النسوية والترجمة.. أبعد من مجرد لغة شاملة

النسوية والترجمة.. أبعد من مجرد لغة شاملة

في 30 سبتمبر 2019م، شاركت في مؤتمر (Voiced: الترجمة من أجل المساواة) الذي ناقش نقص منظور النوع في دراسات الترجمة ومكافحة الصور النمطية. قدمتُ مع نُوريا مولينيس موضوعًا بعنوان: «اللسان المشقوق: النسوية والترجمة»، وهو جزء من سلسلة تأملات حول منظور النوع في الترجمة. تناولت هذه التأملات الأسئلة التالية: هل يمكن (أو يجب) الترجمة من منظور النوع؟ ما الذي يقدمه منظور النوع في الترجمة؟ ما الإستراتيجيات التي يمكن للمترجمين استخدامها للقيام بذلك بطريقة شاملة؟

نشأت هذه الندوة من الحاجة إلى: مناقشة نقص منظور النوع في دراسات البكالوريوس. مكافحة قلة أو عدم وجود وضوح للنوع النسوي، وبخاصة في الحالات الغامضة التي يحكمها مبدأ الذكورة بصفته قاعدة. مكافحة إعادة إنتاج الصور النمطية الجندرية -أي المبنية على النوع- التي تُستوعَب على أنها طبيعية.

أدركنا أن هناك كثيرًا من الكتابات حول اللغة الشاملة والترجمة، والنسوية والترجمة. فقد اعتقدنا أن مساهمتنا يجب أن تكون ذات طابع عملي، من خلال مناقشة تجربتنا المهنية مع دور النشر التي كلفتنا بترجمة كتب ذات طابع نسوي. كما لحظنا أن نظرية الترجمة لا تُولي اهتمامًا كافيًا لدور الفاعلين المشاركين في عملية تحرير الكتاب؛ لذلك نعتقد أن الاستماع إلى صوت المترجم ضروري لفهم أفضل لكيفية سير العملية التحريرية والعلاقات الهرمية التي قد تؤثر في قرارات المترجم. وعلى الرغم من أننا نسويتان تؤيدان استخدام اللغة الشاملة، فإننا نرى فرقًا واضحًا بين الترجمة ذات الطابع العرضي والنشط، التي تسعى إلى إعادة كتابة النص من منظور نسوي شامل، والترجمة المهنية التي تخضع لمعايير محددة وتواجه قيودًا في استخدام اللغة الشاملة. ولذلك نستخدم مصطلح «المترجم المهني» للإشارة إلى المترجم الذي يعمل بانتظام في مجال الترجمة، من دون التقليل من دقة ومهارة المترجم العرضي الذي يعمل بشكل غير منتظم.

شهد عصرنا ازديادًا ملحوظًا في الوعي بقضايا النوع، وهو ما ينعكس على مختلف المجالات، بما في ذلك القطاع التحريري. ففي المكتبات، نجد اليوم عددًا أكبر من الكاتبات مقارنةً بما كان عليه الحال قبل بضع سنوات، كما تزداد أعداد دور النشر المتخصصة في النسوية ونشر أعمال الكاتبات المنسيات أو غير المعروفات. وُصفت هذه الحقبة من بعض الباحثات بـ«الموجة الرابعة» للنسوية، مع تركيزها على قضايا جديدة تتعلق بهوية النوع والتنوع.

تُشكل النسوية المعاصرة حركة عابرة للحدود الوطنية، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمطالبات الخاصة بالهوية وحقوق الأشخاص المُعرّضين للتمييز، وتسعى إلى تلبية مطالب النساء والمجموعات الاجتماعية الأقل وضوحًا. وقد امتد هذا التأثير إلى مجال الترجمة؛ إذ ازدادت أعداد المترجمات والكاتبات اللواتي يُعارضن هيمنة الذكور في اللغة، ويستخدمن صيغًا بديلة للمذكر العام؛ لعدم كفاية تمثيله للنساء والأشخاص غير الثنائيين.

 

منظور جديد للترجمة

تُقدم الترجمة النسوية منظورًا جديدًا للترجمة يُركز على المساواة والعدالة، رافضةً هيمنة الذكور في اللغة، وداعيةً إلى «ابتكار طرق تعبير جديدة لتفكيك العبء الأبوي للغة والمجتمع. من الأمثلة على ذلك حركة الترجمة النسوية الفرنسية الإنجليزية في كيبيك في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، التي أعلنت عن أخلاقياتها وسياسة الترجمة بوضوح، مُؤكدةً أهمية المساواة والعدالة في عملية الترجمة. من أهم خصائص حركة الترجمة النسوية في كيبيك: التركيز على تمكين النساء في الترجمة، عبر استخدام لغة شاملة تُمثل الجميع، وتجنب التمييز في الترجمة. والتحدي للمركزية الذكورية في اللغة، من خلال إعادة صياغة النصوص لجعل اللغة أكثر عدلًا ومساواة. والوعي بالسياق الثقافي للغة المستهدفة، من خلال مراعاة الاختلافات الثقافية بين اللغة المصدر واللغة المستهدفة.

ويُعد ازدياد الوعي بقضايا النوع ظاهرة إيجابية تُؤثر في مختلف المجالات، بما في ذلك الترجمة. وتُقدم الترجمة النسوية منظورًا جديدًا للترجمة يُركز على المساواة والعدالة، وهو ما يُساهم في خلق مجتمع أكثر عدلًا وشمولًا.

لذلك، فإن السؤال المُلِحّ هو: أيهما أكثر تلاعبًا؟

معظم الكاتبات النسويات (والمؤلفين) الذين ترجمتُ أعمالهم ينتمون إلى تيارات نسوية تهتم بقضايا العرق والنوع، مثل النسوية السوداء ونسوية الملونين. ويُركزون على نهج تقاطعي للنوع والعرق، والمثلية الجنسية أو المتحولين جنسيًّا. بعضهم من الولايات المتحدة أو بريطانيا، وينتمي بعضهم الآخر إلى أصول هندية (جاسبير بوار) أو باكستانية (سارة أحمد) أو إفريقية أميركية (بيل هوكس، روكسان جاي، مارلون تي. ريغز). وباستثناء مارلون تي. ريغز، الذي يخلط بين ضميرَي المذكر والمؤنث لخلق لغة هجينة، فإن العديد من هؤلاء الكتاب لا يكسرون الكود الثنائي في نصوصهم، ولا يستخدمون إستراتيجيات شاملة، وإذا فعلوا ذلك، فغالبًا ما يكون ذلك غير متسق.

وسأركز هنا على مقالة اتخذت فيها موقفًا داعمًا للغة الشاملة أو ما يُعرف بـ«المؤنث العام»، وسأشرح أسباب هذا التدخل.

حياة طبيعية

عندما كلفتني دار نشر بيلاتيرا بترجمة كتاب «حياة طبيعية» للكاتب والناشط العابر دين سبايد، مؤسس مشروع سيلفيا ريفيرا للقانون وأستاذ القانون في جامعة سياتل. طلبت دار النشر استخدام لغة شاملة تراعي النوع قدر الإمكان. وقد واجهتُ تحدِّيًا في ترجمة نص سبايد؛ بحيث لا ينحرف عن اللغة الثنائية الجندرية في خطابه، ولا يستخدم الضمائر غير الثنائية مثل «هم/هن».

للتغلب على هذه التحديات، اتخذتُ خطوات لجعل الترجمة أكثر شمولية، بما في ذلك استخدام التكرار (السجناء والسجينات) والعامة (الناشطون والناشطات) وتحييد بعض المصطلحات (الوالدين بدلًا من الآباء) واستخدام «الناس» بدلًا من مصطلحات محددة بالنوع (الناس السود) والأشكال غير الشخصية (الأشخاص الذين يواجهون التمييز). وأعتقد أن هذه الإجراءات ساعدت على جعل الترجمة أكثر دقة وشمولية، وهو ما يُعبّر بشكل أفضل عن أفكار سبايد وأهدافه. كما واجهتُ بعض التحديات الإضافية، مثل استخدام سبايد للتكرار بشكل غير متسق في النص الأصلي، وصعوبة ترجمة بعض المصطلحات مثل (لاتينيون ولاتينيات). ويُعدّ هذا المشروع مثالًا على كيفية ترجمة النصوص ترجمة شاملة مع مراعاة النوع، مع تأكيد أهمية التوازن بين دقة الترجمة واللغة الشاملة.

تأملات حول اللغة والنسوية

تُطرح أسئلة حول العلاقة بين اللغة والنسوية، هل يجب على الكتب النسوية استخدام لغة شاملة؟ يُمكن تقسيم الكتب النسوية إلى فئتين: كتب تُستخدم فيها لغة شاملة أو إستراتيجيات كتابة غير متحيزة جنسيًّا. وكتب لا تُستخدم فيها علامات خاصة للغة الشاملة. ولا يُشترط أن تسير هاتان الخاصيتان جنبًا إلى جنب، فوجود الفكر النسوي لا يعني بالضرورة استخدام لغة شاملة.

في ترجمة بعض الكتب النسوية، واجهتُ تحديات تتعلق بمدى التدخل في النص الأصلي. في النهاية، اعتمدتُ درجتي من التدخل على متطلبات الكتابة الأصلية كمساحة مقاومة.

يواجه استخدام اللغة الشاملة في الترجمة بعض الانتقادات؛ إذ يُنظر إلى عدم اتساق استخدامها في بعض النصوص المترجمة على أنه عيب. ومع ذلك، من الجدير بالذكر أن هذه الانتقادات لا تنطبق على النصوص المترجمة فقط، بل تشمل النصوص الأصلية أيضًا. لا أرى في تناقضات الهويات الجندرية أية سلبية، بل هي تعبير عن تنوعها ورفضها للثنائية، وهو ما يُسهم في خلق مجتمع أكثر شمولية.

تواجه اللغات التي تبدو «غير متحيزة جنسيًّا» صعوبات في الترجمة إلى اللغات التي تُحدد جنس الكلمات بشكل صريح. شخصيًّا، واجهتُ شعورًا بالرضى تارةً وعدم الرضى تارةً أخرى عند ترجمة نصوص من لغة إلى أخرى.

تشرح الكاتبة أنا برينغاس وزملاؤها الحل قائلين: استخدام صيغ تُثير صورة ذهنية غير تمييزية على المستوى المعرفي، فيمكننا كتابة نصوص متناغمة وأنيقة تُحافظ على احترام الجميع في الوقت نفسه. قد يُعد نهج الترجمة من منظور النوع الاجتماعي مبالغًا فيه أو معتدلًا، وهذا يعتمد على مستوى تقبل كل شخص للغة الشاملة. ويجب توضيح مشروع الترجمة من منظور النوع الاجتماعي في مقدمة الكتاب.

هناك العديد من المترجمات اللواتي تعاونّ مع مؤلفاتهن في مشروعات ترجمة من منظور النوع الاجتماعي. من الأمثلة الحديثة: ماريا ريمونديز في اللغة الغاليسية، والمترجمات الشابات للخيال العلمي.

الترجمة النسوية أو الشاملة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى المزيد من القراءات للنص نفسه، وبالتالي إلى إثرائه. وفي خضم التحديات التي تواجه نقل النصوص من لغة إلى أخرى، يبرز نهج آخر يتجاوز حدود اللغة الشاملة وطريقة الترجمة، ويُركز على «ماذا» نترجم. لذلك، علينا أن نسعى لترجمة -وإنتاج- نصوص متنوعة تُجسد أصواتًا مُختلفة. يمكننا الاستفادة من الترجمة كأداة فعّالة لنشر أصوات جديدة وخلق حوار ونقاش دولي حول قضايا النسوية. وبما أننا نُسلط الضوء على أصوات الآخرين، فلنغتنم هذه الفرصة لنجعل أنفسنا مرئيات أيضًا من خلال كتابة نصوص موازية، مثل: مقدمات، حواشٍ، ملاحظات، إلخ.


المصدر:https://vasoscomunicantes.ace-traductores.org/2019/09/30/feminismo-y-traduccion-mas-alla-del-lenguaje-inclusivo/


المراجع الإسبانية التي أُدرِجَتْ في المقال:

(1) El Libro Blanco de la traducción editorial en España (2016) distingue cuatro categorías en función de los libros que se traducen anualmente: traductores intensivos, traductores frecuentes, traductores moderados y traductores esporádicos.

(2) Uso el asterisco propuesto por Raquel (Lucas) Platero en trans*exualidades. Acompañamiento, factores de salud y recursos educativos, Bellaterra, 2014. Como él mismo aclara en nota al pie: “En el texto se usa preferentemente el término “trans*” con un asterisco, como un concepto “paraguas” que puede incluir diferentes expresiones e identidades de género, como son: trans, transexual, transgénero, etc. Lo que el asterisco señala es la heterogeneidad a la hora de concebir el cuerpo, la identidad y las vivencias que van más allá de las normas sociales binarias impuestas”.

(3) Véase, por ejemplo, mi traducción de su texto “Desatad a la reina”, en Cuerpo político negro, trad. de Malika Embarek y María Enguix, Ediciones del Oriente y del Mediterráneo, 2017.

(4) Véase, por ejemplo, el análisis feminista en la literatura de ciencia ficción del programa de radio “Qué haría Barbarella.