أسامِرُ (لا)

أسامِرُ (لا)

لا أظلم الريح، إن الريحَ كادحةٌ
لا أظلمُ البحرَ، في أحشائِه وجعٌ
لا أظلمُ الليلَ، أعراسُ النجوم به
لا أشتمُ الأفُقَ القاصي، فبهجتُه 
لا أظلم القفر، بات الصمت يكنُفُه
أصبحتُ أنضُدُ غفراني لمن عبروا
وانزحت للملأ الأحلى، أساومهم
وصرتُ أردع صوتي كلما انتفشتْ
(طوق الحمامة) في جيدي، وملءُ فمي
مهاجرٌ نحو نفسي، علّ يثربَها

تسعى، ولو فتَرَتْ لم تبلغِ الأمدا
طاغٍ تناثر في شطآنِه زبَدا
غفّارةُ الهمّ، تسقي ناظريَّ مدى
في أن يظلَّ عن العينين مبتعدا
فحيثما التفتتْ عيناه لا أحدا
وأنسجُ اللغةَ الفُضلى لمن بعُدا
على الرحيل إلى… كي نغزو الأبدا
أشواكه، وأساقي الصائحين صدى
لقد (أتاك الربيع الطلق) مطّردا
تُدني إلى الروح من أنصارها مَددا

إن كان ثمَّ متّسع

إن كان ثمَّ متّسع

هل آن للمقرورِ في جِلبابِه

أن يُودِعَ الدنيا خُلاصةَ ما بهِ؟

يخشى نهايتَه، وفي فمِه فمٌ

ثانٍ يلوكُ الضدَّ من آرابِه

ولديه ينفطرُ السؤالُ، ونارُه

منسِيَّةٌ، والفجرُ ليس بآبِهِ

متشظِّيًا أرَقًا، يلوذُ بعمرِه الـ

ـباقي، فيُودِعُ نفسَه بكتابِهِ

ويعيدُ ترتيبَ الـمَشاهِدِ حينما

شرَعَ الزمانُ يسيلُ من أهدابِهِ

تتوالدُ الصورُ الشجيّةُ كلما

مرّتْ به انعَطَفتْ إلى محرابِهِ

يعرضنَ بعضَ العمْرِ: ساعةَ صبوةٍ

وقتًا سخيًّا، قطعةً من صابِهِ

طفلًا بحضنِ أبيهِ يغمسُ نفسَه

متطهِّرًا من مُشجِياتِ غيابِهِ

غِرًّا يؤلِّهُ حُمقَه، كهلًا مشى

متلدّدًا، شيخًا رهينَ شبابِهِ

٭ ٭ ٭

لا وقتَ للصمتِ الذليلِ، فقد مضى

وعدُ اللُّحونِ بأن ترنَّ ببابِهِ

فإذا تعثّر وعدُها فلمن إذن

يمضي، ومن يسقيه ثلجَ مآبِهِ؟

ولمن إذن يصغي؟ لأمسٍ ناعسٍ؟

لـمُنى الرمالِ؟ لشِعرِهِ المتشابِهِ؟

فإذا تسلَّل في الزمانِ شعورُه

واستُلَّ مِنْ جنبيه جمْرُ رِغابِهِ

وانساقَ في وادي الحياةِ سؤالُه

هَيْمانَ يبحثُ عن طيوفِ جوابِهِ

فهناك يبتدئُ احتمالًا ثانيًا

أن يقرأَ الدنيا بعينِ سرابِهِ

أسرار أبديّة

أسرار أبديّة

كالغيمِ هيّج شوقَ العشبِ وانصرفا           كالجمرِ أيقظَ دفْءَ الليلِ ثم غفا

كالشِّعرِ صبَّ على (القيثارِ) خمرتَه           حتى إذا سكِرتْ أوتارُه انقصفا

أنا وأنتِ، وما بين الرِّغابِ هوًى                 لاثنينِ ما ائتلفا يومًا ولا اختلفا!

توافيا في طريقٍ – والطريقُ لها                أُذْنانِ- فاشتعلا أنْسًا وما اقترفا

فذابَ أولُنا في الأفْقِ منكسرًا                  واندسَّ  آخرُنا في الصمتِ مرتجفا

وبيننا السدُّ، لا يأجوجُ رغبتِنا                   تَسْطِيعُ  نقْبًا، ولا يندكُّ منجرِفا

لكنّ عندكِ من أهوائنا طرَفًا                    فأحكِميه، فإني أُمْسِكُ الطرفا

وقد نكرِّرُ يومًا ضوءَنا وعسى                   أن نلتقي مثلَ لُقيانا التي…؟ وكفى

٭٭٭

كُوني (سُراقةَ) هذا العُمْرِ واتخذي            سِوارَ كِسْراكِ من دون المنى هدفا

وفصّلي الوقتَ فانوسينِ ما حملا             إلا سنًا من بلاطِ الشمسِ مختطَفا

ولا تبالي بأدغالِ الرياحِ ولا                     ما خبّأ الزمنُ المَوْتُورُ أو قذفا

فربّما غيّر الإعصارُ نيَّتَه                          فمشّطتْ كفُّه الأغصانَ والسعَفا

وحسبُنا في اكتهالِ الوقتِ أن لنا             فألًا ندلّلُ فيه الحبَّ والشغفا

٭٭٭

يا ربّ لا تعطني نَعماءَ منصرِفٍ               عن البهاءِ، فلو لم يَعْمَ ما انصرفا

حيرانَ، ملتبِسَ الفحوى، كمتّهمٍ            تورّمتْ وجنتاه ساعةَ اعترفا

لم يرتجفْ نبضُه يومًا على لغةٍ              من اليقينِ، ولم يعبَأ بمن رَجفا

ولم يُهَيِّئْ لخدِّ الشمسِ قُبلتَه              ولا ارتقى في جذوعِ الحُلْمِ واخترفا

وسار في الروضِ لم يَقرأْ مفاتنَه            ومرَّ بالنهَرِ الحاني وما اغترفا

مهشَّمًا كبقايا الجمرِ مرتقبًا                  فناءَه، برمادِ الموتِ ملتحفا

٭٭٭

أنا وأنتِ على نجمينِ قد عبَرا               يومًا بمُنعَطَفِ الأفلاكِ فانعطفا

وهيّآ من تكايا الكونِ مُتّكَأً                    ورفْرَفًا عبقريَّ الحسنِ مختلفا

فالأرضُ منّا على ضوءٍ نرتِّبُه                 شُهْبًا، ونوقظُ من في الرازحين غفا

هنا نخمِّرُ ياقوتَ الشموسِ، هنا            نبني لكلِّ مُنًى نجميّةٍ غرَفا

ميلادُنا الآن، هذا بعضُنا أزلٌ                 وبعضُنا ذبح الميعادَ وانصرفا

٭٭٭

للضوءِ ناموسُه المبتلُّ أسئلةً              (متى وكيف وأنـّى؟) بعدُ ما نشفا

والواقفون على أعرافِه مكثوا              يباهِلونَ سناهُ أنه عُرِفا

شرَكُ الملاذ

شرَكُ الملاذ

حسنًا هذه حكايةُ جوعي                وتفاصيلُ خيبتي وهجوعي
وهنا أكتبُ اعترافي بأني                خضتُ عمري كسائحٍ مخدوعِ
نبذتْه فنادقُ الضوءِ فانسلـْ               ـلَ إلى حُلْمِه بغيرِ شفيعِ
مثخَنَ الكبرياءِ تقتاتُ عينا                هُـ ضياءً على فُتاتِ الشموعِ
من رصيفٍ ذاوٍ لآخرَ خاوٍ                   فاترٍ كابتسامةِ الموجوعِ
ربما ضيّفتْه أنثى فصولٍ                 خمرَ وَسْميِّها، وكعكَ ربيعِ
ربما غيرَ أنه لم يهيِّئْ                    للأماني إلا كؤوسَ الدموعِ
عاد بعد الهيامِ في كلِّ فجٍّ              يخْبَأُ الغمَّ في حنايا الضلوعِ
ودعا ساعةَ الرجوعِ، ولكنْ              نسيَ النايُ أغنياتِ الرجوعِ

******

يا قصيدي، دفنتني فيكَ حيًّا            وتماديتَ في ادّعاءِ الخشوعِ
فتلاعبتَ بي (ضميرَ غيابٍ)             خافتَ الحسِّ تائهَ الموضوعِ
أأنا أم سواي ذاك المعنّى              بالتشابيهِ واجترارِ البديع؟
أين في هذه القصيدةِ نفسي؟        حِرتُ ما بين ضائعٍ ومُضِيعِ
فالتفِتْ يا قصيد، إن لحونَ الـ           ـقلبِ في حومةِ الهمومِ شفيعي
أربكَ الشعرَ مشتكايَ فأغضى         ما ألَذَّ ارتباكةَ الينبوع!
ثم أدنى ليَ اعتذارًا، فلما               كدتُ أُمضِيه خانني (توقيعي)

الهرب‭ ‬من‭ ‬الميلاد

الهرب‭ ‬من‭ ‬الميلاد

للسؤال-جدار٢

جاءه صوتُ روحِه من بعيدٍ                     وتمطّى عليه شوقٌ مفوَّهْ
فتدلّى له الخيالُ طيورًا                         لاثماتٍ خدَّ الزمانِ المُمَوَّهْ
وتهادى يسابقُ النبضَ يسقي                وقتَه فاتحًا إلى الغدِ كُوَّهْ
فتجلّت له الحقيقةُ مَسْخًا                      أزرقَ العينِ قابعًا قُربَ هُوّهْ
* * *
أبْقِ بعضَ الأحلامِ في عُهدةِ الشوق         وداعِبْ أطيافَها وتأوَّهْ
فانتظارُ الآمالِ أهونُ من أن                     
يولدَ الحُلْمُ كالخَديجِ المشوَّهْ