«الترفيه»: قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي
مع انطلاق رؤية 2030، شهدت السعودية تحولًا جذريًّا في مفهوم الترفيه، فأصبحت الفعاليات الفنية والمهرجانات الثقافية مثل «موسم الرياض» رمزًا لحراك مجتمعي نابض بالحياة. لقد عززت الأنشطة الترفيهية التواصل الاجتماعي، وأتاحت للمرأة مساحة أكبر للمشاركة في المشهد العام، فيما أعادت الموسيقا والفنون تشكيل الهوية الثقافية، وأطلقت العنان لجيل جديد من المبدعين. وبينما يواجه قطاع الترفيه تحديات تتعلق بالقيم الثقافية والدينية، تبرز فرص واعدة لتحويل الترفيه إلى رافد اقتصادي يعزز من تنوع مصادر الدخل الوطني ويدفع عجلة التنمية بخطى واثقة. فكيف تغيرت أنماط الترفيه في المملكة مع انطلاق رؤية 2030؟ وكيف ساهمت الفعاليات الفنية والمهرجانات الثقافية في تشكيل مشهد اجتماعي وثقافي جديد؟ وما التحديات التي تواجه هذا القطاع المزدهر؟ وكيف يمكن أن تتوازن القيم الثقافية مع طموحات هذا النمو؟
عن هذه الأسئلة وغيرها تستطلع «الفيصل» آراء عدد من الكتاب. وتكاد الآراء تُجمع على أن المجتمع السعودي عاشق للحياة والفن والبهجة، وعلى أن الترفيه يتسق مع طبيعة الإنسان المحبة للفرح، فالإنسان كائنٌ ضاحك، يقاوم حيرته بالسخرية، ويباغت وجوده بالحركة، ويؤنس وحشته بالحوار والفنون.
الترفيه جزء من الحلم السعودي
فهد الشقيران
تعبّر كل فعاليات الترفيه عن تثبيت وتنفيذ لرؤية الأمير محمد بن سلمان العارف لمجتمعه، والمؤيد لإرادة الناس بضرورة إيجاد نوافذ للحياة. إنه القائد في الإقليم للاعتدال والحيوية الاقتصادية وهذا ينعكس أيضًا على المجالات الرياضية. لقد حضرتُ فعاليات رائعة، منها حفلة لعبدالمجيد عبدالله، وسمعتُ عبر الشاشة حفلة أصالة وقد كانت مميزة. كما أن المعنى الذي يبثّ في توثيق التراث الترفيهي القديم مهم للغاية، والجهد الذي يقوم به المستشار تركي آل الشيخ غاية في الإبهار. إنها جهود مكثّفة ضمن رؤية عميقة وآل الشيخ يثبّت المشروع الريادي للسعودية في الإقليم الذي يقوده الملك سلمان حفظه الله ورعاه، والأمير محمد بن سلمان.
الترفيه جزء من حياة الإنسان وما نعيشه اليوم من تفوّق اقتصادي وسياسي ورياضي وفنّي مثل الحلم، ولكنه حلم تحقق. رأيتُ تفاعل الجمهور مع أغاني الحياة والبهجة والمحبة كيف أن مجتمعنا عاشق للحياة والسعادة. إن ثقافة مجتمعي ثقافة حياة منذ القدم، بعروضه المتعددة والقصائد والترانيم وقصص الحب.
الترفيه مفهوم عام، يشمل كل ما يخفف من أعباء الإنسان في الحياة. وحين يكون الترفيه مرتّبًا مرعيًّا ضمن عملٍ مؤسسي، فإنه يساهم في تمتين معنى الدولة، ويغذي المجتمع معرفيًّا، ويرفد الجانب التربوي للأجيال الصاعدة. هذا مع كون الترفيه عملًا حيويًّا يعنى بالتواصل مع الأشياء والعلاقة مع الآخرين، وصقل الذوق، والتدرب على تحسين الاختيارات، وهو ما يسهم بالقدرة على تقليل مستوى الضغط الاجتماعي المؤذي سياسيًّا.
للترفيه نتائجه الكبرى المفيدة تنمويًّا، والمعينة على مساهمة المجتمع وتفاعله مع السياسي في اتخاذ الإجراءات الصائبة تنمويًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، فالمجال الترفيهي بقدر ما هو رحب، فإنه يعزز من كفاءة الإنسان في وجوده ومحيطه.
جزء كبير من الاحتقان المنتج للتطرف، والهيجان المسبب للاضطرابات الواقعية، وانتشار الظواهر الفجّة أمنيًّا وأخلاقيًّا؛ سببه الاختناق في الواقع من دون أي نفسٍ ترفيهي، وهذا على المدى البعيد له نتائجه الكارثية سياسيًّا. بالترفيه يمكن أن نحمي دولتنا ومؤسساتها؛ لنتجاوز تاريخية العيش المكرر، حيث اجترار الوقت ومضغه.
ولنعد إلى أطروحة مهمة لباربرا ويتمر، المعنونة بـ«الأنماط الثقافية للعنف». ترى الكاتبة فيه أن «الأنماط الثقافية للعنف، هي أشكالٌ من القبول التي تعبّر عنها خطب الرموز والمؤسسات والمعتقدات، والمواقف والممارسات الاجتماعية في الثقافة، ويشير العنف إلى إيذاء أو تدمير الجسد، أو العلاقة التي يقوم بها شخص ضد الآخر، أو جماعة ضد أخرى». ثم تشير إلى دور الثقافة في النأي بالعنف عن أنماطه؛ إذ «التعبيرات الخلّاقة في المجتمع، هي التي تتجسّد في هندسة البناء والموسيقا والعلوم والمؤسسات التعليمية والفنون التطبيقية».
بالفنون، والترفيه، يمكن تأسيس نمط من الفهم للآخر، وللعالم المختلف، وللثقافات المتنوّعة. تذوي الحقائق الصماء بفضل شمس الفن ونور الترفيه؛ لأنه يمتاز عن التثقيف بكونه ليس رساليًّا أو مباشرًا في تأثيره، كما أنه مرغوب من أكثرية المجتمع، بعكس النظرية الثقافية أو التغيير بالكتاب والقلم والقصّة. وحين يتأسس مجال رحب مشبع بالترفيه تتصاعد الرغبة في الحياة، وتخفّ عدوى اليأس، ويكسّر جليد المقاومة للآخر، والمعاندة له، ونهبط من عليائنا النرجسية التاريخية إلى الأرض، حيث البشر الآخرون، والأمم المشاركة لنا بهذا الكوكب.
الإنسان كائنٌ ضاحك، يقاوم حيرته بالسخرية، ويباغت وجوده بالحركة والقول، ويؤنس وحشته بالحوار، ويذلّل من أسئلته الكبرى عبر توزيعها على شخصياتٍ تتكوّن منها مسرحيّته في ذهنه ووجوده.
إننا في زمنٍ رحبٍ ومفعم بالحيوية والنشاط. قبل أيام كنت في منتدى وقلتُ فيه: إننا وسْط هذه الأزمات محظوظون بالقادة والرؤى السعيدة، وأضفت: «نحن في حديقة وسط حريقة»، إن الترفيه جزء تنموي أساسي اجتماعيًّا واقتصاديًّا وينضوي مع الترفيه جوانب التنمية العديدة، ومنها الرياضة التي أثبتت فاعليتها في تعريف العالم إلى مجتمعنا الطيب الذي في أصالته بُنِيَ على التسامح والضيافة وجُبِلَ على الولاء وحب الحياة.
دور الترفيه في تمكين المرأة
فاطمة المزيني
شهد قطاع الترفيه في السعودية خلال السنوات الأخيرة تطورًا كبيرًا. وتماشيًا مع سياسة الانفتاح ودعم المساواة بين المواطنين، فقد كانت المرأة حاضرة وفاعلة، وهو ما ساهم بشكل ملحوظ في تغيير النظرة التقليدية للمرأة وتعزيز مشاركتها في الفعاليات العامة. أصبح الترفيه وسيلة لتمكين المرأة وتوسيع نطاق أدوارها في المجتمع، وانعكس هذا إيجابًا على حضورها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
نلاحظ أن الترفيه أسهم في إبراز مواهب المرأة من خلال تمكينها من العمل في مجالات متعددة مثل الموسيقا والتمثيل والرياضة والإعلام. وقد ساعدت هذه القطاعات في تسليط الضوء على الإمكانيات الكبيرة التي تملكها النساء، وهو ما أعاد تشكيل الكثير من المفاهيم السائدة حول قدراتهن.
من جهة أخرى، لعب قطاع الترفيه دورًا محوريًّا في دعم وجود المرأة في الحياة العامة، من خلال تنظيم مهرجانات ومعارض وحفلات تتكافأ فيها فرص النجاح والمشاركة في الأنشطة ذات الطابع الجماعي، فأصبح الترفيه مؤشرًا لافتًا على التغيير الاجتماعي الذي من شأنه في المستقبل تكريس أدوار أكثر شمولية للمرأة.
كما ساهم الترفيه في تغيير الصورة النمطية للمرأة عبر الأعمال الفنية والأفلام والمسرحيات؛ إذ قُدِّمَتْ نماذج نسائية إيجابية ومتنوعة تظهر المرأة كقائدة مبدعة، وعضو مؤثر في المجتمع. هذا التغيير في الخطاب الثقافي والإعلامي ساعد في كسر الكثير من الحواجز التي كانت تحدّ من دور المرأة.
إضافة إلى ذلك، فقد أدى نمو قطاع الترفيه إلى خلق فرص عمل جديدة للمرأة؛ إذ أصبحت جزءًا من فرق إنتاج وتنظيم الفعاليات، كما عملت في مجالات التسويق وإدارة المشاريع. ولا شك أن هذه الفرص ساعدت بشكل كبير على تحقيق الاستقلال المادي للنساء وتعزيز ثقتهن في أنفسهن، ودعم مشاركتهن في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستديمة.
ختامًا، فقد كان للدعم الحكومي والتشريعات دور أساسي في تعزيز مشاركة المرأة في قطاع الترفيه، الذي لعب دورًا محوريًّا في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030 المتعلقة بتمكين المرأة وخلق مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر.
بوابة نحو ثقافة نابضة وحياة زاخرة
جابر المدخلي
يعد الترفيه ثقافة أو مجموعة ثقافات تنقل المجتمع وتغير حياته، بل تَصِلُ بعضه ببعض. كما أنه جزء لا يتجزأ من نسيجه الاجتماعي، ويحقق التوازن النفسي والروحي للإنسان. إنه مرآة عاكسة لثقافات الأمم وتحول معرفي يختصر على الأجيال ما تأخروا عنه أو تأخر عنهم من معارف وعلوم وفنون وتواصل مع العالم الخارجي. إنه ثقافة الشعوب وتقاليدها وتاريخها.
وقد شهد الترفيه العناية الكبرى والنقلة النوعية في تاريخ المملكة، وتحديدًا منذ انطلاق رؤية المملكة 2030، التي هدفت إلى تحقيق تنمية شاملة ومستديمة. ولعل ما يجعل الترفيه ذا أهمية قصوى كونه أداة إستراتيجية تسهم في تحقيق الأهداف الوطنية وتعزيز الانتماء والهوية الثقافية. ولدوره المتعدي لحالات التسلية وطبيعتها التي يمكن تحقيقها في مجالات عدة، إضافة إلى أن الترفيه هو أسلوب حياة وقوة دافعة للتغيير الاجتماعي.
وفي هذا الجزء المهم من التحولات أيضًا تلعب الموسيقا والفنون والحرف دورًا في إعادة الأجيال الحاضرة لتراثها وخزانته الكبيرة التي وصلوا إليها من خلال التنقيب المتواصل عنها أو التي ستظهر لاحقًا. وهذا الارتباط هو سيد الثقافات ومعينها الذي لن ينضب؛ إذ سيحمله كل جيل ليورثه لمن تلاه. إضافة إلى منحهم فرصًا عدة لإخراج مواهبهم وأجمل ما فيهم من إبداعات فنية.
وبالعودة إلى الاستشهاد على حاضرنا سنجد أن «موسم الرياض» و«موسم جدة»، وغيرهما من المواسم صبغت المجتمع السعودي بالصبغة العالمية، وهذا منح الهوية السعودية، في وقت قياسي، حضورًا واسعًا واشتراكًا مهمًّا في تشكيل هوية العالم اليوم.
إن ما تقدمه السعودية اليوم لجميع الفنون العالمية ليس من خلال مواسمها ومهرجاناتها فقط، بل إضافة لما يقدمه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي من إثراء، ويضاف لكل ذلك المشاريع الكبرى التي تدعم هذه التحولات كإنشاء «مدينة الترفيه» في الرياض، الهادفة لتقديم واستقطاب تجارب ترفيهية مبتكرة تتناسب مع تطلعات المجتمع السعودي والخليجي والعربي وكذلك العالمي. وستصبح المدينة حاضنة للمتنزهات الترفيهية، والمعارض الفنية، والمسارح، وهو ما يُساهم في تلبية احتياجات الجمهور المتنوعة في مكان واحد.
ولا يمكنني نسيان الأهمية الكبرى التي قدمتها وتقدمها وزارة التعليم باهتمامها بالفنون وإدراجها ضمن مناهجها، وكذلك تعاونها مع جميع هيئات وزارة الثقافة، وتنفيذها لمبادرات ذات قيمة عظمى كالمسرح المدرسي وغيره.
الترفيه أحد مصادر دخل الاقتصاد الوطني
يحيى زريقان
أثّرت الموسيقا والفنون في السعودية، في تأسيس وتشكيل الهوية الثقافية بصورة لافتة وبمستوى كبير. وقد نجم عن ذلك أن يكون حضورنا بين نظرائنا مميزًا ومختلفًا وناجحًا؛ لاعتماده على المتطلبات التي حملتها البيئة السعودية، ومن ضمنها الموسيقا والفنون، وهو ما يعني أن لهويتنا بصمة مؤثرة وقادرة على أن تترك الأثر في المشهد الثقافي الإقليمي والعربي والعالمي.
استطاعت الهوية الثقافية السعودية إعادة صياغة ملامحها وفق متغيرات المرحلة الراهنة، وهو ما ساهم في أن تسجل حضورًا مميزًا في السنوات القليلة الماضية، جعلنا محل اهتمام الرأي العام العالمي. ولكون الهوية الثقافية رافدًا حقيقيًّا لمسيرة الإبداع لدى أي شعب من الشعوب، وأي أمة من الأمم؛ جاءت الأجيال الجديدة من الفنانين، في مسارات الفنون كافة، تحمل في دواخلها اللبنة الرئيسة لتقديم المحتوى الفني المتطور على المدى البعيد، عطفًا على تلك الصفة أو السمة أو الميزة التي تشكل عصب المنتج الفني أو المحتوى الفني، وهي الهوية الثقافية. من هنا نستطيع أن نتعرف إلى أن مسيرة الجيل الجديد من الفنانين الذين اتخذوا من الهوية الثقافية منطلقًا لهم، قادرين على الاستمرار في العطاء والظهور بصورة مشرفة والعمل على تحقيق تلك التطلعات، التي يرنو إليها المتلقي في الشارع المحلي والإقليمي والعربي والعالمي.
إن العمل على تحويل القطاع الثقافي والفني ليصبح أحد مصادر دخل الاقتصاد الوطني أمر يسير، بوجود بيئة تشريعية منظمة، وفتح المسارات للمهتمين والمعنيين والمراقبين وذوي الميول والمواهب، بضوابط ومنهجية تتناغم مع المعطيات المتوافرة. بمرور الوقت على المدى القصير والمتوسط والطويل نستطيع أن نقول: إن بإمكان قطاع الموسيقا والغناء والثقافة والأدب والفنون بأنواعها أن يتحول إلى أحد مصادر تمويل الاقتصاد الوطني، والتجارب كثيرة في هذا الأمر.
الترفيه لأجل مجتمع أكثر انفتاحًا وتنوعًا
خالد الباتلي
شهد قطاع الترفيه في السعودية نقلة نوعية جعلته محورًا رئيسيًّا في تحقيق رؤية المملكة 2030. هذا التطور لا يعكس فقط التغيير في المشهد الثقافي والاجتماعي، بل يؤكد الدور الإستراتيجي للترفيه في بناء مجتمع أكثر انفتاحًا وتنوعًا.
فالترفيه ليس مجرد وسيلة لقضاء الوقت، بل هو أداة قوية لتعزيز القيم الإنسانية المشتركة وكسر الحواجز الثقافية. وعندما تُتاح الفرصة للجماهير للاستمتاع بمهرجانات عالمية أو حضور فعاليات من ثقافات مختلفة، تنفتح نوافذ جديدة للفهم المتبادل والقبول، وهو ما يعزز من روح التسامح والتعددية، ويخلق بيئة مشجعة للتفاعل بين مختلف الفئات محليًّا ودوليًّا.
في الوقت ذاته، يثار تساؤل طبيعي حول تأثير هذا الانفتاح في وسطية المجتمع عندنا، وهو تساؤل مشروع يعكس الحرص على التوازن بين القيم التقليدية ومتطلبات العصر.
لا بد أن نعلم أن الانفتاح على الترفيه لا يعني بالضرورة التخلي عن القيم، بل يمكن أن يكون وسيلة لتعزيزها إذا وُجِّهَ بحكمة؛ لأن الوسطية، كقيمة متأصلة في الثقافة السعودية والإسلامية، تقوم على الاعتدال وقبول التنوع، وهي القيم التي يمكن للترفيه أن يعززها من خلال الفعاليات التي تحتفي بالتراث الوطني وتبرز القيم الثقافية والدينية. ومع ذلك، لا يخلو الأمر من تحديات؛ إذ قد تؤدي بعض الفعاليات التي تتجاوز الخطوط الثقافية والاجتماعية إلى انقسامات أو شعور بالتباعد بين أفراد المجتمع، وهنا تظهر أهمية التخطيط الواعي لضمان أن تكون الأنشطة الترفيهية متماشية مع القيم المجتمعية مع توفير مساحة للتنوع والانفتاح.
إن الترفيه في السعودية ليس مجرد تجربة وقتية، سرعان ما ستزول، بل هو مشروع إستراتيجي لبناء مجتمع أكثر تنوعًا وانفتاحًا. ومع استمرار الجهود لتطوير هذا القطاع وجعله متماشيًا مع أفضل المعايير العالمية؛ يمكننا أن نتطلع إلى مستقبل يعزز مكانة المملكة كوجهة عالمية للتنوع الثقافي والاقتصادي.
التحدي الأكبر يكمن في ضمان استدامة هذا التوازن بين الانفتاح والمحافظة على الهوية الثقافية والدينية، مع إشراك المجتمع في صياغة ملامح هذا القطاع الحيوي ليبقى انعكاسًا للقيم السعودية الأصيلة وقناة لتعزيز التسامح والوسطية.
لا بد أن نستوعب أن الترفيه ليس مجرد ترف زائد أو عنصر كمالي، بل هو حاجة أساسية لمجتمعنا، كغيره من المجتمعات؛ لتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي للأفراد. في ظل وتيرة الحياة المتسارعة وما يرافقها من ضغوط يومية، أصبح الترفيه وسيلة ضرورية للتخفيف من التوتر، وتعزيز الصحة النفسية، وتقوية العلاقات الاجتماعية.
وتجاهل هذه الحاجة الطبيعية قد يؤدي إلى زيادة الضغوط الاجتماعية ويقلل من فرص تحقيق التوازن النفسي. المفتاح هنا هو التوازن، حيث يُوَجَّه الترفيه ليكون جزءًا من عملية البناء المجتمعي وتعزيز القيم الإيجابية، من دون الإخلال بالهوية الثقافية والدينية للمجتمع.
علاوة على ذلك، فإن الترفيه ليس مجرد وسيلة لقضاء وقت الفراغ، بل هو قطاع حيوي يسهم في الاقتصاد الوطني من خلال خلق فرص عمل، وجذب السياح، ودعم الصناعات الإبداعية. كما أن التطورات التي شهدها هذا القطاع في السعودية تُظهِر كيف يمكن للترفيه أن يكون عنصرًا أساسيًّا في رؤية شاملة؛ لتحقيق التنمية المستديمة وتعزيز جودة الحياة. ولكي تنجح معادلة الترفيه عندنا، لا بد من فتح جميع الخيارات فيه، ويكون متاحًا للجميع وليس لفئة دون فئة، مع مراعاة أن بعض الفعاليات قد تكون غير صالحة للجميع، فلا بد من تقنين حضورها لأجل أن تكون فائدتها أعظم.
لقد كان كثيرون منا يسافرون هنا وهناك لأجل فعالية، واليوم أصبحنا مزارًا للفعاليات، فلا بد لنا أن نقيس مؤشرات ما كنا عليه من قبلُ، وما نحن فيه الآن، وماذا ينتظرنا غدًا.