فاطمة المزروعي: أعشق اللعب بالتفاصيل المعقدة وقضايا المرأة من أولوياتي
تُعَدُّ الكاتبةُ الإماراتية فاطمة المزروعي رمزًا للمرأة الإماراتية المبدعة والمميزة في مجال الأدب في دولة الإمارات العربية المتحدة. تتميز بموهبتها الأدبية الفذة وقدرتها على خلق قصص مشوقة وروايات مؤثرة تلامس القلوب وتحاكي الواقع. تجمع كتاباتها (الرواية والنقد والمقال والسينما والمسرح وقصص الأطفال والشعر) بين الجمالية اللغوية والعمق الفكري، واستطاعت أن تحقق نجاحًا كبيرًا في مسيرتها الأدبية. حازت عددًا من الجوائز المرموقة، بما في ذلك جائزة العويس لأفضل إبداع روائي عن رواية «كمائن العتمة» عام 2013، والمركز الأول بمسابقة التأليف المسرحي- جمعية المسرحيين، عن مسرحية «طين وزجاج» عام 2007م، وجائزة «أندية الفتيات بالشارقة»، عن مجموعة «ليلة العيد»، والعديد من الجوائز في مجالَيِ الأدب والمسرح.
تخرجت المزروعي من جامعة الإمارات، بدرجة البكالوريوس في التاريخ والآثار، وتحمل درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة زايد، تشغل رئيس قسم الأرشيفات التاريخية في الأرشيف الوطني التابع لوزارة شؤون الرئاسة، ولديها عمود يومي في صحيفة البيان الإماراتية.
الكتابة مرآة المجتمع
● «زاوية حادة»، «كمائن العتمة»، «قصّتي الأخرى»، كلها أعمال روائية لكِ تعكس من خلال عناوينها حالتي الانزواء والوحدة. لماذا كل هذا الانزواء بأعمالك وأنتِ في الواقع مثال للمرأة الاجتماعية الواثقة المبتكرة؟
■ الكتابة هي انعكاس للمجتمع وقضاياه وسرد لتفاصيله الدرامية اجتماعيًّا ونفسيًّا وفكريًّا؛ لذلك الكتابة لا تعكس ذاتية الكاتب، إنما هي لسان حاله فيما يراه في المجتمع؛ لأنه لا يخلو من هذه النماذج. والكاتب يستخدم خياله ويستنبط شخوصه ويضفي عليها نوعًا من الإشكاليات وتشابك الأحداث، فنرى البطل متأزمًا في أكثر الأحيان لأن الشخصية الروائية تفرض عليه نمط حياتي معيّن؛ لذلك لا يستقيم أن تكون الشخصيات الروائية ذات شخصية طبيعية تعيش في أسرة عادية، ومن هنا فإن النماذج المعروضة ضمن إطار الروايات المذكورة هي نتاج لصراعات واختلافات وأفكار وأنماط نجدها ونشاهدها في حياتنا اليومية.
● «وجه أرملة فاتنة»، عنوان لمجموعة قصصية لكِ، ومن ضمنها قصة تحمل عنوان المجموعة، والأرملة في هذه القصة متهمة. لماذا اعتمدتِ استخدام الوصف الدقيق والتصوير الحسي للأرملة في هذه القصة من دون أن تخبرينا عن ثقافتها وعلمِها على سبيل المثال؟
■ إن قضايا المرأة من ضمن أولوياتي، والموضوعات المطروحة ضمن كتاباتي، على اختلافها، ليست معنية بفئة أو طبقة أو شريحة معينة، بالعكس، فأنا أتناول قضايا المرأة بكلّ ظروفها ومعاناتها دون تحديد لفئة متعلمة أو غير متعلمة. وأصبحت المرأة الكاتبة والأديبة هي الأكثر قدرة وصدقًا على نقل شؤون وشجون مثيلاتها من الشخصيات الأنثوية التي تعيش تجاربها الاجتماعية. والكاتبة تقتنص حكاياتها وتعيد كتابتها بقدر كبير من الوعي في بناء الشخصياتِ وانكساراتِها مُحاوِلةً تضميدَ جراحها، وتسليط الضوء على مختلف قضايا المرأة، والأرملة وشبيهاتها هي نماذج أولية لتسليط الضوء على فئة مهمّشة تحتاج إلى احتواء المجتمع؛ لذلك الكاتب معنيّ بالتركيز على هذه القضايا بأسلوب رمزي ولغة أدبية تتوافق مع الجنس الأدبي الذي يكتبه سواء أكان روايةً أو قصةً أو مقالًا وغيره من الأجناس الأدبية، فالأدب هو مرآة تعكس تفاصيل المجتمع بكل ما فيه من تحديّات وعقبات ومشكلات اجتماعية.
أمّنا الشجرة
● شاركتِ مؤخرًا في «ملتقى الشارقة الدولي للراوي» الذي كان شعاره لهذه الدورة «حكايات النباتات» حدّثينا عن هذه المشاركة.
■ كانت مشاركتي تدور حول شجرة «الشبهانة» وهي نوع من شجر «الغاف» الموجود في مدينة السلع بين أبو ظبي والمملكة العربية السعودية، وهي من الأشجار المعمّرة التي تجاوز عمرها 200 عام، وقد كانت بمنزلة دليل استرشادي للحجاج على طريق منطقة «بعيا» داخل مدينة «السلع» حيث كان الحجاج يستظلون تحت ظلها، ويأكلون من أوراقها، ويتسامرون بالحديث حول شؤونهم الخاصة. وقد استمر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- بالعناية بها لما تمثله من أهمية تاريخية وتراثية للمنطقة، حيث عَيَّنَ الشيخ زايد بعضَ مهندسيه للاهتمام بها ومعالجة كسرها، كما أوصى بها الشيخ زايد -رحمه الله- قبل وفاته، فهناك عشرات القصص حول أمّنا الشجرة «الشبهانة» تمثل التسامح والمحبة، والأخلاق الرفيعة، والتواصل وصلة الرحم، وتقدير قيمة البيئة.
صرخة في وجه المجتمع
● «بقايا امرأة»، نص مسرحي لكِ فائز بجائزة التأليف المسرحي عام 2012م، يتحدث عن امرأة في الستين من عمرها، تتحدث ببداية المسرحية بإسهاب عن هذا العمر، ولكن ما إنْ تقع عيناها على الجمهور حتى تتغير طريقة سرد أحداث المسرحية إلى أسلوب «الخطف خلفًا»، فتسترجع كلّ ذكريات شبابها وطفولتها. هل أرادت الكاتبة عن عمدٍ أن تجسّد ذكريات هذه المرأة من خلال الوجوه المتعددة للجمهور؟
■ ككاتبة أعشق اللعب بالتفاصيل المعقدة وسبر أغوار الشخصيات من حولي، وقد وجدتُ في هذا الفضاء المسرحي كل الإمكانات المتاحة التي تجعلني أحلّق بشخصية المرأة بجميع إشكالاتها وتحولاتِها. جعلتُ منها نموذجًا يشبه آلاف النماذج في مجتمعاتنا العربية، فكلّنا يرغب في استرجاع ذكرياته، وجميع المحطات بحلوها ومرّها، والوقوف عند بعض الذكريات التي نرغب في البقاء فيها أملًا في الشفاءِ من جراحنا وأحزاننا. مسرحية «بقايا امرأة» هي عبارة عن صرخة في وجه المجتمع ليلتفت إلى الصور المتعددة التي نسمع أنينها بين الحين والآخر، ونداء لأصحاب الأقلام المبدعة للبحث عن القضايا الخفية في مجتمعاتنا وإيصال صوت الضعفاء للعالم.
العلاج بالكتابة
● كتابكِ «قصص الناس» عبارة عن مجموعة مقالات اجتماعية تربوية نفسية متميزة تحمل عناوين كثيرة منها: أبي يضايقني، فاشل في اختيار الأصدقاء، الشاكية الباكية، الغضب جنون مؤقت، معاناة من نوعٍ آخر، لستُ غبيًّا، حتى لا تؤذي مشاعرك، … إلخ. بعد قراءتنا كل هذه المقالات التي تعكس مجموعة الاضطرابات داخل الإنسان، ما مقترحاتكِ كإنسانة أولًا وككاتبة ثانيًا لتحسين الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية في الحياة اليومية؟
■ الإنسان في حاجة إلى زرع الثقة والتفاؤل في نفسه بصورة يومية حتى يستطيع أداء عمله اليومي. جميعنا نحتاج إلى البحث عن مصادر السعادة من حولنا لمعالجة قضايانا النفسية والروحية، ولا يمنع التواصل مع الأطباء المعالجين إذا ما شعرنا بضغوط نفسية قد تستدعي التدخل الطبي؛ لأن الإنسان مزيج من المشاعر والأحاسيس، يتأثر بما حوله من تداعيات الحياة المعاصرة. كما أن تحسين العلاقات الأسرية وصلة الرحم والأقارب والأصدقاء له تأثير إيجابي؛ فكلّما شعر الإنسان بالضيق والحزن وأصابته المشكلات على اختلافها كلّما كان وجوده ضمن دائرة علاقات اجتماعية يشعر معها بالأمن والأمان يمكن لها أن تنقذه من براثن السقوط والانهيار النفسي والعصبي والجسدي؛ لذلك يستطيع الإنسان مداواة وعلاج نفسه وحياته إذا كان عنده من الوعي الذي يمكنه من الانتصار على تلك الضغوط، ومن هنا يتوجّب على الكاتب في كثير من الأحيان أن تكون كتابته بمنزلة الدليل الشامل والاسترشادي في مداواة جراح المجتمع بالكلمة والرسالة التي يطرحها (المقال، الرواية، القصة… إلخ)، فيصبح كتابه أو مقاله سلاحًا له في التركيز على تلك المشكلات.
● ساهمتِ كثيرًا في إثراء المشهد الأدبي بمواضيع وتجارب جديدة ومتنوعة، ما الأعمال الأدبية التي أثّرت في فاطمة المزروعي؟
■ في البدايات تأثرت بما أجده في المجلات الأدبية، وكنت أستمتع بقراءتها، كما للقصص المصورة وروايات الجيب تأثيرها الموازي، وقرأت لـ«بورخيس» و«أنطون تيشخوف» و«زكريا تامر» وأعتقد أنني تأثرت بهم، إضافة إلى «ألف ليلة وليلة» وكتاب «كليلة ودمنة» وجميع الروايات الفائزة بالبوكر العالمية للكتّاب العالميين، وروايات وأعمال أخرى لعبت دورًا كبيرًا في حياتي، وشكلت جزءًا من إبداعي، إضافة إلى أنّ التفاصيل والأشخاص والمواقف ممن ساهموا في التأثير الإيجابي في حياتي كما أثرت في أعمالي القصصية والروائية والمسرحية.
نوافذ مختلفة للعالم
● في مقالٍ لكِ منشور في صحيفة البيان الإماراتية تساءلتِ: لماذا لا نترك للطفل حرية الإبداع منذ طفولته وممارسة ما يحبه؟ في رأيك كيف يمكن للحرية الإبداعية أن تساهم في تعزيز خيال الطفل وقدرته على التفكير الابتكاري؟
■ أطفالنا اليوم في حاجة إلى التشجيع والدعم المستمر لمواهبهم وزيادة ثقتهم بأنفسهم، ورعاية المواهب مهمة، مع أهمية وجود مكتبة في كل منزل؛ فهي تساعده على صقل مواهبه وتنميتها. كما أنّ توجيه التكنولوجيا والذكاء الصناعي لخدمة الطفل وتطويعها في تنمية مهاراته عن طريق تغذيتها بالبرامج والمعلومات المفيدة يساعده في التعرّف إلى تراثه وتاريخه بطريقة مبتكرة وقريبة إليه.
● تكتبين وتبدعين في كلّ المجالات؛ قصة، رواية، شعر، أدب الأطفال، مقالات، مواضيع تربوية اجتماعية نفسية، ما سرّ هذا التنوّع؟
■ الرغبة في التنوع والكتابة عن القضايا الإنسانية على اختلافها تُعَدُّ فنًّا، فكل مجال أو جنس أدبي هو بمنزلة بحر يحتاج إلى تعلّم طريقة السباحة فيه؛ لذلك فإن لكل جنس أدبي أدواته الخاصة التي تمكّن الكاتب من الخوض فيها، كل مرحلة من الكتابة كانت تمثل لي معرفة واستزادة وقربًا من الشخصيات بكل إنسانية، والكتابة تجعلني أشاهد الناس بعين ثالثة، وأحيانًا تتقمصني الشخصيات فأعيش معها بكل تفاصيلها، أحزن لحزنها وأفرح لفرحها؛ لذلك فإن التنوع يقودني
إلى التبصّر ورؤية العالم من زوايا مختلفة. إنني أتطلع ككاتبة إلى عالم أكثر إنسانية تقوده الأخلاق والسلام، فإنا مؤمنة بأن الكتابة تُطهّر الإنسان من شوائب الحياة؛ لذلك فإن الكتابة وإن اختلفت أجناسها تظل إبداعًا يقودنا إلى التسامح والتكاتف في ظل الأوضاع الراهنة.