مؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي.. عناوين كبيرة لمحتوى صغير
الفيصل - الرياض | سبتمبر 2, 2018 | الملف
تحضر ما تسمى بمؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي ضمن صورة يكتنفها اللبس وعدم الوضوح، من حيث فاعليتها وطبيعة الأدوار المنوطة بها، كما تحيطها الشبهات من جهة علاقتها بالخارج وتلقي الدعم منه.
وعلى الرغم من ازدياد عدد هذه المؤسسات، التي تعرفها الأمم المتحدة بالقطاع الثالث، إضافة إلى قطاع الحكومة والقطاع الخاص، وأخذها مكانة واسعة في الأعوام الأخيرة، وتصديها لقضايا وموضوعات كثيرة، بعضها حساس وعلى مقدار من الخطورة المجتمعية، فإن الحصيلة ضئيلة في مقابل الضجيج الكبير الذي يصحب عمل هذه المؤسسات، وفق تعبير عدد من المراقبين. ومردُّ ذلك، كما يرى هؤلاء، إلى هشاشة العلاقة بين الحكومات العربية وهذه المؤسسات، التي تواجه تحديات كبيرة، منها عدم اعتراف الحكومات بالأدوار التي تلعبها، والتقليل من أهميتها، وتصويرها على أنه لا شاغل لها سوى كتابة البيانات والوقفات الاحتجاجية، وقد يكون ذلك صحيحًا، لكن بعد ما تسمى بثورات الربيع العربي طرأ تغير، كما توضح بعض المشاركات في هذا الملف، إذ انتزعت هذه المؤسسات لنفسها دورًا فاعلًا إلى حد ما، حتى إنها أمستْ تشكل تهديدًا لبعض المؤسسات الرسمية.
في الواقع، تسعى هذه المؤسسات إلى أن يكون لها دور أساسي في المجتمع، تسهم من خلاله في تسليط الضوء على ظواهر سلبية، وفي التوصل إلى حل لمشكلات معقدة تعانيها شرائح مختلفة في المجتمع. لكن لن يتأتى لها مثل هذا الدور، سوى في كنف دولة مدنية، وفي المقابل فإن غياب هذه المؤسسات وتعطيل فاعلياتها سيبقى معضلة تواجه أي دولة تنظر لنفسها بصفتها دولة حديثة.
من ناحية أخرى، ارتبطت صورة هذه المجتمعات في أذهان البعض، بصفتها معارضة لتوجهات الحكومة أو ناقدة لها، وفي الحقيقة، كما يرى باحثون، إن دورَيْ كل من الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني لا بد أن يكونا مكملين أحدهما للآخر. ومثلما هناك حرص ودعوات إلى مجتمع مدني مستقل، يعمل بحرية بعيدًا من الحكومة وسلطتها، فإنه في المقابل لا يعني هذا الدخول في خصام مع الدولة ومعارضة برامجها لمجرد المعارضة. غياب الدولة الحديثة، هو غياب للمجتمع المدني، والعكس صحيح.
توجد اليوم، في ظل التحولات التي تشهدها البلدان العربية، حاجة إلى وجود مجتمع مدني، قادر على تطوير أدواته وعلى أن تكون لديه خططه وإستراتيجياته، وبالتالي القدرة على ممارسة دور فاعل. من هنا سعت «الفيصل» إلى تخصيص ملف هذا العدد لمؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي، يعاين أحوال هذه المؤسسات، ويتطرق إلى الظروف التي نشأت فيها، ويتأمل العلاقة التي تربطها بالحكومات العربية من ناحية، وأيضًا بالمؤسسات الغربية المموِّلة لها من ناحية أخرى، كما يتفحص الأدوار التي تقوم بها، وإلى أي حد استطاعت هذه المؤسسات أن تؤدي وظائف أساسية في المجتمعات التي توجد فيها؟ كما يقارن الملف بين الدور الذي تلعبه هذه المؤسسات في الوطن العربي، والدور الذي تضطلع به مثيلاتها في الغرب.
0 تعليق