بواسطة عمر شبانة - شاعر أردني | مارس 1, 2022 | نصوص
غِنائيات الرشيدة الراحلة… أمي
مِنْ كِتابِ ذكرياتِها… من دفاترها العتيقة والجديدة
١
يا أم أم الناسْ
هيَ أمنا
هيَ أم كل الناسِ،
كل الخالدينَ،
مِنَ الفِدائيينَ
والشهَداءِ،
أم الأنبِياءِ
وأم كل المؤمنينَ
بحقهم وتُرابِهِم
٢
يا أم الغابات
يا أم أيامٍ
وأنهارٍ،
مَزيجُ حِكايةٍ وخُرافةٍ،
تَمشي على ساقَين
مِنْ وَجَعٍ وموسيقا
ومِنْ ماءٍ ونارْ
٣
وأراكِ في «العَروب»(1)
في ليلِ المخيمِ
في المزارعِ والحُقولِ،
وفي المساجدِ والزوايا
في أناشيدِ الفدائيينَ
تحتَشِدينَ بالأطفالِ والصلَواتِ،
أمكِ ليقَةٌ، ومَليكةٌ لنسائها
وأبوك مِن شُهَداءِ أرض الرب،
يكرِزُ بالكِفاحِ وبالفَلاحِ،
بخِنجَرِ الفَلاحِ يكرِزُ.. كانْ
«العَروب»: المخيم الذي سكنتْهُ الوالدة على أثر اللجوء- النكبة 1949م.
٤
تَعْرِفُ ما تُريد
كحَديقةٍ
ألْوانُها صَماءُ
جبارةٌ بِضَعْفِها
ضَعيفةٌ بِحَزْمِها
تَعْرِفُ ما تُريدُهُ
تُريدُ ما تَعْرِفُهُ
بِلا سؤالٍ واضِحٍ
وضوحُها سؤالُها
٥
أمي الوَطَنْ
أمي التي
قدْ ودعَتْنا
أودَعتْ فينا
أماني الزعترِ البَري،
والخُبيزةِ العَطشَى
ونَخلًا في المخيم
ظل مأوانا الأمِينْ
هِيَ ودعتْ
بِجِراحِها، بنُواحِها
بِنُحولِ عَنقاءِ الحَياةِ،
ورُوحِ أم ساحِرةْ
هِيَ ودعتْ بغِنائها
أرضًا بعيدة
بوَداعةِ الطيرِ المُمزَّقِ
في شِباكِ العُمْرِ
يَهوي دونَ ريشْ
هيَ ودعتْ أسطورةً
حتى تَعيشَ بِغيرِها
في ألْفِ مَلْحَمَةٍ
بألْفِ عباءةٍ وحِكايةٍ،
لتَعيشَ في أحلامِنا،
ونَظَل في أحلامِ مَوطِنِها
ونَحلُم دونَما خَوفٍ،
ونَمْشي في الحِكايةِ نَفسِها،
منذُ البِداياتِ/ الرؤى،
حتى النهاياتِ الجَديدةِ للوَطَنْ
أم هي الوطَنُ الذي
نَمْشي فيَحْمِلنا إليهِ،
إلى نهايتِهِ، غِوايَتِهِ،
ونَحمِلُهُ إلى أحلامِهِ
أم بحُلمٍ لا نِهائي
تَعيشْ
ها أنت إذ
تتذكرينَ طُفولةً
مِن كل ألعاب البَناتِ،
أعرفُ أنكِ الأولى
على الألعاب والفتَياتِ،
يؤلمُني عذابُكِ
أنني ما زلتُ أحيا
والحَياة غدتْ عَذابا
٦
أم لَها الأحلامُ
قبلَ بِدايةِ التوراةِ
والإنجيلِ والقُرآنِ،
أحلامُ البِلادِ كِتابُها السري
تكتبُ كل يومٍ ما تيسرَ
مِن دفاترهِ العَتيقةِ،
في الكتابِ:
صُمودُ قَريتِها معَ الثوارِ،
فيه حِصارُها وسُقوطُها
وكِتابُها قُرآنُها السري؛
قُرآنُ الصباحِ، ولَيلُ قُرآنِ الجِراحْ
وكِتابُها بَيتٌ وحقلٌ
في رُبا «مَنْشِيّةٍ» و«عِراقِها»
أواه يا أماهُ
يا أمي
ويا أم المسيحِ،
ولَدْتِني لأكونَ فادي الناسِ،
لكنْ، كُلهُم غدَروا وخانوا
أرثيكِ
أمْ أرثي خُطايَ
على خُطاكِ
يا بنتَ قُرآنِ الحَياةِ
حَياتُكِ القُرآنُ
في دَمِيَ المُباحِ،
دَمي قِراءاتٌ لروحكْ
أبكيكِ شِعرًا
لا لأبكي
بل لأرسمَ
صورةَ التاريخ
في كفيكِ
في صلَواتِ قَلبكْ
في حقلِ روحكِ
أنتِ أيتُها الرشيدةُ،
كانت الصلَواتُ تبدأُ منكِ،
في الصلواتِ كنتُ
أرى بِلادًا في ثِيابكِ
في حُقول اللوز
تُزْهِرُ في شَبابِكِ،
في المَدى
عينايَ تنهَلُ
مِن مِياهِكْ
هامش :
(١) «العَروب»: المخيم الذي سكنتْهُ الوالدة على أثر اللجوء- النكبة 1949م.
بواسطة عمر شبانة - شاعر أردني | مايو 1, 2020 | نصوص
الشِّعرُ سِحرٌ يُفقِرُ العُمْرَ لكي يَغنَى الكلام
(حسين البرغوثي، من كتابه «مرايا سائلة»).
[كثيرٌ من الماء وقليلٌ من التراب، ثُمّ هواءٌ ونار.. هل هذه هي أنا، القصيدة الكونيّة؟ أم أنّني كائنٌ خُرافيٌّ تشكّل في مناخ لا علاقة له بتركيب الكائن البشريّ؟].
في الكتاب كانت القصيدة. القصيدةُ بحدائقَ كثيرة. حدائق لكائنات الوجود كلّها، للجنّ والإنس، للحيوانات والطيور والنبات والحجر. متحف للوجود يروي تاريخ تكوينه. طبقاتٌ من التاريخ المُذهل والمُدهش والباهر.
* * *
مذهولًا وقف الرسّام الشاعرُ، في زاويةٍ، يتأمّلُ بين الكلماتِ وبين الألوان، رأى صورتَه قَطرةَ ضَوء في هذا الكَون العِملاقِ، وليس يرى منه سوى قِمّتِه العملاقةِ.
أعمى كان، ويمشي في غابات مِن عتمته، ليس يَرى غير العتمةِ، والعتمة كانت من أرواحٍ وخيالاتٍ، من أشباحٍ ورؤى حُلُميّة.
مسكونًا برؤاه الأولى، كان يَرى ليلَ الكونِ ببعض أصابعه، ويراهُ بروحٍ هائمةٍ في فوضى لا يُدركُ مغزاها، أو معناها. يبني عالَمَهُ مِن كلماتٍ مثلَ الألوان، ومن ألوان كالكلمات، ولكن لا شيء «يقول» العالَمَ، لا شيء تُفسّره الكلمات.
مثلَ غريبٍ كان يُسائلُ عتمتَه عن عتمتِها، عن سرّ عَماء الكَونِ، وكيف يكونُ النُّورُ، وما سرُّ النار، وما «سرُّ الأسرار»؟
لم يسمع أيَّ جوابٍ مِن عتمتِه، ما في جُبّةِ عَتْمته غيرُ سُؤال يكبرُ، يكبرُ، يغدو جَبَلًا من أسئلةٍ، عن «بئرِ الأسرار».
يفتحُ ظِلًّا في نافذة الروحِ، يُطِلّ على بيت الظلّ، يرى صورتَه طِفلًا، يصرخُ: هل كنتُ أنا هذا الطفلَ؟ وكنتُ أرى؟
قال الظلُّ: نعمْ، أنتَ الطفلُ، وكنتَ تَرى. وأنا ظِلُّكَ ما زلتُ أراكَ، أرى روحَك إذْ تذوي في نيران الأسئلة الكَونيّة.. روحُكَ هذي سَوفَ تفيضُ، وسَوفَ تعودُ كما كانت شجَرًا وطيورًا وخُرافاتٍ.. ماءً وتُرابًا دون هَواءٍ أو نارْ.
وإلى الطين تعودُ، لذا، أبدًا، لن تعرفَ شيئًا، عن سرّ الأسرارْ.
الشاعرُ الرسّامُ قال لظِلِّه:
ما زلتُ أذكرُ ذلكَ الطفلَ الذي.. كيفَ اختفى؟ أيكونُ ماتَ؛ لذا يجيءُ إليّ في الأحلام؟ أم خطَفتْه جنّيّاتُ جَدّي حين كان يقودُه فجرًا إلى كهف الدراويشِ؟ الحِكايةُ سرُّها في روحِ جَدّي أيُّها الظِلُّ الذي في الروح يقطُنُ، أيُّها الجُنديُّ مِن كتُبِ الخُرافة، أيُّها الشرّيرُ يا ظلّي، و..يا صَوتي الأخيرْ.
طِفلٌ يعودُ إلى طفولته، يعودُ إلى خُرافَة جَدّه، ليقولَ ألفَ حِكايةٍ وحكاية، ويجُسَّ نبضَ الكَونِ، أو ليقيسَ بـ«الأسرارِ» كوكَبَهُ الصغيرْ.
الطِّفلُ يكبرُ، تَكبُرُ الدُنيا، وتَعلو حولَهُ الأمواجُ، والأسوارُ، تبتعدُ الطَريقُ عن الحياةِ، حياتِه، فيَضِلُّ.
ويَضل، يكبُرُ، ليسَ يرى الدروبَ، يرى الهَباءَ يَقودُه، ويغيبُ في الأمواج بين الثلج والنيرانِ، يغرقُ، ليسَ مِن روحٍ تراهْ.
هل مِن طَريقٍ للخُطى؟ هل من خُطى، لتخطَّ ليلَ دروبهِ، إلّا خُطاهْ.
الدربُ دَربي، قالَ، وامتشقَ الخُطى، قلبي سيفتحُها، وقلبي.. لا سِواهْ.
هُوَ قالَ لي: قلبي السَّفينةُ، وهْوَ يحملُني وأحملُه، ولو من غيرِ دربٍ، إنّ قلبي عينُ بوصلتي وفي كلّ اتّجاهاتي يُعلّمُني الوصولَ إلى دروبٍ دونَ وَجْهٍ واتّجاهْ.
قلبي الذي علّمتُهُ الطيَرانَ منذُ طفولتي، قد صارَ يَرعاني، يُعلّمُني، ويَغضَبُ حينما أمشي بعيدًا عنهُ، أهجرُه وأتّخذُ الدُّروبَ على هَوايَ، ولا أسيرُ على هَواهْ.
ويُديرُني، ويُريدُني لأظلَّ طِفلًا في مَرافئهِ، وأبحرَ أو أطيرَ على هُداهْ
يا قلبُ أتعبَني هواكَ، أريدُ أن أبقى وحيدًا، مرةً، أمشي بعيدًا عن هَواكْ.
يا قلبُ، لي أسْطورتي، أحتاجُ أنْ أمشي إليها مُفرَدًا صمَدًا، بِلا..كْ.
أسطورةٌ تمتدُّ آلافًا من الأعوامِ، مِن كنعانَ والفينيقِ، تعبرُ في شُعوبٍ، في صعاليك زنادقةٍ، وفي رُسُلٍ، وفي شُعراءَ أعرفُهم، أريدُ جحيمَهم، وأريدُهم لي كلَّهم، دَعْني أكلِّمْهُمْ، وتدخلْ روحُهم روحي، لأحْيا مِثلما روحي تشاءُ، فأكتبُ الدُنيا كما روحي تريدُ، قُبيلَ تأخذُني خُطاكَ إلى الهَلاكْ.
أحتاجُ قلبي صاحبًا، أحتاجُه طِفلًا يُعلِّمُني السِّباحةَ مثلما علّمتُهُ الطيرانَ يومًا، إنّنا طِفلانِ زنديقانِ من شِعرٍ ومن نورٍ هما طَيْرانِ في حُلُمِ المَلاكْ.
الشاعِرُ الرسّامُ أنْهى جَولةَ الحُلُمِ/ الخيالْ
الشاعرُ الرسّامُ عادَ إلى دفاترهِ ليقرأْ:
هذي القصيدةُ عذّبتْني، لم تكنْ ما شِئتُ، فالصُّوَرُ التي شاهدتُها بِخَيال روحي لم تُصَوّرْها القصيدةُ، هذه الكلِماتُ ليستْ لي، أريدُ حديقةً فتجيءُ لي بحريقةٍ، وأريدُ ألوانًا فتأتي مثل «مَولانا»، وتأتيني الجحيمُ مكانَ «جنّاتِ النعيم». كفى، فما هذا الذي أبغي، أردتُ قصيدةً كُرَويّةَ الأبعادِ مثلَ الأرضِ والتاريخِ، مثلَ حضارةٍ كُبرى..
ولكنْ، سوفَ، أبدأ من جديدٍ، سوفَ أرسِمُها بِخَطٍّ دائريٍّ، سوفَ أمنحُها الضَّبابَ، كما يليقُ بوردَةٍ أو عاصِفة.
بواسطة عمر شبانة - شاعر أردني | يونيو 30, 2017 | شعر, نصوص
٭
أمشي وراءَ اسْمي،
أعلّمُه الكتابةَ والغناءَ،
وخلفَهُ أمشي، يعلّمني الحياةْ
٭
عرفتُ الدربَ نحو اسْمي،
عرفتُ: الرّيحُ تحملُني إليهِ،
عرفتُ أشلاءَ المُغنّي في دَمي،
وعرفتُ أنّي سوفَ أجمعُها،
لأكتبَ سِيرتي الأولى،
وأجمعَ مِن شَظاياها..
حروفَ اسميْ
٭
عرفتُ الدربَ نحوَ اسْمي،
قرأْتُ دُروبَهُ ومشيتُ،
كان القلبُ مِصبــاحي
رأيتُ دمًا على الطُّرُقات،
ظِلّي كان مَشنوقًا على الحِيطان..،
كان اسْمي
حُروفًا مِن غُبارٍ بعثرتْها الريحُ،
في مُدُن الصّفيحِ،
وفي الخِيامِ،
وفي قِطاراتِ الغُروب،
وفي شِتاءاتٍ بلا نار،
وشمسٍ دونما مأوى..
٭
أريدُ اسْمًا يُخبّئُني،
شِتائيًّا ثقيلًا كَيْ يُدفِّئَني،
ويَحميني مِن النّيرانِ والطّلقاتْ
أريدُ اسْمًا ربِيعيًّا خفيفًا،
مِن زُهور اللوزِ،
واسْمًا للنّخيلِ.. الحُرّْ
٭
وكَتَبْتُ أسْماءَ الرّبيعِ
كتَبْتُ أسْماءَ الخَريفِ،
كتَبْتُ أسْمائي وأشْلائي،
لأعْرِف مَنْ أكونُ أنــا،
كَتَبْتُ، وما عَرَفْتُ..،
كَتَبْتُ أيّامي فُصولًا
للصَّباحِ/ وللظّهيرَةِ/ والمَســاءِ
لأعْرِفَ السّاعاتِ/ والأيّامَ
أهْذي/ أو أغَنّي /
كَيْ أرانــيْ
أو سأكتُبُ أيَّ حُلْمٍ
أكْتُبُ القُبُلاتِ والأحلامَ
أكتُبُ ليلَكِ المَخْمورَ بالأشْواقِ
كُوني كَيْ أكونَ، نكونَ
إنّي عاشِقٌ لِلكَونْ
٭
طويلًا..
حفرتُ على اسْمٍ يُلائمني،
وعميـقًا حفــرتُ لأرسُمَـهُ،
ألفَ عامٍ حفرتُ، رسمتُ،
وجُبتُ العواصمَ حتّى اهتَديتُ،
وأيقنتُ أنّي ابتعدتُ، وتهتُ،
وأدركتُ «بالقَلبِ»
أنّي أنا اسْمي
٭
في الدرب جَدّي/ جَدّتي
وكأنّما الـطوفانُ يقتلعُ البيوتَ،
كأنّما الحيتانُ تبتلعُ اللآلئَ والشواطئ
في الدرب كان أبي وأمّي،
كانت الغربانُ تنعبُ في الخرائب،
كانت الأوطانُ تمشي في اتّجاه المَوت،
تأخذُنا إلى أسماءِ مَن صاغوا قواميسَ البِلادِ من الأساطير،
استفقْنا في الطريقِ إلى الفراغِ، كأنّنا أعداؤنا، نمشي إلينا،
ثمّ عُدنا، عادت الروحُ العليّة، من سَماوات الخَواء إلى جحيمِ الأرض، عُدنا، كي نُعيدَ إلى الطبيعةِ ما تشاءُ من العُذوبة والطَّهارة والغِناءِ، وظلّت الدنيا تدورُ بنا كما دارتْ بِمَن سَبَقوا، فدُرنا في الهَباءْ
٭
مِن أينَ جاءَ اسْمي إليّ،
أنا المُشرّد في البَراري والجِبالِ،
ولمْ أعَمِّر في البِلاد سِوى خَرابٍ،
ليس لي في الأرضِ أيُّ عِمــارةٍ آوي إليها
عندما تَجتاحني ريح الشّمال،
أنا الذي، من ألْفِ عامٍ دُونما اسْم
يدلّ عليّ قلبي،
أو يدلُّ دمي على رُوحٍ أسَمّيها.. بِلاديْ
٭
مِنْ أينَ يأتي اسْمي
إذا لمْ تَزْرَعيهِ في ثِيابِك،
وَرْدَةً في صَدْرِكِ الشَّجَريِّ،
واسْمي العِطْرُ مِنْ نَهْرَيــكِ يَدْفُقُ،
وَهْوَ حَقْلٌ مِنْ حُقولِ يَدَيْكِ،
ظَلَّلَني قُرونًا بِاسْمِكِ السِّحْريِّ،
يَغْمُرُني بِحَوْضٍ أبيضٍ مُتَوَسِّطٍ
كَحَدِيقَةٍ سِرّيةٍ لِلعِشْقِ،
واسْمي نَجْمَةٌ مِنْ ضَوْءِ عَيْنَيْكِ المُبارَكَتَينِ،
باسْمِكِ سَوف أصْعَدُ سُلَّمَ الأسْماءِ،
باسْمِكِ سَوفَ أهْبِطُ بِئرَ أسْمائي وأنْهَلُ،
مِن حُقولِكِ سَوفَ أقْطِفُ وَرْدَ أسْمائي..
وأنْحَــتُ مِنْ تُرابِ القَـلْبِ أسْمـاءَ الرَّبيـعْ
واسْمي الذي،
مِنْ طِينِ «حَتّا»* رُوحُهُ،
مِنْ بِئرِها أمْطارُهُ وسَنابِلُهْ
يا تِينَ أسْمائي ويا زَيْتونَها البَرِّيّ،
يُزْهِرُ في دَمي النُّوّارُ،
تُزْهِرُ في السَّماءِ بَلابِلُهْ
واسْمي الذي من وردِ قلبي
جاءني في الحُلْمِ،
أعطاني حِكاياتي وأسمائي:
بلادُ التّينِ والزَّيتونِ،
واسْمي مِن بلادِ الناي،
أنْهارٌ وغاباتٌ، مُحيطاتٌ،
ولاسْمي ألفُ فلّاحٍ وبَنّاءٍ،
وفي قَلْبي تُشادُ سَلاسِلُهْ
واسْمي الزَّمانُ، أخُو المَكانِ،
وبُرْجُ أضواءٍ ومُوسِيقا، وزَعْتَرْ
واسْمي عَلى جَبَلٍ صَباحًا،
في المَساءِ يكونُ في الواديْ،
وبَيْنَهما أنا سَهْلٌ، وحَنّونٌ، وبَيْدَرْ
واسْمي أنا بَحْرٌ
ومِينائي مُحيطٌ هائجٌ،
وسأرسِـلُ الأمـواجَ،
أمواجي، لتَهبطَ في رَبيعِكْ
واسْمي رَبيعٌ للحَدائقْ
واسْمي حُقولٌ للزَّنابقْ
فَلْتَحْفَظي يا شَمْسُ أسْمائي
احْفَظي يا أرْضُ
قامَتِيَ الجَميلَةَ
واحْفَظيني يا سَماءُ
بِكُلِّ أيّامي القَليلةْ
واسْمي أنا..
ما اسْمي إذا جُنَّ النَّهارُ؟
وما اسْمُ مُوسيقايَ في القُبَلِ.. الأغانيْ؟
واسْمي سأكْتُبُهُ مِنَ الأحْلامِ،
مِنْ عَيْنَينِ كالغاباتِ في قَلْبيْ،
ومِنْ عَسَـلٍ وجُـوريٍّ و.. شــامْ
واسْمي غِناؤكِ في الصّباحْ
أنا مَنْ رأى في الشّامِ ضَوْءَ دِمَشْقِها
أنا مَنْ يرى فيها نَدى الأيّامِ
يا شامُ عادَ إليكِ
وَهْجُ الياسَمينُ الشّامي
هلّا تَعـــودُ لِعِطْـــرِها.. أيّــامي؟
في الصّالحيّة عُدْتُ أشربُ قَهْوتي
في باب تُوما زَهْرَةُ الأحلامِ
وأنا الفلسْطينيُّ
مِنْ شــامٍ دَمــيْ
ودِمَشْــق قَلْبــــيْ
وأنا رأيتُ الشّامَ تَصْعَدُ
والرّياحُ تطيرُ مِن أعطافِها قُبَلًا
كأنَّ الربَّ يَرْسمُ وَجْهَها
واسْمي بلادُ الشّامْ
مِنْ أينَ أبدأ يا بلاديْ؟