حسن المشاري من رجالات الإصلاح الإداري
درجة الحرارة مرتفعة والطريق خالية من السيارات تمامًا في كل الاتجاهات الأربعة في العاصمة الرياض، ويقف حسن بن مشاري الحسين في المسار الذي تضيء له الإشارة اليدوية الحمراء، فيأذن له رجل المرور بالعبور؛ لأن الطريق خالية من السيارات، ورجل المرور هو سيد المكان! يرفض حسن بن مشاري إذْن رجل المرور، ويقول: لا بد أن تضيء الإشارة خضراء لي حتى أستطيع تجاوز الإشارة!!
هذا هو حسن بن مشاري الحسين الذي فارقنا إلى رحمة الله مؤخرًا، رجل يعيش الانضباط في كل جوانب حياته، وفي كل موقع يعمل فيه. حسن المشاري هو أحد أعضاء مجلس الوزراء الشهير في عهد الملك فيصل رحمه الله، وله بصمات واضحة في أكثر من مجال في خدمة الدولة السعودية.
ولد الراحل في محافظة الأحساء بلد الزراعة والنخيل الأول سنة 1349هـ، وفيها نشأ، ودرس في المدرسة الأميرية بالأحساء، وهي قلعة علمية كبيرة لها تاريخها، ومن رواقها تخرج كثير من الشخصيات الوطنية، ثم أعقب ذلك الدراسة في مكة المكرمة حيث الدراسة المميزة في مدرسة تحضير البعثات. ابتُعث إلى بريطانيا لكن توقفت البعثة؛ بسبب حرب السويس، وانتقل للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، وهناك حصل على الماجستير في إدارة الأعمال.
عمل المشاري أستاذًا للاقتصاد بجامعة الملك سعود، ثم عين وكيلًا لوزارة المالية والاقتصاد الوطني، وفي هذه المرحلة من التاريخ الإداري لبلاده كان من المساهمين في تأسيس معهد الإدارة، معلمة الإدارة الأولى في السعودية.
لذا يعد حسن بن مشاري من أبرز العاملين في الإصلاح الإداري في المملكة العربية السعودية من خلال عمله وكيلًا لوزارة المالية، وعضويته في لجنة الإصلاح الإداري.
توسم فيه الملك فيصل ملامح النجابة، فأوكل إليه وزارة الزراعة سنة 1384هـ وهو لا يزال شابًّا في سن الخامسة والثلاثين، فبقي فيها إحدى عشرة سنة كان البلد فيها يمر بمرحلة تطور إداري مهم في الوزارات والدوائر الحكومية كافة. وهو ما توسمهُ المؤرخ منير العجلاني في كتابه (تاريخ مملكة في سيرة زعيم): «يقوم على الوزارة شاب ذكي نشيط».
عمل وزير الزراعة حسن المشاري في حقول مهمة في وزارته: الزراعة، والمياه، والتربية الحيوانية إلا أن اسمه ارتبط بالمشروع المائي المهم في شرق الوطن والأحساء تحديدًا، وهو مشروع الري والصرف الذي افتتحه الملك فيصل بنفسه في عام 1391هـ بحضور إعلامي كبير محليًّا وعربيًّا، وكان الهدف من هذا المشروع توفير المياه الجوفية في الأحساء التي تذهب سدى.
تحدث عنه زميله في العديد من مراحل الحياة وفي مجلس الوزراء السعودي الراحل الدكتور عبدالعزيز الخويطر في مذكراته «وسم على أديم الزمن» ووصفه بالكرم وكثرة إقامة مناسبات الاحتفاء والتكريم لضيوف البلد أو الأصدقاء، وقال عنه:«حسن رجل باسم، ذو أناة في الحديث وطريقة محببة في هذا، وهو حسن الاستماع، وحسن عند النقاش، سريع الرجوع عن رأيه إذا تبين له قوة رأي محدثه وصوابه، وهي ميزة لا تتوافر إلا عند القليلين…».
ولا ينسى الخويطر نفسه أنه حين دخل بلاط مجلس الوزراء السعودي للمرة الأولى احتاج إلى صاحب خبرة ومعرفة بالبروتوكول الوزاري، فكان حسن المشاري هو من يقدم الخويطر لهذا المجلس. وبعد أن ترك الوزارة لم يترك العمل في خدمة الوطن، وكان له بصمات واضحة في الاقتصاد الوطني، فقام مع آخرين بتأسيس البنك السعودي الفرنسي، والشركة السعودية للفنادق والمناطق السياحية، وترأس مجلس إدارة هاتين المؤسستين العملاقتين بموجب مرسوم ملكي.
توفي المشاري يوم الثلاثاء (7 / 10 / 1437هـ) في مدينة الرياض وبها صلي عليه ودفن بعد أن قضى حياة حافلة قاربت التسعين عامًا، متوّجة بالعمل والعطاء التأصيلي والتأسيسي في وطنه، لا سيما في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود –رحمه الله- إذ بلغ عطاؤه في تلك المرحلة قمته، مع أنه كان في تلك المرحلة في سنوات الشباب.