماء محفوظة في درج السكرتير يقدمها للمدير الذي غالبًا لا علاقة له أدبيًّا أو ثقافيًّا بالمناخ الثقافي العربي. وكل ما عليه اعتماد أسماء اللائحة من دون عناء. لا أستطيع أن أتهم البعض ولكني أسمع الشائعات التي تتحدث عن مناصفة الجوائز الأدبية مع الفائزين، وأستبعد ذلك الاتهام. أما ما يتعلق بالشللية الثقافية فهي موجودة ونعيشها كل يوم في حياتنا الثقافية. هناك مشكلة العاصمة والإقليم والحاضرة والأطراف، هناك النزعة العنصرية وسياسة الإقصاء والتجاهل لأي عمل يأتي من خارج الشلة المسيطرة على الوضع الثقافي. هذه السيطرة تأتي كما ذكرنا من طبيعة علاقة المثقف بالمؤسسة وقربه من أصحاب القرار فيها. الكثير من المثقفين وخصوصًا في الخليج يبذل من ماله ليحقق انتشارًا أو لترجمة عمل من أعماله، والبعض يستغل نفوذه ومكانته الوظيفية لإدخال عمله في لوائح الجوائز وهو واللجنة يعلمان أن عمله لا يستحق.
روائي كويتي.

أحمد قران: مؤسسات بلا فاعلية

أحمد قران

مؤسسات المجتمع المدني هي أهم وسائل الضغط الاجتماعي في أي دولة، من بين تلك المؤسسات ما يرتبط بالثقافة كالمراكز الثقافية والأندية الأدبية وجمعيات الفنون والمجالس الثقافية والمنتديات، شريطة أن تكون لها استقلالية عن الحكومات حتى تستطيع ممارسة دورها بحرية ومن دون إملاءات من المسؤول الرسمي، فإن لم تكن كذلك -أعني أن تكون مستقلة- فلن تستطيع ممارسة دورها المتمثل في الضغط الثقافي من أجل تغيير السائد وإحداث تحديثات وتجديدات في البنية الثقافية والاجتماعية.

هناك مؤسسات ثقافية أغلبها حكومي، وبالتالي لا تستطيع ممارسة ضغط ثقافي حقيقي من أجل التغيير إلا بالقدر المسموح لها به، أما المؤسسات والمنتديات الخاصة فهي قليلة، ولا تستطيع الخروج عن ذلك الإطار، كي لا تُلغَى، وبالتالي يعمل أصحابها وفق منظومة العمل الرسمي. الإشكالية التي تواجه الثقافة العربية تكمن في عدم إيمان الحكومات بدور الثقافة كقوة ناعمة تستطيع خدمة الحكومة والوطن وتحسين الصورة الذهنية عنهما ونقل تراث وحضارة وثقافة البلد إلى الآخر، وإن حرية الإبداع هي المنهج الذي يجب أن تتخذه المؤسسات الثقافية إذا ما أرادت أن يكون لها تأثير ثقافي ومجتمعي.
شاعر وأكاديمي سعودي.

محمد جعفر: جماعات بلا ألق

محمد جعفر

يمكنني أن أقول: إن المثقف المعرب في الجزائر لم يعرف فكرة النضال الثقافي. فجُلُّ المظاهر الثقافية عندنا منذ الاستعمار كان طابعها دينيًّا واتخذت من فكرة الإصلاح منطلقًا لها. هذا مع تبسيط للقضايا الجوهرية، والقفز عليها بدل حلها جذريًّا. وكنموذج لذلك موقف المثقف الإصلاحي من الثورة. وأما الفعل التنويري والثوري فقد مارسه المثقفون المفرنسون. وإن كنا اليوم نشهد شبه موات يشمل الفئتين معًا. ولعل ذلك يرجع لأسباب عديدة أهمها: الارتهان لمؤسسات الدولة. فالجمعيات والنوادي الثقافية يقوم على أغلبها طفيليون عديمو الموهبة، لا هدف لهم غير منافعهم الشخصية. وهي مجرد تابع لوزارة الثقافة. أضف إلى ذلك خلو الساحة من مؤسسات ثقافية مستقلة من حيث التموين، كذلك لا أثر لمجلات وجرائد تُعنَى بالثقافة. وهذه العناصر هي التي يتبلور فيها أي معطى ثقافي. كما تكون هي واجهته والموجِّه له.

وفي ظل هذا الوضع المخزي يلجأ أغلب المثقفين اليوم إلى مواقع التواصل. وهي رغم سلبياتها العظيمة يمكنها أن تكون عنصرًا حاسمًا في التثوير لقدرتها على الاستقطاب والحشد. ولقد لعبت دورًا حاسمًا في تلك الهَبَّة التي قام بها المثقفون للتضامن مع الروائي رشيد بوجدرة. ثم إن هذه الهبّة التي جاءت عفوية تحوي نواة تنظيم فاعل ومؤثر، هذا إذا ما توافرت النيّات والتأطير المطلوب. وإن كنت أتصور أنه لا ازدهار للشأن الثقافي في الجزائر ما لم يَقُدْه المفرنسون. فهي الفئة الوحيدة التي تخَرَّج منها مناضلون حقيقيون رافضون لكل أشكال العسف. وما على المثقف المعرب إلا واحد من خيارين: إما أن يخوض نضاله تحت لواء المفرنسين، أو يثبت جدارته وهذا بتخلِّيه عن حالة الجبن التي يرتهن لها ويرفض كل أشكال التدجين. وهو الخيار شبه المستحيل في ضوء ما يتوافر من معطيات.
كاتب جزائري.

راضية الشهايبي: تركيبات وهمية

في غياب مشروع ثقافي واضح الرؤى والمنهجية، وفي ظل ما تشهده المؤسسات الثقافية من فقر وتفقير وتقتير وتنقيص في ميزانياتها، ونتيجة لما يتعرض له المثقف العربي من تهميش وتقليل من قيمته ومن دوره في بناء المجتمعات، وأمام ما تلقاه

راضية الشهايبي

الثقافة من تنكُّر من جُلِّ وسائل الإعلام بأنواعها؛ برزت مجموعات أو جمعيات ثقافية في أغلبها تكاد تكون تركيبة وهمية يشرف عليها دخلاء لا علاقة لهم بالثقافة لتحقيق أغراض شتى والحصول على تمويلات وتبرعات. فتدور مناسباتها من دون برمجة مسبقة ومن دون أهداف دقيقة وبانفصال عما يدور حولها، وبانقطاع عن باقي مؤسسات الدولة. وتستمر تلك المجموعات في التجارة بالثقافة من دون فعل ثقافي حقيقي ومن دون رقابة صارمة ومتواصلة من طرف المؤسسات الثقافية، وهو ما جعل المثقف الحقيقي يتوارى في فردانيته ويتمادى في عزلته، وذلك في غياب تام لجماعات ثقافية منظمة لها طرائقها في استثمار هذه الطاقات الثقافية بما يعود بالتأثير الإيجابي في بناء الشخصية العربية وتطويرها نحو الأفضل.

يحتاج عالمنا العربي أكثر من أي وقت مضى إلى جماعات ثقافية واعية بما تمر به الشعوب من اختلال نفسي واقتصادي وثقافي، وعاقدة العزم على الضغط بشتى السبل على الحكومات؛ كي تدعمها وتنخرط معها في شراكة حقيقية لوضع إستراتيجيات يمكن تحقيقها على أرض الواقع، وعلى الحكومات أن تشرك هذه الجماعات في صنع القرار الثقافي؛ إذ يمكنها تقديم الكثير من خلال طرح نقد حقيقي للواقع وإعطاء البدائل واقتراح السبل، ولا سبيل للنجاة إلا بجماعات ثقافية حقيقية تتكون من خيرة مثقفي كل بلد، وأن تكون منظمة ومهيكلة على أسس قانونية وإدارية، ولها مشاريعها على المَدَيَيْنِ القصير والطويل، وتعمل على نشر الثقافة والانفتاح على المؤسسات التعليمية، وإشراك الشباب في الثقافي الجماعي.

شاعرة تونسية.

علي عطا: مصالح شخصية

علي عطا

هل توجد في مصر جماعات ضغط ثقافية فيما يتعلق بالضغط من أجل الصالح العام؟ ونعم أيضًا فيما يخص الابتزاز لأغراض شخصية أو شِلَليَّة. لكن هذا التحديد ليس جامعًا مانعًا، بما أن السائد هو اختلاط الحابل بالنابل في ظل غيوم كثيفة تكتنف الجو العام في مصر منذ 25 يناير 2011م حتى الآن. ومع ذلك، ألاحظ أن الضغط من أجل بلوغ مصالح شخصية هو الغالب، وهو يُراوِح بين النعومة والفظاظة، ويمارسه بعض أصحاب دُور النشر، ومنهم مثلًا واحد وجدناه ضمن رؤوس اعتصام وزارة الثقافة الشهير في منتصف 2013م، فبمجرد أن لاحت بوادر نهاية حكم الإخوان المسلمين، وبات شبه مضمون، أن يعود رئيس هيئة الكتاب المقال إلى منصبه فيستأنف الحصول على مكافآت مالية نظير إعادة نشر بعض إصداراته في مشروع «مكتبة الأسرة»، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فسرعان ما تجمد مشروع مكتبة الأسرة لجفاف منابع تمويله.

هذا الناشر وشلته التي ارتبطت به لم يتوقف عن الضغط، استنادًا من قبل إلى معارضة شكلية للنظام، ثم الادعاء باحتضان ثورة 25 يناير وشبابها، وركوب موجة 30 يونيو التي ادّعت الشلة إياها أنها كانت وَقُودَها، ومن ثم زعمت أنها صاحبة الفضل في إزاحة الإخوان من الحكم، وإعادة الوزير صابر عرب الذي لم يتأخر في تلبية طلبهم، وتنظيم مؤتمر حاشد بالمجلس الأعلى للثقافة ليحددوا فيه أولويات المرحلة الجديدة، بما فيها من جوائز ومناصب. وما إن لاحت فرصة لتعديل وزاري حتى انبروا في الهجوم على الأسماء المرشحة من خارج دائرة نفوذهم، وتلميع أسماء أخرى محسوبة على تلك الدائرة لضمان استمرار المكاسب الشخصية وليذهب الصالح العام إلى الجحيم.

هؤلاء وغيرهم ممن يشكلون جماعات ضغط ثقافية باتوا منتشرين في مواقع صحافية وعبر الفيسبوك، وضغطهم تجاوز المؤسسة الثقافية الرسمية ليطاول مجالس أمناء الجوائز ولجان تحكيمها داخل مصر وخارجها، جريًا دائمًا وراء مكاسب شخصية بعضها يحسب قيمته المادية بملايين الجنيهات.
كاتب مصري.

أحمد فاضل: التحكم في المشهد الثقافي

لا يخفى على كل مهتم بالثقافة دور جماعات الضغط التي ترفع شعارها بتأثيرها الكبير فيها سواء أكان ذلك على المستويين المحلي أو الخارجي. وقد عرفت هذه الجماعات طريقها ليس على الواقع الثقافي فحسب بل على فروع أخرى بحسب أهميتها، وهي الآن من أهم وأكثر التكتلات البشرية التي تؤثر في سياسات المؤسسات والشركات حتى على السياسات العامة لدول كثيرة، ما يهمنا هنا هو هذه الأيديولوجيات والأفكار التي يحملونها، وغايتهم الحفاظ على مراكزهم وتمرير سياساتهم لتثبيت منافعهم الشخصية، مع تقديمهم للقليل من المنجزات إن وجدت ذرًّا للعيون، وهؤلاء تدفعهم انتماءاتهم الحزبية والطائفية، ويتحكمون بقوة في المشهد الثقافي على الرغم من وجود هيئات ومنظمات أدبية مستقلة تعمل بجهد استثنائي وبإمكانات خجولة غايتها خدمة الثقافة والمثقفين.
كاتب عراقي.

محمود خيرالله

محمود خيرالله: عواطلية الثقافة

في مصر لدينا مجموعتان ممن يُمكن أن نطلق عليهم «عواطلية الثقافة» -لا جماعات ضغط، والفارق بين الأمرين كبير- المجموعة الأولى حفنة من الأدباء المنضوين -بإرادتهم الحرة- تحت لافتة «أدباء الأقاليم»، وتتلخص حركتهم في الداخل المصري، بين مؤتمرات شهرية وأخرى سنوية، تقام ضمن أنشطة «الثقافة الجماهيرية»، وهؤلاء مدعوون دائمًا للمشاركة في كل «مؤتمر أدباء أقاليم»، وهم أنفسهم من يُكَرَّمُون فيه سنويًّا، تحت أسماء مختلفة، حيث يقام المؤتمر في محافظة مختلفة سنويًّا، وهي فرصة ليتبادل الجميع الكراسي والنياشين والعطايا ذاتها، وهم فئة من الموهوبين في «النشر الإقليمي» -مشروع «نشر محدود» يقوم بطباعة نحو 500 نسخة من كل عمل أدبي «رواية أو ديوان شعر أو مجموعة قصصية» لأديب إقليمي متميز- كما أنهم أصحاب أيادٍ طولى في مشاريع النشر التابعة لوزارة الثقافة، ستجدهم أيضًا نافذين في مشروع النشر في الهيئة المصرية العامة للكتاب، ولعلك ستطالع أسماء بعضهم، في أول الصفوف في ندوات «معرض القاهرة الدولي للكتاب»، بين شاعر وقاص وناقد، وبات عندنا أيضًا داخل هذه الفئة ما يمكن أن نسميه ظاهرة «الناقد الإقليمي»، على الرغم من أن مواهبهم جميعًا محدودة، وهؤلاء هم الفئة الأولى من «العواطلية». أما المجموعة الثانية، فهي تلك الفئة من الشعراء، التي وُلِدتْ فجأة، من «فتات مائدة» شاعر كبير وشهير إبان معركته التي لا تنتهي، مع قصيدة النثر، إنهم يحصدون جوائز الدولة التشجيعية في الشعر لمجرد أنهم يقلدون قصيدته، إنهم يحصدون السفريات ويستطيعون الوصول إلى «منح التفرغ» وغيرها، إنهم لا يظهرون سوى في المناسبات التي تتطلَّب وجود منشدين وكومبارس.

كاتب مصري.

بسمة الخطيب: شلل متشابكة

بسمة الخطيب

واجهت النخب الثقافية التنويرية العربية ظروفًا صعبة، على مدار تاريخها، أجبرت غالبيتها على الهجرة، ولم يبقَ سوى قلة تقاوم وتناهض يُراوِح مصيرها بين التهميش والسجون، وهو ما حال دون أن تلعب النخب دورها التنويري الطليعي في توعية الرأي العام وقيادته نحو حلول عملية فعَّالة لمشاكله الاجتماعية والسياسية والثقافية، ومساعدته في الانخراط المباشر في معالجة قضاياه. غياب النخب الثقافية خلف فراغًا ملأته الشلل المتشابكة المصالح، فيما بينها من جهة، وفيما بينها وبين السلطة من جهة ثانية… وأنا أتوقّع أن تتمكن النخب الثقافية المهاجرة أو تلك المحبطة من إعادة بناء نفسها، وبناء خطابها لتتصدى لتلك الشلل الانتهازية المرتهنة بمصلحة السلطة وليس بمصلحة المجتمع.
كاتبة لبنانية.

شربل‭ ‬داغر‭:‬  حملات‭ ‬فيسبوكية

لا يمكن للجواب أن يتوافر بصورة سليمة إلا إذا توقفنا عند مسألة «الشرعية» في بلادنا ومجتمعاتنا، من جهة، وعند مسألة العلاقات بين الدول والمجتمعات، من جهة ثانية. فما ينظم حياتنا الوطنية والثقافية محكوم بقوانين وأعراف وسلوكيات لا يمكن القول فيها إنها تقر بقيام «جماعات ضغط»، في أي شأن كان، ولا في الثقافي نفسه. فكثير من الحكومات لا يقرُّ بأن يكون لغيره من قوى المجتمع وتشكلاته فعلٌ مباشر على قوى المجتمع نفسها وعلى معتقداتها ومواقفها. فالحكم يعمل، في أحوال كثيرة، على التحكم التام بأي حراك في المجتمع، بما فيه نشوء جمعية أو نادٍ في قرية بعيدة… هذا لا يمنع أن هناك جمعيات نشأت بصور ملتوية أو مقرة في أحوال معدودة، وأنها تقوم بأدوار ومبادرات نشطة وحيوية، من دون أن نحسن قياس فاعليتها وتأثيرها. وهي جمعيات لا تجد عونًا لها عند قيامها، لا من السلطة ولا من غيرها. يضاف إلى ذلك أن هذه الجمعيات –إن نعمت بدعم مادي من خارج مجتمعاتها– تُتهم سلفًا بالخيانة والتبعية وغيرها من التهم الشنيعة والقاتلة.

قد يُفسر كلامي هذا على أنه «يختصر» العلاقة في المسألة المطروحة بين قوى في المجتمع وبين السلطة الحاكمة، فيما أعتقد أن العلاقة واقعة أيضًا بين هيئات المجتمع وأفراده أنفسهم. فانفصال أفراد عن بيئتهم وجماعاتهم، وانضمامهم الحر والطوعي إلى جمعيات خارج الولاءات المتبعة، ليس بالأمر المقبول في التقاليد والأعراف الاجتماعية، وهو ما يجعل منهم جمعيات «نخبوية» جدًّا ومن ثم ضعيفة التواصل مع بيئاتها.

لهذا فإنني أعتقد أن انتظام وسائل التواصل الاجتماعي قد يعوِّض ويحلُّ محل «جماعات الضغط» المذكورة. وهو ما يلحظه المتابع من قيام «مجموعات ضغط» تلتقي في هذا الشأن أو ذاك، من دون أن تحتاج إلى رخصة (التي تصدرها وزارة الداخلية وحدها)، أو إلى اجتماع (المهدد بعدم قيامه)، أو إلى ميزانية وتمويل وغيرها… هذه الحملات «الفايسبوكية» التلقائية أظهرت بعض الجدوى والفاعلية، إلا أنها لا تعوض بأي حال عن تفتح المجتمعات بقواها الحيوية وإبداعية أفرادها، وباندفاعهم صوب ما يرونه صالحًا وحيويًّا ومنشطًا لبلادهم ومجتمعاتها.
شاعر ومترجم وناقد لبناني.

رفعت‭ ‬سلام‭:‬  أمراض‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي

حين عُيِّن الشاعر فتحي عبدالسميع رئيسًا لتحرير إحدى سلاسل الهيئة العامة للكتاب هاجم تعيينه مجموعةٌ من المثقفين، فأجَّل رئيس الهيئة تسليمه مهام عمله شهورًا عدة بسبب دعاوى غير صحيحة، وهذا مثال للدور السلبي الذي من الممكن أن تلعبه جماعات الضغط الثقافي، وهو ما ترتَّب عليه توقف السلسلة وليس استبدال رئيس التحرير. على الجانب الآخر، حين يتحدث الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل عن قضية عامة ويتنادى المثقفون لاتخاذ موقف ما، فإن السلطة تتراجع عنه، كما حدث مع مشروع قانون إهانة الرموز التاريخية.

ويمكننا القول: إن الحالة الثانية هي مثال للضغوط الإيجابية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يجبر الصحافة المكتوبة على اتخاذ الموقف نفسه الذي تبنَّاه الفيسبوك وغيره، أما النوع الأول فهو مثال للشِّلَلِيَّة وأمراض الوسط الثقافي والجماعات الصغيرة التي تبحث عن التساند من أجل المصالح، وهؤلاء أخذوا شكل الجماعات القديمة سواء «أصوات» أو «إضاءة» أو غيرهما، وأفرغوهم من المضمون الذي كان يقوم بالأساس على أن هناك مشروعًا شعريًّا أو إبداعيًّا، وأنه للدفع بهذا المشروع إلى الواقع الثقافي كي يحتل مكانه اللائق فلا بد من تكوُّنِ جماعة ضغط ثقافي، وبمجرد أن يتحقق الهدف الثقافي من هذه المجموعة فإنها تنتهي؛ لأن ما جَمَعَها هو هدف ثقافي.

أما جماعات المصالح الراهنة فإن ما يجمعها ليس الشأن الثقافي، ولكن المصالح الصغيرة، وبالتالي لا نجد منذ سنوات مشروعًا إبداعيًّا لجماعة من المبدعين، وإنما كلها جهود فردية، أما التجمع فإنه يتم على أساس سياسي وشِلَلِي، نحن نتساند على أساس النمط الثقافي، ليس لتحقيق هدف ثقافي، ولكن لتحقيق حماية لأفراد ومصالح الشِّلَّة، وإذا ما حاولت شِلَّة أخرى الهجوم على أحد، فإن الجميع يرد عليها، فأصبحت الحياة الثقافية أقرب لأن تكون ميليشيات إنكشارية، وليست جماعات تدافع عن مشاريع ثقافية عامة.
شاعر مصري.

المنشورات ذات الصلة

في مناسبة عام الشعر العربي.. شعر بلا نجوم يبحث عن قراء ومنصات بلا تصفيق أو لايكات

في مناسبة عام الشعر العربي.. شعر بلا نجوم يبحث عن قراء ومنصات بلا تصفيق أو لايكات

في مناسبة عام الشعر العربي، مبادرة وزارة الثقافة السعودية، تستطلع «الفيصل» آراء عدد من الشعراء العرب، حول راهن الشعر...

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *