رحل المخرج الإيطالي الكبير بِرناردو بِرتولوتشي (1914- 2018م)، بعد أن ترك خلفه إرثًا سينمائيًّا كبيرًا، حوَّله إلى أحد عباقرة السينما الكبار، الذين لن يُنسَوْا بسهولة، وبخاصة أن أعماله تحمل استشرافًا جماليًّا وتطرح أسئلة جوهرية عدة تحفر عميقًا في الإنسان المقهور وتنتصر له. ومن المؤكد أن بِرتولوتشي واحد من هؤلاء الذين صنعوا مجد السينما العالمية، وهنا نطرح سؤالا مهمًّا حول الأسباب والبيئة التي ولّدت هذه الشخصية السينمائية، وفي أي ظلّ تبلورت هذه الأفكار الجامحة في أفلامه العابرة للتاريخ والجغرافيا، وإلى أي مدى ساهمت الأسرة والمحيط في تكوين وعيه الفني ومساره.
انعكاس صورة والده أتيليو بِرتولوتشي في حياته وأعماله محسوس بشكل ما، وبخاصة أن هذا الوالد كان شاعرًا وناقدًا سينمائيًّا، وصديقًا للمخرج الكبير بيير باولو بازوليني، الذي يُعَدّ الأب الروحي لبِرناردو بِرتولوتشي في مرحلة ما، ومُعينه الأول في دخول عالم الفن السابع، حيث تعرف إليه وهو في الثانية عشرة من عمره؛ إذ كان صديقًا لوالده أتيليو، يجمعهما الشعر وهمّ الكتابة والثقافة والسينما، كما أنهما كانا يقطنان العمارة نفسها، ومن هنا كانت الانطلاقة إلى عوالم السينما، حيث حمل بِرتولوتشي الكاميرا مبكرًا، يصوِّر بها ما يجده مميزًا؛ كي يرضي هوايته وشغفه الأول، بالموازاة مع هذا كان يكتب الشعر، وقد وجد فيه بازوليني بذرة مشروع مخرج سينمائي، فهو يحمل رؤية ثاقبة، وجاهزيّة رغم حداثة سنه، ليقرِّر جعله مساعدًا له في فلم «أكاتوني Accattone» 1961م، والمحطة الثانية لبِرتولوتشي كانت في تحقيقه لأول فِلم روائي كمخرج، والذي كتب نصه كل من بازوليني وبِرتولوتشي، بعنوان: «الموت La commare secca» 1962م، لكن بيرتلوشي لم يحس بالاستقلالية اللازمة في هذا الفِلم، الذي كان بازوليني حاضرًا فيه بشكل أو بآخر، فيقوم فيما بعد بالتنكر لهذا الفِلم، لإحساسه بأنه لا يُمثله، ولا يحمل بصمته، ثم جاء فيما بعد فِلم «قبل الثورة» 1964م، الذي كان بمنزلة نبوءة حقيقية وبداية مخرج كبير؛ إذ عكس هذا الفِلم نضجه.
نقل بِرتولوتشي في فِلم «قبل الثورة» أحاسيس الخوف التي كان يُحس بها معظم الإيطاليين وغيرهم، وجسّده ميدانيًّا من خلال الشخصيات المنهكة والمتعبة، إضافة إلى أن جزءًا من الأحداث التي تجري في هذا الفِلم تنقل كل تفاصيل حياته، عن طريق الشخصية الرئيسية، التي يعكسها «فابرزيو» الذي يعشق السينما حتى الجنون، متشبعًا بأفكار ورؤى يكون قد زرعها فيه أستاذ الفلسفة، وكلها حول الفكر اليساري المستمد من الماركسية، من هنا تتولد ثورته الداخلية، من خلال التفكير الجيد في الوجود، والهروب من هذا الواقع المزيف، إلى قاعات السينما، تقوده تلك الأفكار كمرحلة أولية إلى فك خطوبته من «كليليا» التي لم يخترها قلبه، والمنحدرة من عائلة راقية، بل كان في هذه الزيجة ضحية لتسوية ما، لكن في المقابل نشأت علاقة حب بينه وبين خالة «كليليا»، التي كانت هي الأخرى تعاني الأمراضَ النفسيةَ والعصبية، لتكون هذه العلاقة لها سفينةَ نجاةٍ، انتشلتها من أمواج الخوف والوحدة والكبت التي كانت تعانيها، لكن في الأخير يصاب بنوع من التشويش، وتضيع رؤاه، فلم يعد يدري ما الذي سيفعله، ترك عشيقته، وعاد إلى خطيبته «كليليا» كأنه مرغم مرة أخرى، يهيم وسط دائرة من الوجودية، وصراع الطبقات، وسط هذه العاصفة من الحياة الاجتماعية والسياسية، يتخبط وعي «فابرزيو»، الذي ينصاع ويتراجع عن أفكاره الثورية، بعد أن ينصاع للظروف الجديدة، وعليه نقول: هل كان فابرزيو مرآة تعكس بِرتولوتشي.
بين فابرزيو وبِرتولوتشي
فابرزيو في فِلم «قبل الثورة» هو انعكاس واضح ومتطابق إلى حد ما مع قناعة وحياة المخرج بِرناردو بِرتولوتشي، وعندما نضفي مقارنة بسيطة نكتشف ما يلي: أجواء الفِلم تجري في المنطقة نفسها التي كان يقطن فيها بِرتولوتشي أي بمدينة بارما الإيطالية سنة 1962م. تقارب سن فابرزيو وبِرتولوتشي. لديهما الأفكار الشيوعية نفسها، والحب الجنوني للسينما.
هذا من الناحية الخارجية لكليهما، أما بالنظر إلى جوانب أخرى فبِرتولوتشي وحده من يعرف مدى التطابق، وبخاصة أنه من كتب النص، كما أن الكثير من الكتاب أو المخرجين يعبرون دائمًا أو في معظم الأحيان على ذواتهم في التجارب الأولى، ومع الوقت يؤكد بِرتولوتشي أنه ليس مخرج ضربة حظ، بل يمسك جيدًا بزمام أفلامه، ويُجيد التعبير عن رؤاه بطريقة ذكية. كان يعرف جيدًا كيف يدافع عن فلسفته، من خلال زرع أفكاره بطريقة فنية، وكمثال على ذلك التصريح الشهير الذي أثار من خلاله نقده لهوليوود والولايات المتحدة الأميركية، وهو التصريح الذي نقله الفِلم الوثائقي الإيطالي «بِرتولوتشي عن بِرتولوتشي» للمخرجين لوكا جوادا جنينوا وولتر فاسانو، الذي عُرض أول مرة بمهرجان البندقية سنة 2013م، وقد تناول الفِلم تفاصيل أعمال بِرتولوتشي وحياته، على لسان الأخير وبالاعتماد على الأرشيف الفِلمي؛ إذ قال في أحد التعليقات عن فِلمه «1900» المنتج سنة 1976م، وهذا حسب ما كتبه الناقد السينمائي أمير العمري: «بأنه مغتبط لأنه حصل على ملايين الدولارات من بعض المنتجين الحمقى في هوليوود، لكي يصنع بها أكبر علم أحمر عرفته السينما في تاريخها، مع حرصه الدائم على الجمالية وتجديد التقنية؛ إذ يلاحظ بأن القضايا التي يتناولها في أفلامه معظمها قضايا سياسية فكرية، يجيد تخبئتها وراء القصص الاجتماعية أو يتناولها بشكل مباشر من دون مواراتها، وهنا «يمكننا أن نفهم كيف أن سينما بِرتولوتشي هي في نهاية الأمر، سينما راهنة ومعاصرة جدًّا»
هل كان غودار المعلم الأول لبِرتولوتشي؟
الملاحظ أن أعمال بِرناردو نقلت هموم الفرد الإيطالي بشكل خاص، والأوربي بشكل عام بما تقتضيه الحقبة الزمنية ومتطلباتها، فقد كان يدرك جيدًا أن العمل يجب أن يكون متكاملًا ومتقنًا، يستند إلى أساسيات متينة، مُشرعة أبوابها ونوافذها على الجمال العظيم. تأثر بِرتولوتشي في عدد من أعماله بالعديد من السينمائيين العالميين، من بينهم جان- لوك غودار، الذي كان يرى فيه قامة سينمائية يجب احترامها وتبجيلها فنيًّا، وانعكس هذا من خلال وصفه البليغ له، بعد أن بجّله حسب ما جاء في أحد الحوارات التي أجراها، حيث قال: «لم أتكلم عن ذلك طوال سنوات عدة، لكن غودار كان معلمي المخلص، هل فهمت؟ اعتدت الظن بأن هناك كانت سينما قبل غودار وسينما بعده- مثل قبل المسيح وبعده». ويروي بِرتولوتشي حادثة طريفة ومُربكة حدثت له مع هذا المخرج، سنة 1970م، بإحدى قاعات السينما بباريس، حين دعاه ليحضر معه العرض الأول لفِلمه الجديد «الممتثل» The Conformist، وهو فِلم مأخوذ عن عمل للروائي الشهير ألبرتو مورافيا Alberto Moravia (1907- 1990م)، حضر غودار العرض، وبعد الانتهاء منه لم يقل أي شيء وسلّمه ورقة وانصرف إلى حال سبيله، كتب عليها التالي: «يجب أن نكافح ضد الفردية والرأسمالية».
تقول الصحافية في هذا الحوار الذي أجرته: «سألتُ بِرتولوتشي عن سبب عدم رغبة غودار في فِلم «الممتثل» فهو رغم كل شيء، فحص حاد فعال للعقلية الفاشية، فأجاب: «لقد تخليت عن المرحلة التي إذا أصبحت فيها قادرًا على الاتصال فسوف تعد مذنبًا، بينما لم يتخلَّ هو عنها». ربما كان هناك سبب آخر لعدم رغبة غودار في الفِلم. ففيه يسأل «كليريسي» عن رقم هاتف أستاذه المغدور وعنوانه، بحسب أمير العمري، فقد: «كان الرقم هو رقم جان- لوك غودار والعنوان كان شارع «سان جاك» تستطيع أن ترى أني كنت الممتثل الذي يرغب في قتل المتطرف أو الراديكالي».
على الرغم من ملاحظة غودار فإن الفِلم ألهَمَ العديد من المخرجين العالميين، وتحول إلى طريقة عمل متبعة ويضيف: «فرانسس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزي وستيفن سبيلبرغ كلهم أخبروني أن فِلم «الممتثل» هو المؤثر الأول فيهم». فما الذي وجدوه ملهمًا في الفِلم؟ بناؤه المعقد أو المركب والاسترجاعات (الفلاش باك).
يتناول فِلم «الممتثل» قضية في غاية الأهمية، قبل الحرب العالمية الثانية، إبّان حكم موسوليني، من خلال شخصية مارسيلو كليريسي، وهو شاب مثقف في الثلاثين من العمر، يتعرض إلى القمع من طرف رجالات الفاشية؛ إذ يُضغَط عليه بقوة من أجل أن يقبل بمهمة تتمحور حول السفر إلى باريس لقتل أستاذ فلسفة منشق، يقبل مارسيلو بهذه المهمة، رغبة منه في إطفاء لهيب ماضي مؤلم يحرق صدره، ويتعلق هذا الماضي بـمحاولة التحرش به جنسيًّا عندما كان مراهقًا، من طرف سائق تاكسي، ومن هنا تأتي محاولته كي يكون فاشيًا، ومحاولته كي ينتقم بالطريقة التي يراها مناسبة.
فلسفة الجسد وتجسيدها كرؤيا
وظف بِرتولوتشي الجسد في سينماه ليجعل من عملية التواصل الجنسي المباشرة في أعماله مبررة دراميًّا، على غرار فِلمه «التانغو الأخير في باريس Le Dernier Tango à Paris» 1972م؛ إذ كانت الجوانب الاجتماعية والخلفيات النفسية متباعدة ومتقاربة وحاضرة، لها ما يبررها، كي تولد عمليات تواصلية عميقة بين هذه المشاهد والمتلقي/ الجمهور، تحاكيه وتخرج ما فيه من مكبوتات، تحيل إلى الماضي أو تلطف الحاضر والمستقبل. مشاهد الجسد العاري، والتواصل الحسي والفيزيائي لها جمالية ومبررة دراميًّا، يربطها بذكاء بالغ بالأحداث النفسية، تلبية لغايات اللحظة، وامتداد للوعي الثلاثي، النص/ الفِلم، والناص/المخرج، وأخيرًا المتلقي/ الجمهور.
خلاصُ الجسد، خلاصُ الحب، خلاصُ الخلاص، وكسر الحواجز والنظرة الدونيّة للجسد، الذي يُعَدّ في الأساس محورًا للإنسانية، لا يجب في حال من الأحوال التغاضي عنه، حتى إن الأديان والحضارات والمجتمعات صنعت خطابات لتبجيله، وحمايته من الابتذال، ومع مرور الوقت ازدادت تلك الخطابات وتحولت إلى حواجز ابتعدت من الخط والهدف الذي رُسِمَ لها، ومن هنا جاءت محاولة بِرتولوتشي لإعادة هذه الجمالية العميقة ليُثبت أن الجسد هو فلسفة وفكر، هو تحرر من الكبت، والخطابات الجاهزة، والاتهامات المُفبركة، وكل إنسان في أعماقه جسد عارٍ يسكنه، جسد يتلذذ به ويتمناه، تتجلى صوره في أشكال عدة، في نظرة، أو لمسة، أو مُداعبة عابرة، أو في صوت دافئ.
رحل بِرناردو بِرتولوتشي، بعد أن حصد العديد من الجوائز العالمية، وحظي بتكريمات لا تعد، وألهمت أعماله أعمدة السينما العالمية، كما فُتِحَ العديد من النقاشات حول طريقة صنعه للسينما، وطريقة إدارته للممثلين وتعامله معهم، وعلاقته مع أيديولوجيته التي كان يدافع عنها طوال عقود من الزمن، وعلاقته مع مجتمعه وأسرته ووالده أتيليو بِرتولوتشي، التي صُنِّفتْ على أنها علاقة متشابكة ومتينة في الوقت نفسه، وهي من صَنَعَت منه مخرجًا سينمائيًّا عالميًّا؛ إذ يقول بِرتولوتشي في هذا الشأن: «أدركت أن صنع فِلم هو وسيلتي لقتل أبي. وبطريقة ما، فإني أصنع الأفلام من أجل –كيف لي أن أقول- المتعة في الذنب، لقد قتلته في لحظة معينة وكان على أبي أن يقبل بأنه قد قُتِلَ في كل فِلم. والرسالة المسلية التي كان قد أعطاني إياها في إحدى المرات كانت :«لقد قتلتني عدة مرات من دون أن تذهب للسجن». اعترف بِرتولوتشي أكثر من مرة بحضور أبيه فيه، الذي أهداه في سن الـ14 إحدى القصائد مع توقيع إهداء إلى «ب» مع كاميرا حجم 8 ملم، وهو ما مكّنه من تقنية الكاميرا مبكرًا، وزرع فيه الشغف، ويضيف مسترسلًا في وصف والده حسب ستيوارت جفرز: «كان يحب كل أفلامي لسبب بسيط؛ شعر كأنه هو الذي صنعها. كان يهوى دميته التي هي أنا لأني كنت ماهرًا في صنع أفلامه. كان يظن أنه علمني كل شيء. وهذا صحيح».
يتحدث المخرج السوري الكبير محمد ملص (1945م-) لـ«الفيصل»، عن أهم المحطات التي ميّزت تجاربه السينمائية، وعن عثراتها ومنعطفاتها وانكساراتها التي لا تعود للسينما إطلاقًا حسب قوله، بل لكل أشكال القمع التي واجهها رفقة جيل كامل من السينمائيين. ويقدم نظرته لمختلف مدارس السينما ومناهجها. كما يتطرق إلى أحلام المدن العربية وكوابيسها. ويعود إلى فلمه المختفي «البحث عن عائدة» الذي أخرجه في تونس بمناسبة خمسينية نكبة فلسطين، لكنه لم ير النور إلى اليوم. في هذا الحوار يقدّم مفهومه عن الإبداع الذي يراه طاقة كامنة لا بد أن تفجرك أو تفجرها. وتحدث عن فساد الأنظمة وقمعها، عن الذات وأوجاعها، عن الإنتاج ومصاعبه. هي طاقة البوح التي يمتلكها المخرج محمد ملص، التي خصّ «الفيصل» بشيء من فيوضاتها في هذا الحوار الذي قال فيه الكثير والكثير، سواء عن تجربته كمخرج أو كمثقف عربي. إلى نص الحوار:
• قبل أن أغوص في تجربتك السينمائية دعني أولًا أسألك بحكم رئاستك للجنة تحكيم الفلم الروائي الطويل بالدورة التاسعة من مهرجان وهران الدولي للفلم العربي، شاهدت 12 فلمًا روائيًّا طويلًا في المسابقة الرسمية، وشاهدت العديد من الأفلام الأخرى خارجها، وكلها إنتاجات حديثة وجديدة نسبيًّا،في ضوء هذا كيف تُقيم هذه الأفلام بشكل عام؟ وهل هناك ما يجعلك تطمئن على واقع السينما العربية؟
– إن أكثر ما يلفت النظر في اختيارات المهرجان لهذه الأفلام الاثني عشر؛ إضافة لكونها أفلامًا حديثة وجديدة؛ هو المقول الذي تسعى له؛ والأفكار التي تقدمها للمشاهد في هذه البلدان العربية. فالأفلام المشاركة بمجملها تتناول القضايا الراهنة التي يعانيها البلد العربي الذي ينتمي له الفلم؛ وهي تحاول أن تعبر عما يواجهه الإنسان في هذا المجتمع.
أعتقد أن الأفلام التي اختيرت في أي مهرجان سينمائي؛ تشير وتدل على الأهداف والمبادئ التي يقوم عليها هذا المهرجان. ولا يمكن أن تعطي تصورًا موضوعيًّا ودقيقًا عن حال السينما في البلدان المشاركة. فكل مهرجان يسعى نحو تصور وأهداف قد تتغلب على الجوانب المختلفة التي يمكن للفلم أن يعبر عنها. وبخاصة أن السينما في البلدان العربية ليست في أفضل حالاتها اليوم. وهي سينما لا تقوم لدى كل البلدان العربية على أسس السوق باستثناء مصر. ولم تتحول لدى هذه البلدان إلى حالة عضوية في حياة هذا المجتمع. كذلك فإن المهرجانات السينمائية العديدة في هذه البلدان؛ كل منها يسعى لأن يختلف في الأسس التي تقوم عليها اختياراته وتميزه.
لكني أؤكد أن مشاهدتي الأفلام المشاركة؛ يدفعني إلى أن أقول: إن السينما في البلدان العربية تنخرط انخراطًا كليًّا في القضايا الراهنة التي يعانيها المجتمع؛ وأن بعضًا منها يحاول بانخراطه هذا أن يمتلك الحرية في التعبير عن وجهة نظره؛ ويشحن لغته بطاقة وجدانية عميقة ومجددة؛ كمثال على ذلكالفلم المغربي «مسافة ميل بحذائي» لسعيد خلاف؛ أو الفلم التونسي «خسوف» لفاضل الجزيري المعروف بعراقته وتجديده في تجاربه الإبداعية المتعددة. كما أن بعضًا آخر من هذه في سعيه إلى الواقعية الذاتية؛ فإنه يلتهب بالمصداقية والوفاء لحركة الواقع، وموقفه الصادق مما يعيشه مجتمعه كما في الفلم المصري الجميل «نوارة» لهالة خليل. بالتأكيد لا يمكن تجاهل أن بعض هذه البلدان يعاني أحوالًا صعبة ودموية؛ وهو ما يترك أثره في نوع وكم وأثقال الأفلام المتحققة في هذه البلدان التي لا يستطيع السينمائي أن ينجو بنفسه من الهم التعبوي؛ الذي قد يطيح بالسينما جانبًا. كما أن سقوط بعض الأنظمة أتاح لسينمائيين آخرين إمكانية تناول حكايا لم يكن من الممكن تناولها من قبل؛ كالفلم العراقي «صمت الراعي» لرعد مشتت… وعلى الرغم من التقليدية في الأساليب التي يقدمها بعض هذه الأفلام فلا بد من الإشارة إلى أن من كان يصعب عليه التجديد في الموضوع الذي يتناوله؛ فقد استطاع أن يصوغ لنفسه أسلوبًا وطريقة لتناول موضوع مألوف؛ ببناء سينمائي جديد من نوعه؛ والتعبير بلغة خاصة كما في الفلم الجزائري «البئر» للطفي بوشوشي. لا بد لي من الإشارة أيضًا بتقدير كبير للحداثة اللغوية في فلم «خسوف» التي تضيف للسينما التونسية ألقًا إضافيًّا؛ كما أن فلم «مسافة ميل بحذائي» المغربي يدل من جديد على النهضة الصريحة في السينما المغربية محتوى ولغة.
• نعود إلى تجربتك السينمائية، فعلى الرغم من تكوينك الأكاديمي (خريج معهد السينما في موسكو)، فإن هذا التكوين خصوصًا في الشق الفني لا نجده في أفلامك، فمعظمها إن لم أقل كلها جاء ثوريًّا،فكنت مُجددًا فيها على مستوى البناء السردي وحتى الفكري، فمثلًا نرى أن هناك تداخل الوثائقي في الروائي والعكس صحيح. هل هي قناعة شخصية بوُجوب أن يكون المخرج مجددًا، أو أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد صدفة وضرورة صنعها موضوع كل فلم على حدة؟
– أود في البداية طالما أشرت إلى التكوين الأكاديمي؛ نظرًا لكوني أعتز وأقدر كوني درست في هذا المعهد، وتتلمذت على يدي المعلم إيغور تالانكين؛ أن أستعيد الفكرة الجوهرية التي قالها لي هذا المعلم بعد خمس سنوات من التتلمذ، وعشية تخرجي: «هل تعتقد أني علمتك كيف تصنع فلمًا؟! لا! خلال هذه السنوات الخمس كنت أحاول أن أدربك على أن تعرف نفسك؛ وأن تكتشف كيف تعبر عنها». فكيف لنا أن نتساءل عن تكويني الأكاديمي ومدى وجوده في أفلامي؟!
أنا أختلف معك في هذا الفصل بين الشق الفني والتجديد في البناء والسرد والرسالة التي يحملها الفلم. بالنسبة لي السينما وحدة بذاتها؛ والفلم لغة ومحتوى إما أن يكون أو لا يكون. ليس هناك فلم ثوري ولغة غير ثورية… أفلامي ليست ثورية؛ وهي أفلام معبرة عن الواقع بصدق وبلغة تطمح للتجديد في لغة التعبير وفي السرد؛ هذه قناعة وانتماء إبداعي للسينما وللعصر وللمجتمع؛ وليس هناك في السينما أي شيء -سواء لدي أو لدى غيري– يخضع للصدفة. وهي تشير بشكل عام إلى أن المخرج يمتلك مشروعه السينمائي الذي يسعى لتحقيقه فلمًا بعد الآخر.
في وعي ما يعيشه المجتمع ويعانيه
الرئيس التونسي يمنح محمد ملص الوسام الوطني للاستحقاق
• ما الشروط الضرورية التي يجب توافرها في المخرج حتى يكون مختلفًا عن الآخرين؟ وما الوصفة الفنية السحرية التي تجعل المخرج من الأوائل؟
– ليس هناك وصفة سحرية بالمعنى المهني للإبداع السينمائي أو غيره في مجالات الإبداع الأخرى. الإبداع طاقة كامنة لا بد أن تفجرك أو تفجرها؛ وهي تبقى كامنة تبحث عن منفذ؛ ولا بد للموهبة والثقافة والحرفية لكي تنطلق. بعدها تأتي التجربة والممارسة كي تتطور هذه الطاقة… الاختلاف الوحيد بين المخرج وغيره، إضافة لما ذكرته؛ هو القدرة على الرؤية، أي البصر والبصيرة ثم الإحساس بما يعيشه أو ما يراه، وما يعانيه هو خلال حياته وتجربته في وعي ما يعيشه مجتمه وما يعانيه.
• بالعود إلى سينماك، وتحديدًا إلى فلم «أحلام المدينة» المُنتج سنة 1984م، ألا تلحظ أن الهم الإنساني والاجتماعي والسياسي وحتى الفكري الذي لاحق الصبي «ديب» أحد أبطال الفلم ومدينة دمشق في الخمسينيات، لا يزال يلاحق «مُدننا» اليوم؛ إذ تكاثر هذا الـ«ديب»، تعدد، تمدد وتناسل، وأصبح في كل زاوية، هل هي نبوءة؟ وهل فعلًا «ديب» وأحلام المدينة وكوابيسها يمكن إسقاطها اليوم على واقعنا؟
– هذه قراءة معاصرة للفلم؛ وهي رؤية صائبة. لكن الأمر ليس نبوءة بقدر ما هو رؤية للواقع؛ واستبصار قضاياه الرئيسة والأساسية؛ والتوجه نحوها والتعبير عنها بشجاعة وصدق. وجوهر الأمر أن البلدان العربية – طبعًا أقصد هنا بالتحديد بلدي سوريا – هي التي لا تتطور ولا تتغير؛ وكأنه ليس هناك من يسمع أو يرى أو يقرأ. وهذا لا يعني الإنسان الفرد في هذه المجتمعات؛ فهو يكفيه أنه يكتوي من فسادها وظلمها وغياب العدالة؛ المشكلة في السلطة الحاكمة التي لا تريد لشيء أن يتغير. اليوم نحن نحصد النتائج أكثر بكثير. إن الشفافية والصدق والشجاعة في التعبير هي التي تعطي البصيرة إمكانية أن يستطيع الفلم العيش طويلًا، وأن يمتلك راهنيته دون أن يشيخ؛ أو أن يكون صفحة من الماضي وفقط.
• نوستالجيا المدينة والحواري والطفولة ومرتع الصبا، أو الذات حاضرة بقوة في كل أفلامك تقريبًا، وكل مرة تتشكل بقالب، وتتلون بلون، حتى صار بمقدورنا نحن كنقاد سينما أن نُصنف تجربتك في مدرسة «سينما المؤلف» بكل اطمئنان، ما مدى تقارب هذا المفهوم وانعكاسه في تجربتك السينمائية؟
– لنكن أكثر وضوحًا؛ فتعبير «سينما المؤلف» بالنسبة لي يعود بشكل أساس لمفهوم السينما الذي تشكل في داخلي، والقائم على التعبير عما «عشته أو تتمنى أن تعيشه أو تخاف من أن تعيشه» حسب تعبير تروفو! سينما المؤلف ليست أن تكتب السيناريو وتخرج الفلم كما يظن البعض. سينما المؤلف هي أن تعبر عن إحساسك ومعايشتك وأحلامك من خلال انتمائك للمجتمع الذي تعيشه. وهي ليست خيارًا شكليًّا أو تقنيًّا؛ هي اختيار سينمائي بحت؛ يقوم على الهارموني العالي بين الشكل والمضمون؛ وشحن الفلم بطاقة وجدانية؛ أي تكتب بالضوء وبالكاميرا. لذلك وفي كثير من المرات كنت أرفض ان أعد نفسي سينمائيًّا محترفًا يخرج من فلم ويدخل في آخر. والتعبير هو حاجة حين تغيب يغيب الفلم… لهذا لا بد من أن يحضر الحنين والطفولة والذات.
لحظة تتألق فيها السينما
• في آخر أفلامك السينمائية «سلم إلى دمشق»، نرى في الفلم الواحد تداخل العديد من الأشكال الفنية، من مسرح، وشعر، وتشكيل، وغرافيك، كيف استطعت أن تُطوّع هذه الفنون تحت مظلة السينما؟ وهل السينما قادرة على استيعاب الفنون الآخرى دون أن تمس جوهرها وقيمتها التاريخية؟
– لست أنا المكتشف لهذا الاستخدام؛ فما أسعى لتحقيقه هو نموذج من النماذج العديدة المعمولة في السينما. الأمر في جوهره ينطلق من مفهومك للسينما؛ والحاجة المستمرة دائمًا لتجديد وتطوير اللغة والأسلوب وإمكانيات التعبير. وكما هو في التأثيرات المتبادلة في وسائل ومجالات التعبير الثقافية كلها؛ سواء في الأدب أو المسرح أو الموسيقا. كما أن هذا يعود أساسًا إلى أن السينما بحد ذاتها فن يتضمن هذه الفنون في عضويته. فطالما أن الكلمة موجودة في السينما فلماذا لا يمكن أن يتألق الكلام إلى مستوى الأدب أو الشعر. وطالما أن السينما صورة وضوء؛ فلماذا لا تسمو إلى مستوى التشكيل؛ وهكذا في الموسيقا والغرافيك وغيرهما من أشكال التعبير الفني. جوهر الأمر هو ليس تطويع الأشكال الأخرى لصالح السينما؛ إنما العثور على اللحظة التي تتألق فيها السينما لتكون في لحظة ما شعرًا أو لوحة… والتعامل مع هذا التألق بحساسية ودقة؛ بحيث يتغلب على نفسه ويندجم في السينما بتوافق في اللحظة والمقدار المناسبين. السينما هي الأم لهذه الفنون؛ عليك ألا تضحي بها من أجل أولادها؛ ولا تضحي بأولادها من أجلها.
• لديك تجارب ناجحة جدًّا في تحقيق الأفلام، على رغم هذا تبقى مقلًّا في إنتاجك، آخر أفلامك «سلم إلى دمشق» المنتج قبل أكثر من ثلاث سنوات، ما الأسباب التي تحول دون تحقيق مشروعاتك السينمائية ؟
– التباعد المنطقي بين فلم وآخر؛ أي سنتين أو ثلاث؛ يعود لي وللمشروعات التي أعتزم تحقيقها؛ لكن المشكلة الجوهرية بالنسبة لي تعود للإنتاج الغائب. في سوريا ليس هناك إنتاج خاص؛ كما ليس هناك حرية إبداعية. المنتج الوحيد للسينما في سوريا هي الدولة؛ وهي جهة إنتاجية تمول المشروعات التي يمكن أن تخدم أهدافها فقط. وأنا منذ أواخر التسعينيات لست على وفاق معها فيما أريد تحقيقه. لذلك لجأت إلى محاولة التأسيس لسينما مستقلة؛ واستطعت أن أحقق بعضًا من مشروعاتي السينمائية. لكن كان هذا يتطلب المزيد من الوقت لتأمين الإنتاج. طبعًا لم أستطع أن أحقق أكثر من ذلك. ثم جاءت الأحداث الراهنة واستطالت زمنيًّا؛ حيث إن الدولة كمنتج زادت في تضييق مسافة الرقابة؛ واستشرست في التمسك بتحقيق ما تريده من السينما. وأنا ازددت تمسكًا بالحرية في التعبير عن نفسي. إضافة لصعوبة إمكانيات التصوير والحركة خلال هذه الظروف. اليوم لا أحتاج لزمن لكتابة مشروعاتي؛ ولدي أكثر من ثلاثة مشروعات قابلة للتنفيذ؛ لكن ليس هناك إنتاج لتحقيقها. كما أني لم أعد راغبًا بعد هذه التجربة الطويلة من العمل بأن أطرح مشروعاتي على الصناديق الداعمة، أو اعتماد الطريق الكلاسيكي للإنتاج الأوربي؛ أي أن تكتب المشروع ثم تترجمه وتعد الملف المتعدد الجوانب؛ ثم تنتظر منتجًا ثم داعمًا ثم ثم… فهذه هي الحال حاليًّا. يضاف لذلك أن مشروعي السينمائي يتناول مجتمعي في حاله العام وقضاياه الرئيسة؛ لا أعتقد اليوم أن هذا هو ما يهمالإنتاج الأوربي.
• تجربتك السينمائية امتدت لأكثر من أربعة عقود من الزمن، مررت من خلالها بالعديد من الأحلام والكوابيس، الفرح والألم، لكن على العموم كانت من أهم تجارب السينما العربية، وبعد كل هذا، من المؤكد أنك بت تملك نظرة للسينما على عمومها، فهل هناك إمكانية أن تقدم للجمهور ونقاد السينما وصُناعها هذه النظرة وتعريفك للسينما؟
– ليست تجربتي تجربة منفردة؛ هي تجربة جيل بأكمله في كل قضايا الثقافة ومنها السينما أيضًا؛ سواء في سوريا أو أي بلد عربي آخر. نحن كجيل سينمائي في سوريا لم يبق منه كثير؛ فهناك من رحل إلى العالم الآخر؛ وهناك من غادر إلى بلد آخر… التجربة التي عشناها؛ فعلًا تجربة غنية ومهمة؛ والمسار السينمائي الذي قطعناه سواء بما فعلناه أو بما عجزنا عن تحقيقه؛ لم يكن مسارًا بسيطًا، بل معقدًا وغنيًّا. ربما بالإضافة للمشروعات التي لا أزال أرغب في تحقيقها؛ فقد بدأت فعلًا بنشر المفكرات اليومية لهذه التجربة بسينمائيتها ويومياتها الثقافية والسياسية. في هذه المفكرة ربما سيلحظ القارئ أن لحظات الفرح كانت قليلة. لكني أريد أن أؤكد لك وللنقاد والقراء أن عثرات التجربة ومنعطفاتها وانكساراتها لا تعود للسينما إطلاقًا؛ بل لكل أشكال القمع الذي واجهناه؛ وهذا كان يؤكد لنا إيماننا بالسينما وقدرة هذه الأداة على الارتباط بالناس والتعبير عنهم؛ وبأنها هي «المرآة» التي يقف أمامها الناس ليروا ذاتهم. وإننا في هذه المنطقة العربية أكثر احتياجًا لهذه المرآة؛ وإن هذا الاحتياج هو الذي يخيف الأنظمة القمعية؛ وهو ما يجعلها تستهدفها أولًا وتستهدف السينمائيين بقمعها لهم.
جليلة بكار..
رأت نصها مقدسًا فرفضت الحذف
• الفلم بشكل من الأشكال بمثابة «الابن» بالنسبة للمخرج، وأنت شخصيًّا سبق أن حدثتني عن أحد أفلامك الذي ولأسباب ما لم ير النور إلى اليوم، والفلم أُنجز في تونس، هل يمكن أن تحدثنا عن هذا الفلم والسبب الذي جعله يختفي؟
– هذا الفلم كان عبارة عن رد جميل مني للمنتج أحمد بهاء الدين عطية؛ الذي برحيله المبكر فقدته السينما التونسية والعربية أيضًا… وهو رد جميل لتلك الجهود التي جمعتنا في تحقيق المشروعات السينمائية التي كنت أهجس بها آنذاك؛ أي عام 1998م. وهو كما يدل هذا التاريخ؛ هو الذكرى الخمسين لنكبة فلسطين… يومها كانت الممثلة التونسية القديرة جليلة بكار؛ كتبت نصًّا مسرحيًّا لهذه المناسبة بعنوان «البحث عن عائدة» وقامت بأدائه كـ «مونو دراما» مسرحية في بيروت. جاء أحمد عطية إلى باريس حيث كنت أقوم بمونتاج فلم «فوق الرمل تحت الشمس» واقترح علي تحقيق هذا النص سينمائيًّا. قرأت النص وشعرت على رغم ملحوظاتي وسذاجة بعض مشاهده؛ بأنها فرصة جميلة لتحقيق «مونو دراما» سينمائية؛ كنوع نادر أو جديد في السينما العربية. بعد أن وافقت على هذه المغامرة؛ وأتيت لتونس لتحقيقها؛ وخلال بحثي عن منصة واقعية وذات بعد بصري مهم؛ فقد عثرت على الفيلا التي كانت مقرًّا لياسر عرفات وقصفها الإسرائيليون؛ وتركت بعد القصف على حالها آنذاك.
فاتخذت من هذه الفيلا المقصوفة منصة رئيسة للفلم. كان النص يحكي أيضًا عن ذاكرة جليلة بكار في الخمسينيات حيث تحكي برؤية ذاتية عن لحظات من التاريخ التونسي بالعلاقة مع نكبة فلسطين. فاخترتسطح باخرة مقبورة على شاطئ بنزرت منصة لسرد ما يخص اللحظات التونسية. في التصور البصري لهذه الدراما لجأت إلى تغليف كامل الفيلا- الجثة بالبلاستيك. بهدف شحن هذه المونو دراما بقوة بصرية ومجازية. وأخذت أصور اللحظات مع جليلة أمام البلاستيك أو وراءه؛ وداخل الفيلا وخارجها؛ وكل ذلك في أجواء ليلية تعصف بها رياح البحر المجاورة تمامًا. تم التصوير وكل شيء على ما يرام وكما أريد.
في المونتاج وجدت نفسي أمام مشاهد جميلة وقوية وخاصة… كانت المشكلة أن الصورة كانت أقوى من النص ومن الحكاية. لم تكن هذه هي مشكلتي؛ المشكلة بدأت حين قررت دون الإساءة للنص أو للفكرة؛ هي في حذف بعض المقاطع التي كانت الصورة كافية للتعبير عنها بلا كلام؛ ولا يمكن لسينمائي يحترم نفسه أن يستخدم كلمات أو مونولوغًا من الواضح أن الصورة تعبر عنه بوضوح شديد. فهذا يسيء إلى العمل كله. فاحتجَّت جليلة على هذا الانتقاص من نصها؛ ورأت نصها مقدسًا ويجب استخدامه كاملًا.
نظرًا لكون التصوير قد تم قريبًا من البحر؛ فكان لا بد من دوبلاج بعض المشاهد التي كان خلالها صوت الأداء أضعف من صوت البحر. فرفضت جليلة الدوبلاج إذا لم أعد استخدام نصها بأكمله فرفضت. فقد كانت شركتها شريكًا في إنتاج الفلم. لذلك بعد أن أنجزت مونتاج الصورة كاملًا، وكما أريد تركت الفلم وعدت إلى دمشق؛ وبقي الأمر على هذه الحال حتى الآن.