التسليع لم يعد قاصرًا على النساء
كانت وما زالت قضايا المرأة مثيرة بالنسبة للمجتمعات، حتى المتقدم منها. فليس كل مجتمع متقدمٍ وصل إلى مطالب المرأة كلها. على سبيل المثال، بلد مثل النرويج، وهو المصنف بين أكثر الدول سعادة، ما زالت المرأة لم تصل إلى «المساواة» التي دعت إليها منذ قرن ويزيد. فما زالت هناك الفوارق في المناصب التي يشغلها الرجل ومقدار راتبه الشهري المدفوع على أساس الجندرية. في كثير من المهن القوية، تطرح الشركات طلبها للذكور أكثر من الإناث، فيما تكون الوظائف «المرنة» مثل المكتبيات، متاحة للإناث أكثر.
رغم أن المجتمعات المتقدمة وصلت إلى مرحلة، نحلم نحن المجتمعات العربية أن نصل إليها، في حقوق الإنسان عمومًا والمرأة خاصة، إلا أنه ما زال هناك هاجس التفوق والاختلاف بين الجنسين قائمًا. هناك وظائف تعتمد على الدعاية والاستعراض تكون حصرية غالبًا للإناث وبمتطلبات خاصة. في الحقيقة هذه الوظائف أو التجارة طرحت أسئلة كثيرة حول تسليع المرأة أو قضاياها. بالرغم من أن كثيرًا من هذه الوظائف يتقدم إليها الراغبون بكامل إرادتهم واطلاعهم على شروط الوظيفة وتوقيع عقد مبرم بين الطرفين، وهنا أتحدث عن الوظائف في ظل دولة القانون والمؤسسات؛ إذ إن هناك كثيرًا من الأعمال في هذا المجال تعتمد السوق السوداء أو تجارة البشر المنتشرة بشكل مخيف حول العالم. ولكل حالة ظروفها ولا يمكن المقارنة بينها مهما كانت تصب في جوهر قضية تسليع المرأة.
فليس هناك مقارنة بين امرأة تقبل بوظيفة وهي ملمّة تمامًا بحيثياتها، وبين أخرى أُجبرت على ممارسة الوظيفة نفسها تحت ضغوط الحياة أو ظروف معينة. ولكن السؤال هنا: هل المرأة وحدها قابلة للتسليع؟ أليس هناك آلاف الشباب والرجال والأطفال يجري تشغيلهم أيضًا في هذا المجال؟ الوظائف التي تسعى إلى تسليع الفرد لم تعد قاصرة على المرأة فقط، بل صار أي فرد مهما كان جنسه وعمره أن يمارسها حسَب متطلبات الحالة والعمل. مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، أصبحت حافلة بصفحات لعارضين وعارضات أزياء وجمال على حد سواء، وفي بعض المستويات يكون حضور الرجل أقوى في استعراض عضلاتهِ وتسريحة شعره مثلًا. هؤلاء أصبحوا جزءًا لا ينفصل عن واقعنا اليومي. إذا كنا سابقًا نذهب إلى السينما أو نشاهد التلفزيون أو نتصفح المجلات من أجل مشاهدتهم وهم يعرضون كل شيء قابل للتجارة، فهم الآن أصبحوا في كل مكان من حياتنا. في ظني لم يعد من المناسب أن نتحدث عن تسليع المرأة ونحن في 2017م، ربما نستطيع التحدث عن تسليع الإنسان والحياة، فذلك أشمل وأعم.
فاطمة بن محمود: النسوية إدانة للواقع
أعتبر الحديث عن النسوية في العالم العربي والمطالبة بحقوق المرأة إدانة لهذا الواقع العربي الذي نعيشه ومحاكمة للوعي الذكوري الذي لا يزال يهيمن ويجعل من المرأة مواطنة من الدرجة الثانية تحت الصفر، خصوصًا إذا كانت المرأة في ثقافتنا غير صالحة للحياة إلا في ظل رجل، فهذا يعني أن الرجل نفسه غير مؤهل للحياة. إن العالم من حولنا يشهد تطورات علمية مذهلة تتلوها ثورات تكنولوجية عجيبة؛ لذلك أجد نفسي لا أرغب في الحديث عن النسوية، بل أوجه الأسئلة إلى العقل العربي: لماذا ما زلنا في العالم العربي نتحدث عن النسوية وعن قضية المرأة وحقها في الحياة؟ ما الذي يجعل من الوعي العربي ذكوريًّا بامتياز؟ لماذا لم تحدث رجّة بعد في ثقافتنا تجعلنا نتصالح مع القرن الحادي والعشرين الذي نعيش فيه (ولا نحياه)؟ لماذا نعيش في القرن الحادي والعشرين ونفكر بطريقة قديمة جدًّا تعود بجذورها إلى زمن ولَّى وانتهى؟ هل المشكلة تعود إلى الثقافة أم إلى الدين أم إلى التاريخ أم إلى كل ذلك معًا؟
تبدو هذه الأسئلة المحرجة وجيهة وبخاصة أن كل العالم يرى كيف أن في العالم العربي فقط تعود للبروز وللتمدد ظواهر قديمة في تفكيرها وفي سلوكها وفي مظهرها، تستمد وجودها من الدين، وتأخذ شرعية من التاريخ، فتتطرف في توجهها لتسمح «بدعششة» المجتمع، وكالعادة تكون المرأة هي الضحية الأولى، فتستباح وتتحول إلى سوق النخاسة تباع وتشترى أمام أنظار العالم في مشهد مُخزٍ ومهين للإنسان؟ العقلية العربية محيرة فعلًا! أظن أنه لا يمكن تفكيك العقل العربي وإعادة تركيبه بشكل يتصالح فيه مع اللحظة التي يعيشها ويعترف فيها بالمرأة شريكًا فاعلًا في الحياة إلا بثورة ثقافية يقودها المبدعون، ويساندها السياسيون أصحاب القرار، نحتاج في آنٍ واحد إلى فكرة من مبدع وقانون سياسي جريء يغيِّر من الوعي السائد. لا أملك إلا أن أتفاءل بأن يأتي زمن نتحدث فيه عن النسوية إجرائيًّا فقط باعتبارها من مخلفات وعي ذكوري بائس، حتى يحين ذلك لا نملك إلا أن نكتب ونحلم بتغيير وعي المجتمع، وننتظر موقفًا سياسيًّا يساند المبدع، ولا يقمعه.
كاتبة وباحثة تونسية
سوسن الشريف: من النظرية إلى القيم الإسلامية
النسوية بوجه عام تُطلق على كل من يحاول الدفاع عن حقوق المرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل. والنسوية الإسلامية انطلقت كاتجاه مشتق من النسوية بوجه عام ولكنها اتخذت منحى تراعى فيه تقاليد المجتمعات الشرقية وعاداتها، التي تختلف عن السياق الغربي في بعض الأمور، وتحديدًا بعد أن أصبح الاتجاه النسوي ينادي بأفكار لا تتناسب والتقاليد الإسلامية العربية. وهي تُطلق على أي إنتاج معرفي يهتم بقضايا النساء، وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل، وتعزيز حصولها على حقوقها، وكذلك بالمعنيين باستخدام الخطاب الديني الإسلامي للتأثير في العامة فيما يخص قضايا المرأة.
وفي اعتقادي أن مؤسسي الاتجاه النسوي الإسلامي، بدؤوا بفكر نسوي، ثم اصطدموا بالتضارب بين بعض الأهداف في الاتجاهين، فنشأ من هنا اتجاه معتدل، يبحث في النصوص الدينية الإسلامية من وجهة نظر المساواة والعدالة. وتهتم هذه الحركة بالبحث عن حلول بديلة مستمدة من القيم الإسلامية، ولا تهدف إلى نقد أو مهاجمة التراث الإسلامي في التفسير والتأويل للنصوص الدينية من القرآن والسنة. كما تسعى إلى إيجاد إنتاج معرفي وتأسيس خطاب ديني يرتكز على الجوانب الإيجابية، وتبرز العدل الإلهي المُنَزل في القرآن، الذي يكفل المساواة لكل البشر رجالًا ونساءً. وفي إطار هذا المفهوم يمكننا القول بأن الحركة النسوية الإسلامية بدأت منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت أول من نادت بالمساواة بالرجال أم سلمة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما سألت عن تميز الرجال في الميراث والغزوات. وكذلك أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، كانت من ذوات الرأي والعقل والحكمة والدين، وخطيبة فصيحة، وتقوم على تنظيم النساء المؤمنات، وتتزعم المطالبة بما لهن من حقوق، حتى لقد سُميت في كتب السنة والسيرة بـ«وافدة النساء»؛ لأنها ذهبت إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متحدثة باسم نساء المسلمين، فقالت: «أنا وافدة من خلفي من النساء يقلن بقولي وهنّ على مثل رأيي. إن الله قد بعثك للرجال والنساء. ولقد غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، تعلمنا فيه». فوعدهن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن.. وروت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ثمانين حديثًا.
ولا يمكننا القول بوجود صدام بين الرؤيتين، فإن كان الهدف المشترك هو البحث عن المساواة بين الجنسين وتحقيقها، إلا أن الأهداف الأخرى والإستراتيجيات المستخدمة في التحليل والبحث مختلفة الاتجاهات والمجالات، وتجدر الإشارة إلى وجود أنواع من النسوية الدينية، فتوجد نسوية مسيحية، ويهودية، كلٌّ وفق المجال الذي تدرس أو تهتم به.
أكاديمية مصرية
عائشة الحطاب: احتفالًا بالمرأة
المرأة التي تزرع ضباب الحقول بيدها، لا يمكن لها أن تشنق الشمس في رأس النهار. المرأة نبوءة البشارة، فكيف لها أن تقف ندًّا للرجل؟ أيصح أن يكون الرهان على فراشة. المرأة ليست فريسة الجوع والوجع والنار والموت، بل هي الحياة التي لا تعرف اليأس. المرأة لا تستطيع أن تقف عند محطة لتعمل وتكون في مصاف الرجل تقف معه تسانده ولا تجأر بالشكوى وتستمرئها. على الرغم مما تعانيه المرأة العربية من ضغوط اجتماعية وإنسانية من عادات وتقاليد، إلا أنها خرجت من قوقعة الإدانة، لتقف بكل أنوثتها لتحارب عقم الحاضر. خرجت من قلق عميق وحيرة موجعة إلى حضور كثيف للذات. خرجت من براثن الحزن والهزيمة لتتعطر برائحة الدفلى والنعناع والريحان. فكيف لها تكون ندًّا وهي وجه من الضوء. ثم إن المرأة منذ الخليقة وهي تعمل، فلماذا لم تكن ندًّا للرجل في تلك العصور؟ وماذا تغير على الرجل؟ سياسيًّا المرأة وطن تبحث فيه عن الحب والسلام والحرية والعدل، ولعلها تقف أمام الهمجية وتقف ضد الاستعمار. المرأة أخت الشهيد أم الشهيد وزوجة الشهيد. المرأة هي المحامية والمستشارة والنائبة والوزيرة. لا شيء أعظم من الحياة، فلنحتفل بها جميعًا يدًا بيد لمسيرة العيش النبيل.
شاعرة وكاتبة أردنية