
عازف الكلاشينكوف
– 1 –
الليل يغشى النجوع. الظلام ينسل فيملأ الفراغ بالسواد والقلوب الملتاعة بالرعب. الناس يحتمون بحوائط دورهم بأسقفها الجريدية. من ذا الذي يواتيه الإقدام ويخرج من جحره الطيني و(ناجح) يجوس النجوع برجاله فوق نوقهم؟! حوائط الدور الواطئة لا تستر دواخلها. يرون رؤوسهم الملثمة بالشيلان والعمم البيضاء تتأرجح للأمام والخلف جراء حركة النوق. لا يُعرف من أي الآفاق يجيئون. يهبطون من الجبل. من بين زراعات القصب الكثيفة. من قرى شرق النهر. لا أحد يدرك خبره، سوى اسمه الذي ترتعد الفرائس للفظه.
– 2 –
يسبق قدومهم تصاعد العفار واختلاط رغاء نوقهم الصاخب. لفرقعة أسلحتهم تتصلب النجوع. تفر الكلاب الضالة لتحتمي بالصحراء. يفزع الكبار لصغارهم ومعيزهم السائمة. تبدو القرية خاوية. لا حياة فيها. يلفها صمت موحش.
يجيء ثلاث مرات؛ عقب جني المحاصيل. فى السنوات الأخيرة قل ما يحصل عليه (ناجح) من الزرّاع فكثر تردده. كل شهر، ثم كل أسبوع، ثم كل يوم. لم يذر لهم ما يقتاتونه. كثيرون هجروا القرية.
– 3 –
مر أكثر من عام ولم يطأ (ناجح) القرية؛ منذ أن وضع فوهة الكلاشينكوف على صدغ الدرويش. على الرغم من إحساس الدرويش آنذاك بفوهة الكلانشيكوف المعدنية الساخنة لم يرتعد أو يتصبب عرقًا كغيره. أحرج (ناجحًا). الناس تعحبت فلم تدرك ما منعه من ضغط زناد الكلاشينكوف. وقتئذ جذب الدرويش منه ماسورة الكلاشينكوف ولفظ كلامًا سالقًا لا يخرج إلا من فم درويش:
– إلى متى ستظل تريق دماء الضعفاء. تستبيح لنفسك كد المحتاجين. تلقي الروع في قلوب الملتاعين؟!
ثم رمقه بحدة وأردف:
– أما آن لك لترحم؟
حينها أدبر (ناجح). اختفى برجاله خلف الكثبان الرملية ناحية زوال الشمس.
– 4 –
تعجبوا مما يرونه أمامهم. أهذا المترجل بسرابيله المهلهلة، بلا ناقة، بلا لفيف، بلا لثام، (ناجح)؟! بعضهم قال: هو هو. آخرون أنكروه. لكن؛ نفس سلاح الكلاشينكوف -بعُلاقته المميزة- في يده؛ غير أنه فى هذه المرة وحيدًا يجر قدميه. هذه المرة لم يصوب مدفعه في صدور الناس. جوّف سلاحه ولم يُبقِ منه سوى هيكله الخارجي. بين طرفيه شد وترًا. طفق يعزف به في الطرقات وعلى الأبواب. يتهلل وجهه لتصفيق الأطفال المنغم المتسق مع عزفه. يسر لالتحام الكبار به. غير مصدق أن الوجوه الباسمة التي تحيط به بحب وتتشبث به ليمكث بينهم، هي نفسها التي كانت تدعو الله لتنشق الأرض وتطمره. يعرفهم تمامًا… هذا أخذ بقرته؛ وهذا عنزته؛ وهذا راقه شاله فنزعه من فوق رأسه؛… كلهم حوله.
– 5 –
بشغف يسأل العابرين:
أين الدرويش؟