اختيار بالتوري: علماء آسيا الوسطى في العلم والفنون المختلفة تقدموا بفضل العربية
بدأت علاقة المترجم الكازاخي الدكتور اختيار بالتوري، مع اللغة العربية منذ طفولته، مدفوعًا بالرغبة في قراءة كتاب يحتفظ به والده بعد أن ورثه عن جده، ليكتشف بعد سنوات من تعلمه اللغةَ العربية أن هذا الكتاب هو القرآن الكريم. ويرى بالتوري الحاصل على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي/ فئة الإنجاز للدورة الثامنة (2022م)، أن هناك العديد من العوامل التي ساهمت في حركة الترجمة من «العربية» إلى «القازاقية» (الكازاخية)، ويأتي في طليعتها العقيدة، فاللغة العربية كانت وسيلة لمعرفة الله والتفقه في الدين، حيث نهض علماء آسيا الوسطى في مجالات العلم المختلفة بنور القرآن الكريم بما يمكن وصفه بـ«الإزهار بعد المطر الغزير».
وفي حوار مع «الفيصل»، يتحدث بالتوري، الذي يعمل أستاذًا في جامعة الفارابي الوطنية بكازاخستان، ومديرًا لقسم العلوم والإبداع بالجامعة المصرية للثقافة الإسلامية «نور مبارك»، عن الأثر المتبادل بين اللغتين والثقافتين العربية والقازاقية، قديمًا وحديثًا، مستشهدًا بالعدد الكبير للمخطوطات العربية القديمة في كازاخستان، وكذلك شيوع كثير من الكلمات العربية في المعجم اللغوي الكازاخي، وهو ما دفع الباحثين بعد استقلال كازاخستان عن الاتحاد السوفييتي للاهتمام بموضوع المفردات الدخيلة من العربية، التي تشكل نسبة يُعتدّ بها من مجمل المفردات المستخدمة باللغة القازاقية.
● ما الذي دفعك لتعلم اللغة العربية وما سرّ ارتباطك بها وشغفك بالترجمة منها؟
■ بدأت علاقتي باللغة العربية وأنا لا أزال في مرحلة الطفولة، تقريبًا في السابعة من عمري. وفي ذلك الوقت كان في غرفة والدي كتاب ورثه من جدّنا يحتفظ به معلقًا على الحائط. دائمًا كنت تواقًا لأن أفتحه وأرى ما فيه؛ إذ كنت أتخيل أن جدّي ترك لنا بين صفحاته وصية ما. لكن أبي أخبرني أننا غير قادرين على قراءته، لا أنا ولا إخواني الكبار؛ لأنه مكتوب باللغة العربية. وقال لي حينها: «أتمنى أن تكبر وتتعلم العربية وتتمكن من قراءته».
لهذا السبب، وبتوجيه من أبي -رحمه الله- وبدعم كبير منه، بدأت تعلم العربية. في البداية تعلمتُ الحروف العربية كتابةً وقراءة في «كتيبة» مشهورة اسمها «معلم ثاني»، وهي مخصصة لتعليم قراءة القرآن الكريم ولا تزال موجودة حتى الآن. ثم التحقت بالمدرسة الدينية التابعة للإدارة الدينية لمسلمي كازاخستان؛ لأن تعليم العربية في ذلك الوقت لم يكن متاحًا سوى في المدارس الدينية. وبعد ذلك التحقت بالجامعة واخترت تخصص «اللغة القازاقية وآدابها واللغة العربية»، وكان هدفي أن أتعلم «العربية» فأقرأ الكتابَ الذي ورثناه عن جدّي، وأترجم معاني ما فيه لأبي. وبعد سنتين تقريبًا، سمح لي أبي أن أفتح ذلك الكتاب ذا الأوراق القديمة، واكتشفت أنه القرآن الكريم، فقرأت منه بسهولة. وأحمد الله حمدًا كثيرًا، فقد تحقق طموحي. ثم واصلت دراساتي العليا؛ وحصلت على درجتَي الماجستير والدكتوراه كي أكون مترجمًا جيدًا.
جذور اللغة القازاقية
● ما خصائص اللغة القازاقية، وما ارتباطها باللغات الأخرى في المنطقة؟
■ قبل أن أتحدث عن اللغة القازاقية، أود أن أتحدث قليلًا عن اللغة التركية؛ لأن «القازاقية» مشتقة منها. «التركية» هي لغة الشعب التركي الذي انتشر من موطنه الأصلي بآسيا الوسطى، جمهورية كازاخستان حاليًّا، وهي جزء مما عُرف في التاريخ الإسلامي بـ«بلاد ما وراء النهر»، أي الأراضي التي تقع شرق نهر جيحون، وسُميت أيضًا «بلاد تركستان»، في المصادر العربية نسبةً إلى الشعوب التركية التي استوطنت الجزء الشمالي من آسيا الوسطى. والشعب القازاقي أحد الشعوب التي تركزت في كازاخستان الحالية، التي تعدّ أكبر دولة في آسيا الوسطى، والتاسعة على مستوى العالم والأولى في العالم الإسلامي من ناحية المساحة، وهي حريصة منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991م على توطيد التعاون الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي مع الدول العربية.
و«القازاقية» هي اللغة الرسمية في كازاخستان، وجميع الأنشطة التي تجرى الآن لتحسين وضعها تكتسب أهمية بالغة في مجال إقامة العلاقات المباشرة مع جميع دول العالم العربي ومن دون وسيط. واللغة من دون شك من المقومات المقدسة لكل شعب؛ كالوطن والعَلَم والتراث، و«التركية» -كما هو معروف- من اللغات «الالتصاقية» التي تمتاز بها لغات «آلتاي أورال» (التورانية)، وتتفرع منها اللهجات المختلفة التي تتحدث بها شعوب آسيا الوسطى وشعوب القوقاز وتركيا. وأكثر ما يميز اللغة التركية هو الأفعال، فهذه اللغة تستطيع أن تفيد بكلمة وجيزة معنًى تعجز عن التعبير عنه كثير من اللغات إلَّا باستخدام عبارات طويلة.
من العربية إلى القازاقية والعكس
● ما العوامل التي ساهمت في حركة الترجمة من «العربية» إلى «القازاقية»؟
■ إذا نظرنا إلى صفحات التاريخ، فقد قَدَّم العلماء القدماء من أراضي بلاد تركستان (بلاد ما وراء النهر) مساهمة بارزة في نشر الدين الإسلامي واللغة العربية بآسيا الوسطى. كان أجدادنا يؤمنون -ونحن على خُطاهم- بأن القرآن الكريم هو مصدر العلم وكلام الخالق الذي بُنيت عليه ثقافة العالم. والآية الأولى التي نزلت من عند الله -عز وجل- تحث على العلم والقراءة والكتابة، وتدعو الإنسان إلى فتح آفاق العقل بالفكر والمعرفة والبحث في آيات الله في الكون؛ أي في السماء والأرض وفي الجبال والبحر وفي كل ما خلق الله من كائنات صغيرة أو كبيرة. في القرآن الكريم تكثر الآيات التي تحث على العلم، ونزول القرآن الكريم باللغة العربية جعل لهذه اللغة منزلة خاصة في قلوب المسلمين، وأصبحت لغةَ جميع المسلمين، ولأن هناك حاجة ماسّة إلى التعليم، فلا شك أن ذلك سيتم باللغة العربية. وانطلاقًا من هذه الحاجة كان أجدادنا يتعلمون اللغة العربية ويعلّمونها لأبنائهم.
إن الحرص على تعلم اللغة العربية للكازاخيين جاء أولًا بسبب العقيدة، فاللغة العربية كانت وسيلة لمعرفة الله والتفقه في الدين. وثانيًا لأن هذه اللغة أتاحت لأجدادنا دراسة الكون والإنسان واكتشاف العلوم الطبيعية والاستفادة منها لصالح الفرد والمجتمعات، وتقديم الاختراعات في العلوم والآداب والفنون. وفي النتيجة، نهض علماء آسيا الوسطى في مجالات العلم المختلفة بنور القرآن الكريم بما يمكن وصفه بـ«الإزهار بعد المطر الغزير».
● كيف ترى الأثر المتبادل بين اللغتين، والثقافتين، العربية والقازاقية؟
■ من المعروف أن شعوب بلاد تركستان بدأت في الظهور في مختلف المجالات في العصور الوسطى. ولا شك أن ابن سينا، والبيروني، والخوارزمي، والعديد من الشخصيات الفريدة الأخرى، ساهموا بشكل كبير في تطور الحضارة الإسلامية والعالمية. وكتب معظم هؤلاء العلماء مؤلفاتهم باللغة العربية أو بالحروف العربية، وغالبًا ما نجد كلمات من «العربية» و«الفارسية» في كتبهم.
لقد تقدم علماء آسيا الوسطى في العلم والفنون المختلفة بنور العلم والإيمان بفضل اللغة العربية، واكتشفوا اكتشافات علمية عظيمة في مجالاتهم، وكانوا يرون اللغة العربية كلغتهم. وفي هذا الصدد يمكن ذكر المعلم الثاني «أبي نصر الفارابي» الذي وُلد في عام 870م في مدينة فاراب (تقع حاليًّا في كازاخستان). فمن المعلوم أن هذا الفيلسوف تعلّم وعاش في عدد من المدن العربية مثل بغداد والقاهرة ودمشق، واهتمَّ بدراسة العلوم اليونانية بأسلوبه الحكيم وقدمها إلى الشرق والغرب بتأويله الخاص، وألّف جميع مؤلفاته ورسائله باللغة العربية.
وتثبت الوثائق التاريخية كثرة استخدام اللغة العربية وخطوطها في آسيا الوسطى ما بين القرنين الثامن والحادي عشر للميلاد، في ظل انتشار الإسلام في هذه المناطق. ومن الدلائل على ذلك ظهورُ مفردات اللغة العربية والفارسية الدخيلة في اللغة القازاقية. وقد تطورت الحضارة في الأراضي القازاقية في أثناء المدة بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر للميلاد بقيام الدولة القاراخانية، كما تطورت العلوم والآداب في مساحة العالم العربي والهند وإيران وآسيا الوسطى، وهو الأمر الذي دفع إلى النهضة الفكرية وظهور الأفكار الفلسفية في تلك الحقبة.
● تعدّ أرض كازاخستان منجمًا للمخطوطات المكتوبة باللغة العربية. ما حال هذه المخطوطات في الوقت الراهن، وكيف السبيل إلى تحقيقها وترجمتها وإعدادها للنشر؟
■ لدينا كثير من المخطوطات القديمة العربية والفارسية والتركية أيضًا، لكن للأسف حتى الآن لم تُفهرَس كاملة؛ بسبب قلة المتخصصين في هذا المجال. سأضرب لك مثالًا واحدًا: في منتصف سنة 2021م أحضرت من محافظة «قيزيل أرودا» إلى مكتبة جامعة الفارابي الوطنية بكازاخستان 433 من الكتب القديمة النادرة وجزء منها مخطوطات، ومن ضمنها مخطوطات عربية قيّمة لم تحقَّق بعد، وأخرجت هذه الكتب النادرة بنفسي من الصندوق الخشبي المحفوظ لدى أسرة الشيخ «دويسنبيك قبلانباي أولي» لكي نفهرسها وندْرسها ونترجمها ونستفيد مما فيها، لكننا نحتاج إلى التعاون مع متخصصين وخبراء من العالم العربي في مجال المخطوط.
معجم مشترك
● يُلحَظ أن هناك شيوعًا لكثير من الكلمات العربية في معجم اللغة القازاقية، حدثنا عن هذا الجانب ودلالاته مع ذكر أمثلة عليه إن أمكن.
■ يواجه القرّاء المعاصرون صعوبات في فهم معاني المفردات الدخيلة من العربية والفارسية الموجودة في مؤلفات العلماء القدماء. حتى إن كثيرًا من الشباب اليوم لا يستطيعون أن يقرؤوا أو يفهموا ما ترك لنا الأجداد من مؤلفات قيمة، والسبب الأساسي تحوُّل الحروف مرارًا. فحروف الهجاء القازاقية لها تاريخ، فقد كانت «القازاقية» تدوَّن بالحروف العربية حتى سنة 1929م، ومنذ ذلك التاريخ بدأ التحول أول الأمر من الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية، ومنذ سنة 1940م حتى يومنا هذا تُستخدم الحروف الكيريلية التي تدوَّن بها اللغة الروسية، وعددها 33 حرفًا، تضاف إليها تسعة حروف تخص النطق القازاقي. وهكذا يبلغ عدد الحروف القازاقية حاليًّا 42 حرفًا.
لذا زاد اهتمام الباحثين بعد استقلال بلدنا بموضوع المفردات الدخيلة من العربية؛ إذ تبلغ نسبة الكلمات العربية في اللغة القازاقية نحو ثلاثين في المئة. على سبيل المثال تُستخدم كلمة «أمر» في اللغة القازاقية بلفظها ومعناها العربيين. وهناك بالطبع كلمات عربية كثيرة تحذو حذوها. ويمكن القول: إن الكلمات العربية المستخدمة في اللغة القازاقية إما أن تأتي بصيغة المفرد (بالمعنى نفسه، أو بدلالة مختلفة)؛ أو بصيغة الجمع، وهناك كلمات أخرى مشتركة في «العربية» و«القازاقية».
ومن الكلمات العربية بصيغة المفرد المستخدمة في اللغة القازاقية بالمعنى نفسه: اسْم، أَدَب، إِخْلاص، أَصِيل، بَرَكَة، أَمَانَة، تَـجْرِبَة، تَارِيخ، بُلْبُل، تَسْلِيم، تَرْتِيب، تَرْبِيَة، جرَاحَة، تَعْلِيم، حَاجَة، جَوَاب، حِسَاب، حُكُومَة، حِكَايَة، حَقِيقَة، حِيلَة، خِدْمَة، خَبَر، ذِهْن، ذِكْر، رَسْمِي، سُؤَال، زِيَارَة، زَمَن، سَفَر، سَبَب، سَاعَة، سَلاَم، عَالَم، عَاشِق، عَادِل، مَجْلِس، مَجْبُور، مَثَلًا، مَحَبَّة، مَجْنُون، مَخْلُوق، مُحِيط، مَسْأَلَة، مَقْصَد، مَقَالَة، مُمْكِن، نَتِيجَة، وَرَقَة، وَقْت… إلخ. ومن الكلمات المستخدمة ولكن بدلالة مختلفة: بَاطِل، حُرْمَة، دَوْلَة، شَجَرَة، فَنّ، قُرْب، لَائِق، مَال، مَرْتَبَة، مَمْلَكَة، دُسْتُور، رَحْمَة، شَرب، قَابِل، قُرْبَان، لَازِم، مَحْكَمَة، مُسَافِر، منَارَة، سَبَق، صِنْف، تَقْدِير، قِيمَة، مَكْتَب، مَنْصب. ومن الكلمات العربية بصيغة الجمع المستخدمة في اللغة القازاقية لكن بوصفها مفردة: أَرْواح، أَوْلِيَاء، صِفَات، مَعْلُومَات، أَلْوَان، آفَات، عَجَائِب، نُقْصَان، أَوْلَاد، عُلَمَاء. إن الشعوب العربية وشعوب آسيا الوسطى على امتداد تاريخها الطويل، كانت على اتصال متبادل من النواحي التجارية والاقتصادية والثقافية والدينية، وكان لها بالطبع تأثير كبير في بعضها الآخر. أما اليوم، فإن التعاون بين جمهورية كازاخستان والدول العربية يتخذ وصفًا مختلفًا تمامًا.
مستقبل اللغة العربية في كازاخستان
● من خلال عملك الأكاديمي، كيف ترى مستقبل اللغة العربية في بلادكم؟
■ حاليًّا أعمل في جامعتين؛ فأنا أستاذ في جامعة الفارابي الوطنية، ومدير قسم العلوم والإبداع بالجامعة المصرية للثقافة الإسلامية «نور مبارك» التي تقع في مدينة آلماطى (أكبر مدن كازاخستان، وعاصمتها السابقة).
في عصر العولمة الحالي، تظهر اللغة بوصفها وسيلة التواصل بين الشعوب، وهي تربط الثقافات المختلفة، وتكتسب أهمية في إقامة الحوار بين الحضارات وفي تعزيز السلام بين شعوب العالم وأممه. وتعد «الفارابي» جامعة رائدة في قطاع التعليم العالي بجمهورية كازاخستان، مع بنية تحتية متطورة وإمكانات تعليمية وتدريبية عالية. وبدأ تعليم اللغة العربية في هذه الجامعة قبل ثلاثة وثلاثين عامًا تقريبًا. وبفضل اللغة العربية تأسست بالجامعة كلية الدراسات الشرقية التي توليت عمادتها لخمس سنوات، وتخرج من هذه الكلية كثير من الشخصيات البارزة في بلادنا، من بينهم عدد من السفراء والدبلوماسيين الذين يلتحقون بسفاراتنا في العالم العربي، وفي الدول الشرقية عامة.
إن مستقبل اللغة العربية في جمهورية كازاخستان مشرق بلا شك، وفي وقتنا الحاضر يتزايد عدد الراغبين في فهم أصول الدين الإسلامي وعلوم القرآن الكريم وعلم الحديث من المصادر الأصيلة، كما تزداد يومًا بعد يوم ترجمة النصوص الدينية والكتب التي وضعها أجدادنا باللغة العربية إلى اللغة القازاقية مباشرة من دون لغة وسيطة.
وفي هذا السياق يأتي دور الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية «نور مبارك» التي تعد منبرًا مهمًّا يقدم للشباب صورة الإسلام الوسطي المعتدل طبقًا للمذهب الحنفي السائد، ليس في كازاخستان وحدها، بل في آسيا الوسطى عامة. وتمنح الجامعة شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في تخصصات اللغة العربية، والفقه الإسلامي، والشريعة الإسلامية، ويرأس الجامعةَ أكاديميٌّ مصريّ، كما أن أكثر من ثلثي هيئة التدريس بها من المصريين، وتشهد الجامعة إقبالًا كبيرًا من جانب الطلبة في دول آسيا الوسطي، حيث يزيد عدد الطلبة عامًا بعد عام. بينما هناك جامعات أخرى لا تهتم بتعليم اللغة العربية إلا بوصفها لغة أجنبية من دون ربطها بدين الإسلام.
القواميس وحركة الترجمة
● من المعروف أن للقواميس والمعاجم أهمية كبيرة في أثناء الترجمة.. هل يوجد عندكم قواميس عربية – قازاقية؟
■ نعم، هناك قواميس تؤدي دورًا مهمًّا جدًّا في عملية الترجمة، فقد أُعِدّت وطُبعت حتى الآن العديد من القواميس العربية-القازاقية، وأَعَدَّ أساتذة اللغة العربية في بلادنا القاموس العربي-القازاقي عام 2016م، وهو يشتمل على نحو 50 ألف كلمة، وأنا أحدُ مؤلفيه. كما أن الطلب يزداد على القاموس الكبير حينما نحتاج إلى الترجمة المباشرة من «العربية» إلى «القازاقية» أو بالعكس، في المؤتمرات الدولية، وفي أثناء عملية البحث في المخطوطات المكتوبة باللغة العربية والمتصلة بتراث كازاخستان الثقافي والتاريخي.
● كيف تقيّم حركة الترجمة من «العربية» إلى «القازاقية»، وهل من دعمٍ لها من المؤسسات الرسمية والأكاديمية؟
■ اللغة العربية وثيقة الصلة باللغة القازاقية ولا يمكن الفصل بينهما، وقد قامت حركة الترجمة بين اللغتين ضمن مسارين متوازيين ومتقاطعين؛ الأول يتصل بالرغبة في التعرف إلى التعاليم الدينية وشؤون الفقه والعقيدة، والثاني يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبعد الثقافي التاريخي. فقد ساهم أجدادنا الذين عاشوا في آسيا الوسطى إسهامًا بارزًا في الحضارة الإسلامية، وأكثرهم عاشوا في المنطقة العربية، وكتبوا مؤلفاتهم باللغة العربية، وهو ما يستدعي في الوقت الراهن نقل مؤلفاتهم إلى اللغة القازاقية لتعريف الأجيال الجديدة بما تركه أجدادهم من علوم ومعارف؛ لذلك فإن أهمية الترجمة من العربية تزداد يومًا بعد يوم. وتتم ترجمة الكتب العربية إلى اللغة القازاقية بدعم من مؤسسات حكومية وغير حكومية، فإذا كان الدعم من مؤسسة حكومية فإن الكتب تُترجَم وتُطبَع وتُوزَّع مجانًا، أما إذا قدمته مؤسسة غير حكومية فتتم العملية وفق اتفاق بين الأطراف المعنية، وغالبًا ما تُعرض الكتب المترجمة للبيع بعد الطباعة.
أثر الجوائز في تطور الترجمة
● ما الذي أهّلك لنيل جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي/ فئة الإنجاز لعام 2022م؟
■ كما قلت في مستهل هذا الحوار؛ كنت منذ أيام طفولتي أتمنى أن أكون مترجمًا جيدًا من «العربية» إلى «القازاقية»، وبعد أن تمكنتُ من الأمر شاركت مع زملاء في ترجمة معاني مفردات الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، ثم ترجمت تفسير السور القصيرة التي تُقرأ في الصلاة، مثل: «الفاتحة» و«الإخلاص» و«الفلق» و«الناس»، بعد ذلك ترجمت كتاب الثقافة الإسلامية، وتاريخ تركستان، وسيرة الظاهر بيبرس، وكذلك مؤلفات أبي نصر الفارابي مثل: «الواحد والوحدة»، وكتاب الحروف، ومقالات في أصول علم الطبيعة. ولكن ما زال هناك أعمال كثيرة كُتبت باللغة العربية في الأدب والثقافة والتاريخ لم تُترجَم حتى الآن إلى لغتنا.
● هل توقعت الفوز بالجائزة؟
■ لم أتوقع في حياتي أن أفوز بهذه الجائزة أو بأي جائزة أخرى، فعلى الرغم من أنني أعمل في حقل الترجمة منذ أكثر من عشرين عامًا، لم يخطر ببالي قط أنني سأرشّح ما أنجزته من تراجم لجائزة وأحصل عليها أيضًا. إن الجوائز على شاكلة جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تؤدي دورًا محوريًّا في تقارب المترجمين، وتقارب الثقافات، وتحقيق تعايش سلمي في العالم، وهذا لا يكون من دون التقارب الفكري والعقلي، قال الله تعالى: (وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، فهذا هو «معيارنا». وأرى أن اختيار اللغة القازاقية ضمن لغات الدورة الثامنة للجائزة مثّل محطة مهمة في حركة الترجمة المتبادلة بين «العربية» و«القازاقية».