لعلني سيزيف ولربما هذا اسمي

لعلني سيزيف ولربما هذا اسمي

في عتمة الليل أعانق الغول والضياع، أتنهد فيتأوه سريري وترتجف وسادتي. مع ضجيج الصمت وابتسامات اليأس تولد ذكريات وتموت أخرى. في الوهلة الأولى لا شيء يبدو حقيقيًّا، وكأنني في غفوة بين الموت والحياة، فأُلاحظ أباجورة خائفة تدون لي أنفاسي وتحاول مواساتي. على رصيف العمر لا أزال أتشبث بالعدم وأحتفظ بالوجوه والأسماء والتواريخ. للتواريخ طعم ورائحة أستنشقها حتى يصير الحضور كالغياب. على أوتار الوحدة أعزف ألحانًا لا يصله صداها. يهمس لي الليل برموز لا يفهمها غيري، بيني وبين المساء أسرار ودموع وبعض الأغاني. أدعي اللامبالاة وأمارس الغباء. قمر سعيد حزين هذا المساء

.. تقف النجمات على الحياد لتزيد من حيرتي وجنوني، تطوف فوق غرفتي تناشدني لأصحو من غفوتي. يعبث بي الحنين ويتسلى بعجزي ولا يلاحظ موتي. أتخبط بين اليأس والأمل. أُداعب عطري وأحمر شفاهي، ألتمس لي وله الأعذار وأتكئ على كتفي، وأمسكني من ذراعي. غارقة في يقظة الحلم، لعلني مسافرة بين الغيوم. أرقص وظلي على أصوات ضحكات بكائي، فأستمتع باللاشيء والهراء. وهذا الليل لا ينتهي، يقتات على ضعفي، يسكب الذكريات على وجعي فيزيد من استسلامي، ثم أواصل نومي. لعلني سيزيف ولربما هذا اسمي، هذا ما أخبرتني به أمي. على جدار الوهم، أكتب له رسالة هو لا يقرأ رسائلي ولا يفهم لغة عيوني ويستمتع بساديته ولا يحبني!

في ذروة الوجع، أخلق لي عالمًا بديلًا، عالمًا هجينًا، يشبهني، وأتشبث به إلى آخر نفس. يوجد في خزانتي بعض الكتب، ساعة يده، فساتيني القديمة والكثير، الكثير من التفاصيل. ليلة شاحبة، تشبه وجهي، أهرب منها إلى الوراء، لتلك الأيام، حيث عانق فيها الربيع والصيف، تلك السنة التي لم يزرني فيها الشتاء كأنه نسيني أو عقد معي هدنة. على أريكة فاخرة كنت أسترخي، وعلى كرسي عنيد كان يجلس ويراقبني، جميلة جدًّا كنت وما زلت ومن هنا بدأت الحكاية، في ذروة الظمأ التقيته وفي ذروة الشغف اختفى. لا أتقن لغة العشاق، الهمسات والوشوشات، لكني كنت عاشقة والسلام.

أعود مهزومة إلى غرفتي، كلما حل بي الضياع فتعانقني جدرانها وتربت على كتفي، أغلق نافذتي فتتسلل منها خيوط فضية مبتسمة. أنظر إلى وجهي في المرآة، أحاول أن أقرأ رسائل لم تكتب وأستمع إلى كلمات لم تنطق. ماذا لو وسط الزحام التقينا؟ ماذا لو تعانقنا؟ ماذا لو وضعنا أجوبة على جميع نقاط الاستفهام؟ ماذا وماذا؟ دفء بارد كالصقيع يجتاحني، فأتحول إلى شرارة من جليد. عبثًا أحاول الخروج من الفوضى، فأختار عزلتي. أترنح أمام خيالاتي ويطول ليلي. تتقاذفني أفكاري، وأستسلم لمكر خيالاتي.