كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
حفرةٌ على مقاسي
شدّتني شجرة من كتفي؛ أخَّرتني لحظة عن دهسي بشاحنة متهوّرة.. طوال النهار تخيّلت دمي ذاهلًا على الشارع، صرخات تُبقّع الرصيف، ورأيتُ فزعًا يتنبّه قليلًا ويكمل غفلته.
لم أميّز بين همهمات المارَّة سوى صوتٍ استمرَّ عالقًا في الهواء مثل غبار يحجب العالم؛ زعقة مكابح أليمة، لمن ينزلق نحو حتفه.
بعد أن اختفيت عن مكان الحادث، انكشف الغبار عن جسدي فائضًا في مكانٍ آخر من الحياة، لم تعبر أمامي ملذَّات حياتي، كما توهّمت، بل انطبعت في خاطري صورةٌ واحدة لم تفارقني بعدها..
تلك الشجرة التي شدَّت كتفي وأنقذتني..
تلك الشجرة التي لم أقف عندها امتنانًا،
تلك الشجرة التي عدت إلى مكانها ولم أجدها،
تلك الشجرة التي فَدَتْني، وقفزت بديلًا عني؛ تركتْ حفرةً على مقاسي.
مرآة النائم
جاري لم آخذه على محمل الجدّ منذ طفولتي؛ لسبب وحيد كدتُ أنساه من فرط خفته.
حين أسرّ لي أول مرة عن جسده الذي ينقص ويَذْوِي كلما طالعَ في المرآة.. وقتها ضحكت ودمعتْ عينايَ، ورأيت في ملامحه كيف اتّخذ قرارًا سريعًا بعدما اكتشف مدى فداحة قوله، فلم يعد يذكر المرايا، وألغاها من كلامه، ولهذا نسينا هذا السرّ، أو هكذا ظننت.
وعلى الرغم من تجنّبه المرايا وتفادي المرور أمامها في كل مكان، وانقطاع حديثه عنها، فإنه أشار مرة بين أصدقاء مشتركين إلى معرفته طريقة فريدة في الانتحار دونما ألم، يخبّئها تحت سريره منذ سنين، ولم أربطها بالمرآة لولا غمزته الخاطفة لي.
كبرنا ونسينا ثانية، مثلما عاش وحيدًا بلا مرايا، يرعى أمه بعطف وحنان متبادلين، حتى عشق أختي الصغيرة أو أحبّها بجنون حسب قوله.
لم يبح بذلك لأحد غيري، وكلما قلتُ له: حدّثْ أمك لتفرح لك، )صفن) وقال: إنها تشعر بذلك، أراه مطبوعًا في وجهها وهي تتفادى أن أصرّح به.
هكذا بدأ حال أمه يسوء، وصحتها تذوب حين جاءني قائلًا: لا أستطيع أن أفقد أمي وأشهد تلاشيها أمامي، وليس باستطاعتي محو حبّي لأختك، على الرغم من محاولتي الشاقةِ التظاهرَ بالنسيان؛ لكن قلب الأم مرآة.
البارحة طرقتْ أمُّه باب بيتنا متأخرًا، وقالت مكسورة: ابحثْ عن صديقك، لم يخرج من غرفته منذ يومين. فتّشت عنه لم أجده.
عدت بها إلى غرفته. سريرُه مقلوب.
ورأيت ثياب نومه مكوّمة على الأرض أمام مرآة كبيرة لم تكن موجودة من قبلُ. وكأنما لمحته فيها؛ ضحكتُ في سرّي ودمعتْ عيناي.
المنشورات ذات الصلة
برايتون
... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر...
في طريق السفر تخاطبك النجوم
مغامرة صغيرًا كنتُ، صغيرًا جدًّا رميتُ صنارتي إلى البحر اجتمعت الأسماك معًا، رأيتُ البحر! * * * صنعتُ طائرة ورقية بسلك...
بين صحوي وسُكْرها
رغمًا ترددتُ.. لم أسكَرْ ولم أَصْحُ! في كأسكِ البرءُ أم في كأسكِ الجرحُ؟ قصّت جناحي بأفْق الحبّ أسئلةٌ ...
0 تعليق