
ناصر البراق
لكن اللافت أكثر هو طول النفس، في الجانب المتصل بتعبئة الرأي العام الغربي ضد بعض التقاليد العربية، والقيم الإسلامية، حتى غدت أشبه بالمسلّمات لكثرة طرقها لدى شرائح من المسلمين، ناهيك عن الجمهور الغربي المستهدف، فتارة يربطون الإرهاب بغياب الديمقراطية، وتارة يربطونه باللِّحية، وأحيانًا بلبس النقاب، حتى إن شخصية رصينة، مثل الوزير السعودي الراحل غازي القصيبي، أشار ذات مرة إلى أنه «لا يمكن لصحفية غربية أن تغير رأيها في الحجاب، ولو أقسمت أمامها ألف امرأة مسلمة أنها تحجبت طوعًا واختيارًا».
وبينما أتقن عدد كبير من المحللين أدوارهم في الحملات المنظمة، أو المنقوشة في «عقل اللاوعي»، نحو العرب؛ تظهر فئة تدفعها الحماسة، إلى الانكشاف الموضوعي، والانحياز للأهواء، ضدّ الأخلاقيات المهنية التي وضعها صانعو السياسات الإعلامية.
فبُعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هبّ الإعلام الغربي وشنّ حملته الدعائية على المملكة العربية السعودية والإسلام متمثلًا مقولة صانع الدعاية الأول غوبلز: «اكذب اكذب، حتى يصدقك العالم»، فركز على ربط الدين بالإرهاب، واختار المجتمع المسلم وغذى عقول شبابه بالأفكار التي تربط الدين بالإرهاب والعنف والتخلف الاجتماعي، وتتفق هذه الحملات الغربية على مهاجمة السعودية لمكانتها الدينية بين المسلمين؛ إذ فيها المدينتان المقدستان (مكة والمدينة).
انتقائية وعنف
تنبه بعض الغربيين إلى هذا التجني، فذكر الحائز على جائزة نوبل البديلة في مجال أبحاث السلام إليوهان كالتونغ أن الإعلام الغربي يركز على تغطية الأحداث والأخبار القادمة من الشرق الأوسط بشكل انتقائي، وغير عادل، وأن الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام عن المملكة العربية السعودية تندرج في معظمها تحت أخبار العنف، وقد فعل الغرب ذلك لإضعاف موقف السعودية من الاتفاق النووي الإيراني.
ولترسيخ فكرة إسلامية الإرهاب، وأن من الإسلام العنف، وقتل الناس، واضطهاد المرأة، وقمع حرية التعبير، وعدم تكافؤ الفرص، وغياب العدالة والمساواة. يتهم الإعلام الغربي المناهج السعودية، وينتقد غياب الديمقراطية، وإن تهاوت أسعار النفط فإن الملوم بين كل الدول المنتجة للنفط هو السعودية، ومن هذه المساعي، اختلاق أحداث وهمية أوحت أن هناك مشاكل سياسية في البيت السعودي وأن هذه المشاكل ستلقي بظلالها على مستقبل الوطن؛ ادعاءات طالما أثبتت المواقف عدم صدقيتها وعدم موضوعيتها.
وفي الإطار نفسه يصور الإعلام الأميركي الشخصية السعودية بأنها شخصية متطرفة وإرهابية، ويضرب المثل للجمهور الغربي بشخصية أسامة بن لادن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وترسيخًا لهذه الحملة الإعلامية والمؤطرة بالدعاية المغرضة فقد ظلت الإدارة الأميركية تلاحق ابن لادن إعلاميًّا لا حربًا على الإرهاب، بل إشارة إلى أن أسامة بن لادن رجل سعودي، ذكر هذه الحقيقة مروان بشارة في كتابه العربي الخفي صفحة 155، قائلًا: «إن شعوب المنطقة خيرت بين واشنطن وبين من تنتقيه هي لدور الشرير كل عشر سنوات تقريبًا. في ستينيات القرن الماضي كان عبدالناصر المصري، وفي أوائل السبعينيات كان عرفات الفلسطيني، وفي أوائل الثمانينيات كان آية الله الإيراني، وفي التسعينيات تلاه صدام حسين، ثم زعيم القاعدة ابن لادن في 2001م».

غازي القصيبي
ونقدًا لهذا النهج، يشير القصيبي مرة أخرى في كتابه «حملة إعلامية» إلى مقال في صحيفة وول ستريت جورنال بتاريخ 10 أكتوبر 2001م، يتحدث عن الوهابية، ويصفها بالتطرف، وإباحة العنف والقتل. ولم يكتفِ الغرب بإطلاق تهمة التطرف على (الوهابية)، بل إنه نسب منشأها إلى السعودية، وهو لا يعني بذلك غير الإسلام.
حملة أكثر عدوانية
وفي الجانب الإستراتيجي، تأخذ الحملات ضد السعودية جانبًا أكثر عدوانية، في مثل إطلاقها لعاصفة الحزم، ومقاومتها المد الفارسي على البلدان العربية في سوريا واليمن والعراق، وفي تناول تفاصيل ذلك، دائمًا ما يبدو الانحياز ضد السعودية مكشوفًا، خصوصًا منذ إعلان الغرب انخراطه في الاتفاق النووي مع طهران.
حتى إن محللين اتجهوا إلى موضوعات، تثير الاهتمام الغربي أكثر، فشككوا ليس في مصداقية المواقف السعودية التي تستند إلى قرارات دولية وإقليمية، وإنما تحاول التشكيك في قدرتها على إحراز تقدم، أو أنها ستواجه مخاطر نتيجة تلك المواقف، مثل زعم صحيفة التايمز أن السعودية في خطر بسبب تدني أسعار البترول نتيجة الإنفاق الزائد، مما يهدد مشاريع الإسكان والاستقرار الاجتماعي.

عادل الجبير
ومثله ما نقلته صحيفة «ليزيكو» Les éco، متى «ستفلس المملكة العربية السعودية» تزعم فيه أنه بحلول عام 2020م ستنفد الاحتياطيات المالية للمملكة العربية السعودية؛ بسبب انخفاض أسعار النفط وكثرة الإنفاق العسكري.
ويلاحظ الباحثون في هذا المجال أن التعاطي السعودي مع هذه التقارير والحملات، تحسن إلى حد بعيد عما كان عليه في وقت سابق، ففي الأزمات الأخيرة التي صاحبها تصعيد إعلامي خطر، كان صانع القرار السعودي ناجعًا في إيصال رسائل كافية لإيضاح الجانب المظلم في زاوية الخصم.
وبين الأمثلة على ذلك، هو الأداء السياسي، والسجال الدبلوماسي الذي أثار إعجاب السعوديين والعرب، من طرف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في مثل نفيه مزاعم أن للإسلام علاقة بـ«داعش»، عبر جمل قصيرة مفحمة، تداول السعوديون والعرب عبر «تويتر» مقطعها القصير، والذي وصفه بعض المحللين بـ«الجواب الفكري المغلف بالمهارة الدبلوماسية». وفي ذلك الجواب لفت إلى أن كثيرًا من العلوم التي يستند إليها الأروبيون في أبحاثهم إنما نقلت إليهم من مفكرين ومترجمين وعلماء مسلمين سابقين، فشخصية فلسفية عريقة مثل أرسطو، أكثر من عرّف الغرب به، ونقل معارفه فلاسفة مسلمون. وهكذا.

المعلمي
ومثل ذلك فعل المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة عبدالله بن يحيى المعلمي، في سجالاته الشهيرة مع بشار الجعفري، الذي أخذ أبعادًا ثقافية ومناكفات أدبية، تجاوزت السياسية وأرقام ضحايا النظام السوري إلى الشعر وأوزانه، ما لفت أنظار المتابعين، إلى نهج أعمق في تحدي الصعاب من هذا القبيل.
وهكذا أيضًا، صنع ولي ولي العهد السعودي بعد مقابلاته الشهيرة مع بلومبيرغ، والتي توّجها من بعد بمقابلة تلفزيونية مع قناة العربية، يوم وافق مجلس الوزراء على رؤية «السعودية 2030م» التي كان مهندسها، فجاءت إجاباته كافية لابتلاع كثير من ألسنة التقارير المشككة في قدرة البلاد على الصمود أمام تهاوي أسعار النفط، ليقول بالأرقام والمنطق: إن النفط سلعة مهمة، لكن الدولة ليست أسيرة لتقلباته.
تحليل رصين .عندما تواجه السعودية حملة اعلامية شنعاء فان وراء ذلك قوى اقليمية ودولية توظف سلاح اعلام الدمار الشامل للتشويش على اختيارات سياسية للقيادة السعوظية الجديدة الساعية لتعزيز الاستقلالية في اتخاذ القرار والحد من سياسة الغرب القائمة على الابتزاز . السعودية اليوم في حاجة الى استراتيجية اعلامية مكثفة ومتواصلة بدء من تكوين جيل جديد من الاعلاميين وتوظيف الموارد المالية المناسبة لترويج خطاب اعلامي يخدم الوجه الجديد للمملكة ورؤية 2030