قافلة الذهب.. أشهر قافلة على مر العصور
يعد الملك موسى «Mansa Musa» المولود عام 1280م أغنى رجل في تاريخ الأرض، فقد صنَّفه موقع ثروة المشاهير Celebrity Net Worth website عام 2012م كأغنى رجل عرفه التاريخ بثروة تقدَّر بما يعادل 400 مليار دولار أميركي. وقد كان ملكًا على إمبراطورية مالي العظيمة في القرن الرابع عشر الميلادي، حيث كانت مشهورة بخيراتها، وعلى رأس تلك الخيرات يأتي الذهب والماس والملح الصخري. تُوج موسى كيتا الأول في سنة 1312م خلفًا لوالده السلطان «أبو بكر الثاني». ومنذ تتويجه أصبح اسمه ولقبه «مانسا موسى»، فكلمة «مانسا» تعني الملك الأعظم. فتح الملك موسى مدينة تُمبكتو، وتمكن من توسيع مملكته وتحويلها إلى إمبراطورية في مدة وجيزة من الزمن.
كان «مانسا موسى» سليل أسرة عظيمة النفوذ، امتدت سيطرتها من بحيرة تشاد شرقًا إلى الساحل الأطلسي غربًا، أي المنطقة التي تغطي اليوم كلًّا من مالي والسنغال وغامبيا وغينيا وبوركينافاسو والنيجر وأجزاء من موريتانيا ونيجيريا وتشاد. وقامت إمبراطورية مالي الإسلامية على أنقاض مملكة «غانة» الوثنية بعد أن هاجمها وأسقطها المرابطون عام 1087م الذين أخذوا على كاهلهم نشر الدين الإسلامي وفتح البلاد الوثنية. ثم جاء أجداد مانسا موسى من مملكة «كانجابا» المسلمة وأسسوا عام 1240م دولة إسلامية جديدة عُرفت بدولة «مالي». وهو اسم ترجِّحه المصادر التاريخية تبعًا لأقدم مدينة عرفت بهذه المنطقة وهي مدينة malel.
امتد حكم مانسا موسى مدة ربع قرن من سنة 1312 إلى 1337م، وكان يملك جيشًا قويًّا ونشيطًا وكبيرًا، حتى إنه فتح 24 مدينة من مدن السودان في مدة قصيرة جدًّا. وتُوفي مانسا موسى في سنة 1337م تاركًا إمبراطورية مزدهرة ومترامية الأطراف عاشت لعشرات السنين من بعده، فاستحق أنْ يخلده التاريخ بوصفه الرجل الذي أدخل مالي إلى أزهى عصورها على الإطلاق. وكان عالمًا ورعًا إلى جانب حنكته السياسية، ففي عهده ازدهرت جامعة سانكوري كمركز للعلم في إفريقيا. وسَّعَ دولته لتضم مناجم الذهب في غينيا بالجنوب، وفي عهده أصبحت عاصمته تُمبكتو محطّ القوافل التجارية عبر الصحراء بالشمال. نشر موسى الإسلام في أنحاء إمبراطوريته كافة. بعد وفاة مانسا موسى، لم يحسن ورثته إدارة ثروته، وأنفقوا جزءًا كبيرًا منها في الحروب الأهلية والجيوش الغازية. وتعدّ مالي الآن من أفقر الشعوب الإفريقية، لكنها تحتوي على كنز ثمين يحاول العلماء العثور عليه وهو المخطوطات من الكتب والوثائق التي جاء بها مانسا موسى من رحلة حجه الشهيرة التي احتفظ أهل تُمبكتو ببعضها إلى الآن في أغلفة من الجلد أو في صناديق داخل بيوتهم وتحت الأرض.
أشهر رحلة في التاريخ
تحركت من إمبراطورية مالي في عام 1324م أضخم وأثرى وأكرم قافلة حجيج قادها حاكم مسلم للوصول إلى مكة المكرمة. كان قوامها 60 ألف رجل، منهم 12 ألفًا يحملون ما مجموعه 24 طنًّا من سبائك الذهب. و(80– 100) جمل يحمل الواحد منها قنطارًا من الذهب. ورجال على الخيول والجِمال يلبسون الحرير، وبأيديهم عصيّ ذهبية يراقبون وينظمون شؤون القافلة التي صارت أشهر قافلة في التاريخ والمسماة بقافلة الذهب، وكان على رأسها أغنى رجل عرفه التاريخ. ولم يكن أول من يقود قافلة بهذه الضخامة من أسرته، فقد قاد أبوه أبو بكر الثاني، قبله قافلة بحرية من 3 آلاف سفينة بهدف الوصول إلى حدود المحيط الأطلسي. ويذكر الدكتور إبراهيم طرخان في كتابه «دولة مالي الإسلامية» أنَّ هناك بعض المبالغات في تقدير كمية الذهب التي كان يحملها السلطان موسى، وكذلك مبالغات في ضخامة الموكب، لكن ذلك يلقي ضوءًا على أنه كان فعلًا كثير الثراء والفخامة، فمالي كانت تتحكم في مناجم الذهب.
وكان مانسا موسى يتصدق بالذهب على الفقراء في البلاد التي يمر بها، ويبني مسجدًا في كل مكان يحط فيه رِحاله. وحين وصل إلى القاهرة، بهرته بعمرانها، فقابل السلطان المملوكي الناصر محمد، وطلب منه أنْ يرشح له علماء ومهندسين وحرفيين، ليعمروا مدن مالي كما عمروا القاهرة ليأخذهم معه عند عودته من الحج. وفي الحجاز أدى فريضة الحج وزار المدينة، وأفاض على الحجيج وأهل الحرمين بالإحسان. وقد طاب المقام له بالحجاز، فبقي هناك نحو ثلاثة أشهر بعد انتهاء موسم الحج.
وفي طريق عودته من الحج، اشترى كميات ضخمة من الكتب في جميع فروع المعرفة، ورافقه إلى مالي عشرات من العلماء والمهندسين والحرفيين، ليشيدوا أكبر المساجد والقصور في إفريقيا في ذلك الوقت. وكان أشهر من أتى من مصر المهندس الأندلسي أبو إسحاق الساحلي. وكان مسجد (جينغاربير) إحدى تُحفهِ الخالدة. وقد واجه المهندس أبو إسحاق في تُمبكتو وغاوة مشكلة كون المنطقة صحراوية لا يتوافر فيها الحجر. ثم وجد الحل في استعمال المواد المتوافرة محليًّا، فاستعمل الطين المخلوط بالقش، ودَعَّمَ السقف بأخشاب النخيل. ولم تزد القرون السبعة التي مرت على الطين المخلوط بالقش إلا الشدة والقسوة. وتعتلي المسجد مئذنتان، ويشتمل على فناء واسع غير مسقوف ومساحة مسقوفة. ويسع داخل المسجد ألفَيْ مُصَلٍّ.
بداية الأطماع الأوربية بالذهب
حين بدأ مانسا موسى رحلته لحج بيت الله مَرَّ بدول ساحل البحر المتوسط، مثل: بلاد الطوارق، وتونس، ثم مصر. بذلك أعطى الفرصة لتجار أوربا الذين كانوا يرتادون شمال إفريقيا لغرض التجارة لمشاهدة القافلة العظيمة، وحالة الغنى التي سافر بها هذا الملك للحج، وقدر الذهب الذي يملكه ويوزعه. ثم وصلت شهرة مالي وأخبار قافلة الحج ودلالتها إلى أوربا كلها. ومنذ ذلك الوقت ازداد التفكير الأوربي لتعرف قلب إفريقيا والوصول إليه، فأنشئت مدرسة في جزيرة «ميوركا» كان أهم أهدافها تعرف قلب إفريقيا. وظهرت صورة مانسا موسى في أغلب الخرائط التي رُسمت في أوربا في ذلك القرن. وترجع أقدم خريطة إلى عام 1339م، وقد أوضحت الخريطة ملكًا مهيبًا جالسًا على عرشه في كامل لباسه الملكي، وعلى رأسه تاج، وفي إحدى يديه صولجان الملك، وفي اليد الأخرى قطعة من ذهب يقدمها لشخص يهرول نحوه، ومنقوش على الخريطة الجملة: «هذا السيد الزنجي موسى مالي سيد زنوج غينيا، يكثر الذهب في بلاده حتى صار أغنى وأعظم ملك في جميع البلاد». الذي يمكن قوله في هذا المجال: إنَّ عظمة مالي زمن مانسا موسى كانت من بين الحوافز التي أدت إلى زيادة الرغبة في تعرف قلب إفريقيا، تمهيدًا لحركة الكشف والاستعمار الأوربي.
——————————-
مراجع:
– http://www.unesco.org
– http://www.ancient-origins.net
– http://www.businessinsider.com
– http://www.albayan.ae
– إبراهيم علي طوفان، دولة مالي الإسلامية، دراسات في التاريخ القومي الإفريقي، الهيئة العامة للكتاب، 1973م.