غراميات رؤساء فرنسا رسائل حب ملتهبة وممرات سرية للقاء المحبوبة – شاكر نوري
تكاد تكون قصص العشق والحب عند الرؤساء الفرنسيين جزءًا من طقوسهم المعتادة التي يتقبلها المجتمع الفرنسي ويعدها جزءًا من عاداته على عكس المجتمع الأنغلوفوني الذي يعدها مسيئة للأخلاق والعرف العام. وقصص الحب هذه قديمة وتمتد جذورها إلى نابليون الثالث، إمبراطور الفرنسيين، الذي حكم فرنسا في المدة 1848 ــ 1852م حيث قام بإخفاء قصة عشقه خارج إطار الزوجية من خلال أوامره بحفر نفق سرّي من رواق قصر الإليزيه إلى الفندق الذي يلتقي فيه عشيقته، لويز دي ميرسي آرجنتيو.
وعلى الرغم من العرف السائد في ازدواجية الزوجة والعشيقة في المجتمع الفرنسي لكن إخفاء العشيقة كان ولا يزال لعبة يزاولها أهل السلطة بعيدًا من أعين الرقابة؛ وذلك لأن المجتمع الفرنسي ليس متجانسًا في رؤيته للنظر إلى هذه المسألة التي تبقى محرجة للرأي العام، ولكنها ليست صادمة كما في المجتمعات الأوربية الأخرى. فكان من الطبيعي أن يظهر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع عشيقته في اللقاءات الرسمية رغم عدم قبولها لدى بعض البلدان التي رفضت استقباله مع عشيقته. وقصص العشق تتكرر عبر التاريخ. فهذا هو رئيس مجلس الحكم إيميل كومب الذي حكم من 1902 إلى 1905م، وهو الزوج العاشق والمدافع المتحمّس عن العلمانية، لم يصمد أمام سحر فتاة في الـ 34 من عمرها وقتما كان عمره 68 عامًا. وقد أقام معها علاقة سرية وكتب مراسلات عشق شهيرة يؤرخ فيها هذه العلاقة منذ أن قابلها في برشلونة. ووصل الحب درجة حامية بينهما حتى إنها قدمت له خصلة من شعرها كهدية رمزية. أما إدغار فور الذي حكم فرنسا من 1955 إلى 1956م أثناء ولايته في الجمعية الوطنية، فقد شيد في مبنى البرلمان الفرنسي بابًا سريًّا في مبنى لاساي من أجل مقابلة عشيقته بسرية تامة حتى لا ينفضح أمره. أما جاك شيراك، فقد أطلق عليه الفرنسيون دونجوان الفرنسي، وقد اشتهر بعلاقته مع النجمة الإيطالية الشهيرة كلوديا كاردينالي. وكاد يفترق مع زوجته التاريخية بيرناديت لكي يتزوج من الصحافية التي تعمل في صحيفة الفيغارو التي أصبحت عشيقته منذ نهاية السبعينيات.
«الأميرة والرئيس» رواية جيسكار ديستان
كان الرئيس جيسكار ديستان مُعجبًا بالأميرة ديانا إلى درجة أنه كتب عنها رواية، اختلطت فيها الوقائع بالخيال. والرواية هي احتمال لوقوع غرام بين الرئيس الفرنسي والأميرة البريطانية الراحلة. وقد أثارت هذه الرواية أي «الأميرة والرئيس» ردود أفعال عديدة في الأوساط الثقافية، وتساءل الناس: أين هي حدود الحقيقة والخيال؟ يُعرف عن الرئيس جيسكار ديستان، الذي حَكَمَ فرنسا سبعَ سنوات، أنه صاحب غراميات، وأنه صُدم بسيارته حينما كان عائدًا من موعد سرّي إبّان السبعينيات. وقد حاول أن يعبّر عن غرامه بالعشيقة من خلال تجسيد علاقة خيالية مع الأميرة ديانا. وقد استعان بالأدب؛ لأنه انجذب إلى الرواية منذ صغره وفي أيام المقاعد الدراسية.
يؤمن الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان بأنه لا توجد روايات حول السلطة بل هناك مذكرات وذكريات، «أردت أن أدعو القراء إلى قراءة رواية حول الحياة الحميمية والسلطة. اشتغلت كثيرًا على الديكورات الدقيقة. ليس لإعطاء دليل للمتاحف الوطنية بقدر ما أجعل القراء يرون الديكورات التي تجري فيها الأحداث». يؤكد جيسكار ديستان أن شخصية الرئيس في رواية «الأميرة والرئيس» ليست شخصيته. والرواية هي احتمال وتوقع لرئيس فرنسي أن يقع في غرام مع أميرة بريطانية. ولا يعني ذلك أن الرواية خالية من الأحداث الواقعية، فهناك ذكرى الإنزال البحريّ على الشواطئ الفرنسيّة، أيام الحرب العالمية الثانية التي أُقيمت عام 1984م ورافق خلالها الرئيس الأميرة في القطار الرسميّ.
هذه القصة هي من نسج خيال الرئيس، «هذه الرواية التي تؤدي فيها الأميرة ديانا الدور الرئيس، ما هي إلا إعادة إحياء لشخصيّة عرفتها بهذا الشكل». وأضاف: «لا نبالغ بالأمر. لقد التقيتها لفترات قصيرة في أجواء من الثقة كانت تتوق فيها إلى التواصل». وعندما قُتلت الأميرة في باريس عام 1997م كان الرئيس وقرينته أول من بادر بإرسال باقات الزهور إلى المستشفى الذي كانت تعالج فيه. وتثبت هذه الرواية أن العشق جزء من التقاليد الفرنسية وقد أقبل القراء على التهام هذه الرواية، منطلقين من فكرة ازدواجية الزوجة والعشيقة.
ساركوزي.. المغامرة والحب
في عام 1982م تزوج ساركوزي من ماري ـ دومنيك سيليولي، وأنجبا ولدين: بيير عام 1985م وجان عام 1986م. انتخب حينها عمدة لبلدية ضاحية نويي سور سين. ولكنه ذات يوم اشتهى زوجة صديقه ومقدم البرامج جاك مارتان سيسيليا، وسطا عليها، ووقع في غرامها. وظلت علاقتهما سرية إلى أن فُضحت في عام 1986م ما أدى إلى طلاقه من زوجته الأولى، والزواج من زوجة صديقه. وأنجبت له ابنًا هو لويس 1997م. وبعد أحد عشر عامًا من الزواج. وبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في 18 أكتوبر 2007م، أعلن قصر الإليزيه انفصالهما. وتزوجت طليقته من رجل الأعمال المغربي ريتشارد عطية وتعيش معه في الولايات المتحدة الآن. بعد طلاقه من سيسيليا، تعرف إلى عارضة الأزياء والمطربة الإيطالية الأصل النجمة كارلا بروني، وتزوج منها في عام 2008م. وقد اجتمع الزوجان في الإليزيه واحتفلا بانتخابه. وبعد مرور أربعة أعوام أنجبت له بنتًا سمياها غوليا، وأصبح ساركوزي الرئيس الفرنسي الأول الذي يصبح أبًا أثناء مدة ولايته.
مَن المرأة الأكثر تأثيرًا في حياة فرانسوا هولاند؟
مَن المرأة الأكثر تأثيرًا في حياة الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند: سيغولين رويال أم فاليري ترايرويلير أم جولي غاييه؟ المعروف عن هولاند أنه يغري النساء، بل يجعلهن ينخرطن في حب مجنون معه. لكن المحللين النفسيين يقولون: إن المرأة الأكثر تأثيرًا في حياته هي أمه نيكول التي توفيت عن عمر ناهز الـ 82 عامًا.
على أية حال، التقى هولاند، سيغولين رويال على مقاعد الجامعة، وبعد أن أنجبا أربعة أولاد انفصلا في عام 2007م من دون زواج طبعًا؛ لأن الرئيس الفرنسي لم يتزوج في حياته رغم علاقاته النسائية الكثيرة. وبعد فشله أمام ساركوزي في الانتخابات، طوى خيبته في قصة حب صحافية اسمها فاليري ترايرويلير، ووقفت معه في انتخابات قصر الإليزيه في عام 2012م. وحرصت أن تطبع قبلة على فم الرئيس في احتفالية فوزه بانتخابات قصر الإليزيه أمام الملايين؛ لكي تعطي علاقتهما طابعًا رسميًّا. واستمرت علاقتهما إلى أن نشرت مجلة الفضائح «كلوسر» Closer في عام 2014م صورًا للرئيس مع ممثلة شابة تدعى جولي غاييه.
وأدى هذا العدد من المجلة إلى مرض عشيقته فاليري، الصحافية التي تعمل في مجلة «باري ماتش» الشهيرة، وأمضت أيامًا في المستشفى من أثر الصدمة. ويبقى الرئيس الفرنسي هولاند أعزب بصورة رسمية في الوقت الحاضر، لكنه لا يرغب في أن يظهر مع سيدة فرنسا الأولى إلى العلن كما فعل مع عشيقته الأولى الصحافية فاليري. ولا يفضّل الحديث عن علاقته الأخيرة مع الممثلة جولي، وهما في وضع لا يحسدان عليه، لكن العشيقة الجديدة تلتزم بقواعد اللعبة: أن تعيش امرأة الظل مع الرئيس من دون ضجيج أو إعلان.
لغط وجدل حول غراميات ميتران
أثارت علاقات الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران الغرامية الكثير من اللغط والجدل في أوساط الفرنسيين. ولم يقتصر حب فرانسوا ميتران على خيانة زوجته مع عشيقة واحدة، بل تعدى ذلك إلى عاشقات كثيرات برزن في السر والعلن، لكنه حاول على الدوام إخفاء علاقاته الغرامية التي شملت أسماء معروفة أمثال: الممثلة الفرنسية ذات الأصول المصرية داليدا، والصحفية السويدية كريستينا فورسن وغيرهما. ظلت الأولى تجتمع به في أماكن سرية وعلنية، والأخرى السويدية صرحت بذلك في كتابها «قال لي فرانسوا» خلال إحدى المقابلات الصحفية التي أجرتها معه في عام 1979م بعد أن قدمها رئيس الوزراء السويدي الراحل أولوف بالم، ومدحها على أنها صحفية شابة متحمسة لإجراء لقاء صحفي معه.
في قصة عشق ميتران، وقفنا على دراما حقيقية وبخاصة أثناء رحيله، فقد كانت دموع الوداع مشتركة بين امرأتين غريمتين، الزوجة والعشيقة، جمعتهما جنازة هذا العاشق الذي كان رئيسًا لواحدة من كبريات الدول وهي فرنسا، ولم يعلن فرانسوا ميتران عن حبه السري وابنته غير الشرعية إلا في أيامه الأخيرة تحت ضغط حزبه الاشتراكي وعائلته، فكانت الصدمة التي أصابت الفرنسيين لا للعلاقة بل لإخفاء هذه العلاقة. كانت زوجته دانييل، معروفة بين أروقة قصر الإليزيه، وآن بينجو، عشيقته التي عاشت في الظل، ولم تتمكن من الإفصاح عن حبها للرئيس، بل عاشت في الظل بعيدًا من الأضواء وحفلات قصر الإليزيه.
حب عن طريق المصادفة
بدأت حكاية وقوع فرانسوا ميتران في حب دانييل في عام 1944م أثناء زيارته لرفيقته كريستين كوز، شقيقة دانييل، في إطار عمله في الحزب الاشتراكي الذي انتمى إليه منذ أيام شبابه. وذلك عندما أبصر صورة لأختها الشابة معلقة في صالة الجلوس، فأبدى إعجابه بها، فما كان من رفيقته كريستين سوى دعوة أختها للقاء بميتران في أحد مطاعم الحي اللاتيني. وعلى الرغم من أنه كان يفكر بفتاة أخرى، لكنه تركها من أجل عيون أخت رفيقته. وبعد استدعائه لخدمة الجيش في الحرب العالمية الثانية، وقع أسيرًا في يد الألمان، وهرب من الأسر لكي يلتقي خطيبته، لكنه وجدها قد تزوجت. وهذا ما جعله يحسم أمر حبه إلى دانييل. وأخذ يرسل إليها من ثكنته العسكرية رسائل حب ملتهبة كل يوم، وأحيانًا يكتب لها مرتين في اليوم، بحيث تجمعت لديها أكثر من ثلاثة آلاف رسالة. بعد ذلك بوقت قصير، تزوجها، رغم أنه مر بصعوبات كبيرة في إقناعها في بادئ الأمر.
زوجة الرئيس
لحظت زوجة ميتران، عندما كان شابًّا متحمّسًا يتطلع إلى بلوغ سدة الحكم، أنه من الصعب عليها أن تعيش المراحل التي سبقت نجاح أحلامه، لكنها سرعان ما أدركت أنها ستعيش متوارية وراء ظل الرئيس، رغم صيت عائلتها السياسي، لكن زواجه بها سهّل عليه مهام تحقيق حلمه، وتسلق سلّم الحكم في فرنسا. وفي سنوات زواجه، كانت الفضائح الغرامية تحاصره من كل حدب وصوب، لكن زوجته تحملت كل ذلك، وعرفت مبكرًا أن زوجها زير نساء حقيقي، حتى حقق حلمه في عام 1981م. ومنذ ذلك التاريخ أي صعود زوجها إلى سدة الحكم، لحظت ارتفاع نسبة النساء اللاتي توظفن في طاقم قصر الرئاسة، لكنها تغاضت عن ذلك من أجل إدامة زواجهما، وقد أدرك فريق العمل مع الرئيس أن عليهم الالتزام بالسرية والكتمان حول حياة الرئيس العاطفية.
عاش الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران ازدواجية عاطفية دون أن يفصح عن حياته السّرية إلا عندما كبرت ابنته مازارين، وفضحت كل ما كان مستورًا لسنوات طويلة. ولم تتردد زوجته أن تتحدث عن هذه الازدواجية التي عاشتها بنفسها أيضًا في كتاب مذكراتها «كلمة كلمة»، بكل وضوح وصراحة. ولم يكن السكوت عن مغامرات زوجها يعني الجهل بها، لكن صلابتها كانت نابعة من حبها العميق لزوجها، وتفهم حاجاته الروحية على مدى أكثر من نصف قرن.
تعود قصة علاقته بعشيقته آن بينجو إلى بداية الستينيات، حيث تعرف إليها في أحد المتاحف الباريسية في عام 1964م، وتوطدت علاقتهما شيئًا فشيئًا إلى أن تُوجت بإنجاب طفلة منها. وهذه البنت غير الشرعية مازارين، التي احتفظت باسم أمها بينجو لسنوات قبل أن يمنحها الأب اسمه الشهير ميتران. وقد تحدثت مازارين التي تزوجت فيما بعد بشاب مغربي، وأنجبت منه ثلاثة أطفال، صرحت باسم أبيها للمرة الأولى في كتابها «السر المكتوم» الذي صدر بباريس 2005م، كما تقول فيه: «رسميًّا لم يكن لي أب، فرفاقي في الصف لم يعلموا شيئًا عن حياتي العائلية، كيف أمضي أمسياتي وعطل نهاية الأسبوع أو العطل الأخرى، وإذا كانوا على علم فإنهم لم يقولوا لي شيئًا، فعقدة الصمت على ما يبدو لم تكن قضية عائلية بل إن الجميع التزم بها…، كنت أعيش حياة غريبة مزيجًا من الكتمان الإلزامي ورابط العلاقة الحنون، وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية أضحى بإمكاني رؤيته هناك، وكنت أدخل إلى القصر مختبئة تحت سرير مقعد السيارة الرسمية تجنبًا لاكتشافي، لكنني كنت أشعر بالارتياح مع الطباخين الشخصيين والسكرتيرات أكثر من مكتب الرئيس نفسه الذي كان يبذل حينها أقصى ما بوسعه لإخفاء وجودي عن العامة، ولعلّ ذلك كان يذكّرني باللحظات التي كان يزورنا فيها ببيت والدتي آن بنيجو، حيث كان يأتي فيها متخفيًا ويذهب متخفيًا، وبعد تناول الفطور كانت أمي تذهب بالدراجة إلى المتحف، وينطلق والدي بالسيارة إلى الإليزيه أو إلى أطراف العالم وأنا إلى المدرسة في سرّية تامة دون أن نعرف بعضنا البعض إلى أن نلتقي مجددًا في المساء وتحديدًا في الساعة الثامنة».
ثم تضيف: «كان والدي يعيش في منزلنا مع والدتي أكثر مما يعيش في قصر الإليزيه». أما زوجته دانييل فقد كشفت أنها كانت تعرف الجانب الخفي في حياة زوجها قائلة: «لقد كنت أعرف علاقاته الغرامية المتعددة لكنني لم أكن أعلم أن لديه ابنة غير شرعية من إحداهن…، فالسكوت عن مغامراته لا يعني أنني كنت أجهل ما يجري وراء ظهري فقد كنت أعلم جيدًا أن هناك أسرة موازية لأسرتي… فقد كان فرنسوا يحب ابنته كثيرًا وأنا كنت كذلك وأواصل مشاهدتها وهي كذلك تلتقي أخويها…، لقد كانت مازارين قسمة عاطفية بالرضا والتسليم فيما بيننا، وأعترف أن الأمر كان في البداية مؤلمًا لكن العاصفة بدأت بالهدوء تدريجيًّا».
كانت السيدة بينجو تسير برفقة ابنتها مازارين إلى جانب دانييل أرملة الرئيس من دون أن يعلم الناس حينها حقيقة هذه السيدة التي أثارت ابنتها فضيحة سياسية على صفحات مجلة «باري ماتش» الشهيرة، وأفصحت للمرة الأولى بأنها ثمرة الخيانة الزوجية للرجل الأول في فرنسا آنذاك… هل اعترفت زوجته ووافقت على خيانة زوجها؟ قالت ذات مرة: «أعرف جيدًا أن باريس هي أم الشذوذ والغرائب كما يقال، لكنني لم أكن أتوقع بأن تأتي مثل هذه التصرفات من الشخص الذي كنت أعشقه وأتمنى موتي قبل موته». لكنها تقبلت أيضًا إعلان الصحفية السويدية فورسن عن حب ميتران لها ومغامرته العاطفية معها بصورة صادمة، وقالت: «رغم تصريحات فورسن الأخيرة، لست متيقنة من علاقتها بزوجي الراحل، إنها تكذب للوصول إلى الشهرة، ولو كانت على علاقتها به لكان حدثني بذلك كما فعل بالنسبة لابنته مازارين، وأنا مثلكم فوجئت كثيرًا بما تدعيه هذه الصحفية».
1200 رسالة غرامية إلى عشيقته
كتب فرانسوا ميتران أكثر من 1200 رسالة حب إلى آن بينجو على مدى 33 عامًا. إن كتابة هذا الكم من الرسائل جعلت علماء تحليل الجنس والنفس يدرسون حالة الرئيس العاشق الكبير. بل أعادت قضية ازدواجية الزوجة والعشيقة الجدل من جديد. في إحدى الرسائل يقول: «لو تعلمين، يا آن العزيزة، إن الامتلاء والثقة اللذين يسكناني يعود فيهما الفضل لك أنت. الثقة في كرم الحياة، والامتلاء بقابلياتي التي ازدهرت، ولم تكن لطافتك سوى تبادل العواطف بيننا.
إنها بالنسبة لي طريقة لأتعلم المزيد من الحياة. لقاءاتنا وجولاتنا ونزهاتنا وعواطفنا لم تكن سوى ذلك العشق الذي نتبادله. كانت بالنسبة لي طريقة لتعلّم دروس الحياة، والأشياء، والكائنات، والعمل، بطريقة ما. ربما تجدين التعبير ساذجًا ــ التعبير عن روحي، لكنك منحتني راحة البال والطمأنينة. فقد تخلصت من جميع الحسابات. ولم أعد أخضع لأي قانون ثابت في الحب. ومن أجل أن أحبك بطريقة أفضل، أخذت حذري ألّا أحب سواكِ. يا سعادتي ويا حبي، لا أعتقد أنني كنت على تلك الدرجة من الإخلاص والجدية في البحث عن العاطفة الحقيقية والتامة كما كنت معك». (الجمعة يوم 21 أغسطس 1964م).
بالتأكيد في هذا العام كان ميتران متزوجًا، وهو زواج لم ينكره قط، كان يدعمه على الدوام، وزواج لم يشهد الطلاق قط. من المعروف أن ميتران كان أيضًا منتصرًا. وكان يدير العاطفتين بحس من المسؤولية. وكانت زوجته كما أسلفنا، تعرف الحقيقة، حتى عشيقاته الأخريات يعرفن ذلك، لكنه الرئيس وصاحب السلطة والجاه في نهاية المطاف. وما يُسمح له لا يُسمح لشخص آخر.
حبك سيجعل عزلة الموت أقل
شاع مصطلح polyamoureux أي الحب المتعدد والقدرة على حب أكثر من امرأة في آنٍ واحد. وهذا المصطلح لصق بفرانسوا ميتران، وأصبح هو نموذجًا له. ما الحب المتعدد؟ هو القدرة على حب امرأتين أو أكثر في آنٍ واحد. لكن علاقته بعشيقته آن بينجو دامت نحو ثلاثين عامًا، وقد كشفت رسائله الأخيرة التي نشرتها عشيقته عن قدرة هائلة على إدارة حياته المتعددة. كما كشفت عن الطاقة الشعرية التي كان يتمتع بها الرئيس الفرنسي الاشتراكي. وظل يسير بين عاطفتين، وأبقى على زوجته دانييل التي سارت معه في طريق صناعة التاريخ، رفيقة حياته من دون أن تتدخل في حياته الخاصة، بل كانت تقف على مبعدة من عواطفه. ولا يوجد أبلغ من مشهد رحيله أثناء مراسيم دفنه: امرأتان تذرفان دموع الوداع في آنٍ واحد، إضافة إلى ابنته غير الشرعية. وفي نفس كل امرأة شيء من روح هذا الرجل العظيم. وقد وضع الرئيس ميتران المرأتين على المحك والاختيار بين الاستمرارية أو القطيعة؛ لذا كانت كل امرأة تعرف دورها، وتعرف أيضًا متى تظهر ومتى تختفي. وأكثر من ذلك فقد أصبح ميتران صاحب الشهرة والريادة في الحب المتعدد الذي يكاد يكون وحيدًا في فرنسا.
في إحدى رسائله يخاطب ابنته قائلًا: «عزيزتي مازارين. أكتب للمرة الأولى هذا الاسم. إنني خجول أمام شخصيتك الجديدة التي دخلت العالم. أنت تنامين، أنت تحلمين. أنت تعيشين. ستعرفيني لاحقًا عندما تكبرين وهذا يأتي بسرعة. قريبًا ستفتحين عينيك وترين الدهشة. دهشة العالم! ستسألين عن هذا الشخص حتى النهاية. (باريس 7 يناير 1975م) ولم تتعرف فرنسا إلى مازارين ابنة الرئيس ميتران إلا مؤخرًا. كان يختار ساعة هادئة لكي يكتب لعشيقته رسائله، وصفها اللغويون بأن لغة الرسائل تعود إلى الفرنسية الكلاسيكية؛ لأنها مكتوبة برشاقة في أسلوبها وبلاغتها.
من العشيقة آن بينجو؟
ولدت آن بينجو في 13 مايو من عام 1943م في مقاطعة كليرمون فيريه، وهي متخصصة في تاريخ الفن وبالتحديد في فن النحت الفرنسي ومؤلفة لعدد من الكتب والكتالوغات الفنية. وعملت في قسم النحت في متحف اللوفر الشهير ومتحف أورسي. أما فرانسوا ميتران فقد ولد في 26 أكتوبر من عام 1916م. وهو الذي حكم فرنسا في أطول ولاية من عام 1981 إلى 1995م. إنها قصة حب جميلة، كما يكتب عنها الجميع، فقد التقاها ميتران على شاطئ منطقة «هوسيغور» عندما كان في عمر الـ 46 وهي في عمر الـ 19 عامًا. هناك فرق العمر. والشيء الخطير في هذه المرأة أنها ظلت طوال حياتها كاتمة لسر حبها مع ميتران. وهو نبل نادر من نوعه للنساء الثرثارات.
كان ميتران في تلك المدة رجلًا مهمًّا فقد أصبح وزيرًا لمرات عديدة. وكان سيناتورًا لمنطقة نيفير، ومتزوجًا أيضًا من دانييل غوز في عام 1944م. وله ولدان مراهقان: جان كريستتوف وجلبيرت. وكانت آن بينجو تسكن في باريس في قسم داخلي للفتيات. أول رسالة كتبها لها كانت في 19 أكتوبر 1962م. وقد تبع ذلك بكتابة ما يزيد عن 1200 رسالة لم يكتشفها الفرنسيون إلا مؤخرًا عندما نشرتها آن بينجو بعد رحيل زوجته الأولى دانييل احترامًا للخصوصيات.
وقد أعجب ميتران بذوقها الرفيع تجاه الفنون، وهو الأديب المعروف برهافة أحاسيسه. وقد اعترف في نهاية حياته وأثناء مرضه بأن يتأسف لأنه أخفى شعلة الحب طيلة ثلاثين عامًا، ووصفها بـ«المرأة، والفتاة، والزهرة، والثمرة، والشمس الساطعة». وكتب في نوفمبر من عام 1964م قائلًا: «التقيتكِ وقد أحسستُ على الفور بأنني سأقوم برحلة طويلة معك. أينما أذهب، أعرف على الأقل بأنك تكونين معي على الدوام. أبارك هذا الوجه، أبارك ضوئي. منذ أحببتك، لن تكون لي أية ليلة ظلماء. وعزلة الموت ستصبح أقل عزلة. آن، يا حبي». وقد أطلق عليها كل أوصاف الحب: «قطتي الصغيرة»، و«قلبي»، و«وخالقة سعادتي»، و«عالمي الأليف»، و«آن الغالية»… وغيرها من التعابير. ولم تبعده كل مسؤولياته الجسيمة في حكم فرنسا من حبه لهذه المرأة التي كتب لها في يوليو 1967: «حبك يمنحني الإحساس بالخلود، والموت وحده يفصلني عنك». وفي الواقع، لم ينته هذا الحب إلا بانتهاء كتابة آخر رسالة له في 22 سبتمبر من عام 1995م قائلًا: «أنت فرصتي الأخيرة في الحياة؛ كيف لا أحبكِ، أكثر فأكثر؟».