أسباب انحسار الشعر في مصر

أسباب انحسار الشعر في مصر

حين تدعى إلى أمسية شعرية في القاهرة فإنك تتخيل أن كل الذين يجاهرون بحبهم للشعر سيكونون في انتظارك، لكنك حين تذهب لا تجد جمهورًا غير المشاركين في الأمسية، وبعض هؤلاء يفضل أن يدخن سجائره خارج المكان إلى أن يأتي دوره. من ناحية أخرى، حين تكتمل لديك قصائد ديوان فإنك تبحث عن ناشر يقبل نشره، وإن قبله فلابد أن تتحمل كلفة الطباعة، وحين يطبعه تبدأ مهمتك في الترويج له وتوزيعه على الأصدقاء، وتصبح حفلات توقيع الشعر إن وجدت نوعًا من تبادل المجاملات.

هكذا أصبح واقع الشعر، فلا جمهور ولا جوائز ولا اهتمام إعلامي، ولا شيء سوى صراعات الشعراء بعضهم مع بعض على أيهم الأشعر، أو أي الأنواع الشعرية أكثر حياة من غيرها. فالتقليديون لا يؤمنون بقصيدة النثر، ويكفرون من يكتبها فنيًّا، والنثريون يؤمنون بالشعر العمودي وقصيدة التفعيلة لكنهم يرون أن الريادة الآن للنثر، ومن يكتب سواه فقد أصابته الردة، هكذا يتصارع الشعراء في حارة لا يكاد يراها أحد، والأضواء مسلطة على الرواية والسينما وربما المسرح..

فما الذي حدث لديوان العرب وفنهم الأول؟

Mohamed-Abdalmotaleb

محمد عبدالمطلب: المشكلة الحقيقية تكمن في أن الشعر هو فن اللغة العربية الأول، في حين نرى أن اللغة تضيع ضياعًا شبه كامل

يقول أستاذ الأدب العربي في جامعة عين شمس الدكتور محمد عبدالمطلب: إن الشعر الآن أصبح له منافسون لم يشهدهم طوال تاريخه، وإن هؤلاء المنافسين أنتجتهم الحضارة الحديثة من خلال المسلسلات والبرامج التليفزيونية والعروض السينمائية، «منافسين استحوذوا على بعض من تقنيات الشعر الروحية والجمالية؛ لذا فقد انحسر الواقع العام عن تلقي الشعر، لكن ذلك لم يحدث في الواقع الأدبي، يدلنا على ذلك أن الشعراء يتزايدون، ولو قمنا بإحصاء عدد شعراء الحداثة في زمن السبعينيات وشعراء الحداثة الآن لوجدنا العدد أكبر بكثير».

وأوضح عبدالمطلب أن المشكلة في الفهم الخاطئ عن أن الشعر فن شعبي، «وهذا غير صحيح؛ فالشعر منذ ظهر وهو فن الخاصة، وللرسول- صلى الله عليه وسلم – حديث يقول فيه: «إنما الشعر كلام من كلام العرب جزل، تتكلم به في بواديها، وتُسَلّ به الضغائن من بينها»، أي أن الشعر جنس خاص من الكلام وليس كل كلام شعر، والأمر الثاني أنه ليس فنًّا شعبيًّا عامًّا، والأمر الثالث أن له جمالياته الخاصة وله وظائفه الاجتماعية، كما أنه ليس فناً شعبياً كما يتصور الكثيرون حين يقولون بانحسار دور الشعر، وربما كان في مراحل معينة من مراحله أقرب إلى الفن الشعبي؛ من بينها مرحلة جرير والفرزدق، ومرحلة شوقي وناجي، وربما آخر هذه المراحل هي مرحلة نزار قباني، لكن فيما عدا ذلك فالشعر في كل مراحله فن خاص، وهو الآن على ما هو عليه طوال مساره ومراحله التاريخية، فن خاص، لكنه على الرغم من ذلك يظل هو الفن الأكثر قدرة على اختراق جوهر الإنسان». ويلفت إلى أنه في الرواية يمكننا أن نجد تقابلات الحياة، ونجد صراعات الشخوص، وتفصيلات الوقائع، «لكن حين يخترق الكاتب جوهر الشخصية ومكنوناتها الداخلية يتحول إلى شاعر، نجد ذلك عند نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وكل كتاب السرد، ويبدو أن ذلك قديم قدم الشعر ذاته، فلطرفة بن العبد بيت يقول فيه:

«رأيت القوافي يتَّلجن موالجًا

يضيق عنها أن تولجها الإبر».

ويذهب عبدالمطلب إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الشعر هو فن اللغة العربية الأول، ولا يمكن تذوق إبداعاته وجمالياته من دون الإلمام باللغة العربية، «نحن في زمن تضيع فيه اللغة ضياعًا شبه كامل في مختلف مستويات التعليم، وهذا سبب عدم رواج الشعر، فهناك مدارس وجامعات الآن لغتها الأولى هي اللغات الأجنبية، فكيف ستخرج طلابًا يمكنهم تذوق الشعر أو معرفة جمالياته، نحن مقبلون على مرحلة ينفصل فيها المواطن عن لغته، وهو ما يعني انفصاله عن ثقافته ودينه ووطنه أيضًا؛ فاللغة هي المواطنة».

الشاعر-محمد-سليمان

محمد سليمان: الميديا وآلياتها سحبت السجادة من أسفل أقدام الشعر

عصر الشاشة

ويرى الشاعر محمد سليمان أننا نعيش في عصر الشاشة، «وعلينا أن نتذكر بيان الحركة المستقبلية الصادر عام 1916م، الذي حمل عنوان «السينما المستقبلية» وجاء في صدارته: «انتهى عصر الكتاب كمصدر وحيد للمعرفة، وبدأ عصر الشاشة»، وهو ما يعني إزاحة لبعض الفنون، وإنعاشًا لفنون، أخرى كالرواية التي يمكنها أن تتحول إلى فلم سينمائي». ويشير إلى أن السينما هي التي أدخلت نجيب محفوظ إلى النجوع والقرى، وأن كبار الكتاب في العالم العربي راجت أعمالهم؛ بسبب الأفلام والشاشة البيضاء، «ويمكن القول: إن التصوير وأدوات الميديا الجديدة أفادت فنونًا كالمسرح وغيره، لكن الشعر لم يستفد من هذا العصر؛ لأنه من الصعب تحويل قصيدة إلى عمل فني يعرض على المسرح».

ويؤكد سليمان أن الجوائز ليست العامل الحاسم في انحسار الأضواء عن الشعر والشعراء، «لكن الميديا وآلياتها هي التي سحبت السجادة من أسفل أقدام الشعر الذي ظل مهيمنًا طوال النصف الأول من القرن العشرين».

سامي-سليمان

سامي سليمان: إنه يمكن التمييز بين ثلاثة أنماط رئيسة وعامة، وهي: الشعر الحر وقصيدة النثر والشعر التقليدي المتطور كالشعر الكلاسيكي والشعر الرومانسي

من جانب آخر يذهب أستاذ الأدب العربي في جامعة القاهرة الدكتور سامي سليمان إلى أنه من الصعوبة الحديث عن الشعر على إطلاقه في دوائر التلقي العربية. ويقول: إنه يمكن التمييز بين ثلاثة أنماط رئيسة وعامة، وهي: الشعر الحر وقصيدة النثر والشعر التقليدي المتطور كالشعر الكلاسيكي والشعر الرومانسي، ثم شعر العامية. ويضيف قائلًا: «في شكل عام نحن نحيا في العقود التالية لمرحلة الحرب العالمية الثانية في عصر السرد وعصر الصورة، وكلا التعبيرين دال على مرحلة حضارية تتقدم فيها أنواع أدبية وفنية كالسينما والمسلسل التليفزيوني والرواية والقصة القصيرة على حساب الشعر. ونلحظ أن نمط الشعر الحر وقصيدة النثر يتلقيان في دوائر محدودة. أما نمط الشعر التقليدي المتطور فيتحرك في دوائر تلقي أكثر اتساعًا، وهي دوائر تسودها أنواع من الجماليات ذات الصلة بالموروث من مسيرة الشعر العربي. ويبقى النمط الأخير ممثلًا في شعر العامية الذي اكتسب -في العقود الأخيرة- مساحات كبيرة من دوائر التلقي العام، على الرغم من أن الحركة النقدية المعاصرة له لم تمنحه ما يستحق من اهتمام».

ويوضح أن هذه الوضعية هي التي تفسر علاقة وسائل الإعلام بأنماط الشعر العربي؛ «فرغم محدودية المساحات المخصصة للشعر في تلك الوسائل فإن شعر العامية والشعر التقليدي المتطور لهما حضور أقوى في مساراتهما من الشعر الحر وقصيدة النثر. ولكن في العقد الأخير أخذت تتاح للشعر إمكانيات جديدة للتلقي عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وليس ممكنًا التنبؤ بإمكانيات تغير هذه الوضعية في المستقبل القريب؛ لأن أشكال التطور في وسائل الاتصال تؤدي دائمًا إلى تقليص المساحات المتاحة للكلمة التي أخذت الصورة تحل محلها وتتحول إلى بديل عنها».

أزمة كبيرة تعرقل مسيرة الشعر

من جانب آخر يقول الشاعر والمترجم عاطف عبدالمجيد: لا نختلف كثيرًا حين نقول: إن الشعر يمر في اللحظة الراهنة بأزمة كبيرة تتشابك أسبابها معًا للوقوف في طريق الشعر وعرقلة مسيرته، ويتفق بعض الشعراء مع كثير من النقاد، مع عدد من أصحاب دور النشر، في هدم آخر لَبِنات جدار الشعر. ويوضح أن الشعراء باتجاههم إلى نوع من الكتابات التي غالبًا ما تُنفر المتلقي من الشعر، والنقاد بتلميعهم للنماذج الشعرية المتواضعة والرديئة أحيانًا، وأصحاب دور النشر بمساندتهم لكُتَّابِ النثر وتحمسهم للرواية ورفضهم –إلا نادرًا– طباعة دواوين الشعر لأنها –من وجهة نظرهم– لا تباع، كل ذلك يُفاقم من أزمة الشعر.

ويرى أن تأثير الشعر تناقص «بعد أن ظهر من يروجون لمقولة: إن الرواية هي ديوان العرب، وبعد أن تنافست دور النشر في نشر السرد، وظهرت جوائز جرى تخصيصها للرواية والقصة القصيرة. لقد شارك الجميع في الهجوم على الشعر: شعراء، ونقاد، وقراء، وناشرون، ومخصصو جوائز، وهذا ضيق الخناق على الشعر، وجعل الجماهير تبتعد منه ولا تتفاعل معه. الآن يمر الشعر بأزمة حقيقية، غير أن بعض الشعراء لا يزالون يكابرون وهم جالسون في أبراجهم العاجية التي لن يعود للشعر دوره وتأثيره إلا بعد أن يغادروها، ويمتزجوا بجماهير القراء، معبّرين عن أحاسيسهم ومشكلاتهم وقضاياهم».

لا أحد يرحب بشاعر ينتصر للعدالة

عاطف-عبدالمجيد

عاطف عبدالمجيد: شعراء، ونقاد، وقراء، وناشرون، ومخصصو جوائز، ضيقوا الخناق على الشعر

ويذهب مدرس الأدب العربي بجامعة أسيوط الدكتور أحمد الصغير إلى أن القصيدة بدأت في التراجع مع التقدم المعرفي، لأسباب متعددة، منها، أولًا: تهميش دور الشعر، فلم تعد المؤسسات السياسية والإعلامية ترحب بوجود الشعر؛ لأن الشعر ينتصر للعدالة والحقيقة والمساواة، رغبة من الشعر في وجود حياة إنسانية مناسبة يجد الإنسان فيها روحه المعذبة. ثانيًا: تشجيع الفنون الأخرى على حساب الشعر مثل فن (الرواية والقصة والمسرح)، وإن كانت الرواية هي التي سحبت البساط من تحت أقدام الشعر ليصبح الشعر كالفارس الوحيد الذي يقف في ميدان المعارك معزولًا ومهمشًا، حزينًا على نفسه لما ألم به من غياب. ثالثًا: سياسة الجوائز العربية التي أصبحت تفرد مساحات واسعة للرواية والقصة على حساب الشعر، فتحول كثير من الشعراء إلى روائيين أو كتاب سيناريو، رغبة في تحقيق مكاسب مادية سريعة أو شهرة واسعة. رابعًا: لم يعد الإعلام يحتفي بدور الشعر المجدد، بل يرتكن إلى استدعاء الشعراء التقليديين الذين ينفذون المطلوب منهم. فجاءت صورة الشاعر في السينما مشوهة ورديئة. وفي النهاية رغم تراجع الشعر المدوي فإنه ما زال يلملم جراحاته في وجدانات الإنسانية من خلال روحه التي تضيء من حين إلى آخر».

وقال الصغير: إنه لن تقوم للشعر قائمة، «إلا إذا تبنت الدولة المصرية أفكار الشعراء، وبدأت وزارة التربية والتعليم في تجديد مناهجها العقيمة التي تقف عند أحمد شوقي فقط، لتطرح نصوصًا جديدة للشاعر الحي الذي يعيش بيننا الآن، وأن يفرد الأساتذة في الجامعة مساحات لتدريس الشعر الجديد أو شعر الحداثة العربية، واستضافة الشعراء الأحياء؛ لأنهم هم وحدهم الأكثر قدرة على إحياء الشعر وممارسة دوره الحقيقي».

الشعر أضحى ضيقًا على التعبير والتواصل

علاء-خالديرى الشاعر علاء خالد (مؤسس مجلة أمكنة) أن تحول الشعراء إلى الرواية «يعود إلى أن مجال الشعر أصبح ضيقًا على التعبير والتواصل مع الناس؛ فالمجال الرمزي بين الشعراء والناس أصبح مقطوعًا، ومن ثم توصيل المعنى لا يتم. والرواية لها مجال رمزي واسع ومشترك مع الناس، لذا ينُتقَل إليها كوسيط له تقاليده، وسهولته فى التواصل والتوصيل».

ويضيف قائلًا: في لحظات الأزمة فى التوصيل كما نعيشها الآن داخل الشعر، وعدم وجود مشترك عام، يجب أن يتحرك طرفا الأزمة، الشاعر والناس، لشق طريق جديد داخل هذا النوع الأدبي وطريقة القراءة. أقصد المهم فى هذه اللحظات ألا ينصرف الشعراء عن الشعر، بل يحاولون أن يطوروه ويكسبوه رمزية أوسع، وهو ما حدث بالفعل في تغير شكل القصيدة واتجاهها نحو القص والسرد والسيناريو. ولكن على الرغم من هذا التحول يحدث الانتقال إلى الرواية؛ لأنه انتقال وتطوير شكلي للقصيدة، وربما كذلك أفقد الشعر شعريته. انتقال مشوه وشكلي، أو بمعنى ما انفتاح شكلي على الأنواع الأخرى. في الوقت نفسه أصبحت الرواية مخزنًا للحس الشعري، الذي امتصته من الشعر، ولهذا أصبح المجال الشعري نشطًا داخل الرواية وليس داخل الشعر».

وأضاف خالد أن الجمهور العريق اختفى منذ نزار قباني ومحمود درويش، الذين كانوا يمثلون «لحظة جماعية على كل المستويات، أو كانوا الضوء الأخير من لحظة جماعية سياسية، كانت لها رموزها المشتركة، وكان الشعر يمثل الحياة فيها حتى لو كان كاذبًا أو مبالغًا فيه، مثل أشعار نزار قباني مثلًا. الآن لحظة «الحقيقة» وكسر نموذجها الإيهامي، الذي له أسباب كثيرة، إذ لم ينتج بعد شعره أو أبطاله القوميين، أو جمهوره، بل أنتج جماعات صغيرة من الجمهور. مصطلح الجمهور تفتت من تلقاء نفسه مع تفتت النمودج الإيهامي».

وخلص إلى أن الجوائز «فكرة سياسية تريد أن تصل لمن له تمثيل اجتماعي واسع، وإلى من يحقق لها الاستمرار والانتشار؛ لذا فإنها تتجنب الشعر الذي يدور في مساحات ضيقة من المجتمع».

مثقفون يتأملون أحواله وتأثير السياسة في دوره  هل غيَّرت ثورات الربيع العربيّ المثقف وزادته ارتباكًا؟

مثقفون يتأملون أحواله وتأثير السياسة في دوره هل غيَّرت ثورات الربيع العربيّ المثقف وزادته ارتباكًا؟

لسنوات عِدَّة درجت السينما على تقديم صورة نمطية للمثقف في الوطن العربيّ، وحصره في كونه الشاعر أو الكاتب، ومع اندلاع ثورات الربيع العربيّ، وظهور وسائط تواصل وأدوات اتصال جديدة لا يتقنها إلا جيل جديد ومغاير، تأكَّد للجميع أن مفهوم المثقف صار أوسع وأكبر مما اعتادوه، ومن ثَمَّ أخذت هذه الصورة في التغيُّر والتعدُّد والتبايُن، إلى أن صارت مهتزّة ومرتبكة وغير مفهومة في أعين الجميع. في هذا التحقيق تحاول «الفيصل» إعادة صياغة مفهوم المثقف ودوره وصوره التي يجيئنا من خلالها.

في البدء عرَّف وزيرُ الثقافة المصريّ الأسبق الدكتور جابر عصفور المثقفَ بكونه الشخص الذي يتّخذ موقفًا نقديًّا مما يدور في واقعه، بحيث لا يكون سلبيًّا تجاه قضايا هذا الواقع، وفي حال اتخاذه موقعًا وظيفيًّا كأن يكون وزيرًا أو غير ذلك فلابد أن يظل محافِظًا على موقفه النقديّ من قضايا الواقع. وذهب عصفور إلى أن صورة المثقف هي صورة مهمة وكبيرة؛ لأن الربيع العربيّ كان ثورة مثقفين بأدوات اتّصال حديثة، فالذين قاموا بالثورة هم الشباب أبناء أدوات الاتصال الحديثة؛ لذلك كانت حركتهم أسرع من حركة الدولة وأدواتها الروتينية القديمة المتهالكة.

وقال: «إن المثقف سيظل مؤثِّرًا ومهمًّا حتى لو تطاول بعض الناس على صورته»، وإن صورة المثقف أصبحت متعددة ومتباينة، ولم تعد وقفًا على الكاتب أو الأديب، «فالإعلامي مثقف، والصحافي مثقف، وكل من يُعمِل عقلَه ويتّخذ موقفًا نقديًّا مما يدور حوله فهو مثقف، أما من يُردِّد ما يسمع من دون عرضه على قياس الوعي والمنطق فهو خارج الفِعل الثقافيّ». وتطرّق عصفور إلى أن الإعلاميّ أحمد موسى لا يمكن أن نَعُدَّه نموذجًا للمثقف؛ «لكنَّ رجلًا مثل إبراهيم عيسى هو نموذج واضح لهذا المثقف؛ لأنه صاحب موقف نقديّ، وإسلام بحيري هو نموذج لهذا المثقف؛ لأنه اتَّخذ موقفًا نقديًّا من الخطاب السائد، وباسم يوسف مثقف نقديّ له برنامج مميّز وإن اتخذ طابعًا ساخرًا، ومن ثَمَّ فنماذج المثقف النقديّ كثيرة وفاعلة ومتعددة في أماكنها المتباينة، وإن لم يرصدها الإعلام كما ينبغي لها، أو يغير الناس فكرتهم القديمة عن المثقف؛ كي يرونه في تبايناته الجديدة».

rawwf

رؤوف مسعد

المثقف والأبواق الإعلامية

يرى أستاذ الأدب العربيّ بجامعة عين شمس الدكتور: محمد عبدالمطلب، الذي نال جائزة الملك فيصل العالمية، أن ثمة مستويين للمثقف، يصف المستوى الأول بكونه المحترم، ويعرّفه بأنه الذي يلتزم الصدق والأمانة، ويحافظ على الأصول الثقافية للأمة، ويتحرّك حركة محسوبة تؤدّي إلى نتائج تخدم الوطن، مؤكِّدًا أن أصحاب هذا الاتجاه هم الأقلية، أما المستوى الثاني فأصحابه هم الأغلبية؛ «تحوَّلت إلى أبواق إعلامية أكثرها هزليّ وفضائحيّ، ومن المؤسف أن هذه الكثرة تتصدَّر الموائد والمؤتمرات، ويحصدون الجوائز وهالات التقدير».

لكن عبدالملطب يعود ليؤكِّد من جديد أن أخطر ظاهرة في مصر الآن هي ضياع مقولة: «أهل الاختصاص»؛ «فالثقافة العربية تعرف مقولة: «كل ميسَّر لما خُلق له»، والمَثَل الشعبيّ يقول: «أَعْطِ العيش لخبازه»، بينما المثقفون الآن يَعرِفون كلَّ شيء، ويفتون في كل شيء، على الرغم من أن القاعدة تقول: إن مَن يعرف كل شيء فهو لا يعرف أي شيء، ومن ثَمَّ فإننا نجد الآن ظواهر غريبة ومدهشة؛ مثل الخبير الاقتصاديّ الذي يفتي بعلم أو بغير علم في كل شيء، والخبير العسكريّ الذي يتحدث عن كل شيء، والجميع صاروا خبراء على الرغم من أنهم لا علاقة لهم بأيّ شيء؛ نحن أمام فوضى وليس حرية رأي، أمام أبواق يستخدمها الإعلام لملء مساحات فراغ، ولسنا أمام مثقفين حقيقيين».

وصبَّ عبدالمطلب، صاحب كتاب «النص المشكل»، غضبه على الباحث إسلام بحيري الذي يمضي الآن عقوبة السجن مدة عام بعد اتهامه بازدراء الدين الإسلاميّ، في برنامج كان يقوم بتقديمه على إحدى القنوات الفضائية. قال عبدالمطلب: «من المؤسف أن هذه الأبواق هي التي تتصدَّى للدفاع عن انحراف وفساد ومساوئ الظواهر الثقافية، في أبرز تجلياتها الآن إسلام بحيري الذي أهان البخاريَّ واتَّهمه بأنه كان يجمع القمامة ويضعها في كتابه، من دون أن يعرف الدور الذي قام به البخاريّ، ولا الجهد الذي بذله؛ كي يتحرَّى الدقة في جمع أحاديثه».

صور متناقضة

سيد ضيف الله

سيد ضيف الله

من جانبه أكَّد رئيس اتحاد الكتاب المصريين السابق، الكاتب محمد سلماوي، أن صورة المثقف بعد الربيع العربيّ صارت مهزوزة، موضِّحًا أن هناك عدة صور متناقضة يجري تداولها عن المثقف، «وهي صور مخالفة للحقيقة التي تقول: إن المثقف كان في قلب الحركة الجماهيرية في مختلف البلدان العربية؛ ففي مصر على سبيل المثال، كانت أول نقابة تعلن تأييدها ثورة 25 يناير هي اتحاد كتاب مصر، وذلك يوم 26 يناير؛ أي بعد 24 ساعة من اندلاع الثورة في الشوارع المصرية، وقد أصدر الاتحاد بيانًا تبنَّى فيه مطالب الثورة، وقام المثقفون بمسيرة من مقرّ الاتحاد إلى ميدان التحرير، وطوال أسابيع متوالية حضر المثقفون في مختلف الميادين حيث فئات الشعب الأخرى، وكان كثير من الكتاب العرب يتصلون بي من مختلف الأقطار العربية الشقيقة؛ ليعلنوا تأييدهم الثورة، ومن كان يحضر منهم إلى مصر كنت أصطحبه إلى ميدان التحرير تلبيةً لطلبه».

وأضاف سلماوي «أن اتحاد الكتاب هو الجهة الوحيدة في مصر التي سحبت الثقة من رئيس الجمهورية محمد مرسي قبل أن تندلع ثورة 30 يونيو ضدّه، وتخرج الجماهير إلى الشوارع والميادين مطالبة بعزله، وهو أمر يعدّ الأول من نوعه في التاريخ الحديث؛ أن يسحب اتحادُ الكتاب الثقةَ من رئيس وهو في السلطة، وتأتي الثورة لتعضد ما ذهب إليه الاتحاد والمثقفون، هؤلاء الذين ذهبوا بمختلف أطيافهم من كتاب وفنانين وتشكيليين وغيرهم إلى مقرّ وزارة الثقافة حائلين دون سقوطها في براثن فكر الإخوان وأشياعهم».

ويستدرك سلماوي قائلًا: «لكن للأسف! الإعلام العربيّ لا يتحدث إلا عن السلبيات، متصورًا أن ذلك هو الطريقة الصحيحة التي تحقِّق له الرواج، ومن ثَمَّ فإنه إذا لم يجد هذه السلبيات فسوف يختلقها بحثًاعن الرواج، وقد صوَّر الإعلام للمواطن المصريِّ والعربيّ أن المثقفين انعزلوا عن الحياة، ولم يعودوا قادرين على أداء دور مهمّ في المجتمع، ولو كلف أي من هؤلاء الإعلاميين نفسه بأقل درجة من درجات البحث والتقصّي لَوَجَد أن الواقع على نقيض ما ذهب إليه».

خطأ منهجي

أما رئيس التحرير الأسبق لجريدة «الأهالي» ومجلة «أدب ونقد» اللتين يصدرهما حزب التجمع المصريّ؛ الناقدة والناشطة السياسية فريدة النقاش، فقد ذهبتْ إلى أن المثقف العربيّ تعرّض لحالة شديدة من الارتباك بعد أن تحمَّس بصورة هائلة للإنجازات التي حقّقها شباب ثورات الربيع العربيّ، «مع الوضع في الاعتبار أن إطلاق مصطلح (مثقف) على جميع المثقفين في وقت واحد هو خطأ منهجيّ؛ فهناك المثقف المنتمي إلى الجماعات الدينية، والمثقف المنتمي إلى اليسار، وآخر منخرط في تشويه ما أنجزته ثورة 25 يناير و30 يونيو، ومن ثَمّ فالمثقفون ليسوا كُتلةً واحدة، ومع ذلك فقد تعرَّضوا جميعًا لارتباك شديد من جراء ما حدث خلال الموجات المتعاقبة للثورة المصرية، التي أبدعها المثقفون من الشباب، فالشباب الذين انخرطوا في العمل مع أدوات التواصل الاجتماعيّ، وأدوات الاتصال الحديثة هم مثقفون».

وذهبت النقاش إلى أنه بعد أن سُرقت نتائج الثورات العربية؛ انقسم الجميع على نفسه وأصيب بالارتباك، «ومن ثَمَّ فالأمر الوحيد الذي بات متفقًا عليه لدى الجميع أن الأهداف التي اندلعت من أجلها الموجات المتعاقبة للثورة لم تتحقق بعد، وأن الأهداف الأساسية للربيع العربيّ: «عيش، وحرية، وعدالة اجتماعية» لا تزال غائبة»، وأكَّدت النقاش «أن المثقفين في مصر يتفقون مع النظام حول الدولة الوطنية، وضرورة الحفاظ عليها، لكنهم يختلفون مع النظام حول أهداف الثورة وآليات تحقيقها»، مؤكدة أن الطريق طويل أمام المثقفين في صراعهم مع السلطة؛ لتحقيق هذه الأهداف، مشيرة إلى أن صورة المثقف العربيّ بعد المشاركة الهائلة في إنجاز ثورات الربيع العربيّ «تحسَّنت بشكل كبير».

كتاب وكتبة

فريدة-النقاش

فريدة النقاش

بينما يذهب الكاتب المصريّ رؤوف مسعد، المقيم في هولندا، إلى «أن لدينا نوعين من المثقفين: الأول كتبة لم ينذروا أنفسهم للفعل الثقافيّ في الأساس، لكنهم وجدوا فرصة طيبة لدخولهم هذا العالم، ورفع راية أصحابه كغطاء لعملهم الحقيقيّ؛ كأن نجد ناشرًا يصبح كاتبًا من خلال عمله، أو موظفًا يصبح مثقفًا كبيرًا من خلال موقعه، وهناك كتاب حقيقيون نذروا أنفسهم لفعل الكتابة والثقافة، ومن ثَمَّ فهم ضمير الوعي لدى جماعتهم ووطنهم في اللحظات الحرجة»، وأضاف صاحب رواية «بيضة النعامة»، أن دور المثقف العربيّ بعد الربيع العربيّ «أصبح أكثر أهمية وقوة، فللمثقف حيثية وحضور، وهو–أيضًا- مرجعية قوية، بدليل توقُّف المحكمة عن الحكم في قضية الكاتب أحمد ناجي لحين الرجوع إلى أهل الاختصاص؛ كان في مقدمتهم الكاتب محمد سلماوي والناقد الدكتور جابر عصفور، ومن ثَمَّ فعلى المثقف أن يكون واعيًا دوره في هذه المرحلة، ليس فقط مطالبًا بالحرية، لكن –أيضًا- مطالبًا بكيفية استخدامها، فالحرية سلاح ذو حدَّيْنِ، ورسالة المثقف أن يرصد ما يحدث من دون تحيّز، وأن تكون كلمته بمنزلة المظلَّة العامة التي تظلّ كلّ الناس».

ويوضّح مسعد قائلًا: «أنا مع النظام، لكن لست مع النظام الغبي، ودوري بوصفي مثقفًا أن أكشف العيوب في مقالاتي، وأن أرصد ما يجري في أعمالي الروائية، وبوصفي مثقفًا ينتمي إلى الأقلية فدوري يتمثّل في إخراجها إلى النور، وأن أدافع عن حقِّها في عدم التهميش، وأن يكون ذلك من دون تعصّب أو مغالاة، فالأقلية دائمًا بحاجة إلى فهم الآخر».

من جانبه، أوضح الناقد الدكتور سيد ضيف الله، أن مفهوم المثقف قد تغيَّر، «فمع ظهور الربيع العربي برز على السطح مسمّى الناشط السياسيّ، كما توسَّع دور مُقدِّمي البرامج الفضائية السياسية والاجتماعية؛ إذ أصبح كلّ من الناشط والمذيع أكثر قدرة على تحريك الشارع السياسيّ، والتأثير في الأحداث أكثر من المثقف التقليديّ المرتبط بسَعَة المعرفة، الذي يمتلك رؤية شاملة وتاريخًا من النضال السياسيّ من أجل مجتمع أفضل!»، ويوضح أن مفهوم المثقف «توزّع على أدوار ظهرت حديثًا؛ مثل: الناشط، والنجم الإعلاميّ، والمواطن الإعلاميّ، وساهمت التطوُّرات الكبيرة التي شهدتها وسائل الإعلام عامّة، ووسائل التواصل الاجتماعيّ خاصّة في تغيير مفهوم المثقف، لكنها لم تغيِّر الدور الذي يجب أن يقوم به المثقف، سواء أكان إعلاميًّا، أم نشاطًا سياسيًّا، أم مواطنًا فحسب؛ لأن تحصيل المعرفة إذا أصبح أكثر يسرًا بفضل الإنترنت، فإن اتساع قاعدة المعرفة جعلت الثقافة متاحة بشكل أكبر لقطاعات أوسع؛ مما كسر الحاجز بين النخبة التقليدية؛ المعروفة بالمثقفين، والمواطنين الفاعلين! فلم يَعُدِ الحاكم هو وَحْدَه مَن يُدير المجتمعَ ويقوده كما كان في الماضي! وهذا في حد ذاته بداية ربيع حقيقيّ للحرية».

عبدالله البريدي

عبدالله البريدي

الكفر بـ«المثقف» والإيمان بـ«المخلِّص الدينيّ»

عبدالله البريدي – أكاديمي وكاتب سعودي

الربيع العربيّ أحدث ارتباكًا بنيويًّا شديدًا في المجتمع العربيّ، فقد هزّ الأفكار والأنساق والرموز والمؤسّسات والخرائط، جالبًا معه منظومة مشوّشة من الرؤى الإستراتيجية والآنية، والاتجاهات المعتدلة والمتشدّدة، والآمال والخيبات. ومن الطبيعيّ أن تهتزّ صورة المثقف العربيّ في هذه السياقات؛ إذ لا يمكن أن يمثّل استثناء، أو أن يحصّن نفسه من تلك الاهتزازات والارتباكات، التي لم توفر أحدًا. إذن الاهتزاز في الصورة أمر متوقّع، بيد أن اللافت هو حجم الاهتزاز، فهو ضخم جدًّا، وبخاصة لدى بعض الشرائح، فقد كفر بعض المتلقِّين بالمثقف العربيّ، وأعلنوا إفلاسه؛ لمحدودية أدواره في الربيع العربيّ، وثمة شريحة كافرة به مِن حيث الأصل؛ لأنها آمنت بـ«المخلّص الديني»، وطفقت تجمع الأدلّة المؤكدة على تضعضع المثقف فكريًّا وأخلاقيًّا؛ مع قائمة اتهامات تزيد ولا تنقص. وهناك شريحة أخرى رأت في الربيع العربيّ فرصةً مواتية للفرز وإعادة التقويم، فهي تميِّز «المثقف العميق»، و«المثقف السطحيّ» مِن حيثُ الفِكرُ والمنهجيةُ؛ مِن «المثقف الإصلاحيّ» و«المثقف الانتهازي» مِن حيثُ القِيَمُ والدافعيةُ.

ليس لدينا استطلاعات رأي عام دقيقة؛ كي نحدِّد من الناحية العِلميّة وزنَ كلّ شريحة من تلك الشرائح، وانعكاسات ذلك على صورة المثقف، وما عسانا نستنتج من ذلك بخصوص فاعليته المحتملة في المستقبل؛ لذلك فإن كل ما يقال هو محض آراء انطباعية ذات بُعد تخميني. في رأيي أن فاعلية المثقفين العرب باتت ضعيفة من حيث الأثرُ والتراكميةُ في السياقات المختلفة لعدة أسباب؛ من أهمها:

أولًا- بروز المثقف الانتهازيّ في السياق المجتمعيّ العام، وتمكّنه (وربما تمكينه) من خلط الأوراق، والعبث بالقضايا الكبيرة؛ لأهداف ومصالح فئوية، وقد يمتلك بعضهم قدرًا جيدًا من «الذخيرة المنهجية»، لكنهم لا يستخدمونها إلا بما يخدم أهدافهم وتطلُّعاتهم النفعية، مع تقلُّبهم وميلهم إلى مَنْ يدفع أكثر.

ثانيًا- هيمنة الأنساق الدينية المعلية لنموذج «المثقف الدينيّ»؛ في صور: الشيخ، والمُربِّي، والمُصلِح، فقد صارت المجتمعات العربية تنقاد إلى هذا النموذج بطريقة فادحة، فهي تلفّ حبلًا على رقبتها، وتمكّن هذا المثقف من جرّها إلى حيث يشاء، مع تلبُّسه بقدر عالٍ من التزكوية الذاتية والتقديسية للرموز الدينية التي ينتمي إليها. وهنا نلتقط سرًّا من أسرار انجِرار كم متزايد من الشباب إلى الجماعات المتطرفة؛ مثل: داعش وغيرها، فثمة منظِّرون بارعون ومسوِّقون سحرة!

ثالثًا- تشكّل أنساق جديدة لصور المثقف في سياق الثورة الشبكية المعلوماتية، وما أفرزته من مناهج التفكير والترميز، وقد ترتب على ذلك شيوع أنماط «المثقف السطحيّ»، وغلبة تحليلاته وتشخيصاته للمشكل السياسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ والاقتصاديّ والعلميّ، والمشهد الشبكيّ يضجّ بأطروحاتهم البائسة.

رابعًا- انزواء المثقف العميق والإصلاحيّ، وانكماشه في دوائر ضيقة من التأثير العلميّ والفكريّ؛ نظرًا إلى التهميش الذي يعانيه من مؤسسات المجتمع، وارتفاع مستويات الإحباط لدى نسبة ليست قليلة من جرَّاء تراكم الخيبات، وانطفاء شعلة الأمل في الإصلاح. ومع ذلك كله سيبقى المثقف العربيّ في المشهد ولن يموت، وسيتعزّز تأثيره في المجتمعات التي تنجح في الاستفادة من المنهجية والأفكار الأخلاقية والرؤى النهضوية، والنضال من أجل تقرير الحريات العامة، وتوالد أنساق الاعتدال والوسطية، وستضمحلُّ فاعليته في المجتمعات التي تجدِّد عقدها مع أرباب العلم الزائف، ومبدعي الخرافات والأساطير، ومتوجي النفعيين والتافهين.

المثقف يفقد دوره الطليعي الديني

سعود البلوي – كاتب سعودي

سعود-البلوي

سعود البلوي

سعود البلويفقد المثقف الفرد في العالم دوره الطليعيّ والمؤثر لصالح المؤسسات الثقافية التي اضطلعت بها مؤسسات المجتمع المدنيّ، والمثقف العربيّ ليس استثناء من هذه الظاهرة؛ إذ أصبحت المؤسسات ومراكز البحوث هي البيئة الخصبة لانطلاق الأفكار والنظريات والمبادرات، ومهما يكن الأمر فإن التاريخ يحفظ للمثقف دوره الثقافيّ على مدى العصور، وإن انحسر هذا الدور أو قلّت مساحته. ويبقى دور المثقف العربيّ ملحوظًا في شريحة المجتمع التي تتماسّ مع أفكاره وأطروحاته، ولو لم يَجْرِ تقبُّل هذه الأفكار والأطروحات بداية؛ إذ وجد كثير من المثقفين أن المجتمعات العربية تحاربهم في أفكارهم، لكنها سرعان ما تتبناها بحذافيرها في مرحلة ما؛ لأن المجتمع يتطوّر فكريًّا -ولو ببطء- في عالم متسارع. إن صورة المثقف العربيّ قد ازدادت ارتباكًا وتشويشًا في أثناء «الربيع العربي»؛ لسببين:

الأول- نخبوية المثقف ومحدودية حضوره المجتمعيّ المباشر في ظل وجود قيادات سياسية ودينية قادت الثورات إلى مرادها.

الثاني- موقف المثقف العربيّ نفسه، وأعني ريبة بعض المثقفين من ثورات «الربيع العربي»، واختيار بعضهم الوضع القائم على التغيير غير المحسوب، بالوقوف مع الأنظمة السياسية القائمة، وكان مسوّغهم أن القادم أسوأ، فصار المثقف في هذا الإطار بين مطرقة الثورة وسندان السلطة، وأصبح هناك فرز خطير يتبناه الجانبان على أساس أن مَن لم يكن معنا فهو ضدّنا. من أكثر الأسماء التي أحدثت جدلًا على المستوى العربيّ؛ الشاعر والكاتب العربيّ السوريّ (أدونيس)، الذي وجد نفسه –أيضًا- أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما الوقوف مع الثورة السورية التي لم يعرف بالضبط من قام بها وما ستؤول إليه، أو توظيف الواقع المعيش وهو النظام السياسيّ الموجود الذي يمثّل واقع الحال.

نجد كثيرًا من المثقفين وجدوا أنفسهم في منطقة لا لونَ رماديًّا فيها، ومن ثَمَّ فالحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن صورة المثقف العربيّ قد تغيَّرت أمام الرأي العام، فأصبحت مرتبطة بموقفه السياسيّ، فالمجتمعات العربية لم تتقبّل من المثقف العربيّ أن ينبذ الاستبداد، وينظّر له، وينتقد السياسات القائمة، ثم تجد منه موقفًا مغايرًا، وهذا أمر مسوَّغ في ظاهره، غير أن السنوات الخمس التي أعقبت الربيع العربيّ قد كشفت مآلات هذا الربيع «الصيفية» الملتهبة، سواء أكان على المستوى السياسيّ، أم الاجتماعيّ، أم الاقتصاديّ في الدول التي مرّت بتجربة الثورة، فقد وجد المثقف -بعد التجربة الثورية- أن بديل الأنظمة القائمة ليس سوى «الإسلام السياسيّ»، أو الفوضى، وبمعنى آخر: إن الخيار كان زوال السلطة العسكرية وحضور السلطة الدينية المباشرة بوصفها بديلًا؛ مما جعل المنطقة تغرق في الظلام والمصير المجهول أكثر من ذي قبل. وعلى ضوء ذلك فإن ما تبقّى للمثقف من دور هو تجارته القديمة التي طالما اشتغل بها، وهي إثارة الوعي العامّ بقضايا الإنسان الأزلية، بغض النظر عن موقفه السياسيّ الذي هو في نهاية المطاف خاضع لمدى تقديره الواقع، ومدى ربح المكتسب الحضاريّ أو خسارته، فالواقع السياسيّ العربيّ-الذي نراه اليوم بأُم أعيننا- هو أن البديل أسوأ، وأن القادم ليس حُلمًا ورديًّا كما كان معتقَدًا إنما هو تَحَدٍّ وجوديٌّ صعبٌ، والشريحة التي قامت بالثورات فِعليًّا اختفت، فورث السياسيُّ الدينيُّ ثوراتِها، وبقي المثقف موجودًا من خلال ما يتركه لمجتمعه من إرث فكريّ وإبداعيّ، ولنا في قراءة المواقف السياسية للمثقف الأوربيّ مثال جيد، فاختلافات المواقف السياسية بين جان بول سارتر وألبير كامو قد ذهبت، وبقي منهما أهمّ ما كانا يفكران فيه وهو الإنسان!

صورة ملطخة بالخيبة

طالب الرفاعي – روائي كويتي

طالب الرفاعي

طالب الرفاعي

بالنظر إلى واقع الحال في البلدان العربية التي اندلعت فيها انتفاضات ما باتت تُعرف بالربيع العربي، فمؤكد أن الثقافة بجميع تجلياتها كانت من أكثر الحيوات التي أصابها الخلل والوجع والتهميش، وكذا هي صورة المثقف العربي. من يعرف ساحات الثقافة العربية، يدرك تمامًا أن الأنظمة القمعية العربية ظلت لعقود تطمس كل ما يخص الثقافة الجماهيرية الحقة، ومعها تطمس صورة المثقف، بل وتطمسه وتغيّبه بالسجون والموت إن لزم الأمر.

صورة المثقف العربي ظلت لعقود قبل الانتفاضات مرهونة بسجالات الساحة العربية الثقافية، وكان فيها من التجاذب السياسي أكثر مما فيها من الإبداع والأدب والثقافة؛ لذا عاش المثقف في ساحة ثقافية مسورة بأسوار عالية، وبعيدة من واقع حال الناس البسطاء، حتى لو كتب بعض الأدباء والفنانين عن معاناة الفقر وسطوة الحكم الدكتاتوري.

قليلة هي اللحظات التي كانت لصورة المثقف العربي فيها لمعة خاطفة لأبصار الجماهير، باستثناء أولئك الذين لمّعت بعض المنصات حضورهم، وكان الزمن كفيلًا بامتحان بقاء إبداعهم، أو طيهم تحت تراب دورانه الدائم. فوسط بيئة قمعية دكتاتورية تكون مساحة حركة المبدع ضيقة، ويكون هامش الكتابة والتأثير والتواصل مع المتلقي محدودًا. لكن بالرغم من ذلك كانت هناك كتابات توفرت على عناصرها الفنية الضرورية، ولاقت قبولًا وصدى طيبًا لدى الجماهير؛ مما خلق وصلًا واتصالًا بين بعض المبدعين وجمهور التلقي.

صورة المثقف، في أي أمة من الأمم، كانت على الدوام حاضرة في ذهن الشعوب، متى ما كان هذا المثقف يعيش قضاياهم وهمومهم ويكون صوتهم الأعلى، متحملًا ما يترتب على موقفه الشجاع والجريء. وعادة ما كان المثقفون يتحركون كمجاميع، ولذا يحمل تحركهم التأثير. وفي الحالة العربية، ظل المثقف يعمل منفردًا، ولذا جاء تأثيره أقل، وظلت صورته مشوّشة.

بعد الانتفاضات العربية ازداد وضع المثقف سوءًا، وبخاصة بارتفاع موجة نجوم شبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ صار المواطن العربي يستمتع بجملة عابرة على تويتر أو فيسبوك، دون النظر إلى صدق قائلها والقيمة الفكرية المختفية وراءها.

الانتفاضات العربية جارت على الكثيرين، وفي مقدمة أولئك يأتي المبدع والمثقف العربي، وتأتي صورة المثقف التي تلطخت بألوان الضياع والخيبة.

مثقف الجماهير أصبح بلا جماهير

gharibeh

هاشم غرايبة

– كاتب أردني

المثقف العربي أيًّا كان نهجه يقيم اليوم في الصدع القائم بين جسم الدولة المرتعش والرأس المتسلط.. بين مجتمع شبه أمي، ضعيف البنية، في عالم يزداد تعقيدًا ومعرفة.. بين بنية قبلية محافظة، والطموح لمدنية معاصرة.. بين جمر السلفية المخبأ في مواقدنا الروحية ولا ندري متى تشب ناره، والثورة العلمية التكنولوجية.. قبل الربيع العربي كان المثقف العربي منتشيًا بإنجازه بين أقرانه، متباهيًا بمعارفه على تلاميذه إن كان أكاديميًّا، وعلى متابعيه القليلين إن كان مفكرًا أو مبدعًا. كان وما زال السلطان مطمئنًا للمثقف سواء كان ممن ينظرون لقدرة الدكتاتور على قيادة قطار الحداثة، أو كان من المعارضين المشاغبين يمينًا أو يسارًا حتى لو جار في النقد، فكلاهما المثقف والسلطان متواطئ على الرضا، مطمئن لثبات الحال.

جاء الربيع العربي ليسحب «مخدات» الحرير من تحت رأس السلطان، وليسحب فضلة البساط التي يتربع عليها المثقف؛ لنكتشف أن المثقف الذي كان يدافع عن الجماهير لا جماهير له، والذي كان يتحدث عن الأمة لم تسمع الأمة به، والذي كان يتحدث باللاهوت وجد المتدينين يسخرون منه! المثقف العربي يقف اليوم حائرًا بين الدكتاتور والتكفيري.. الدولة تستبدُّ؛ لأنها رأته متنحيًا، ورجال الدين يلعبون به، لأنه لعبةٌ طيّعةٌ وسهلة المنال، والمثقف يحملُ كتابه القديمَ دليلًا لطريقٍ طويلة ومعتمة، يتكاثرُ فيها اللصوصُ، وتتناسلُ السجونُ، ويؤمُّ الجوعُ الصلاةَ، ويقرأُ في سيرةِ الدم.

لما سلّم الربيع العربي قياده للإسلام السياسي أصيب المثقفون العرب بالرخاوة.. حتى القوميون والفوضويون والديمقراطيون والإسلاميون المعتدلون تراخت مفاصلهم، وراحوا يهربون إلى مناطق رمادية تظلهم وتضلّ (من الضلال) مسالكهم. وفي بعض الحالات ارتدوا إلى ذواتهم معلين من شأن «أنا» الفردانية على حساب «أنا» المجتمعية والإنسانية، وبعيدًا من تشوقات الناس العميقة للحرية والحق والجمال. الفئات التي تقع مسؤولية يقظتها على المثقف العربي نراهم مستسلمين لواقع مائع، مستسلمين لثقافة المياومة. وجلس المثقفون «يتفرجون» على فتنة اجتماعية هنا، وتفتت عرقي أو طائفي هناك، ونسينا كلنا الصهاينة وشرورهم الواقعة على الفلسطينيين بشكل مباشر، وعلى الأمة بشكل غير مباشر. والحال أن الحاجة إلى المثقف ما زالت حاجة قائمة وراهنة، بل هي حاجة اشتدت وتعاظمت بتعاظم النكسات والهزائم التي شلت الكيان العربي قيادة وشعبًا.

كيان بلا حضور، هل تعيد إليه الإمارات الوهج ؟

كيان بلا حضور، هل تعيد إليه الإمارات الوهج ؟

ظلت‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تسع‭ ‬سنوات‭ ‬متتالية‭ ‬مقرًّا‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب،‭ ‬لكنها‭ ‬فقدت‭ ‬مؤخّرًا‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬الشرفيّ‭ ‬المتمثّل‭ ‬في‭ ‬احتضانها‭ ‬الاتحاد‭ ‬ورئاستها‭ ‬أمانته‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات،‭ ‬فقد‭ ‬انتهت‭ ‬المُدَد‭ ‬الثلاث‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭ ‬لتولّي‭ ‬منصب‭ ‬الأمين‭ ‬العام،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بدَّ‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬رئيس‭ ‬جديد‭ ‬عوضًا‭ ‬من‭ ‬الكاتب‭ ‬محمد‭ ‬سلماوي،‭ ‬واتحاد‭ ‬جديد‭ ‬عوضًا‭ ‬من‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬المصريين،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬فقد‭ ‬قرَّر‭ ‬المجتمعون‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬العامّ‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب،‭ ‬الذي‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬اختيار‭ ‬رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬الإماراتيين‭ ‬الكاتب‭ ‬حبيب‭ ‬الصايغ‭ ‬رئيسًا‭ ‬جديدًا‭ ‬للاتحاد،‭ ‬وأصبحت‭ ‬مصر‭ ‬بكل‭ ‬ثقلها‭ ‬التاريخيّ‭ ‬والثقافيّ،‭ ‬وما‭ ‬قدَّمته‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬وحضورها‭ ‬الثقافيّ‭ ‬الراهن،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدّمه‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬ماليّ‭ ‬وترويجيّ‭ ‬للاتحاد‭ ‬وأنشطته‭ ‬وفعالياته‭..‬

‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬خسره‭ ‬الاتحاد‭ ‬بخروجه‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يكسبه‭ ‬بذهابه‭ ‬إلى‭ ‬الإمارات؛‭ ‬أجرت‭ ‬«الفيصل»‭ ‬هذا‭ ‬التحقيق‭.‬

Book1‬معارك‭ ‬مشهورة

في‭ ‬البدء‭ ‬أكَّد‭ ‬الناقد‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬تليمة،‭ ‬أن‭ ‬انتقال‭ ‬مقرّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬أمر‭ ‬طبيعيّ؛‭ ‬«فقد‭ ‬أقرّ‭ ‬المثقفون‭ ‬العرب‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬بتداول‭ ‬الدُّول‭ ‬العربية‭ ‬رئاسةَ‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬طبيعيّ‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬مدة‭ ‬رئاسة‭ ‬مصر‭ ‬له،‭ ‬وينتقل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬جاء‭ ‬الانتقال‭ ‬هذه‭ ‬المَرَّة‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية»‭.‬

وأوضح‭ ‬تليمة‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬شهد‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخه‭ ‬الطويل‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬المشهورة؛‭ ‬«كان‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬معركة‭ ‬جرتْ‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الاتحاد‭ ‬المصريّ‭ ‬يوسف‭ ‬السباعي،‭ ‬وكانت‭ ‬مصر‭ ‬ترأس‭ ‬الاتحاد‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬طويلة،‭ ‬وقد‭ ‬أبدى‭ ‬الإخوة‭ ‬اليمنيون‭ ‬والجزائريون‭ ‬بعض‭ ‬الاعتراض،‭ ‬مطالبين‭ ‬بحقّهم‭ ‬في‭ ‬رئاسة‭ ‬الاتحاد،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬معركة؛‭ ‬انتهت‭ ‬بخروج‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬تونس»‭. ‬

وأضاف‭ ‬صاحب‭ ‬«مقدمة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الجمال»‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬رغم‭ ‬اسمه‭ ‬الكبير،‭ ‬وأهميته‭ ‬الدولية‭ ‬«إلا‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬ومواءماتها‭ ‬أخمدت‭ ‬وهجه،‭ ‬وجعلته‭ ‬بلا‭ ‬دور‭ ‬حقيقيّ‭ ‬أو‭ ‬فاعل،‭ ‬فالأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تستعمل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناصب‭ ‬مثلما‭ ‬تستعمل‭ ‬المندوبين‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬حضور‭ ‬حقيقيّ‭ ‬لهذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬الذي‭ ‬نتمنى‭ ‬له‭ ‬الاستقلال‭ ‬عن‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية،‭ ‬واتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬أكثر‭ ‬جرأة‭ ‬وقوة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬المثقف‭ ‬العربيّ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والمثقفين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يكتبون‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الأجنبية،‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وخارجها،‭ ‬لا‭ ‬يسمعون‭ ‬بهذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وهو‭ ‬بدوره‭ ‬لم‭ ‬يفكر‭ ‬فيهم‭ ‬يومًا‭ ‬ما»‭.‬


‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التغيير

Book4على‭ ‬حين‭ ‬عدَّ‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬المصريين،‭ ‬الناقد‭ ‬الدكتور‭ ‬مدحت‭ ‬الجيار،‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬رئيسًا‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬أمر‭ ‬مفيد‭ ‬جدًّا‭ ‬للاتحاد؛‭ ‬«لأنه‭ ‬أولًا‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬ولاية‭ ‬سوريا‭ ‬ثم‭ ‬مصر،‭ ‬وهي‭ ‬مدة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬ولاية‭ ‬الأمانة‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬الحرج،‭ ‬والإمارات‭ ‬دولة‭ ‬غنية،‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المالية‭ ‬كثيرًا؛‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجوائز‭ ‬أم‭ ‬السفر‭ ‬أم‭ ‬المؤتمرات‭ ‬أم‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭.«‬

وأوضح‭ ‬الجيار‭ ‬أن‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬للاتحادات‭ ‬وليس‭ ‬للأفراد،‭ ‬«وهو‭ ‬يقوم‭ ‬برسالة‭ ‬مهمّة‭ ‬منذ‭ ‬أطلق‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬إشارته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬اللاذقية‭ ‬بسوريا‭ ‬عام ‭‬1958م،‭ ‬فهو‭ ‬يقوم‭ ‬بعلاقات‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬الكتّاب‭ ‬العرب؛‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نشاطاتٍ‭ ‬عربيةً‭ ‬كبرى‭ ‬وكثيرة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الاتحاد،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬إلا‭ ‬مَن‭ ‬يُشارِك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة،‭ ‬وللاتحاد‭ ‬موقع‭ ‬مُهِمّ‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وله‭ ‬مطبوعات‭ ‬خاصة‭ ‬به،‭ ‬وله‭ ‬جائزة‭ ‬باسمه،‭ ‬وله‭ ‬دور‭ ‬سياسيّ‭ ‬مهمّ‭ ‬في‭ ‬مناصرة‭ ‬القضايا‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬فمن‭ ‬خلاله‭ ‬حدثت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الإدانات‭ ‬لما‭ ‬تفعله‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬وكذلك‭ ‬عندما‭ ‬جرى‭ ‬حرق‭ ‬السفارة‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬فالاتحاد‭ ‬هو‭ ‬محصلة‭ ‬تحالف‭ ‬عربيّ‭ ‬ضدّ‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تهدِّد‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وأنا‭ ‬أتمنّى‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬المقبلة‭ ‬بفعاليات‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬ذات‭ ‬الظروف‭ ‬العصيبة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة؛‭ ‬مثل‭:‬ سوريا‭ ‬واليمن‭ ‬وليبيا‭ ‬وغيرها،‭ ‬فهذه‭ ‬الفعاليات‭ ‬سوف‭ ‬تصدر‭ ‬موقفًا‭ ‬داعيًا‭ ‬إلى‭ ‬التهدئة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان»‭.‬

Book2

أما‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬للاتحاد‭ ‬الكاتب‭ ‬محمد‭ ‬سلماوي،‭ ‬فأوضح‭ ‬أنه‭ ‬تولى‭ ‬رئاسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬مدة‭ ‬تسع‭ ‬سنوات،‭ ‬شكلت‭ ‬ثلاث‭ ‬ولايات‭ ‬أو‭ ‬مُدَد‭ ‬رئاسية‭ ‬متتالية،‭ ‬فاستنفذت‭ ‬مصر‭ ‬كل‭ ‬مُدَدها‭ ‬في‭ ‬رئاسة‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬فقد‭ ‬قرَّر‭ ‬المؤتمرُ‭ ‬العامّ‭ ‬للكتاب‭ ‬العرب‭ ‬اختيارَ‭ ‬اتحاد‭ ‬كتاب‭ ‬الإمارات،‭ ‬ووفق‭ ‬لائحته‭ ‬التي‭ ‬تنصّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مَقرّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬هو‭ ‬دولة‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة،‭ ‬فإن‭ ‬مقرّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬انتقل‭ ‬عقب‭ ‬انتخاب‭ ‬الكاتب‭ ‬حبيب‭ ‬الصايغ‭ ‬رئيسًا‭ ‬إلى ‭)‬أبو‭ ‬ظبي‭(‬.

وقال‭ ‬سلماوي‭:‬ «إن‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬رئاستها‭ ‬قدَّمت‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الإضافات‭ ‬والإنجازات‭ ‬المهمة؛‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تقرير‭ ‬الحريات‭ ‬الذي‭ ‬يصدره‭ ‬الاتحاد‭ ‬كل‭ ‬ستة‭ ‬أشهر،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مرجعًا‭ ‬للباحثين»،‭ ‬وأضاف‭:‬ «كما‭ ‬أننا‭ ‬فصلنا‭ ‬الاتحاد‭ ‬عن‭ ‬هيمنة‭ ‬السياسة‭ ‬عليه،‭ ‬واتخذنا‭ ‬مواقف‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬حال‭ ‬خطئها؛‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬محمد‭ ‬مرسي‭ ‬حين‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬خطابة‭ ‬الأول‭ ‬كل‭ ‬فئات‭ ‬الشعب‭ ‬المصري،‭ ‬ولم‭ ‬يذكر‭ ‬الكتاب‭ ‬والمثقفين،‭ ‬وكان‭ ‬الاتحاد‭ ‬يعقد‭ ‬مؤتمره‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬فأصدرنا‭ ‬بيانًا‭ ‬أَدَنَّا‭ ‬فيه‭ ‬ذلك‭ ‬بلهجة‭ ‬صارمة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬مرَّت‭ ‬بها‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬فإننا‭ ‬حافظنا‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬كل‭ ‬مؤتمرات‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬توقيتها،‭ ‬ومؤتمرات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعثّرت‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬المؤتمر‭ ‬الدوريّ‭ ‬على‭ ‬أرضها؛‭ ‬بسبب‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربيّ،‭ ‬فقمنا‭ ‬باستضافة‭ ‬مؤتمراتها‭ ‬بوصفنا‭ ‬دولة‭ ‬المقرّ،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬على‭ ‬نقيض‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الأردن‭ ‬حين‭ ‬تولّت‭ ‬رئاسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬مدة‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات؛‭ ‬فلم‭ ‬تُقِمْ‭ ‬مؤتمرًا‭ ‬ولا‭ ‬ندوةً‭ ‬واحدةً،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬فلم‭ ‬ينتخبها‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬مرةً‭ ‬ثانيةً»‭.‬

وأكد‭ ‬سلماوي‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬تتولى‭ ‬رئاسة‭ ‬المؤتمر‭ ‬«تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إضافة‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬ستظل‭ ‬تُذكَر‭ ‬بها،‭ ‬وأنها‭ ‬من‭ ‬إضافتها،‭ ‬وقد‭ ‬أرستْ‭ ‬مصر،‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬رئاستها‭ ‬الاتحاد،‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬تجاهلها‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬البناء‭ ‬عليها،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬الإمارات‭ ‬للإضافة‭ ‬إليه،‭ ‬وإلا‭ ‬فلن‭ ‬يعيد‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬انتخابها‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬الأردن»‭.‬

.

Book7يوسف‭ ‬القعيد‭:‬

خروج‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬جريمة

شن‭ ‬عضو‭ ‬البرلمان‭ ‬المصريّ،‭ ‬الكاتب‭ ‬يوسف‭ ‬القعيد،‭ ‬هجومًا‭ ‬ضاريًا‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬انتقال‭ ‬مقرّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬الإمارات،‭ ‬موضحًا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬«يُعَدُّ‭ ‬جريمة‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬المثقفون‭ ‬المصريون‭ ‬جميعًا‭ ‬ضدها،‭ ‬فهذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬نُقِل‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬مِن‭ ‬قبلُ؛‭ ‬بعد‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد،‭ ‬وكنا‭ ‬جميعًا‭ ‬ضد‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬تسامحنا‭ ‬في‭ ‬خروج‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أيّ‭ ‬دور‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدِّيه‭ ‬الإمارات‭ ‬بأموالها،‭ ‬فإننا‭ ‬لو‭ ‬تسامحنا‭ ‬وفتحنا‭ ‬الباب‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬فلن‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬شيء»‭.‬ وذهب‭ ‬القعيد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬أهمية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬شيء،‭ ‬«لا‭ ‬هنا‭ ‬ولا‭ ‬هناك»‭ ‬حسب‭ ‬تعبيره،‭ ‬وأضاف‭ ‬أنه‭ ‬يقابل‭ ‬«بصمت‭ ‬تامّ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬للمثقفين،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬دور،‭ ‬وإن‭ ‬أصبح‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬بفضل‭ ‬الأموال،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيعطي‭ ‬رسالة‭ ‬ضمنية؛‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬قاتلة‭ ‬للاتحادات‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬أرضها»‭.‬

Book5اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬السعوديين

قال‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬الأندية‭ ‬الأدبية‭ ‬السعودية‭ ‬السابق‭ ‬الشاعر‭ ‬والأكاديمي‭ ‬أحمد‭ ‬قران‭ ‬الزهراني‭:‬ «لا‭ ‬أعلم‭ ‬سبب‭ ‬عدم‭ ‬دخول‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ثقلها‭ ‬في‭ ‬المنظمات‭ ‬والهيئات‭ ‬العربية‭ ‬والدولية،‭ ‬وما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات‭.‬

يعد‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬الهيئات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للسعودية‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬فيه،‭ ‬وبخاصة‭ ‬أن‭ ‬أغلبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وستضمن‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬مشاركتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬كسب‭ ‬أصوات‭ ‬إبداعية‭ ‬عربية‭ ‬متنوعة‭ ‬تؤيد‭ ‬توجهاتها‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يمثله‭ ‬المثقف‭ ‬السعودي‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬سريع‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭.‬

لقد‭ ‬حققت‭ ‬الثقافة‭ ‬السعودية‭ ‬قفزات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬فاعلة‭ ‬ومؤثرة،‭ ‬ولها‭ ‬مكانة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬الثقافية‭ ‬إبداعيًّا‭ ‬وفكريًّا‭ ‬وفنيًّا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ينبغي‭ ‬لوزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والإعلام‭ ‬أن‭ ‬تنشئ‭ ‬اتحادًا‭ ‬للكتاب‭ ‬السعوديين،‭ ‬ثم‭ ‬تلتحق‭ ‬باتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬بوصفها‭ ‬عضوًا‭ ‬فاعلًا‭ ‬ومؤثرًا»‭.‬

.


‬غياب‭ ‬الأجندة‭ ‬الواضحة

Book8Book6على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬سلماوي؛‭ ‬أكدت‭ ‬مؤلفة‭ ‬رواية‭ ‬«البشموري»‭ ‬الكاتبة‭ ‬سلوى‭ ‬بكر،‭ ‬أن‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬الآن‭ ‬اليس‭ ‬له‭ ‬أيّ‭ ‬دور‭ ‬ولا‭ ‬أهمية؛‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الثقافيّ،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية،‭ ‬وهو‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬والحجة‭ ‬الدائمة‭ ‬كانت‭ ‬غياب‭ ‬الأموال‭ ‬والدعم،‭ ‬وربما‭ ‬حين‭ ‬ينتقل‭ ‬الاتحاد‭ ‬إلى‭ ‬الإمارات‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬الدعم‭ ‬الحقيقيّ،‭ ‬فالإمارات‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬البؤر‭ ‬المؤثّرة‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬فهناك‭ ‬بارقة‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬انتقال‭ ‬الاتحاد‭ ‬إليها‭.‬

لكن (‬بكر)‬ عادتْ‭ ‬لِتُشكِّك‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفعله‭ ‬الاتحاد،‭ ‬قائلة‭:‬ «إن‭ ‬المثقفين‭ ‬أنفسهم‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬أجندة‭ ‬واضحة‭ ‬ليدرجوها‭ ‬في‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المأزق،‭ ‬فثمة‭ ‬مياه‭ ‬قذرة‭ ‬كثيرة‭ ‬تجرى‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬يوقفها»،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عَدَّتْه‭ ‬امتهانًا‭ ‬يوميًّا،‭ ‬«لا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬لكن‭ ‬اللغة‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تأصيل،‭ ‬ودفاع،‭ ‬وترويج‭ ‬لأهميتها‭ ‬وجمالها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الوافد‭ ‬الغربيّ». ‬

وقالت‭:‬ «إن‭ ‬هناك‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬حقيقيّ‭ ‬من‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ونحن‭ ‬ننتظر‭ ‬منه‭ ‬إحداث‭ ‬دور‭ ‬فاعل،‭ ‬وهذا‭ ‬سيكون‭ ‬صعبًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التكوين‭ ‬الحالي‭ ‬للاتحاد؛‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الرموز‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬رموز‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الإعلام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المنوط‭ ‬بهم‭ ‬إنتاج‭ ‬أفكار‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬حلّ‭ ‬مشكلات‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬المأزومة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬المأزق‭ ‬الثقافيّ»‭.

Book9أسماء‭ ‬الزرعوني

الخليج‭ ‬لديه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الثقافية

أوضحت‭ ‬الكاتبة‭ ‬الإماراتية‭ ‬أسماء‭ ‬الزرعوني،‭ ‬أن‭ ‬انتقال‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬خليجية،‭ ‬«أمر‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬نوعه؛‭ ‬هذا‭ ‬يَعْني‭ ‬أننا‭ ‬بوصفنا‭ ‬خليجيين‭ ‬نمتلك‭ ‬ثقافة‭ ‬جيدة‭ ‬وإدارة‭ ‬ثقافية‭ ‬فعلًا؛‭ ‬إذ‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬إدارة‭ ‬اتحاد‭ ‬تحت‭ ‬مظلته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬22‭ ‬دولة‭ ‬عربية،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬شرف»،‭ ‬وأشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬أمانة‭ ‬للاتحاد‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬خليجية،‭ ‬«يثلج‭ ‬صدر‭ ‬كل‭ ‬مثقف‭ ‬خليجيّ،‭ ‬ويمنحه‭ ‬الدافع‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة؛‭ ‬لأنه‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬وجد‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يبذل‭ ‬جهدًا‭ ‬أكبر‭ ‬لترسيخ‭ ‬قلمه‭ ‬في‭ ‬الإبداع‭.‬ وإن‭ ‬اختيار‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬إنما‭ ‬جاء‭ ‬بمباركة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة؛‭ ‬إذ‭ ‬إننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ندير‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وسنحاول‭ ‬أن‭ ‬نقنع‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬الأعضاء‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ودولة‭ ‬قطر،‭ ‬هذه‭ ‬مهمة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬دعوة‭ ‬بلدان‭ ‬ليست‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬إذا‭ ‬جاهدنا‭ ‬ونسّقنا‭ ‬ورسمنا‭ ‬أهدافنا،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالثقافة‭ ‬والمثقفين‭ ‬وخدمة‭ ‬الوطن،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شيئًا‭ ‬عائقًا،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬الأمور‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬مسارها‭ ‬الصحيح»‭.‬

وقالت‭ ‬الزرعوني‭:‬ «لا‭ ‬بد‭ ‬لكلّ‭ ‬مثقف‭ ‬خليجيّ‭ ‬أن‭ ‬يسعد‭ ‬عندما‭ ‬يجد‭ ‬حلمه‭ ‬يتحقّق،‭ ‬باعتلاء‭ ‬دُولنا‭ ‬الخليجية‭ ‬مناصب‭ ‬ثقافية،‭ ‬فمن‭ ‬حق‭ ‬المثقف‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬مكان‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه». ‬