حكايا شتوية قصائد من السويد آسبن ستروم
إنْ أمكنَ القولُ: إنَّ أحدًا ممّن يُسَمَّون «بالفورتي تاليين»، أدباء الأربعينيات قد حازَ هوى الشعب، فإنّه آسبن ستروم هذهِ الكلمات لـ«بنغت إميل يونسون» تُختزلُ بها مراحلُ نضوجهِ الأدبيّ وتطوّرهِ من شاعر الأربعينيّات الرهيف إلى أديبٍ يرسمُ بِرِيشَتهِ الحاذقة ملامحَ اليومِ البسيطة، مشاغل الناسِ وهمومهم، ممّا منحهُ شعبيّة واسعة لدى القرّاء.
فإنْ أضحت أشعارهُ أكثر بساطةً مع السنين، أمست كذلكَ عميقةً تلامسُ بمهارةٍ حضورَ الواقعِ بسهلٍ ممتَنِعٍ:
« إصبَعٌ واحدٌ ونغمةٌ واحدةٌ،
أضحى اللحنُ قصيرًا،
تُرفرِفُ النغماتُ، تضربُ بأجنحتها نوافذَ الغروبِ.
تصطفّ المفاتيحُ متجمِّدةً كدربٍ شتويٍّ.
لا يجوزُ فعلُ هذا مع البيانو».
إنّها قضيّةٌ نفسيّةٌ وأخلاقيّةٌ، مهمّةُ الأديبِ تكمنُ في تسليطِ الأضواءِ على جميعِ جوانبِ الواقعِ الصعبِ، المُلتَبسِ بُغيَةَ الوصولِ إلى فهمٍ أعمقَ يفضي إلى جلاءٍ.
ولد الشاعر كارل وانر آسبن ستروم أواخرَ خريفِ عام 1918م في قرية توربو الوديعة. بعدَ أجلٍ قصيرٍ من ولادتهِ يموتُ والِدُهُ متأثرًا بمرضِ الزُّهْري، تاركًا خلفَهُ زوجةً وأولادًا ثلاثة لحياةٍ سَرَدَ كارل وانر تفاصيلها في كتابهِ النثري «الغدير» عام 1957م، حيثُ تُرسَمُ فيهِ صورة حقيقية للمكانِ والزمانِ، مسلطة الأضواء على سويد غريبٍ لا يُشبهُ في شيءٍ سويد الحاضر.
طفولته الغضة، أسرته الفقيرة ومعاناة الأمِ وبُؤسها، معينُ الدموعِ الذي لم ينضب لديها أبدًا حُزنًا لفقدانِ الزوجِ والمُعيل.
تارة
أنا لا أثقُ بما هو متكافئٌ.
فالتكافؤ في القُوى يُنذِرُ بالحرب.
أنا لا أثِقُ بما هو صلْدٌ.
كون التنازل لا يعني الموت.
ما انفكَّ الكثيرُ من الصَّلَفِ يحيا في العالم
الكثيرُ من سيادةِ الدمِ المُتَصلّب والثلجِ.
ليسَ بوسع المرء أن يحرس وجودهُ مُنفَرِدًا.
إذْ ينبغي على أحدِ الحرّاسِ الصعودُ، وعلى الآخرِ الهبوطُ،
تارةً يكونُ نارًا وأخرى نسيانًا،
في تبادلٍ مستدامٍ وفي تَرَقُّبٍ.
الليلةَ سَيَقومُ حُبّي بحملِنا.
وغدًا حُبُّكِ.
رحيل الرسام روسو عن الحياة
الأسدُ، الفهدُ والخرافُ التي ترعى بهدوءٍ
القردةُ، الأفاعي وطيورُ الأدغالِ بألوانها الزاهية
وقفنا في آخرِ ليلةٍ نحرسُ نعشه
نحن أبناؤه الحزانى
الغجريّةُ أيضًا كانت هناك
يودوغا عازفُ الناي
والزوجانِ الفتيان العائدانِ توًّا من الكرنفالِ في طريقهما إلى البيت
سرى الليلُ بطيئًا
وقف القمرُ الأصفرُ مثلنا متأهبًا
أشجارُ الشاطئ المتسمّرةُ، وآلاف الأوراقِ الخضراءِ
بعيد السابعةِ صباحًا أقبلَ المركبُ البخاريُّ مُنحدرًا من أعالي النهر
ناثرًا الرذاذَ
حملناه على متْن المركبِ
أطلقَ القبطانُ صفّارة الانطلاق
يا إلهَ ( … )
لا تعكّر صفوَ أفكارِ الرسامِ روسو
دعه يظنُّ
أنّ كلَّ شيءٍ باقٍ على حاله
لم يتغيّرْ
وأنّ الوحوشَ ما انفكّ الناي يروِّضُها.
أنا والعالمُ
لا تسألي: من تكونين؟ منْ أكون؟
ولِمَ كلُّ شيءٍ يكون.
دعي الأساتذة يتحقّقون،
هم منْ يتقاضونَ الأجورَ.
دعي ميزانَ البيتِ على الطاولة
واتركي الحقيقةَ تَزِنُ نفسها.
ارتدي المعطفَ.
وأغمضي الأنوار.
أغلقي البابَ.
واتركي الأمواتَ تُحَنِّطُ الأموات.
ها نحنُ نسيرُ.
فمنْ ينتعلُ الجزمةَ البيضاء
هو أنتِ.
ومن ينتعِلُ السوداءَ
أنا.
والمطَرُ الذي يهطلُ علينا
هو المطَرُ.
المدينة
أنا لستُ برجلٍ غيرِ مُسَيَّسٍ.
وإنّما لي رأيٌ عن كيفيّة
جرِّ حجارةِ الصقلِ في هذهِ البلادِ.
أعتبرُ السلامَ أكثرَ الأفكارِ عظمةً.
بيد أنّني أرغبُ أن أجزَّ
بمقصِّ الحلمِ الكبيرِ غَزْلَ الحلمِ الأصغر.
هي تلكَ البرهةُ من اليوم
التي تنطلقُ فيها الناقلةُ ريكس
لجلبِ الشروقِ من الأرخَبيلِ.
هي في تلكَ البرهة من العام
التي يحملُ فيها العملاقُ على المرتفعاتِ في خينارفيك
عناقيدَ البنفسجِ في شعره.
يفتحُ في الحالِ فمهُ ويبصقُ
سربًا من النوارسِ الضاحكةِ فوقَ المدينةِ.
أعتقِدُ أنَّ هذا جميلٌ ببساطةٍ.
أعتقدُ أنَّ هذا إنسانيٌّ،
أحيانًا.
القُبَّرات
نافِذَتانِ في هذهِ المزرعَةِ السويديةِ المتوسطة
مُطِلّتانِ على أراضٍ منخَفِضةٍ
أسفلَ بحيرةٍ منشَغِلةٍ بأمواجها.
ديدانُ الأرضِ مُنْكَبَّةٌ على عملِ الربيعِ.
والقُبَّراتُ تُهيّئُ الأرضَ بطريقتها الخاصةِ.
لستُ أرغبُ امتلاكَ الحقولِ هذه.
وإنّما أريدُ أن أكونَ الحقولَ ذاتَها.