لا شك في أن «النخب» بما يتوافر لها من قدرات ذاتية مدعومة بالتميز الفكري والثراء المعرفي، وبما تملك من أدوات التأثير والاستنارة، فئة موجودة في كل المجتمعات والثقافات، ومتجذرة في تاريخ الشعوب والحضارات منذ القدم، وهي مطلب قائم ودائم ومتجدد، وصناعة ضرورية لكل مجتمع ولكل...
المقالات الأخيرة
لإدمان الإنترنت.. ثلاثة أسباب رئيسة وأعراض نفسية واجتماعية
منذ عهد قريب كان مستخدم الإنترنت يحتاج إلى جهاز كمبيوتر مكتبي متصلاً بالإنترنت، والوجود في مكتبه لإنجاز العمل، فكان محدداً بمكان وزمان للاتصال بالشبكة العنكبوتية، فلا يذهب معه الإنترنت أو العمل إلى مكان آخر بعيداً من الجهاز الثابت. أما الآن، فمع توافر الأجهزة الذكية واللوحية بأنواعها، التي غزت حياتنا اليومية، أصبح استخدام أجهزة الكمبيوتر المكتبية أقلّ بنسبة 50%، وتبعها الكمبيوتر المحمول بنسبة 26%؛ ليحلّ محلها ذلك الجهاز الذي يمكن وضعه في الجيب، وتحاكيه الأصابع، فنتواصل مع القاصي والداني في لحظات في أيّ وقت وفي كل مكان نوجد به؛ فهذا الجهاز ذكيّ، ينتقل معنا من مكان إلى آخر بيسر وسهوله، فزادت إمكانية التواصل والاتصال إلى أقصاها؛ لتصل إلى 24 ساعة في الـ24 ساعة.
ومن المألوف جداً في الوقت الحاضر مشاهدة البشر على اختلاف أعمارهم مشغولين بالأجهزة الموجودة بين أيديهم، تتواصل أناملهم وأعينهم على الشاشات التي تضيء أو ترنّ معلنة أننا نتواصل مع الآخرين. ولن نستغرب بعد ذلك انتشار ظواهر الإدمان الإلكتروني المختلفة: إدمان الإنترنت، أو الهاتف الذكي، أو اللعب، أو شبكات التواصل الاجتماعي، التي قد يحتاج بعضها إلى مدة طويلة للعلاج تماماً، كإدمان المخدرات.
هل الإدمان معروف منذ زمن بعيد؟
أول من عرف إدمان الإنترنت، ونقيس عليه إدمان الأجهزة الذكية، عالمة النفس الأمريكية كيمبرلي يونغ، التي تعدّ من أول أطباء النفس الذين عكفوا على دراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1994م. وتعرّف يونغ إدمان الإنترنت بأنه استخدام الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعياً، هذا في عام 1994م، أما الآن فيمكن أن يصل إلى ثلاثة أضعاف. ومع أن تعريف الاستخدام المطوّل للإنترنت بوصفه إدماناً ليس تشخيصاً رسمياً إلا أن عوارضه المحتملة تشمل قضاء ساعات طويلة في الإبحار في الشبكة العنكبوتية بشكل يتعارض مع أداء المهام اليومية، واتخاذ القرارات، ويُقدر عدد مدمني الإنترنت بنحو 30%. ويختلف العلماء في تعريف كلمة الإدمان، فيصرّ بعضهم على أن الكلمة لا تنطبق إلا على مواد قد يتناولها الإنسان، ويحتاج إلى برنامج للإقلاع عنها بشكل تدريجي، بينما يعترض بعض العلماء على هذا المفهوم الضيق للتعريف؛ إذ يرون أن الإدمان هو عدم قدرة الإنسان على الاستغناء عن شيء ما، ويرى آخرون أن إدمان الإنترنت حالة نظرية من الاستخدام المرضي للإنترنت يؤدي إلى اضطرابات في السلوك، وهو ظاهرة قد تكون منتشرةً تقريباً لدى جميع المجتمعات في العالم؛ لتوافر أجهزة الحاسوب في كل بيت وأجهزة المحمول مع البشر.
هل للإدمان أسبابه ومسوغاته؟
هناك ثلاثة أسباب رئيسة تجعل الإنترنت سبباً في الإدمان: أولها السرية؛ لأن الإمكانيات التي يوفّرها الإنترنت في الحصول على المعلومات، وطرح الأسئلة، والتعرّف إلى الأشخاص من دون الحاجة إلى تعريف النفس بالتفاصيل الحقيقية، توفّر شعوراً لطيفاً بالسيطرة. إلى جانب ذلك، فإن القدرة على الظهور كلّ يوم بشكل آخر حسب اختيارنا تعدُّ تحقيقاً لحلم جامح بالنسبة إلى كثير من الناس. وثاني هذه الأسباب هو الراحة؛ فالإنترنت وسيلة مريحة جداً، ولا تتطلب الخروج من البيت أو السفر أو استعمال المسوغات من أجل استعماله. ويوفّر هذا التيسير حضوراً عالياً وسهولةً فيما يتعلّق بتحصيل المعلومات التي لم نكن لنقدر على تحصيلها من دون الإنترنت، ولن ننسى أن الأجهزة الذكية وفّرت الراحة التامة للاتصال في كل وقت. وثالث الأسباب الرئيسة التي تجعل الإنترنت سبباً في الإدمان هو الهروب، مثل الكتاب الجيد، أو الفلم المثير؛ فإن الإنترنت يوفّر الهروب من الواقع إلى واقع بديل، ومن الممكن للإنسان الذي يفتقر إلى الثقة بالنفس أن يصير دون جوان، ويجد الإنسان الانطوائي لنفسه أصدقاء، ويستطيع كل إنسان أن يتبنى لنفسه هويةً مختلقةً، وأن يحصل من خلالها على كل ما ينقصه في الواقع اليومي والحقيقي.
أعراض إدمان الإنترنت
تشمل الأعراض النفسية والاجتماعية لإدمان الإنترنت: اشتهاء المدمن موضوع إدمانه دائماً (ألعاباً، أو أفلاماً، أو مراهنات)، والألم الشديد، والعصبية والتوتر عند مفارقة الجهاز، مع اضطراب المزاج، والضيق والتأفف، وخلافات مع العائلة والأصدقاء، والابتعاد من الفعاليات الاجتماعية أو التقليص منها، وانخفاض في المستوى التعليمي، وعدم السيطرة على الوقت ومدة الإبحار. وقد تسبّب هذه الأعراض الوحدة، والإحباط، والاكتئاب، والقلق؛ لأن الإدمان يبعد الشخص من حياته الاجتماعية.
علاج إدمان الإنترنت
إن إدمان الإنترنت مثل إدمان المخدرات، له درجات ومستويات، وعلى أساسها يتم العلاج؛ ففي حالات الإدمان المبكر يتم العلاج بـ:
- معرفة السبب: ما الذي يجعلنا نكثر من الإبحار في الشبكة؟ هل نرى في الإنترنت وسيلةً للهرب من المشكلات اليومية؟
- وضع الحدود وتنظيم الوقت بعدة طرائق، منها: ضبط المنبه قبل استخدام الإنترنت، وتحديد الوقت الذي يحتاج إليه المستخدم فقط، على أن يقطع اتصاله بالإنترنت بمجرّد أن ينتهي الوقت حتى لا يندمج كثيراً، وتحديد أين نبحر، والسبب في الدخول إلى الإنترنت، مع وضع الوقت المحدد، مثلاً: ساعة قبل الدوام؛ حتى لا يندمج في الإنترنت فيتناسى موعد نزوله إلى العمل، ويحصل على ما يريد في وقت محدد. كما يُطلب من المريض تقليل ساعات استخدامه وتنظيمها؛ فإذا كان -مثلاً- يدخل على الإنترنت مدة 40 ساعة أسبوعياً نطلب منه التقليل إلى 20 ساعة أسبوعياً، وتنظيم تلك الساعات بتوزيعها على أيام الأسبوع في ساعات محددة من اليوم؛ حتى لا يتعدى الجدول المحدد.
- تنظيم فعاليات اجتماعية عن طريق إيجاد بدائل؛ مثل: التزام دورات معينة، أو ممارسة الرياضة، أو التقاء الأصدقاء.
- تنويع الأنشطة؛ فلا يلجأ المستخدم فقط إلى الإنترنت في وقت فراغه، ويحاول مزاولة أنشطة أخرى؛ حتى تتنوع اهتماماته، ولا تُحدّد بشيء واحد فقط.
- تغيير مكان الحاسب: عندما ينعزل الإنسان بنفسه مستخدماً الإنترنت فإن الساعات تمر من دون أن يشعر بنفسه؛ لذلك يُنصح مدمنو الإنترنت بأن يتصفحوا هذه الشبكة العنكبوتية مع الناس من دون الانعزال عنهم.
- بطاقات الإنترنت: وهي البطاقات التي تحتوي على ساعات محددة وبسيطة؛ إذ ينقطع الاتصال بالإنترنت بمجرد انتهاء هذه الساعات، وهي فكرة عملية لمدمني الإنترنت؛ إذ يمكن لهذه البطاقة أن تنظّم وقتهم، وتحدّ من كثرة استخدامهم الإنترنت.
- البطاقات التذكيرية: كأن يكتب المفرط في استخدام الإنترنت سلبيات إدمانه الإنترنت، والمشكلات الناجمة عن ذلك؛ كإهماله أسرته، وتقصيره في أداء عمله مثلاً، ويكتب عليها أيضاً خمساً من الفوائد التي ستنتج من إقلاعه عن إدمانه؛ مثل: إصلاحه مشكلاته الأسرية، وزيادة اهتمامه بعمله، ويضع هذه البطاقات في جيب حقيبته على أن يخرجها عندما يشعر بأنه أفرط واندمج في استخدام الإنترنت أكثر من اللازم.
- عمل العكس: فإذا اعتاد المريض استخدام الإنترنت طوال أيام الأسبوع نطلب منه الانتظار حتى يستخدمه في يوم الإجازة الأسبوعية، وإذا كان يفتح البريد الإلكتروني أول شيء حين يستيقظ من النوم نطلب منه أن ينتظر حتى يفطر ويشاهد أخبار الصباح، وإذا كان المريض يستخدم الكمبيوتر في حجرة النوم نطلب منه أن يضعه في حجرة المعيشة، وهكذا.
- التوجّه إلى البالغين، وطلب مساعدة مهنية منهم.
- الثقة بالنفس، وإقامة علاقات اجتماعية مباشرة وجهاً لوجه.
- الامتناع التام: كما ذكرنا فإن إدمان بعض المرضى يتعلق بمجال محدد من مجالات استخدام الإنترنت؛ فإذا كان المريض مدمناً حجرات الحوارات الحية نطلب منه الامتناع عن تلك الوسيلة امتناعاً تاماً، في حين نترك له حرية استخدام الوسائل الأخرى الموجودة على الإنترنت.
- إعادة توزيع الوقت: نطلب من المريض أن يفكر في الأنشطة التي كان يقوم بها قبل إدمانه الإنترنت؛ ليعرف ماذا خسر بإدمانه؛ مثل: قراءة القرآن، والرياضة، وقضاء الوقت في النادي مع الأسرة، والقيام بزيارات اجتماعية، وهكذا؛ فنطلب من المريض أن يعاود ممارسة تلك الأنشطة لعله يتذكر طعم الحياة الحقيقية وحلاوتها.
- الانضمام إلى مجموعات التأييد: نطلب من المريض زيادة رقعة حياته الاجتماعية الحقيقية بالانضمام إلى فريق الكرة بالنادي مثلاً، أو إلى درس لتعليم الخياطة، أو الذهاب إلى دروس المسجد؛ ليكوّن حوله مجموعةً من الأصدقاء الحقيقيين.
- المعالجة الأسرية: في بعض الأحيان تحتاج الأسرة كلها إلى تلقّي علاج أسري بسبب المشكلات الأسرية التي يحدثها إدمان الإنترنت؛ إذ يساعد الطبيب الأسرة على استعادة النقاش والحوار فيما بينها، وإقناع الأسرة بمدى أهميتها في إعانة المريض ليقلع عن إدمانه.
أما بالنسبة إلى حالات الإدمان المستعصية، فيجب مراجعة الأطباء النفسيين؛ لذلك قامت في معظم الدول الغربية عيادات ومستشفيات لمعالجة إدمان الإنترنت؛ بسبب الخطر الكبير الذي تحمله للمجتمع.
كادر
آلام الإدمان
تشمل الأعراض الجسدية لإدمان الإنترنت: التعب، والخمول، والأرق، والحرمان من النوم، وآلاماً متعددة تشمل الظهر، والرقبة، والتهاب العينين، والأرجل والركب، مع أضرار التعرّض لمخاطر الإشعاعات الصادرة عن شاشات أجهزة الاتصال الحديثة، وتأثير المجالات المغناطيسية.
عملية مرحلية
لاحظ الدكتور جون جروهول -أستاذ علم النفس الأمريكي- أن إدمان الإنترنت عملية مرحلية؛ لأن المستخدمين الجدد للإنترنت هم الأكثر استخداماً وإسرافاً في تصفّح الإنترنت؛ بسبب انبهارهم بتلك الوسيلة، ثم بعد مدة تحدث للمستخدم عملية خيبة أمل، فيحدّ – إلى حدّ كبير – من استخدامه، ويتلو ذلك مرحلة توازن المستخدم. لكن بعض الناس تطول معهم المرحلة الأولى، فلا يتخطونها إلا بعد وقت أطول، وهذا يحتاج إلى علاج سلوكي فعال.
المنشورات ذات الصلة
البحث عن ريبورتاج شخصي ريتشارد كابوشنسكي: عملي ليس مهنة، إنه مهمة وأكثر من مجرد صحافة
ريتشارد كابوشنسكي صحفي بولندي، صُوِّتَ له كأعظم صحفي في القرن العشرين بعد حياة مهنية لا مثيل لها. حوَّل البرقيات...
الإنترنت الديني: عرض بيبليوغرافي لمؤلفات وكتب تتناول سوسيولوجيا الإنترنت والدين
أصبحت المجتمعات الإنسانية تعيش ما نسميه بـ«عصر المعلومات السائلة» نتيجة لتدفق المعلومات وتضاعفها، نظرًا للتطور التقني...
الشائعة وتزييف الحقائق في مواقع التواصل الاجتماعي.. قتل رمزي للآخر
تحتل الشائعة في مواقع التواصل الاجتماعي سلطة الخبر الموثوق، وبذلك تؤثر في شريحة واسعة من الجمهور من خلال عملية التلقي...
0 تعليق