الجملة السردية بين الصياغة والتأويل سيرة «في منتصف الطريق إلى مراكش» لمنعم الفقير نموذجًا

الجملة السردية بين الصياغة والتأويل

سيرة «في منتصف الطريق إلى مراكش» لمنعم الفقير نموذجًا

السيرة مفهوم شائك وشاسع في الوقت ذاته، يحتاج إلى مقاربات من زوايا مختلفة ومتعددة. ولا بد من الوقوف عند تعريفيها اللغوي والاصطلاحي. جاء في المعجم الوسيط: «السيرة: السنة. والسيرة: الطريقة. والسِّيرَةُ الحالةُ التي يكون عليها الإنسانُ وغيرُه. والسِّيرَةُ: السيرةُ النبويةُ، وكُتُبُ السِّيَرِ: مأخوذَةٌ من السِّيرة، بمعنى الطريقةِ، وأُدخِلَ فيها الغزواتُ وغيرُ ذلك. ويقال: قرأتُ سيرةَ فلانٍ: تاريخ حياته. والجمع: سِيَرٌ.«(1). وذكر ابن منظور، صاحب اللسان، السيرة قوله: «حكى اللحياني: إِنه لَحَسَنُ السِّيرَةِ؛ (…) والتَّسْيارُ: تَفْعَالٌ من السَّيْرِ. (…) والسيرة: السنة…»(2). ويقول تعالى في سياق قوله عز وجل لموسى بأن يأخذ الحية دونما خوف: «خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى»(3)، والسيرة في الآية بمعنى الهيئة كما جاء في التفاسير. أما في الاصطلاح، فيقول فيليب لوجون في حد تعريف السيرة الذاتية: «حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص. وذلك عندما يركز على حياته الفردية، وعلى تاريخ شخصيته، بصفة خاصة»(4). إن صاحب السيرة الذاتية: «يحكي لنا بالضبط -وهنا تكمن أهمية محكيه- ما يستطيع هو وحده أن يقوله لنا»(5).

إشكالية التجنيس

«إذن، إذا كانت السيرة الذاتية تتحدد عن طريق شيء خارج عن النص، فليس ذلك عن طريق مشابهة مع شخص واقعي يتعذر التحقق منها، بل بَعِيدًا من ذلك، عن طريق نمط القراءة التي تولده تلك المشابهة التي تفرزها، والممنوحة للقراءة في النص النقدي(6). من هذا المنطلق، يطرح نص «في منتصف الطريق إلى مراكش»(7) إشكالية كبرى؛ فهو نص سيري بامتياز.

في الاستهلال هناك تلقي خبر الموت وسرد تعقب الكاتب لإراقة دمه، والتحريض بهدر دمه من خلال «كتاب أسئلة العقل» عبر فعل استحضاري، تنامت في ذهن السارد رؤى وأفكارٌ: «الطبيعة بسيطة، الجانب المعقَّدُ منها هو الإنسان. تعبئة الحياة بأفكار لا تجعل يومنا حفلة دائمة لتفاصيل حميمة. حياة تسير متعثرة ومتلكئة بفعل نظرة أو فكرة»(8).

وسرعان ما يعلن السارد باتصال الأخ عبر فعل استحضاريٍّ جديد، حيث المشيرات اللغوية تكشف عن زنزانة التعذيب والاستنطاق ومساومةِ الأخ المنفيِّ ومحاولةِ ابتزازه بمبلغ عشرة آلاف دولار: الدفع أو القتل: قتل الأخ تحت سطوة التعذيب وقساوة الجلاد… إنها مأساة الخنوع الكلي لأفكار أضحت مقدسةً على حين غرة؛ أفكار غدتْ حقيقة وهي وَهْمٌ: «إن مأساة البشرية بدأتْ حين وضع رجلٌ حقيقةً، صدقها، ثم ادعى أنها مقدسة، فأكرهَ غيرَهُ على الخضوع لها والتسليم. (…) لا توجد حقيقة بل الفعل هو الحقيقة»(9).

بداية المخاض

ثلاثة أيام بأكادير، اختزل السارد أحداثها في علاقاته بالمكان العتيق، والفندق، والمطعم… أيام كفيلة بتكوين رؤية نوعية عن المغاربة، وقد يظهر ذلك جليًّا من خلال السؤال المستفز، حيث سألته إحدى عاملات الفندق عن مجال عمله بالدنمارك، فرد: «أخدم الأمة العربية»(10). جواب يعكس الرؤية الخاصة بالسارد/الشاعر، رؤية تنبئ عن توتر الأمة وتمزقها… ثلاثة أيام كفيلة بتشكل الحُلم كل ليلة في انتظار رحلة إلى مراكش. يقول: «أَحْمِلُ أحلامي الأجمل/ وأمضي إلى النوم/ أي امرئ أنا/ كل ما ألتذ به/ هو أني أقطف أحلامي/ حُلْمًا حُلْمًا من شجرة النوم»(11). هكذا كان الْـحُلْمُ شبيهًا بأريكة من خيال حيث يجلس السارد تحت ظل شجرة النوم الوارفة يقطف ثمرات الحلم من حقل «كتاب أسئلة العقل».

في صبيحة اليوم الرابع بعد المقام بأكادير، يستقل السارد الحافلة باتجاه مراكش، يجثو السارد على قمة الاستحضار: الأخ والعراق والمنفى. لم يشعر البتة باغتراب، وهو في منتصف الطريق تتوقف الحافلة… تلك بداية مخاض لولادة نص «في منتصف الطريق إلى مراكش»، نص ناجمٌ عن سفر، والسفر عبر المكان تنقل أنطولوجيٌّ! السفر محطة أنطولوجية لولادة الرؤى والتصورات والكتابة بحثًا عن الإشراق الزمكاني والإبداعي…

«الكتابة فعل يقترح فعلًا أعظم»(12). هكذا يعلن السارد في قرارته قبل مغادرة الحافلة التي توقف نبض محركها مما يوحي بالرغبة المتولدة للكتابة.

أحس السارد بالجوع بمراكش، ثم يعلن: «الشعور بالجوع بقي قائمًا./ شبعت من مرأى جوعى ينهون جوعهم بالابتهال والدعاء./ جوعان/ يجوع بي الجوع/ أنا الجائع الأبدي»(13).

منعم الفقير

وقد وصف ساحة جامع الفناء من جوانب كثيرة في المساء من حيث حركيّتها ومرتاديها المغاربة والأجانب، ونشاطاتها. يقول السارد: «ساحة جامع الفنا مكسب كوني»(14).

تتوالى الأحداث ما بين أفضية عدة، أهمها ضريح سيدي بلعباس العالم الزاهد الصوفي حيث بعض الأمداح في خير البرية، وقد استحضر الشاعر في أثناء وجوده بالضريح أجواء وطقوس الصوفية بالعراق على اختلاف مشاربهم من شيعة وغيرهم. يقول: «العراق الذي كلما بعدت عنه ازداد قربًا»(15). يلتفت السارد في سياق الحديث عن العراق إلى «كتاب أسئلة العقل»، ثم يوظِّفُ حُبًّا وأَلَمًا كبيرين: «صناعة وطن/ مرةً أخذتُ: قَلِيلًا من التراب/ قَلِيلًا من الأعشاب/ قَلِيلًا من المياه/ وكثيرًا من الأسلاك/ وصنعتُ منها وطنًا/ فهل أسميه «عراق»»؟(16).

التفاتة حب مبأرة داخل المتن السردي، من متن أسئلة العقل الشعري.

تنطلق السيارة من الزاوية اتجاه منزل أحد الرفاق مرورًا بالأحياء الشعبية التي أثارت انتباه السارد حيث أنشطتهم وحركاتهم وأيضًا لون الجدران… فلا يحس بغربة أو اغتراب بمراكش: «لا تكرس مراكش الإحساس بالغربة»(17).

أفاض السارد حديثه عن المدينة وأناسها، يقول: «الناس حلي المدينة. ما المدينة إن لم تكن الناس…»(18). ويرجح السارد مبدأ العقل والمنطق: «أعتني دائمًا بمعجمي الشعري، وأرعى وأراعي مفرداته، وأحرسه من أن يتسلل إليه مفردة غريبة، فالكلمة معناي، الكلمة تسفر عني»(19). وتم ذلك بسرد ذي طابع نقدي كجواب عن سؤال أحد الأصدقاء، وقد وظف السارد عبر مناصصة تعبيرًا عن الآراء مقاطع من «كتاب الرؤيا»(20).

الكلام والجملة والأسلوب

يقتضي الحديث عن الأسلوب النظر إلى مفاهيم أخرى كالجملة والعبارة على الرغم من تداخلهما كما يقول جيفري بوول: «إن أشجار بنية العبارة تستخدم لتوضح بشكل تصويري بنية جملة من الجمل»(21). وسنركز على الجملة كبنية مركبة من ملفوظات تفيد معنى معين.

فالجملةُ: «جماعة كل شيء، ويقال: أخذ الشيء جملةً، وباعه جملةً، مُتَجمِّعًا لا متفرقًا. عند البلاغيّين والنحويّين: كُلُّ كلام اشتَمل على مُسْنَدٍ ومُسنَدٍ إِليه. والجمع: جُمَلٌ»(22). وفي سياق حديث الزمخشري عن الكلام والجملة يتضح الأمر حيث يقول: «والكلامُ هو المركَّبُ من كلمتيْن أسنِدتْ إحداهما إلى الأخرى، وذاك لا يتأتى إلا في اسميْن: كقولك: زيدٌ أخوكَ، وبشِّر صاحبَكَ. أو في فعلٍ واسْمٍ نحو قولِكَ: ضربَ زيدٌ، وانطلقَ بَكرٌ، وتُسمى جملةً»(23).

أما في الاصطلاح فهي اللفظ المستقل بنفسه والمفيد لمعناه(23). وعرف المحدثون مفهوم الجملة بأنها جُمَاعٌ من الألفاظ المتتالية والمُشَكِّلَةِ لمعنى تامٍّ. وفي هذا السياق يعرف عباس حسن الجملة باعتبارها كلامًا بقوله: «الكلام والجملة ما تركب من كلمتين أو أكثر وله معنى مفيد»(24)؛ إذ يُشْترَطُ في الكلام كتركيبٍ جُمليٍّ الإفادة، أي أنَّ الكلام/ الجملة تركيب يفرض تحقق الفائدة. وقد حظيت دراسة الجملة بقدر كبير من عناية النحاة القدامى والمحدثين، وما زالت مثار اهتمام الخبراء وعلماء اللغة(25). قد يفضي بنا هذا الكلام إلى طرح تساؤل مفاده: ما علاقة الجملة بالأسلوب؟

ورد في المعجم الوسيط: «الأُسْلُوبُ: الطَّرِيق. ويقال: سلكتُ أُسلوبَ فلان في كذا: طريقَتَه ومذهَبَه. والأُسْلُوبُ طريقة الكاتب في كتابته. والأُسْلُوبُ الفنُّ. يقال: أَخذنا في أَساليب منَ القول: فنونٍ متنوعةٍ»(26). بناءً على التعريف اللغوي للأسلوب، فإن الاشتغال على نص ما بآلية الأسلوب، يضعنا أمام مبحث آخر وهو الأسلوبية، التي تتداخل مع الشعرية كما يقول عبدالسلام المسدي في كتابه «الأسلوبية والأسلوب». فالأسلوبية إذن كما يقول توفيق الزيدي: «معيار موضوعي لنقد الأدب»(27). وقد تنصهر هذه المفاهيم إذا كان النص سرديًّا في مفهوم الوحدة السردية، أو المقطع السردي… وكلاهما في نهاية المطاف تشَكُّلٌ لغويٌّ أو بناءٌ لغويٌّ، ذلك أن الأدب على حد قول تودوروڤ: «يستعمل نظامًا موجودًا قبله هو اللغة، مادةً خامًا»(28).

وإذا كان النص لوحة لغوية بريشة كاتب/ أديب، فإن تلوينات تراكيبه منبثقة من الواقع، وهذا الطرح أشار إليه تزفيتان تودوروڤ بقوله: إن «النص الأدبي يعود إلى واقع ما وبأن هذا الواقع يمثل مرجعه، يعني أننا نقيم بالفعل علاقة صدق بينهما وأننا نُخَوِّلُ لأنفسنا إخضاعَ الخطاب الأدبي إلى امتحان الحقيقة، أي سلطة الحكم عليه بالصحة أو الخطأ»(29).

وإذا ما ألقينا نظرةً أولى على جمل النص ككل، فإنها في الـمُجْمَلِ متضمنة لضمير المتكلم، ولا غرابة في ذلك ما دام أن التجنيس يُدرِجُ النص في السيرة كسفرٍ كوني أنطولوجيٌّ محوره الذات المتكلمة/ السارد/ الكاتب.

ويمكن ترتيب جمل النص السردية في محاور أساسية:

محور الحياة: «أريد أن أرى الزمن يقبع في مكان، نعم الزمن بتاريخيته كيف يقيم معهم، يطبع لمساته الخشنة على الأمكنة ويخلِّف انطباعات عنه في الذاكرة»(30).

إنها جملة سردية في سياق حديث السارد عن وصف أهل مراكش من حيث الزمان والمكان، فهم استثنائيون.

محور الموت: «في الحياة الخائنة يبالغ الموت بعرض وفائه. تتخلى عني الحياة إلى موت لا يتخلى عني»(31).

بقدر ما يحقق السرد متعة القراءة، فإنه في الوقت ذاته يحقق الفكرة فتتناسل الدلالات والأبعاد. ففي هذه الجملة توسمُ الحياة بالخيانة والموت بالوفاء. وهو تعبير مجازي تحققت شعريته انطلاقًا من التركيب الاستعاري المكني لكون كل من الحياة والموت شُبِّهَا بالإنسان باعتباره قد يكون خائنًا أو وفيًّا.

محور الغربة: «لا تكرس مراكش الإحساس بالغربة. إحساسي بالغربة وفير، يسكنني منذ جلائي عن بغداد عنوةً. أحمله أنَّى أكون. أَحْيَانًا أشعر غَرِيبًا وأنا في بيتي أعيش بين أشياء تفقد صفة التعلق بها. أنا ومراكش لا غربة بيننا. الإحساس بالغربة عادةً يكون نائمًا، ولكن هناك مدنًا ماكرةً أو ذكية تبرع في إيقاظه»(32).

هنا يرتبط السرد بروح المكان، وذلك إشارة إلى المكان الجوهر المُتَضَمَّنِ في مكون العنوان: مراكش. وتتولد ثيمة أساسية من خلال هذه الجملة السردية وتتجلى في ثيمة الغربة أو الاغتراب.

محور النفس: يستمر السارد في نقل أحاسيسه ومشاعره عبر مسار سردي محكم، حيث نلحظ متوالياتٍ جُمْلِيَّةً تعكس هذا الجانب، وهي متواليات في أغلبها ذات خصيصات نوعية أهمها خصيصة الإيجاز والقِصَر. ومن نماذجها: «لم أستجبْ»(33)، وهي جملة وردتْ في سياق الحديث عن الأخ المغتال ج، الذي دُفِعَ بوازع ابتزاز السارد/ الكاتب وهو في المنفى للحصول على مبلغ مالي مهم.

وإذا كان السرد في هذه الجملة عبارة عن جملة فعلية باعثةٍ على توتر نفسي، فإن جملةً سردية أخرى: «أحلامي أمتعتي»(34)، وهي جملةٌ ترسخ مبدأ الثبات والهدوء باعتبارها جملةً اسميةً.

ويتنامى التوتر النفسي بِشَكْـلٍّ انسيابيٍّ ليدل على الانهيار من خلال الجملة السردية التالية: «ذات مساء أشعر بحزنٍ مر»(35). ومن خلال «ذات مساء» يثوي الإفراد صيغ الجمع ليصبح المساء مساءات عدة؛ يُخَيِّمُ فيها الحزن الْـمُرُّ على السارد/ الكاتب؛ مما يدل بشكل صريح على التوتر والتأزم النفسيين. لذا، نلحظ أن السارد/ الكاتب ركز في بنية هذه الجملة السردية على لفظةٍ جد دالة، وهي لفظة «الخواء»، حيث يقول: «أينما حللت أشعر بالخواء، يرعبني خوائي مني أنا الذي من يكون. في حصار الحياة أستغيث بالموت فكرةً ومصيرًا، أجده أرحب من حياةٍ يضيِّقها البشر بفعالهم ووعيهم. الوعي مصدر التعاسة»(36).

إن النأيَ عن بغداد خواءٌ، والخواء قاتلٌ مرعبٌ مخيفٌ مدعاةٌ للشكِّ في الوجود على رغم الوجود، وفي الْحَيَاةِ على رغم الْحَيَاةِ: وجودٌ محَاصَرٌ وحياةٌ محاصَرةٌ، فتغدو الموت مستغاثٌ بها فكرًا ومصيرًا، ذلك ما يؤدي بالسارد إلى الإحساس بالتعب والصحو بالإبداع. يقول: «أستلقي من تعبٍ وأنهض من شعر»(37). وبالتالي فإن السارد/ الكاتب/ الشاعر يقاومُ هذا الإحساس عبر جهدٍ جهيدٍ بقوله: «أجمعني فِيَّ، بعد تشتت على ذكريات وتبعثر في أحلام»(38).

فالبنية الجُمْلِيَّة السردية تكشف على مقاومة ذاتٍ لذاتٍ تتألم ساعيةً لتضميد الجرح/ الجراح ومحاولة جمع أحلام آلت إلى التشتت بُغْيةَ تشكيل بغداد أخرى وعراق آخر أكثر توحدًا. «الجسد مسرح تعرض عليه فنون الرغبات. إني في خلاف مع نفسي يصل حد الشجار، أتقهقر إلى أعماقي، لا يرعبني ما أرى فيها، بل يرعبني ما لا أراه فيها»(39).

يتخذ السرد في هذه الجملة منحى شعريًّا، حيث الانطلاق من الجسد والنفس للعودة إلى القرار/ الأعماق قصد قراءتها، وعكسِ ما تمثله بالنسبة للذات، أي الذات الساردة التي تهابُ ما لا تراه في النفس أكثر مما تراه فيها.

«أينما حللتُ تجلوني بغداد عن مكان ليس فيها ولا منها»(40).

يحضر المكان بقوة في متن المؤلَّف بكل أبعاده، وإذا كان المكان في المتون السردية يتوزع بين المكان التخييلي والمكان الواقعي… يتراكم السرد بجملٍ تختلف وتتنوع من حيث الأبعاد والدلالات، فالجملة السردية التالية مثلًا: «القسوة توحِّدُ البشر»(41). اسمية تتكون من خبر مبتدأ الذي جاء اسمًا وخبرٍ جاء جملة فعلية. فالكاتب افتتح الجملة السردية بكلمة «القسوة»، وهي الشدة والصلابة والغِلَظُ في كل شيء وورد في القرآن الكريم: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ»(42). فالقسوة انطلاقًا من القرآن الكريم شدة وغلظ وصلابة، كل إحساس لا رحمة فيه، وكل ما لا علاج منه لذا شبهها الله تعالى بالحجارة…

خاتمة

الجمل السردية أو المتواليات السردية لحمةُ النص السردي وكيانه الحامل للدلالات على اختلاف محاورها: نفسي واجتماعي وسياسي وفكري، وغيرها من المحاور التي تحددها جملةٌ من الثيمات تُحَدِّدُ في نهاية المطاف تصور السارد/ الكاتب ورؤيته للعالم؛ ذلك أن النصَّ سيرة حياة تلخص سفرًا من الماضي والحاضر. والحياة كما تقول سيزا قاسم: «سلسة متصلة من الأمس واليوم والغد، ولكن ما هو الحاضر؟ هذا الذي يمرق قبل النطق به إلى ماضٍ! وأين هو هذا الماضي؟ هل له وجود أم اندثر؟ ثم هذا المستقبل الذي نتصوره امتدادًا لسهم الزمن، هل له وجود قبل أن يصبحَ حاضرًا يفلت من أيدينا إلى الماضي»(43).

وإذا ما تأملنا الجمل السردية في نص «في منتصف الطريق إلى مراكش»، نكتشف عالمًا بل عوالم من التصورات والرؤى تلخصها ثيمات جوهرية، إضافة إلى لغة شعرية ذات أبعادٍ إيحائية، وتلك خصيصة النص الإبداعي، حيث ينماز الإبداع -على حد قول حميد لحمداني- بخصيصة تتمثل في: «عناصر تخييلية قادرة على تحويل انتباه القارئ عن كل ما هو يومي مبتذل إلى ما هو مثير وجديد ومجاوز للواقع المألوف، لهذا السبب لعب الخيال دورًا أساسيًّا في تقدير قيمة النتاج الأدبي ودرجة اتساع مجال تداوله أو استهلاكه»(44).


 

المراجع:

(1)  المعجم الوسيط، ص: 467.

(2)  ابن منظور، «لسان العرب»، دار صادر، بيروت، دون تاريخ الطبع، المجلد الرابع، ص: 389.

(3)  سورة طه، الآية 21.

(4)  فيليب لوجون «السيرة الذاتية الميثاق والتاريخ الأدبي»، ترجمة وتقديم عمر حلي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1994م، ص: 22.

(5)  فيليب لوجون ص: 53.

(6)  فيليب لوجون، ص: 65.

(7)  منعم الفقير «في منتصف الطريق إلى مراكش» أروقة للدراسات والترجمة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 2017م.

(8)  منعم الفقير «في منتصف الطريق إلى مراكش»، ص:6.

(9)  نفسه، ص: 7.

(10)  نفسه، ص: 9.

(11)  نفسه، ص: 10.

(12)  نفسه، ص: 12.

(13)  نفسه، ص: 16.

(14)  نفسه، ص: 20.

(15)  نفسه، ص:  44.

(16)  نفسه، ص: 44

(17)  نفسه، ص: 45.

(18)  نفسه، ص: 46.

(19)  نفسه، ص: 65.

(20)  منعم الفقير «كتاب الرؤيا»، الصادر بالدار البيضاء سنة 1997م.

(21)  جيفري بوول، «النظرية النحوية»، ترجمة مرتضى جواد باقر، مراجعة د ميشال زكريا، بدعم من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى 2009م، ص: 72.

(22)  المعجم الوسيط، ص: 136.

(23)  الزمخشري «المفصل في صنعة الإعراب» تحقيق: خالد إسماعيل حسان، مكتبة الآداب، القاهرة، طبعة 2009م، ص49.

(24)  عباس حسن، «النحو الوافي»، دار المعارف بمصر، الطبعة الخامسة، الجزء الأول، ص: 15.

(25)  نعمان عبدالسميع متولي «مكونات الجملة والأسلوب في اللغة العربية دراسة تطبيقية» دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع، 2014م، ص: 13.

(26)  المعجم الوسيط، ص: 441.

(27)  توفيق الزيدي، «أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث»، الدار العربية للكتاب، 1984م، ص: 95.

(28)  تزفيتان تودوروڤ «الشعرية»، ص: 31.

(29)  تزفيتان تودوروڤ «الشعرية»، ص: 34/ 35.

(30)  منعم الفقير «في منتصف الطريق إلى مراكش»، ص: 8.

(31)  نفسه، ص: 59.

(32)  نفسه، ص: 45.

(33)  نفسه، ص: 6

(34)  نفسه، ص: 9،

(35)  نفسه، ص: 7.

(36)  نفسه، ص: 9.

(37)  نفسه، ص: 12

(38)  نفسه، ص: 59.

(39)  نفسه، ص: 9.

(40)  نفسه، ص: 9.

(41)  نفسه، ص: 22.

(42)  سورة البقرة، الآية: 74.

(43)  سيزا قاسم، القارئ والنص (العلامة والدلالة)، الشركة الدولية للطباعة، القاهرة، [دون ذكر رقم الطبعة] 2002م، ص: 69.

(44)  حميد لحميداني «القراءة وتوليد الدلالة»، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2003م، ص: 11.