مي التلمســاني: نصبنـا الفخــاخ لبعضنا في «صدى يوم أخير» وجاءت النتيجة لصالح الكتابة

مي التلمســاني: نصبنـا الفخــاخ لبعضنا في «صدى يوم أخير»

وجاءت النتيجة لصالح الكتابة

التجريب والغربة والاغتراب ثيمات أساسية في أعمال الروائية المصرية الدكتورة مي التلمساني، وهي تشكل أنماط السلوك اليومي، وطرائق التفكير، والعلاقات بين البشر. حول هذه السمات وحضورها حاورتها «الفيصل» انطلاقًا من روايتها المشتركة مع إدوار الخراط «صدى يوم أخير» التي صدرت مؤخرًا.

لعبة الكتابة المشتركة

  صدرت مؤخرًا روايتك المشتركة مع إدوار الخراط «صدى يوم أخير»، أنتما تنتميان لعالمين مختلفين، لكنكما حافظتما على السياق العام للرواية، لأي حد استطعت الاحتفاظ بهوامشك؟

  التقينا أنا وإدوار صديقين، وكان ناقدًا لجيل التسعينيات ومواكبًا لحركة النشر في جيلنا ومعنيًّا بكل جديد في مجال الرواية والشعر، أو ما أسماه بالحساسية الجديدة، مما قرب بيننا على الرغم من الاختلاف المشار إليه من ناحية الأسلوب والمشروع الإبداعي. كتب الفصل الأول في الرواية وكتبت الفصل الثاني، وهكذا حتى انتهينا من النوفيلا التي نشرت مسلسلة في مجلة سيدتي اللندنية. كان من الضروري حين وافقت على خوض مغامرة الكتابة المشتركة أن ألتزم بسياق الحكي على أن تكون لدي مساحة للتجريب، سواء بالاقتراب من عوالم الخراط المثيرة من ناحية استخدام اللغة وولعه بوصف الحواس، أو بالابتعاد منها لكي أجتذب خيط الحكي لمنطقة التأمل النفسي من منظور نسوي، وهي المنطقة التي تثير انتباهي على الأخص. وأعتقد أنني لست غريبة عن عالم الفن التشكيلي الذي تدور فيه أحداث الرواية، مما يسر الحفاظ على المعادلة السردية فيما يشبه لعبة البنغ بونغ، حتى تفوز النوفيلا في نهاية اللعبة، ونفوز كلانا بتجربة الكتابة المشتركة.

  تعاملت مع الحلقات التي كتبها إدوار انطلاقًا من «الرد» و«النقد»، هل رأيتِ في حلقاته ميلًا للمناكفة؟

  أعتقد أننا كنا حريصين على نجاح التجربة أكثر من حرصنا على المبارزة الأدبية. فكما ناكفني في الفصل الأول، ناكفته في الفصول التالية. كنا ننصب الفخاخ في النص على أمل أن يقع فيها الآخر ويخرج منها معافى وسليمًا، وهو فعليًّا ما حدث، حتى إن بعض القراء انتبه لصعوبة التعرف إلى اختلاف الأسلوب من فصل لآخر، وتساءل عن خطة مسبقة للكتابة نفذناها معًا. والحقيقة أننا من دون ترتيب مسبق، وبلا حوار أو نقاش بيننا، انغمسنا في لعبة الكتابة المشتركة بهدف المغامرة واللعب والتجريب، وجاءت النتيجة لصالح الكتابة في اعتقادي.

أشكال مختلفة للاغتراب

  غربة الإنسان عن ذاته ومحيطه ثيمة عوالم أعمالك الروائية، ألا ترين أنها تجاوزت، من خلال تركيزك عليها، الإشكالية لتتحول إلى جوهر حياة الكائن البشري؟

  أتفق معك في مقولة: إن الغربة باتت جوهر حياة البشر، الغربة بمعنى الاستلاب، الاغتراب عن الذات، الاغتراب في المكان الأصلي والاغتراب بعيدًا منه. أختلف في كونها فقدت بريقها بالنسبة لي. هي تتخذ في كل الأعمال سواء الإبداعية أو الأكاديمية أشكالًا مختلفة كما أن طرق تناولها متشعبة. أحيانًا لا أعيها في أثناء الاشتغال عليها، لكنها في النهاية تتجدد في كل عمل، وتجدد احتمالات فهمها بشكل مغاير في كل مرة، من الغربة بمعنى الاغتراب عن الذات والوطن الأم، إلى الغربة بمعنى الاستغراب والدهشة إزاء كل سقوط للبشر، أفرادًا أو جماعات. هذا المنحى الأخير، الاستغراب، يدهشني في كل مرة لكوني أثق في قدرة البشر على النهوض بعد كل كبوة. ربما يبدو هذا ضربًا من التفاؤل الساذج، لكنه في جوهره يعينني على تجديد الوعي بقدرات البشر وحدودهم، ويدفعني للحركة خارج أنساق التفكير السائدة.

 ●  في رواية «دنيا زاد» أخذت الغربة شكلًا جديدًا، تمثل في الغياب والحضور الملتبس للطفلة التي توفيت في أثناء الولادة. هل تعمدت نبش قضايا نسوية غير مطروقة؟

  هي بالأساس رواية سيرة ذاتية، لم تكن وراءها قصدية أبعد من الحكي، على الأقل في لحظة الكتابة. والحكي، كما هي الحال في ألف ليلة وليلة، هو سعي مضمر للخلاص. بمرور الوقت، أدركت أن دنيا زاد لم تزل حاضرة على الرغم من الغياب، شكلت بغيابها وعيًا مختلفًا باغترابي في هذا العالم، فقد البراءة إزاء الألم، ووعي القدرة الكامنة على النهوض من كبوة الموت رغم الأسى، ووعي الموت بوصفه صنوًا للحياة نجربه ونختبره ونحيا به ومعه في تجاور مستمر.

  أخفقت محاولة «الأم/ البطلة» في إعادة تشكيل العالم وفقًا لقانون الغياب، وفي الإخفاق إمعان بالاغتراب يأخذ شكل ندبة في الذاكرة، ألا ترين فيضًا من الخيال، ولا سيما أن المفقود كان جنينًا؟

  إحساس الأم في الراوية بأن رحمها كان قبرًا لابنتها قبل أن تولد جعلها تغترب عن جسدها، وتسعى من خلال الحكي لِبَثّ الحياة في جسد ابنتها الراحلة، لتشكلها من جديد كشخصية من ورق. الإشكالية الرئيسة هنا، في اعتقادي، تتعلق برغبة الخلق، البعث، أو الخلود. أيضًا هناك رغبة في الكتابة عن جسد الأم وعلاقته بجسد ابنتها وكيف تغترب الأم عن جسدها وتشحذ كل طاقتها للكتابة عن جسد ابنتها الراحلة، لاستعادته ولو بشكل افتراضي، وربما لتخليد اسمها ووجهها وحياتها، تلك التي انتهت في رحم الأم، والأخرى التي بدأت بعد موتها من خلال الكتابة. هي حقًّا ندبة في الروح.

  «الذاكرة موصل للدهشة» في رواية «هيلوبوليس» مما أظهرها عاملًا من عوامل الاغتراب، هل قصدتِ تحولًا في وظيفتها لتصبح الوظيفة الجديدة استثناءً؟

  بل هي قاعدة أراها تجدد علاقتنا بالماضي، وبخاصة أن الذاكرة انتقائية بالضرورة، تطفو على سطحها أحيانًا وبلا ترتيب مسبق أو قصدية، أحداث نظنها قد طواها النسيان. الجدلية التي تطرحها العبارة التي تشير إليها يا جهاد هي أن الذاكرة موصل جيد للحزن كما أنها موصل جيد للدهشة، تدهشنا أحيانًا حالة الحزن الماضية ونتعجب كيف تجاوزناها بثبات، كما يدهشنا تجدد الحزن كلما ثارت الذكرى. نغترب زمنًا قصيرًا حين نعود بالذاكرة إلى الماضي، نغترب عن حاضرنا ربما، لكننا نغترب عن ماضينا أيضًا ونعيد تشكيله وتركيبه وفقًا للحظتنا الراهنة. في «هليوبوليس» أغترب عما أعرف فأترك فسحة من الخيال لشخصيات هي في النهاية من بنات أفكاري، وأقترب منها وأناجيها وأستنطقها لعلني أفهم شيئًا عن هذا الماضي.

شخصيات تكمل بعضها

  ظهر المكان أداة لقياس الزمن وتحولاته في بعض حالاته، ألا ترين أن «هيلوبوليس» تحاكي الزمن في اغترابها أكثر من المكان؟

  هما صنوان، الزمكان بتعبير باختين، لا مجال للفصل بينهما، وإن كنت أرى أن المكان إشكالية نسوية بمعناه المادي الملموس، بمفرداته اليومية، في مقابل الوعي المجرد بالزمن وأفاعيله وتحولاته. لكن يعجبني فيما تقول تعبير «المكان أداة قياس الزمن» وأتفق معك تمامًا في المقولة التي تنطبق بقدر كبير على «هليوبوليس» الرواية والحي. المكان بطل الرواية، وهو شخصية ذات ملامح تاريخية وجغرافية مهمة، لكنه يتجلى أيضًا عبر الزمن وتحولاته هي محور الاغتراب. لولا تحولات الزمن لما اغتربنا عن المكان. وفي الأحوال كافة، لا سبيل لقياس فعل الزمن المجرد إلا من خلال المكان المادي المعين.

  في رواية «أكابيللا» تحاول كل من «ماهي» و«عايدة» التعرف إلى جوانب معتمة من شخصيتها أو البحث عن الناقص فيها من خلال الأخرى مما يوحي بعدم استيعاب الذات، هل أردت إحداث استدارة تضع الرجل في دائرة اللغز بدلًا من المرأة؟

  الغموض يخص الإنسان بصفته كائنًا ملتبسًا وشديد التعقيد حتى في أكثر حالاته وضوحًا. أردت أن نأخذ في الحسبان تداخل النوع (رجل وامرأة) والتشابهات الكثيرة من ناحية أشواق كل منهما، خلافًا لما هو سائد في ثقافتنا العربية. فكرة أن الحب المتكرر حق للرجل على سبيل المثال، وحق مستلب للمرأة. فكرة عفا عليها الزمن. وما يبدو غامضًا في شخصية ماهي الراوية وصديقتها عايدة، يتكشف من خلال قلب المنظور الجندري، هما بالنسبة لي إنسان وامرأة، بهذا الترتيب. إنسان غامض قبل أن يكون امرأة غامضة. والرجال في الرواية كذلك يحيطهم كثير من الالتباس، هي دوائر تفضي إحداها للأخرى.

  «أتخيل الحياة ولا أعيشها، أحلم وتنقصني الإرادة». هل قصدت تحديد منطقة رمادية بين الاغتراب والعجز مع وصول بطلة أكابيللا إلى هذه الحالة؟

  لم أفكر في العجز، لكنك تلفت نظري لذلك الملمح في شخصية «ماهي». فعلًا هي بشكل ما تشعر بالعجز وتكرر النمط السائد عن الزوجة المستقرة وفقًا لمنظومة المجتمع المحيط بها حتى تتمرد قليلًا في النهاية، وتعيد تشكيل حياتها كما تهوى. لكنها تغترب أيضًا كما حاولت أن أقول في نهاية الرواية؛ لأنها تسعى لتكرار نمط حياة عايدة.

التعدد لا الأحادية

  «القليل من الحب فرض على النساء، والكثير حق مكتسب للرجال»، ألا ترين أنك أخذت منحى أسطرة ذلك الشعور الإنساني خلال توظيفه في إظهار مظلمة النساء وذكورية المجتمع؟

  أعتقد أننا بحاجة لتوظيف الأسطورة طالما استمرت ذكورية المجتمع الرأسمالي، سواء كان عربيًّا أو غربيًّا، فيما يخص علاقات الحب والجنس وصراع السلطة الدائر بين النساء والرجال. قد تبدو المقولة مكررة، لكنها تستهدف أيضًا شريحة من القراء تحاول تحييد الصراع لصالح الرجل، ورأيي أننا بحاجة لفضح الأسطورة وكشف عوارها كلما أمكن ذلك.

  للاغتراب ملمح التشظي، وتعددية المداخل في رواية «الكل يقول أحبك» ألا ترين في ذلك عجزًا عولميًّا عن ترتيب أوليات الهوية؟

  لا أصدق مقولة «ضياع الهوية»، أصدق التعدد لا الأحادية. منذ عصور الحضارات القديمة حتى اليوم، يحكمنا كبشر قانون التعدد والتجاور، لكننا نأبى تفسير التاريخ بهذا المنطق، ونهوى على الأقل على مدار القرنين التاسع عشر والعشرين حتى اليوم، تصور العالم بمنطق قومي أحادي النزعة. التشوهات ليست ناجمة عن التعدد ولا عن ضياع الهوية الواحدة، بل عن فرض الهوية الواحدة بوصفها الأفق الوحيد للبشرية، على الرغم من عوار هذه الفكرة التي فرضها على العالم عصر التصنيع الأوربي ومقولات الفكر القومي الأوربية. المهاجرون في كندا كما ترصدهم الرواية يقعون، إلا نادرًا، في هذا الفخ، وكأن الازدواجية الثقافية دخيلة على الثقافة العربية. هو منظور في رأيي يحتاج لإعادة نظر، وبخاصة أن عصور النهضة الأولى للحضارة العربية الإسلامية عصور تعدد وتجاور بين لغات مختلفة وهويات مختلفة أيضًا، يمثلها في نظري الفارابي وابن سينا وابن رشد وابن خلدون وغيرهم.

  «في غمرة اللهاث والمنافسة على إثبات وتجديد الثقة تتلف العائلة وتذوي ولا أحد يعرف من أين يأتي العطب». هل هي سمات الآخر الغربي أم تشظيات القادم بحثًا عن انتماء آخر؟

  هي سمة العصر، أراها متجلية في المهاجر العربي إلى كندا وفي شرائح أخرى من السكان الأقدم في كندا مثل الكيبيكيين ذوي الأصول الفرانكوفونية والأنغلوسكسون. لا أقصد العائلة العربية فقط، أقصد العائلة بصفتها منظومة ومؤسسة بشرية. الأسرة تحتاج لنقد كبير في جوهرها، والزواج أيضًا.

أوطان المهاجر

  يتحدث كمال المصري في «الكل يقول أحبك» عن رغبة في حياة ثانية، فرصة أخرى في الحياة نفسها، مما يوحي بغربة عواملها مركبة، هل ترين في الشعور بالتعاسة شكلًا من أشكال الاغتراب؟

  بالفعل، أرى كما تقول: إن تعاسة كمال المصري وشقاءه ناجمان عن شعور الاغتراب عن الوطن الأم، وشعور الاغتراب داخل منظومة الزواج نفسها. تلك التركيبة لو شئنا هي بالضبط ما أردت التعبير عنه من خلال شخوص الرواية على اختلافها. قدر الهجرة يلعب دورًا مهمًّا في الشعور بالاغتراب وما يصاحبه من تعاسة، لكن ثمة مشاعر أخرى هي أيضًا مشاعر اغتراب أو استلاب، ترتبط بالزواج كمؤسسة دائمة متوقع أن تقوم على أسس صلبة وعلى رغبة متجددة في الاستمرار مهما كانت عواقبها على النفس. فرصة أخرى في الحياة نفسها هي ما تسعى إليه شخوص الرواية من الرجال، من خلال تعدد العلاقات خارج الزواج، ومن خلال الهجرة أيضًا.

  تستغرب نورهان، إحدى بطلات الرواية، من الاستمرار في استخدام مصطلح «المهجر»، هل ترين في إدمان الاستثناء ما يكفي للتخلص من القاعدة المفترضة؟

  بالعكس، أرى أن الاستثناء يؤكد القاعدة المفترضة. القاعدة هي كلمة «مهجر» و«هجرة»، والاستثناء أن نتعامل مع القاعدة بقدر من الاستهتار قد يشي لدى نورهان وغيرها بنوع من المراهقة الفكرية، وبخاصة أنها ليست أستاذة جامعية. الموقف من المصطلح مختلف في الرواية، فكمال المصري الأستاذ الجامعي يستطيع مناقشة المصطلحات وتفنيدها والتأريخ لها، أما نورهان فهي تستغربه من واقع خبرتها العملية، ولا ترى أن مهجر بدايات القرن العشرين تعبير صادق عن تجربتها الخاصة.

  يجد كريم ثابت صعوبة في الاعتراف لزوجته بفتح علاقة على الطريقة الغربية خشية مطالبتها بحقها في أن يكون لها عشيق غيره، ويندفع لحث إيليشيا على الاعتراف بانجذابها نحوه، هل هو التعويض عن عقدة النقص أم العجز عن فهم الذات؟

  كلاهما. لقد وضعت يدك على أهم ملمحين في شخصية كريم ثابت: الشعور بالنقص والعجز عن سبر أغوار ذاته. على الرغم من أنه أستاذ جامعي ومفكر بمعنى من المعاني، إلا أنه يعاني عدمَ القدرةِ على فهم ذاته وحدودها. ويشبه «بسام الحايك» مع فارق أن بسامًا يتأمل ويصل لحلول تخص نظرته لنفسه، هما شبيهان في علاقاتهما النسائية المتعددة، مختلفان في وعيهما بدوافع التعدد.

  يأخذ الهروب من الحزن المقيم والاحتماء من الذكريات منحى العمل ومطاردة النساء لدى شخصية الحايك، هل يعني ذلك تحول المرأة إلى وطن موازٍ؟

  المرأة سكن الحايك. يصر على احترام زوجته الكيبكية على الرغم من تكرار الخيانة؛ لأنها وطن بديل، مثلها مثل نساء أخريات في حياته عَدَّهن وطنًا وسكنًا. كما تتعدد الأوطان في حياة المهاجر، تتعدد العلاقات النسائية في حياته. العمل وسيلة لإزجاء الوقت. أعتقد أنه مضطر للعمل، ولو خُيِّرَ بين العمل والصعلكة لاختار الأخيرة.

  ألا ترين أن حضور عبدالوهاب وأم كلثوم، في الرواية، تجاوز محاولة تأثيث الحدث إلى دلالات التعويض؟

  ملاحظة شديدة الرهافة، لم أفكر فيها بهذا المعنى وأنا أكتب، لكني أستطيع أن أجيبك بصفتي ميّ التلمساني بأن لحضورهما في حياتي الشخصية معنى التعويض فعلًا. هما مؤشران على ميراثي الثقافي العائلي أيضًا. حضورهما حضور لعائلتي (خصوصًا أبي وأمي) في النص، ولكن بشكل خفي. هما أب وأم بديلان بالنسبة لي بصفتي عربية مصرية في الشتات. والأخ الذي لم تلده أمي هو عبدالحليم حافظ.

  يفرض الحدث التكنيك الروائي، وأشكال السرد، هل كان تقسيم الرواية نتيجة لتشعبات عوالم ومظاهر الاغتراب في الغرب؟

  كل فصل من الفصول الخمسة يضم صوتًا بضمير المتكلم وآخر بضمير الغائب، تتبادل هذه الأصوات الضمائر حتى الفصل الأخير المخصص للحايك. أردت أن أوزع الأصوات بهذه الطريقة، في إشارة لتعدد وجهات النظر، وكل صوت يناقض ما يعرفه الآخر عنه، حتى يستولى الحايك على الأصوات جميعًا من خلال إشارته للجيلي فيش. الطفو هو قدر المهاجر، وهو قدر الإنسان بصفة عامة لوجوده دومًا بين حدين: المعرفة المبتسرة، واليقين المطلق. مظاهر الاغتراب في الغرب تخلخل العلاقة بين الحدين، فيصير المهاجر مثل الجيلي فيش، يولد كل يوم من جديد، وتتوالد لديه رغبات وأشواق منسية تجدد خلايا حياته بمعنى من المعاني.