أحلام من آبائنا
أبي العزيز:
مع اقتراب الذكرى العاشرة لرحيلك، لا يبارح تفكيري كرهي للوداع. يحل شهر يناير 2017م حاملًا معه اثنتين من أصعب تجارب الوداع على الإطلاق. نحن مضطرون لتوديع أول عائلة سوداء تتولى البيت الأبيض، وفي الوقت نفسه، نودع حلم الحقوق المدنية، تلك المعركة الطويلة التي أنجبت كلًّا من أوباما وأنا. كان هو الأمل، وأنا الإيمان، كلانا «نصف-إفريقي»- نحن أطفال الحقوق المدنية، مولودان لأمهات أميركيات بيض متفائلات وآباء أفارقة سود. متفائلات؛ لأنه على الرغم من مقتل المزارع الأسود هربرت لي الذي لديه تسعة أطفال برصاصة في الرأس في عام ميلاد أوباما لمحاولته تسجيل الناخبين السود، إلا أنه كان أيضًا العام الذي هزت فيه حركات الحرية الجنوب وأنشأت جيلًا من قادة الشباب. متفائلات؛ لأنه على الرغم من تفجير جماعة كو كلوكس كلان لكنيسة في برمنغهام أدى لمقتل أربع فتيات صغيرات سود وإطلاق النار على ميدغار إيفرز والرئيس كينيدي في عام ميلادي، إلا أنه كان أيضًا العام الذي رسم خريطة طريقنا اليوم- مسيرة المحرومين في أميركا إلى واشنطن بأعداد غير مسبوقة للمطالبة بالحرية والتعبير عن حلمنا.
من أجل الآخرين
قبل ثماني سنوات في شهر نوفمبر، جلست مصدومة بين متطوعي الحملة المبتهجين، يا أبي، متمنية أن تكون قد استمرت لوقت كافٍ لتشهد ذلك بنفسك. «لا أستطيع أن أصدق ذلك»، همستُ لنفسي، «لقد فعلناها… لا يمكنني تصديق ذلك. نعم، نحن قادرون». نحن، التجسيد الحرفي لنضال أمتنا، الأبيض مقابل الأسود، الأثرياء مقابل الفقراء. نعم، نحن الذين لن نُظهر فقط كيفية الاتحاد، بل سنقود الطريق أيضًا. لكن كل هذا قد تبخر وكنتُ أقل مفاجأة في نوفمبر الماضي. «لا، لا يمكنكم»، صاح المتسلط النرجسي. «إنها لي فقط!» وهكذا، مات الحلم.Haut du formulaire
يا أبي، إنها أيضًا الذكرى العاشرة لرحيلك عن هذا العالم تجاه الآخر، التي لو كنتُ ابنة فُضْلى لكنتُ قد سافرت إلى نيجيريا لإحيائها بكل الطقوس المذهلة واستنزاف الأموال اللائقة بمكانتك السياسية وتضحياتك الشخصية في البلد. ولكن بدلًا من شراء الماعز وتوظيف المسالخ، ها أنا أتخبط في أميركا، قلبي مثقل جدًّا بوداعك وأوباما. على أية حال، ماذا لو استطعتُ أن أجبر نفسي على الذهاب إلى القرية لأقف عند قبرك ذي الصدأ الأحمر، ما الذي يمكنني أن أقوله لك؟
عائلتنا لطالما تحاورت بشكل أفضل عبر الصفحات. فوق كل شيء، كان هذا هو المكان الذي التقينا فيه لأول مرة. لقد راودت أمي أولًا ثم راودتني أنا من خلال الرسائل- رزم من الورق الأبيض الرقيق الأشبه بجلد البصل ورسائل البريد الجوي الزرقاء بلون زهرة الذرة الملطخة بحبر أقلام ذات الأسنان العنكبوتية. ظهرتَ في التاسعة والعشرين من عمرك، طالب دراسات عليا في جامعة ولاية واشنطن، تتعلم من أجل وعد بالاستقلال في نيجيريا. كانت أمي طالبة جديدة تبلغ من العمر سبعة عشر عامًا مهووسة بالجغرافيا السياسية، ابنة مهاجرين نرويجيين نقلوها إلى جامعة على الجانب الآخر من الولاية لإبعادكما. لكن بدلًا من ذلك، كنت تكتب لها كل يوم: حسنًا يا جو، لا أعرف ما يخبئه المستقبل، ولكن انقلي عني قولي: «بحلول عام 1971م سأكون في قلب السياسة النيجيرية. ربما موظف حكومي يُسمى وزير الخارجية (هنا تسميه وزير الدولة). لكن لا تلعني وتسبيني بعد باستخدام مصطلح ممارسة السياسة».
لا، أَبَتِ، لن نفعل ذلك. لن نلعنك. بعد كل شيء، كانت نيجيريا قد استعادت استقلالها للتو من بريطانيا بعد أسابيع قليلة من وصولك إلى واشنطن. في عقد من الزمان قضيته في الدراسة بالخارج، أولًا في لندن ثم في الولايات المتحدة الأميركية (جذبتك بعيدًا من المستعمر بفعل أخبار الحقوق المدنية للسود)، لم تتحْ لك العودة إلى الوطن أبدًا، ولم ترَ نيجيريا المستقلة، ولم تكن حرًّا قط. من لا يطمح في ظل هذه الظروف بالعودة للوطن من فور استقلاله؟ أعتقد أن المرء لا يمكن أن يعيش في دوامة فراغ. لا يمكن أن يعيش في عزلة. إنه عضو في قبيلة، وكنيسة، وعائلة، وحزب سياسي، أو نادٍ اجتماعي؛ يتأثر بهذه الأشياء ويؤثر فيها بنفسه. لا نعيش لأنفسنا. نحن نعيش من أجل الآخرين. ربما في سلم القيم الإفريقي، تحتل الحرية مرتبة عالية. أود أن أقول: إن أفضل دور يمكن لأي مجموعة أن تؤديه ربما هو دور الحرية. وعلى الرغم من أننا لم نلتقِ قط إلا عندما بلغت أنا السن التي كنت تغادر فيها أنت إلى نيجيريا، إلا أنني كنت أعرف، تمامًا كما عرف أوباما ولا يعرف ترامب، ما هو متوقع منا في العالم الجديد. لقد كان الفوز بالحرية صعبًا جدًّا لعائلتنا المكونة من الخدم الفنلنديين المتعاقدين والعمال السويديين والأمهات العازبات الأميركيات والأفارقة المستعمرين. كما قلت سابقًا: لا نعيش لأنفسنا.
وبالتالي عندما اتصلوا بك من الوطن، أجبت ولبيت الطلب. «أريدك أن تعلمي أن هذا ليس وداعًا»، كما أعلنت بسذاجة من سفينة بخارية في وسط المحيط الأطلسي، «سأتطلع إلى لقائنا طالما نحن جميعًا على قيد الحياة».
أبعاد التغيير
غادرتنا ورست بك السفينة في لاغوس قبل أربعة أشهر من عيد ميلادي الثاني، وانطلقت مسرعًا إلى جنون الانتخابات. البريطانيون، مهندسو ذلك الخلق الفوضوي المسمى نيجيريا (والآن البريكست)، أعدوا لك الفشل، حيث سلموا السلطة للشمال. الآن الدولة الوليدة من جميع مناطقها -الشمال الصحراوي/ الجنوب المداري، الشمال المسلم/ الجنوب المسيحي، الشمال الهاوساوي/ غرب اليوروبا/ شرق الإيغبو- كلها تستشعر داخلها غضبًا عارمًا. الوتيرة سريعة ومزعجة وخطيرة، حيث يواجه كل حزب سياسي وأنصاره صعوبة في خوض معارك كبيرة. أنت كذلك كنت قلقًا: «يشعر المرء بأن شيئًا ما يغلي وسيفيض قريبًا!» هنا في أميركا أيضًا، كنا نناضل من أجل الأشياء نفسها. استعد نشطاء حقوق التصويت للسير من سيلما (ألاباما) إلى مونتغومري. في يوم الأحد الدامي، الذي يسبق عيد ميلادي الثاني بيومين، هاجم جنود ولاية ألاباما ست مئة متظاهر سلمي بهراوات وغاز مسيل للدموع وسياط البقر. اليوم، يستبدل الجمهوريون بالهراوات تشريعات تقوض قانون حقوق التصويت؛ تجتاحنا الشركات بالغاز المسيل للدموع من خلال الإعلانات والبرامج الواقعية؛ حتى يصبح التصويت الوحيد الذي نهتم به هو برنامج «أميركان أيدول»؛ لكن أقسام الشرطة تلتزم بالمجرب والمضمون، حيث تذبح الرجال السود في الشوارع، حتى أمام الكاميرا إذا لزم الأمر.
قفزتَ إلى قدرة الحساء النيجيري، بمرح شديد من الرحلة البحرية الطويلة و«الحرارة الزائدة» على بدلتك السوداء النحيلة: «لقد تغيرت الأمور لدرجة أنني لست متأكدًا من أي شيء ولا من مكان وجود أي شخص»! كنت في الثانية والثلاثين من عمرك، وكانت هذه هي المرة الأولى لك في بلد يملكه السود. نيجيريا مكان جديد بالفعل! كتبت لنا «ليس لديكم فكرة عن مدى التغيير والصراع». وعلى ما يبدو أنك أنت أيضًا لم تكن تعرف ولا تتوقع أبعاد هذا التغيير. هناك دائمًا شيء يغلي في البلد. هناك دائمًا من يريد أن يلعب دور السيد الاستعماري. لم يطل الأمر قبل أن تنجرف نيجيريا في خطاب نحن/ هم، ليبدأ قادتها بلعب ورقة الانقسام العرقي ويثير المواطنين ضد مواطنيهم وجيرانهم بزعم سرقة وظائفهم وحظهم السعيد. الشعبوية: أسرع طريق للصعود بالنسبة للسياسي. هل يبدو لك أي من هذا مألوفًا؟
لم تكن تلك الحالة متصورة بالنسبة لك في ذلك الوقت، في أكبر دولة وأغناها وأكثرها تعليمًا في إفريقيا، رابع أكبر ديمقراطية في العالم. ولكن إذا كان بإمكان ملياردير عنصري وكاره للنساء صنع ثروته من خلال استغلال العمال أن يرتدي قبعة بيسبول، ويتصرف على أنه من الطبقة العاملة، ويستولي على السيطرة على ما يسمى «معيار الديمقراطية- أميركا»، فبالتأكيد يمكن لبعض الجنود والسياسيين النيجيريين أن يظهروا على موجات الأثير ويثيروا حالة من الهياج. هل رأيت علامات التحذير كما أراها الآن؟ هل كنت تقول: «لا تحدث مثل هذه الأشياء هنا، عندما بدأت المذابح؟ عندما قُتل ثلاثون ألفًا من إخوتك الإيغبو وجُرح أو عُوق خمسون ألفًا؟ بينما كان يجري القبض على أولئك الذين يحاولون الفرار من شمال البلاد في المطارات ومحطات الحافلات والقطارات وتشويههم واغتصابهم وقتلهم من الجنود والمدنيين، ثم إرسال الجثث إلى مسكن الإيغبو؟
نعم نستطيع Haut du formulaire
في المرحلة الرئيسة من أعمال القتل، منذ خمسين عامًا فقط، كتبت إلينا: «أوه، لن تصدقي أن أختي الكبرى من بين القتلى. كانت تزور بعض الأقارب في الشمال. يصعب تصديق ذلك، لكن يمكن أن يحدث لنا نحن أيضًا في أي يوم الآن. البلد الذي أحبه كثيرًا مشتعل بالنيران، لكني آمل أن يصمد!» كتبت رسالتك الأخيرة قبل عيد الميلاد: «أجد صعوبة بالغة في سرد قصتي المتعلقة بالقتل الجماعي للشرقيين في شمال نيجيريا. فقدت عددًا كبيرًا من الأقارب هناك. لا يزال الاضطراب معنا. تواجه نيجيريا أسوأ أزمة في تاريخها، وإذا نجونا من التفكك الكامل، فسنكون محظوظين حقًّا. نحن نعيش في خوف كل يوم». أبي، ماذا ستقول لي اليوم، تشعر بعدم الارتياح أم لا، الآن وقد أصبح الاضطراب ملازمًا لنا؟ الآن وقد أصبحنا نعيش في خوف، على الرغم من أنه من الإنصاف القول: إن معظم الأميركيين السود يعيشون دائمًا بهذه الطريقة وليس لديهم رفاهية البكاء على هذه الحالة. هل تتذكر أنه كان لدي ثماني أخوات وأخ واحد؟ مات اثنتان من أخواتي إضافة إلى والدتي وأبي.
أنت الذي شعرت بالسعادة عندما انفصل الشرق، مشكلًا جمهورية بيافرا. بدا الأمر وكأنه تقرير المصير، هذا التحدي الأول للحدود الاستعمارية. ولكن بعد بضعة أشهر فقط، بعد وقت قصير من إضفاء المحكمة العليا الأميركية الشرعية على الزواج بين الأعراق في قضية لوفنج ضد فرجينيا، أعلنت نيجيريا الحرب وغزت بيافرا. توقفت رسائلك. كل ما رأيناه كان الصور الأيقونة المروعة لأطفال بيافرا الجوعى في عمري، والصور الأيقونة المروعة لمارتن والسيناتور بوبي كينيدي وهما يُقتلان بالرصاص. أتمنى لو كنت أستطيع أن أسأل عما جعلك تستمر في تلك السنوات من الحرب والصمت. كيف تعيش عندما تريد حكومتك موتك؟
أخيرًا، وبعد تسعة أشهر من نهاية الحرب، وصل خطابك إلى مزرعة العائلة. كان مهترئًا ومخططًا بأحبار مختلفة الألوان، ولم يحمل سوى أسمائنا والبلدة: سانيسايد، واشنطن. كشف أثر الأحبار أنه قد تسلل ببطء عبر شوارع واشنطن العاصمة (حيث بعد تسعة وثلاثين عامًا ستلوح ابنتك بلافتة «نعم نستطيع» في حفل التنصيب)، إلى أن أعلن مدير البريد «لا يوجد شارع بهذا الاسم مثل سانيسايد» وأعاد توجيهه غربًا إلى ولاية واشنطن.
وفجأة، بعد ثلاث سنوات من الصمت، كنت أنت هناك، تزعم أنك فقدت الأمل لكنك تبدو متفائلًا كالمعتاد: «أطيب التحيات. كنت أتساءل كيف يمكنني الوصول إليكم لإعلامكم بأنني ما زلت على قيد الحياة. لقد نجوت من الحرب الأهلية النيجيرية على الرغم من أنني فقدت كل شيء بما في ذلك مفكرتي التي تحتوي على عنوانكم. منزلنا وأصولنا وممتلكاتنا ومكتبتي، وجميع كتبي وشهاداتي ودبلوماتي وأطروحتي وأطروحة الدكتوراه وثوبي الأكاديمي وقلنسوتي، وكل ما يمكنك تخيله قد دُمّر. كل ما لدي الآن هو الملابس التي كنت أرتديها في يوم انتهاء الحرب. أتطلع إلى سماع أخباركم بعد أن فقدت كل أمل في رؤيتكم مرة أخرى».
جيل جديد من الأفارقة
كلما شعرت بالضعف أو التذمر، أقرأ لك. أنت الذي سامحت زملاءك النيجيريين؛ لأن رواية وطنية كانت أكثر أهمية بالنسبة لك من رواية الضحية. الظروف بعيدة كل البعد من كونها طبيعية هنا. ما زلت أفتقر إلى أكثر من 90٪ من الضروريات. المال نادر جدًّا وبالكاد يكفي راتبي الشهري لإعالة العديد من العيال الذين اكتسبتهم نتيجة الحرب الأهلية لمدة أسبوع! الدمار ساحق جدًّا لدرجة أن كل ما يُفعَل ليس سوى قطرة في محيط لا حدود له! لقد فقدنا عددًا لا بأس به من «عشيرتنا» بسبب الغارات الجوية والرصاص والقصف! إنه تعذيب حقيقي أن نتذكرهم وأفضل أن أترك الأمور كما هي. أجد صعوبة في تحمل تذكر المآسي ولن أفيد ابنتي فيث بأي شيء بإرسال سجل من الأقارب المتوفين! عندما تكبر ستصبح جزءًا من التاريخ الذي يجب عليها تجميعه، على ما أعتقد. بصفتك مهزومًا، كانت خياراتك قليلة. ومع ذلك، بعد ثلاث سنوات من المقاومة المدمرة، اخترت البقاء، لإعادة البناء، لجعل نيجيريا عظيمة، وهو ما يعني بالنسبة للرؤيوي بلدًا جديدًا. بلدًا شاملًا للجميع.
قبل ثماني سنوات من شهر يناير، حملت أقمشة الزينة وربطات الرأس النيجيرية، وقدت بسيارتي إلى واشنطن العاصمة لحضور طقوس التنصيب «الخاصة بنا» (كما نقول في نيجيريا). في كل محطة شاحنات ومحطة وقود في «أرض الولايات الحمراء والزرقاء»، كان الأميركيون السود يبتسمون بمرح بعضهم لبعض. لقد استغرق الأمر كثيرًا من الجهد للوصول إلى أوباما هناك لأن الجميع، وفي معظم المقاطعات، أرادوا الاحتفال. وقد اصطف كذلك جميع أقاربي -الكتاب والفنانين والناشطين- لأداء العروض.
قبل عشر سنوات من شهر يناير، عدت إلى نيجيريا لحضور «دفننا». لقد استدعى الأمر كثيرًا لتوديعك: رئيس أساقفة واحد، 4 أساقفة، جوقة واحدة ترتدي ملابس تحمل صورتك، وملك قبائلي محلي، 3 مشعوذين للمطر، 3 أبقار، العشرات من الماعز، المئات من البطاطا الحلوة، 60 حبلًا من الحطب، 2000 وجبة أرز، شاحنة تبريد للمشروبات، جيش خاص للإيجار، 6 أسابيع من التحضير، 1600 قميص تي شيرت، 1600 مروحة، 1600 تقويم، تغييرين في الملابس، وفرقة موسيقية. بصفتي الابنة الكبرى، جلست في المقدمة في السيارة الجنائزية، أحمل صورة لك في حضني. هرع القرويون إلى الشارع لمشاهدة عودتك إلى الوطن. داخل بوابات المجمع، رقص شبان يرتدون بدلات بيضاء وقمصان سوداء ونظارات شمسية ملفوفة وقفازات بيضاء، وحملوا نعشك على أكتافهم، وخفضوا أنفسهم لأسفل -لأسفل- لأسفل، حتى يكادوا يركعون على ركبهم، ثم لأعلى -لأعلى- لأعلى، والكَتِفانِ تَتحركانِ، لا أيدي، بالكاد تثقل عليهم جثتك الصغيرة الآن.
لكن في الذاكرة أنت عظيم: «أنا جيل جديد من الأفارقة. نحن نؤمن بالدور المستقبلي لتلك القارة. نحن مقتنعون بأن لها قدرًا ومساهمة تقدمها للعالم. لقد عانت مدة طويلة، ونامت، وأُسيءَ فهمها، واستُغِلت، وتنقلت، وتُكلم عنها. الآن حان دور إفريقيا للقيام بالتحدث إلى العالم». وأثنى رئيس الأساقفة في رثائه على أعمالك الصالحة كمفوض للتعليم، وذكر الأطفال المتبنين من غرب إلى جنوب إفريقيا. «لا نعيش لأنفسنا». لقد استُخلص رثائي من المعجبين في نيجيريا وأميركا الذين وصفوك بأنك «واحد من السياسيين القليلين النزيهين» و«عملاق لا يخشى التضحية من أجل وطنه». وكما قلت في السابق: في سلم القيم الإفريقي، تحتل الحرية مرتبة عالية.
استمر العديد من القادة الأفارقة بعدك في مشروع الاستعمار حيث تحولوا إلى طغاة متعجرفين، لا يحترمون الصحافة أو حقوق التصويت، يصرفون الانتباه بالتوتر العرقي بينما يسلمون المفاتيح للمحسوبين واللصوص. ويبدو أنهم ليسوا وحدهم. تريفور نوح، الأخ الجنوبي الإفريقي المختلط العرق لأوباما من شرق إفريقيا ولي أنا من غرب إفريقيا، يمزح قائلًا: «زوما وترامب [مثل] إخوة من أم أخرى!» أبي، لقد كان قلبك ينكسر فعليًّا لرؤية قادة إفريقيا؛ ماذا ستفعل حيال هذا المعادي للمثقفين الذي يدير البلد الذي علمك؟ ما الذي تعلمته والذي يمكن أن ينقذنا الآن؟
الرئيس أودوميغو أوكوجوو، ابن المليونير، قائدنا السابق الذي مول شخصيًّا نضال بيافرا ضد هجمات الحكومة النيجيرية، كتب على نحو شهير: «نحن بشر. نحن نعيش. نحن نقاتل؛ لأن قرار الحرية هو قرار يُتَّخَذ بحرية وجماعية». إذن، عندما اتصل بك يا أبي، أجبت: «لنحصل على إفريقيا حرة وموحدة ومستقبلية وتحترم نفسها، إفريقيا بحاجة إلى مواطنين مخلصين وواضحي الرؤية وملتزمين ومحررين ذاتيًّا. تحتاج إلى مواطنين لديهم الجرأة على تحديد تطلعات وتوقعات ومشكلات ووعود الشعوب الناشئة والعيش معها. في هذا النضال من أجل الواقع والحق، لا أستطيع أن أرى نفسي آخُذ دورًا مشكوكًا فيه أو أبقى على جانب الحلبة. يجب أن أدخل وأدخل فعليًّا. سأقف الموقف الصحيح. لن أكون محايدًا».
أبي، في هذه الذكرى العاشرة لرحيلك، ربما أستطيع أن أكون ابنة فُضْلى ليس بالسفر إلى نيجيريا لتكريم مكانتك السياسية وتضحياتك الشخصية، ولكن بالبقاء هنا في أميركا وأخذ كلماتك على محمل الجد. لتجسيدك، أختار الوطن قبل نفسي. أختار المعركة على الحب. لا، بل إنني أختار المعركة كحب.
المصدر: النص مقتطف من كتاب (2017م) Radical Hope: Letters of Love and Dissent in Dangerous Time (أمل جذري: رسائل الحب والانشقاق في زمن محفوف بالخطر) وهو عبارة عن رسالة شخصية كتبتها فيث أديل إلى والدها الراحل بينما تحاول الكتابة عن الأمل وما يعنيه لها. (pp.54-62).