كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
السينما في البحرين .. تفاوت في تناول القضايا وطرح الهواجس التي يعج بها المجتمع
الأفلام المنتجة في دول الخليج لا تزال، تاريخيًّا، في طور النشوء والتكوّن. لا يمكن القول: إن هناك سينما خليجية ملتحمة عضويًّا، لها ملامح فكرية وفنية وجمالية واضحة وملموسة، أو توحّدها سمات معينة أو ملامح خاصة أو شخصية متفردة تميّزها عن السينما في أقطار عربية أخرى.. لا من حيث الأشكال والأساليب، ولا المضامين التي تطرحها. حتى البيئة، أو جغرافية المكان، لا تبدو مميّزة وفريدة. لدينا فحسب محاولات وتجارب فردية، متباينة المستوى والقيمة، طرحت نفسها في مدة قصيرة زمنيًّا. ومن خلال متابعتي المتواضعة لمختلف التجارب السينمائية في دول الخليج، لا أستطيع بعد أن أحدد سمات معينة تميّز هذه السينما عن بقية المناطق الأخرى.
شخصيًّا أميل إلى مشاهدة أي فلم، بصرف النظر عن مصدره، كنتاج إبداعي إنساني كوني، وأرى إلى أي حد أتفاعل معه، وأتحاور معه، ويؤثر فيّ عاطفيًّا وفكريًّا، ويعمّق أفكاري ورؤاي، من غير التفات إلى جنسيته ولغته ومنبعه. كل فلم له كينونته الخاصة، طرائقه الخاصة، تأويلاته الخاصة، وله حياته المستقلة. لا نقدر أن نجمع الأفلام تحت بطاقة تعريفية واحدة. لقد أنتجت دول الخليج، منذ السبعينيات من القرن الماضي حتى الآن عددًا قليلًا جدًّا من الأفلام الدرامية الطويلة، أما الأفلام القصيرة فكانت تُنتج بناءً على توافر الميزانية، التي هي ضئيلة بطبيعة الحال، وفي بعض الحالات، حسب الأمزجة والأهواء الشخصية، وذلك في أوقات متباعدة وبوسائل متواضعة إن لم نقل فقيرة، وهذه التجارب لم تتزايد وتنتعش إلا منذ سنوات قليلة.
فنيًّا، الأفلام المنتجة في دول الخليج، في معظمها، لا ترقى إلى مستوى الأفلام الفنية التي نحلم بها أو نطمح إليها، أي تلك التي تتناغم فيها الرؤية العميقة للواقع وللحياة، مع الأبعاد الجمالية التي تحققها عناصر فنية بارعة وواعية. لدينا محاولات فردية، بجهود ذاتية طموحة وتكاليف بسيطة، هنا وهناك، استطاعت أن تجد لها موقعًا في مهرجانات عربية ودولية، لكنها لم تستطع أن تؤسس لحركة سينمائية قادرة على أن تفرض نفسها على الواقع، وأن تخلق كوادر فنية مؤهلة بامتياز لتحقيق الأفلام بجودة فنية عالية، وأن تستقطب التمويل اللازم سواء من الحكومات أو القطاع الخاص لدعم هذه الفعالية أو حتى للاستثمار في هذا المجال. هذا لا يعني أن تلك المحاولات ساذجة وبدائية ولا قيمة لها. بالنظر إلى كل محاولة كحالة مستقلة، كفلم قائم بالعناصر الفنية المتاحة والإمكانيات المادية المتواضعة، يتحتم علينا القول بأنها محاولات شجاعة، جريئة، جديرة بالثناء والإعجاب. وفنيًّا، هي لا تخلو من ومضات والتماعات لافتة، قدّمها سينمائيون شغوفون بالفعل السينمائي ويستحقون التقدير والاحترام.
ليس لدينا صناعة سينمائية
من هنا أرى أن من الخطأ التكلم، حتى هذه اللحظة، عن «صناعة سينمائية» بالمعني الحقيقي، فالصناعة تقتضي توافر رأس المال والتمويل والاستثمار، وتتطلب توافر آليات وخطط سليمة للإنتاج المنتظم، الثابت والوافر، إلى جانب وجود أستوديوهات بكل ما تحتويه من أجهزة وفنيين وتقنيين، إضافة إلى المعامل والكوادر الفنية المحترفة في مختلف المجالات العاملة في إنجاز الأفلام، وكذلك وجود شبكات توزيع وما شابه. إذن، لنكن أكثر تواضعًا ونتحدث عن محاولات أو تجارب سينمائية يقوم بها أفراد طموحون، بجهود فردية وبتكاليف بسيطة، وأحيانًا بدعم معقول من جهات معينة، كما في الإمارات، تهمها – حضاريًّا وثقافيًّا وإبداعيًّا – أن تكون هناك سينما، مثلما لدينا مسرح وفن تشكيلي وأدب.
منذ عشر سنوات تقريبًا، شهدت بعض أقطار الخليج طفرة نسبية في إنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية، وهذا ما لاحظناه بجلاء من خلال مشاركات المخرجين الشباب في المسابقات والمهرجانات، حيث شاهدنا العشرات من الأفلام القصيرة ذات المستويات المتباينة فنيًّا وتقنيًّا، المتنوعة في موضوعاتها، التي تتفاوت في الجودة والضعف، والعمق والسطحية، والجدة والاستسهال. من المؤكد أن الطفرات التي نشهدها في إنتاج الأفلام هي نتاج المسابقات المحلية والخليجية؛ إذ إن هذه المسابقات، بجوائزها المتواضعة واستقطابها للأقلام النقدية العربية الرصينة، تخلق مناخًا حيويًّا للتفاعل والحوار، وتشكل دوافع وحوافز تشجع السينمائيين على الإنتاج والمشاركة بحماسة في الفعاليات المختلفة.
في البحرين، تكفّل مسرح الصواري، بإمكانياته المتواضعة، ومن غير دعم من المؤسسات العامة والخاصة، بإقامة عدد من المسابقات «المتعثرة»، التي لم تستمر بانتظام، لكنها مع ذلك نجحت في اجتذاب عدد لا بأس به من الشباب الذين قدموا أفلامهم الطموحة. غير أن العديد من هؤلاء أصابهم اليأس وكفوا عن الإنتاج نتيجة تعثّر المسابقة ثم توقفها، رغم دخول نادي السينما كمشارك في تنظيم الفعالية. أما أبوظبي، مثلًا، وتحت إدارة السينمائي مسعود أمر الله، فقد نجحت تظاهرة «مسابقة أفلام من الإمارات» ليس فقط في استقطاب العديد من التجارب السينمائية في الإمارات المتحدة وفي أقطار الخليج الأخرى، عبر دوراتها السنوية، بل ساهمت أيضًا في إبراز مواهب عدد من السينمائيين الإماراتيين، في مجالات الإخراج وكتابة السيناريو والتصوير وغير ذلك، الذين أثبتوا حضورهم بقوة حتى في المهرجانات العربية. لا أستطيع الزعم بأني متابع جيد لمسيرة السينما في الخليج، لكن من خلال مشاهدة عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة، أنتجها سينمائيون في دول الخليج، بإمكان المرء أن يقرر أن هناك محاولات طموحة، وتوجهات جادة لتحقيق أفلام تريد أن تقول أشياء عن واقعها، وأن تعبّر بأدواتها البسيطة وإمكانياتها المحدودة عن هموم معينة أو عن أحلام معينة. وهناك أسماء معينة تحاول جاهدة، وبجدية، أن تقدم شيئًا مختلفًا ولافتًا، على مستوى التقنية والمضمون. عمومًا، التحسن والتطور لا يتحققان إلا عبر تراكم التجارب وتعدد المحاولات.
البحرين والشغف بالسينما
عندما نتطرق إلى السينما في البحرين، لا بد أن نشير، عبر النظرة التاريخية، إلى خلفيات المشهد والمكونات التي غرست حالة الشغف بالسينما. لقد تعرفت البحرين على العروض السينمائية التجارية في وقت مبكر قياسًا إلى بقية الدول الخليجية.. كان ذلك في أوائل الخمسينيات عندما شهدت البحرين افتتاح عدد من دور العرض السينمائي، التي كانت تعرض الكثير من الأفلام الهندية والمصرية والأميركية، ذات الطابع التجاري، التي عادة تلقى رواجًا كبيرًا؛ بسبب الافتقار إلى وسائل الترفيه والتسلية الأخرى في تلك الحقبة.
في عام 1968م تأسست شركة البحرين للسينما، التي احتكرت امتلاك دور العرض، وشيدت صالات أخرى جديدة أكثر تطورًا وفخامة، واجتذبت بعروضها جمهورًا واسعًا أخذ يتزايد رغم المنافسة الشديدة من التلفزيون والفيديو. في موازاة ذلك، تأسس نادي السينما في السبعينيات، حيث كان يعرض أفلامًا ذات نوعية مختلفة عن الأعمال السائدة. لكنه توقف بعد سنوات قليلة، ليعاود نشاطه في بداية الثمانينيات، عبر تأسيسه من جديد، بعناصر مختلفة، ولتستمر فعالياته حتى يومنا هذا. فيما يتصل بالإنتاج المحلي للأفلام، كانت شركة البحرين للنفط (بابكو) أول جهة تبادر إلى إنتاج أفلام سينمائية وثائقية وإخبارية تصور مظاهر من الحياة اليومية في البحرين، إضافة إلى الأحداث العامة والاحتفالات والأنشطة الرسمية والأهلية، وذلك بدءًا من عام 1961م.
في عام 1966م بدأ خليفة شاهين، الذي يعد من رواد السينما في البحرين، وتخرّج من معهد الفنون في المملكة المتحدة عام 1965م، في إنتاج وإخراج أول جريدة سينمائية في البحرين، كما حقق عددًا من الأفلام الوثائقية. في بداية السبعينيات قدّم المخرج الشاب علي عباس مع صديقه مجيد شمس عددًا من الأفلام الدرامية القصيرة، التي تعتمد الحركة (الأكشن) ضمن طابع ميلودرامي، والمصورة سينمائيًّا بكاميرا 8 مليمتر.
الذوادي والاقتراب من الواقع وقضاياه
وفي موازاة تلك التجارب الجنينية، في المجال الدرامي القصير، بدأ الشاب بسام الذوادي، قبل أن يلتحق بمعهد السينما بالقاهرة لدراسة الإخراج، وفي أثناء مدة دراسته، في تحقيق عدد من الأفلام الدرامية القصيرة التي من خلالها بدا الذوادي أكثر اقترابًا من مشكلات الواقع وقضاياه. في عام 1990م، بعد سنوات طويلة من خوض المخرج الكويتي خالد الصديق تجربة إنتاج وإخراج أول فلم درامي طويل في الكويت في السبعينيات، تمكن بسام الذوادي من إنتاج وإخراج أول فلم درامي طويل في البحرين، بعنوان «الحاجز»، ومع كوادر فنية بحرينية غير احترافية، إنما تعتمد بالدرجة الأولى على خبراتها في العمل الدرامي التلفزيوني.
وبسبب عدم توافر جهات منتجة وممولة للأفلام السينمائية، وانعدام أي دعم مادي من مؤسسات حكومية، مثل وزارة الإعلام أو هيئة التلفزيون، والافتقار إلى قنوات من خلالها يمكن التواصل مع جهات أجنبية تساهم في التمويل، كان يتعيّن على بسام الذوادي أن ينتظر أكثر من عشر سنوات حتى ينجز فلمه الثاني «زائر» (2003م) ثم «حكاية بحرينية» (2007م)… حتى هذه اللحظة لا يزال الذوادي يبحث عن منتج لفلمه الرابع. وقد سعى الذوادي، من خلال تأسيس الشركة البحرينية للإنتاج السينمائي سنة 2005م مع نخبة من رجال الأعمال البحرينيين، إلى دعم الشباب وتشجيعهم على العمل السينمائي عبر إنتاج عدد من الأفلام القصيرة. وكان باكورة إنتاج هذه الشركة الفلم الدرامي الطويل «حكاية بحرينية» سنة 2006م لبسام الذوادي ثم فلمين طويلين للمخرج حسين الحليبي: أربع بنات (2008م)، وحنين (2010م). لكن الشركة لم تستمر في الإنتاج لظروف خاصة.
في الثمانينيات، لم يظهر في الساحة السينمائية الخالية غير عبدالله السعداوي، وهو مخرج مسرحي معروف، حقق عددًا من الأفلام الدرامية القصيرة، بعدها توقف عن الإنتاج السينمائي ليتفرغ لعروضه المسرحية، ولم يعد لخوض تجربة الإخراج السينمائي إلا في عام 2004م عندما قدّم «الشجرة التي سرقت أوراقها»، ثم حقق مع محمد جناحي «غبار» (2009م).. لكنه كتب عددًا من السيناريوهات لمخرجين آخرين من الشباب. في التسعينيات، اتجه المنتج المسرحي والمؤلف التلفزيوني حمد الشهابي إلى السينما لينتج ويكتب ويخرج فلمًا دراميًّا طويلًا بعنوان: «بيت الجن» (1992م) وهو من النوع المرعب. ولم يكرر الشهابي تجربة الإخراج السينمائي إلا في عام 2006م حين أنتج وأخرج الفلم الدرامي الطويل «حبّاب وكلاب الساحر»، وهو من الأفلام الموجهة للأطفال. في عام 1996م، ظهر فجأة عدد من المخرجين الشبان الذين قدموا أفلامهم الدرامية الأولى مثل: سعيد منصور، ومحمد شرفي، وياسر القرمزي، وعلي رحمة، ومحمد نعمة، ومحمد جناحي.
هذه الطفرة النسبية المفاجئة من أفلام حققها مخرجون شبان على نفقتهم الخاصة، من دون الحصول على أي دعم من القطاعين: العام والخاص. بإمكانيات فقيرة وعناصر فنية متواضعة، قدم هؤلاء أعمالهم.. وكانت المناسبة: مسابقة مسرح الصواري، وهو الأمر الذي يؤكد أهمية المهرجانات أو المسابقات السينمائية وضرورتهما بوصفهما مجالًا لعرض الأعمال وتقييمها، وحافزًا على الإنتاج، وملتقى عامًّا فيه يختبر المنتج إمكانياته ومستواه. وعندما تتوقف مثل هذه المسابقات يتوقف المخرجون بدورهم عن تحقيق أفلام أخرى؛ إذ ينتابهم اليأس وتنعدم لديهم الرغبة مع انعدام فضاء العرض والتفاعل. بين مدة وأخرى، كنا نشهد ظهور أسماء تشتغل في مجال الفلم القصير لكن بشكل محدود جدًّا، وغير مؤثر، ولا تستمر في المجال طويلًا. كانت أعمالهم عبارة عن تجارب بدائية، لا تحكمها رؤية فنية وفكرية. أغلب تلك المحاولات كانت تنقصها الكثير لكي تفرض نفسها كحركة سينمائية. من جانب هي تجارب مستقلة عن بعضها، متباعدة، لا تتفاعل فيما بينها. ومن جانب آخر، هي تفتقر إلى النواحي الإنتاجية وإلى الكوادر السينمائية، معتمدة على جهود شخص أو شخصين.
غياب التمويل
حالة الانقطاع وعدم الاستمرارية ناشئة، بالدرجة الأولى، من غياب التمويل. الفلم ليس كالكتاب أو اللوحة. هو يحتاج إلى أموال تغطي شتى التكاليف الضرورية في عملية الإنتاج.
المخرجون الذين ظهروا في عام 1996م ابتعدوا باستثناء محمد جناحي الذي واصل العمل السينمائي في أوقات متباعدة، فقدم فلمين قصيرين: كاميرا (2001م) ورسالة (2006م)، وفلمًا متوسط الطول بعنوان: «أيام يوسف الأخيرة» (2010م) ثم دراما وثائقية بعنوان: «قوللي يا حلو» (2012م). تجدر الإشارة هنا إلى تجارب يوسف القصير، في مجال الأفلام الكارتونية (الأنيميشن) الذي حقق أعمالًا كارتونية قصيرة في عام 1995م، وفلمًا آخر بعنوان: «جزيرة الضباب» (1996م) عندما أتاحت «مسابقة أفلام من الإمارات» بأبوظبي المجال لمشاركات أفلام من دول الخليج الأخرى في التظاهرة، شهدنا في عام 2004م موجة أخرى من الأفلام البحرينية التي حققها مخرجون شباب جدد، مثل: محمد القصاب، وعبدالله رشدان، وحسن آل شرف، وعبدالله البزاز، وحسين الحليبي. أما العنصر النسائي في مجال الإخراج فأعلن عن حضوره للمرة الأولى بفلم درامي قصير نفّذته عواطف المرزوق بعنوان: «الهروب الأخير». وتعيّن علينا أن ننتظر حتى عام 2007م لنشهد بروز أسماء نسائية أخرى في مجال الإخراج، مثل: عائشة المقلة، وآلاء محمد، وحوراء عيسى، وريم فريد اللواتي تخصصن في المجال الوثائقي. الأفلام القصيرة والوثائقية هي نتاج محاولات فردية تتعرض للانقطاع والتوقف. ومن ثم لا يمكن أن نتحدث عن حركة سينمائية، بالمعنى الإنتاجي والفني، إنما هي محاولات متعثرة. والإنتاج السينمائي في البحرين لم يشهد استمرارية ملحوظة ومطردة، وتناميًا جليًّا في الكم، وتطورًا لافتًا في النوعية إلا مع إقامة مسابقة الأفلام في أبوظبي، ومع استمرارية المهرجانات السينمائية في دبي وأبوظبي وقطر.
منذ عام 2005م شهدنا ازديادًا في عدد الأفلام المنتجة في البحرين، مع ظهور مخرجين جدد بعضهم توقف ولم يستمر مثل: علي رحمة، ونزار جواد، وجعفر حمزة، وفريد الخاجة. والبعض الآخر واصل العمل السينمائي مثل: محمد إبراهيم، وإبراهيم الدوسري، وعبدالله رشدان.
مع استمرار المسابقات والمهرجانات الخليجية، استمرت عجلة إنتاج الأفلام في البحرين على الوتيرة ذاتها، والحماس ذاته، ضمن ظروف صعبة ومتقشفة، ومن غير دعم من أي جهة رسمية أو أهلية، واعتمد الشباب على إمكانياتهم المادية الخاصة، الفقيرة والمتواضعة، وعلى استعداد الفنيين والممثلين للعمل المجاني دعمًا ومساندةً للشباب من جهة، وللمساهمة في خلق سينما جادة ومتقدمة تنسجم مع الطموح الفني والرغبة في الإبداع. في السنوات التالية ظهرت أسماء جديدة حققت أعمالًا متفاوتة المستوى، نذكر منها: علي العلي، ومحمد راشد بوعلي (الذي حقق في عام 2015م فلمه الطويل الأول «الشجرة النائمة»)، وجمال الغيلان، وحسين الرفاعي، ومحمود الشيخ، وعمار الكوهجي، وأسامة آل سيف، ومحمد جاسم، وصالح ناس، وسلمان يوسف. في الأفلام البحرينية، بشكل عام، نجد تفاوتًا في تناول وطرح القضايا والمشكلات والهموم والهواجس التي يعج بها المجتمع البحريني، فليس ثمة موضوع واحد أو قضية موحدة، يجري التركيز عليها، بل هناك اهتمام بقضايا كثيرة، من المشكلات المعقدة، إلى الهموم الوجودية، إلى الأحلام الذاتية، إلى التفاصيل الحياتية. مع رغبة ملحّة في التعبير عن الواقع وعلاقة الفرد بمحيطه وبالآخر، والتطرق إلى العلاقات الإنسانية المتعددة، والهموم المعيشية، والعبث بالبيئة، وغيرها.
الطفرة الفلمية والتقنيات الحديثة
مع توافر التقنيات الحديثة في مجال التصوير والمونتاج والمؤثرات البصرية والسمعية، بالنظام الرقمي (الديجيتال)، صار بإمكان السينمائي أن ينتج أفلامه بميزانية أقل، وضمن شروط للعمل أيسر وأكثر تحررًا من الضغوط. إن الطفرة الإنتاجية التي شهدتها دول الخليج ترافقت مع توافر وانتشار التقنيات الحديثة التي هيأت للشباب فرص الانخراط في العمل السينمائي بعيدًا من الشروط التقليدية في الإنتاج والتنفيذ والطبع والعرض والتوزيع.
لكن المهارة التقنية، والبراعة في استخدام الأجهزة، لا تكفي لصنع فلم جيد وعميق ومؤثر. يجب أن يرتكز الفلم على رؤية فكرية وفنية واضحة، تتحكم في العمل ككل وتوجّه كل العناصر الفنية للتعبير جماليًّا وفكريًّا عن المراد طرحه وتقديمه. الغالبية من صنّاع الأفلام يعانون ندرة أو شحًّا في الإمكانيات المادية الداعمة لمشاريعهم، وهذا يؤدي إلى عرقلة المسيرة السينمائية، ففي حالة عدم وجود جهات إنتاجية – من القطاع العام والخاص معًا – تموّل وتدعم الأفلام، يشعر السينمائي الشاب بالإحباط، وهو الذي نفّذ فلمه الأول وربما الثاني والثالث على نفقته الخاصة، متوقعًا أن يجد من يمول فلمه التالي. حتمًا سوف يتوقف عن العمل ويتخلى عن حلمه، أو ينتظر سنوات حتى يتوافر لديه مبلغ يكفيه لإنتاج فلمه، أو يلجأ إلى قنوات خارجية للتمويل.
في غياب القطاع الخاص، الذي لا يكترث بالسينما، ولا يعدها مجالًا صالحًا للاستثمار، يكون للدعم الرسمي أهمية قصوى، خصوصًا إذا أدركت الحكومات أهمية السينما – كفعالية ثقافية – وضرورة دعمها. أما إذا استمرت في النظر إلى السينما بارتياب أو بوصفها مجالًا لا ضرورة له ويمكن الاستغناء عنه، فسوف تتعرض المحاولات والجهود السينمائية إلى التعثّر والتعطّل، وسوف تواجه العديد من العراقيل والصعوبات.
السينما في البحرين، كما في أقطار الخليج الأخرى، تعاني قلة، أو ندرة، العناصر الفنية المؤهلة سينمائيًّا، فالمخرج المتحمس لتحقيق فلمه، على نفقته الخاصة، يحتاج إلى مصور وفنيّ صوت ومونتاج، وغير ذلك من العناصر؛ لذلك يضطر إلى التعاقد مع فنانين عرب أو أجانب، وهو الأمر الذي يعني زيادة التكاليف. إن الافتقار إلى هذه العناصر يفضي بطبيعة الحال إلى إفقار الفلم فنيًّا، والتقليل من قيمته وأهميته، وإفقاده القدرة على التأثير. العديد من الأفلام أخفقت بسبب نقص التجربة وسوء توظيف الأدوات من كاميرا وإضاءة وصوت وموسيقا ومونتاج، وضعف إدارة الأداء، والافتقار إلى الإدراك الحقيقي بتقنيات السينما.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
المخرج الجزائري سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائمًا هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين... وفي الجزائر المقاومة كانوا يُعدون بعشرات الآلاف
يملك المخرج الجزائري سعيد ولد خليفة تصوّرًا مختلفًا للسينما، تشكّل من خلال تقاطع حياته الشخصية المصقولة على نار الغربة...
«مندوب الليل» فِلْمه الروائي الأول علي الكلثمي: نعيش عصرًا ذهبيًّا تتوافر فيه سبل الدعم
أوضح المخرج السينمائي السعودي علي الكلثمي، أن المصادفة هي التي أوحت له بشخصية «فهد القضعاني»، مشيرًا إلى التخطيط...
التجربة في مجال الأفلام ستنتعش خصوصًا بعد وجود مجموعة من القنوات التي يمكن نشر الأفلام باستخدامها مثل youtube Netflix وغيرها
كم هو مهم متابعة توثيق للتاريخ والجيل القادم شغف البحريني بالسينما. وخاصة عندما تروى بقلم أهم من كتب لها وعنها وعايشها عن قرب مثل امين صالح. تاريخ قد لا يحمل الجديد لمن في عمري ولكن مهم جدا ان يتفهمه الجيل السينمائي الجديد حتى لا يشغل نفسه في إعادة اكتشاف العجلة من جديد بل عليه الاستفادة من تجارب السابقون ومن ثم حمل الكاميرا والنزول بها إلى الشارع وتحقيق ذلك الشغف اللعين …. السينما.
يوسف فولاذ
نادي البحرين للسينما