بواسطة هدى الدغفق - الفيصل | يوليو 1, 2019 | تشكيل
أحمد ماطر فنان مفاهيمي استطاع أن يبلور تجربة فنية خاصة، من محيطه وأسئلته الآتية من جوهر مكونه الثقافي، وهو ابن قرية جنوبية من السعودية نشأ فيها قبل الالتحاق بكلية الطب في جامعة الملك خالد في منطقة عسير. اشتغل على تخوم ذاكرة ذلك الطفل القادم بدهشته الأولى، ثم الفتى والشاب المملوء بمعارف جديدة ليتماس مع حدود استفهامات الآخر في الطرف البعيد من العالم، ذلك الآخر الذي يبحث في حاجته للتعرف إلى تلك الثقافة العربية والإسلامية القادمة من أرض الجزيرة العربية تحديدًا. شارك ماطر في لجان مختلفة كقيّم فني وعارض أوّل، كما أسهم في بناء مشاريع ومؤسسات كان من شأنها النهوض بالحركة الفنية ودعم الفنانين على مختلف المستويات، ونقل تجاربهم في الفنون المعاصرة، والتعريف بالمشهد العربي الحديث داخل الأوساط الغربية. ولماطر من المؤلفات «عسير من السماء»، و«مجسمات القرن العشرين وتاريخ الفضاء العام»، و«صحراء فاران التغيرات الحضرية في العمارة الإسلامية. وعُين كأول رئيس تنفيذي لمعهد مسك للفنون 2017م الذي أُنشِئَ تحت مظلّة مؤسسة وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان «مسك الخيرية».
«الفيصل» التقته وحاورته حول تجربته وموضوعات أخرى.
● بدأتَ تجربتَكَ الإبداعية مع الرسم والتصوير من قرية المفتاحة التي كانت ملهمتك بتجارب مفيدة ممن يعمل في مراسمها ومن الزوار، ثم انطلقت إلى العالمية. قرية المفتاحة التي كانت منارة للفنانين عام 2005م، وكانت نَشِطة فنيًّا وثقافيًّا لم تعاود أنشطتها السابقة. من وجهة نظرك ما الذي تحتاج إليه هذه القرية لتعاود طاقاتها الفنية؟
■ أيّ مؤسسة لها علاقة بالفن وفي مجتمعنا لا بدّ أن تقودها إرادة وأن تكون ذات أولوية عند المهتمين، وهذا ما نحققه اليوم في «معهد مسك للفنون». بالحديث عن قرية المفتاح ودورها التنويري فنيًّا وثقافيًّا في عام 2005، فنحن نتحدث عن مرحلة يُراد لها اليوم أن تعود وأن تمتد. لا يعني هذا أنّها توقفت أو انطفأت شعلتها بتوقف مرتاديها أو أنشطتها، ولكن طال هذه القرية الفنية الكثير من العمل البيروقراطي في وقت ما؛ وهو ما جعلها في عقبة وصعوبة محاكاة تجارب المراكز الثقافية الأخرى. ما أعلمه جيدًا أنها ستكون منارة مهمة في الوقت القريب وستكون مركزًا فاعلًا لا على المستوى المحلي وحسب، بل على المستوى الإقليمي والدولي.
● كانت والدتك رسامة للبيوت التقليدية العسيرية. هل سبق أن رافقتها وهي ترسم على جدران البيوت؟ وما الحوارات التي كانت تدور بينكما آنذاك؟ وحول ماذا يا ترى؟
■ لا بد لكل مبدع قصة مع امرأة كانت ظلال طفولته. هذا ما يحدث معنا كجنوبيين في البيت والحقل والوادي والجبل. أولى أبجديات الحياة نتعلمها من تلك المرأة الخالدة في ذاكرتنا. وأول خطوة في تلك التضاريس المتعددة المظاهر كانت بصناعة تلك المرأة، وفي تجربتي كانت الأم. فانطلاقًا من دور المرأة الفاعل في الحياة اليومية، ولكون الأم مدبرة البيت وقائدة مقومات الحياة داخله ومشاركة منذ البداية في بنائه ثم تزيينه. لم تكن تلك الأولان الحاضرة حتى اليوم وليدة مصادفة أو ابتكار شخصي بل كانت إرثًا تاريخيًّا طويلًا من العمل في تزيين البيوت وهي ثقافة وليدة النسيج الاجتماعي. كانت أمي متشربة تلك الجماليات ممن سبقوها من أجداد وأهل، فكانت الانتقال طبيعيًّا، ومن البديهي أن أستقي أول مزاوجات بين الألوان من يدي أمي. وهذا الحوار الصامت هو الأهم بينما التعليمات تأتي بشكل مباشر من الشغف اليومي بهذا الفن.
● بمرافقة صور الأشعة السينية المعتمة التي تحمل إليك كطبيب كثيرًا من المفاجآت المرضية، ربما استطعت أن تفلت من تلك الحالة المرضية المأساوية لتخلق لوحاتٍ فنيةً تشفي الناظر إليها. بإضافة كثير من النصوص الإبداعية العميقة، ترى إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يُصلِح الفنان خَلَلَ الواقع بين حالتين متناقضتين من المرض والشفاء في علاقة مغايرة بين الروح والجسد؟
■ الفنان يُنجز. كل شيء يقوم على قدرات الجمالية والمعرفية. لم يكن الطب عائقًا عن اهتماماتي، وكان هو الآخر علمًا يحقق لي ركيزة لشفائي من تبلور الأفكار لتخرج. تلك الأفكار التي استندت إلى إحدى المعارف في مجال الطب وهي الأشعة السينية. الضوء كان حافزًا لأن تولد من تلك العتمة الشفيفة ما ينقل الخوف إلى البياض. بل ما يجعل من حدود المرض تخومَ فنٍّ يُمكن أن تساعد الإنسان العليل على اكتشاف ما لم يتصوره، وهو أنّ الفن عميق في الحياة وفي سواها. هذا ما حاولت أن أقوله من تلك التجربة وتلك الأيام البواكير.
لوحة «طريق الحرير»
كل لوحة تجسد حالة وهن
● في مجموعتك «إضاءات»، استخدمت الأشعة السينية مع إضافة الخط العربي الذي دعم الفكرة بشكل عميق جدًّا. فما الذي ساعدك على تكوين تصوراتك الفنية المتخيلة عن تلك الأعمال؟
■ الإنسان بكل ضعفه وفي أحلك حالات الجسد ماذا يمكن أن يقوله. كل لوحة كانت تجسد حالة الوهن عبر الأشعة السينية واعتمد أول إدراك يتبادر للمشاهد. أول ما يمكن أن يراه هو النهاية التي لا تترك أثرًا كبيرًا لكونها تقدم في قالب جديد. واستخدام الأشعة السينية مع مزاوجة بنصوص مقدسة تجعل الأمر أكثر قربًا وقابلية. إنّ التماس مع الجسد المريض بشكل يومي يكسب قدرة مذهلة على تجاوز الحصار والاستسلام لآثار الهزيمة أمام الضعف والخوف. كان ذلك من دوافع إنجازي لتلك المجموعة وبناء تصورات أخرى نشطت وخرجت بتلك الوسائل في محيط المشافي والمراكز الاستشفائية.
● تملك مكتبة كبيرة، نعرف من خلالها حُبَّك القراءة.. حدِّثْنا كيف تأثرت بقراءاتك في أعمالك الفنية من معرض إلى آخر، وما أهمية القراءة للفنان؟
■ تشكل المكتبة الرافد الأول من ناحية المعرفة والاطلاع وقراءة الآخر سواء كان في كتاب أدبي أو فني أو حتى مراجع متخصصة. لقد صنعت المكتبة من الإشراقات ما يكاد يتساوى مع صنيع المعارض الفنية إقليميًّا ودوليًّا، فما تحمله الكتب من دهشة منقولة لا تقل في إضافاتها ما يمكن استقاؤه أو تلقيه ندوة أو حوار مباشر حول الفن وآفاقه. لا شك أن المكتبة هي المخزون الأقرب لي ولا يُمكن أن أتصور ابتعادي عنها وبخاصة أثناء بحثي وتحوير الأفكار وتقليب أشكالها وإخراجها، فالمعرفة وإن كانت ضابطًا غير صادق في كثير من أوجه الفن، حيث لا يمكن أن تحكم أي عمل فني بنظريات معرفية بحتة، لكن تلك المعرفة تجعلك على دراية بالتجارب السابقة وتدفع موهبتك الداخلية لتجتاز الرؤى المطروقة من قبل. لذلك لا يمكن لأي فنان أن يتقدّم أو يسعى في تجربة فريدة ومختلفة من دون أن يكون ملمًّا بمستوى مناسب من المعرفة وعلى قدر من الاطلاع والوعي الحصيف بالقراءة والبحث الجادّ.
● يلاحظ جرأتك الفنية والبصرية بل اللغوية في تسمية بعض أعمالك مثل بقرة صفراء ومثل طلسم. ألا تخشى نقد التطرف والرقيب؟ ألا يعوق ذلك الأمر تفكيرك في أثناء تجهيز عملك ذاك؟ أم إن تعاملك مع الكلمات يختلف عن تعاملك مع أدواتك الفنية؟
■ لم يكن الرقيب يومًا في محمل الصورة أو في حسابات العمل الجمالي؛ لأنّه في حقيقة الأمر من خارج هذا العالم المفتوح على الأفق والمنخرط في سحاباته العالية جدًّا. بالمختصر لا وجود للرقيب سوى نداء المسؤولية الذي يحرك الفنان والمثقف، ولا يُمكن لأيّ فن طليق وحرّ أن يخضع لرقابة خارجة عن اشتراطاته التي تحقق للإنسان إرادته وتفك القيد عن تعبيره.
● عبرت لوحاتك المعارض العالمية بأفكارها وأساليبها المختلفة، المرتبطة بالهوية الإسلاميّة والثقافة العربية.. كيف تقرأ لنا هذه التجربة؟!
■ هذا العبور إلى المعارض العالمية مديح يأتي في سؤالكم ولا يأتي على لساني. ما أستطيع تأكيده هو أنّ كلّ عمل يُقدّم حكايته بسهولة وبطريقة مباشرة هو القادر على مخاطبة الجميع مهما كانت المسافة الجغرافية تفصل بينه وبين المشاهد في الجغرافيا الأخرى. طالما كان الهاجس هو الاختلاف والتنوع وعدم مغادرة الهوية بمكتسبات خارجية بمحاكاة الآخر وإنجاز أعمال هجينة، فذلك ما يجعل للتجربة تميزًا واستقلالًا ومغايرة تتجاوز بها مستوى المحيط. وهناك أسماء كثيرة في تاريخ الفنون السعودية استطاعت أن تتجاوز الحدود، وأن تكون علامة فارقة في المشهد الإقليمي. وعندما انطلقت في تجربتي كان الهدف أن يكون العمل معبرًا عن الرؤية التي لم أترك لها حاجزًا أو سقفًا، وعوني في ذلك المكون الثقافي للمكان ولقراءاتي الخاصة ومشاهداتي المستمرة للمحيط وخارجه. هذه الصبغة التي تصطحبني في الإنجاز هي الفاعلة في تقديري الشخصي، وهي التي أعطت هذا الحضور المساحة الكبرى، وتحقق لي القليل للوصول.
حكاية جديدة
● قدَّمَ معرضك «رحلات مكة» الذي أقيم بـ«متحف بروكلين» في مدينة نيويورك نظرةً متمايزة للتغيرات المتعاقبة في مدينة مكة المكرمة سجّلت معالم الزمان والمكان. وكانت شاهد عيان على أعمال الهدم والبناء الحديث في مكة المكرمة. من خلال تشغيل فيديو «الشبح»، وفي فِلم «الأوراق تتساقط في كل الفصول» (2011م)، كما تضمن معــرضك صورًا شاملة للمدينة، وأهلها وسكانها، مظهرة تنوع الأعراق والجنسيات والثقافات. وستة مقاطع فيديو تركز على الحركة الثقافيّة السائدة في مكة المكرمة اليوم، وعملًا نحتيًّا «مغناطيسية» (2009م)، وآخر تركيبيًّا «نوافذ مكة المكرّمة» (2013– مستمر)، وهو ما يوحي بأنها تجسيد واقعي للحالة الثقافية للمجتمع السعودي المعاصر وتحولاته الطبيعية. معرضك الذي استمر أربعة أشهر، وهو المعرض الأول لفنان عربي في بروكلين. فما الذي خرجت به من نتائج من ذلك المعرض؟ ولماذا اخترت بروكلين ولم تختر مدينة إسلامية أخرى لهذا المعرض ذي النكهة الإسلامية؟
■ إنّ هذا العمل أخذ رحلته الكافية عبر العديد من التغيرات التي نالت من ذلك المكان المقدس. كنت مع الكاميرا في ركض يومي وحافل بصور لا يمكن أن تخذل الحقيقة التي كنت أراها وأسجلها عبر أيام وشهور تلك السنوات الخمس في ذلك المكان المقدس والعريق في تاريخ البشرية. وهذا ما انعكس على التجربة بروحانية خاصة لكنها على شكل آخر من التعاطي الفني لهذا المكان تحديدًا؛ وهو ما يعني وجود حكاية جديدة ومختلفة عمّا ينتظره جمهور دولة إسلامية. لذلك كانت الفعالية تقام في مركز حاضري وهامّ على مستوى العالم وهو «متحف بروكلين» الذي وجد مسؤولوه في العمل ما يحفز المشاهد الآخر على هذه الوجهة في قلوب المسلمين على الأرض، وما القصص القادمة من هناك وكيف جرى قولبتها إلى أسئلة أو إجابات تظهر في الأعمال المشاركة. وكان الهاجس أن تتقلص تلك المسافة الشاسعة بين المكان كقبلة أزلية وبين أدوات العصر التي تقتحمه بمقترحات العمران الحديثة والتطور المتسارع. ومن جانب كنت أستفسرُ عن واقع الإنسان في هذا المكان، سواء المقيم أو العامل في البنايات الشاهقة والآلات الضخمة والمنخرط في مكينة يومية من العمل والحديد والخرسانة. إنها محاولة صغيرة منِّي لأرى بعيون التصوير تلك الحياة وأستنتج الأسباب الوجيهة لهذا التغير العصري، وأيضًا أنقُلُ ما يستحدث في المكان إلى حدود أخرى وقراءة مغايرة؛ لذلك فإنّ هذا ما يدفع بالمعرض ليكون في متحف «بروكلين» كوجهة جديدة ومهمة للتجربة.
● لديك أعمالك المعروضة ضمن مجموعة المقتنيات الدائمة لمتحف غوغنهايم أبوظبي، تحت عنوان: «المدينة من صحراء فاران»، التي تبرز التطور الحضري لمدينة مكة المكرمة. واسم هذه السلسلة مستوحى من الاسم القديم لمدينة مكة، أو الأحراش والجبال المحيطة بها، التي توثق التطوير السريع الذي شهدته مكة المكرمة. وقدمت من خلال المعرض كتابك المهم «صحراء فاران.. تواريخ غير رسمية حول التوسع الشامل في مكة المكرمة»، الصادر عن دار لارس مولر للنشر 2016م، الذي رصد سنوات طويلة من الترحال لأصوات وتجارب ونشاطات سكان وحجاج مكة المكرمة في منظور جديد؛ ماذا أراد أن ينقل إلى متلقيه؟
■ بكل بساطة أراد العمل أن ينقل المشاهد والمتتبع إلى أرضية أخرى تتمظهر في استعادة اسمها الأول «صحراء فاران»، وبذلك يأتي دور هذه المدنية العريقة في الوجدان الإنساني والتاريخي، وتشرح القليل من امتداد البشر عبر أزمنة وحِقَب كثيرة لم يتوقف بحداثة النهضة مقارنة بما مَرَّ كحدث وبقي الأثر. لم تكن الأعمال تستوعب التساؤلات والاستنباطات فقط بل كان عليها أن تحث المشاهد على المزيد من المعرفة الجديدة وإماطة اللثام عن معنى الضوء وهو يتجول على أرض محفوف بكثير من التحفظ وبخاصة من جانب الآخر.
● في معرضك الفردي تحت عنوان: «المدن الرمزية» الذي أقيم في متحف ساكلر أحد متاحف سميثونيان في العاصمة واشنطن؛ المؤسسة البحثية الكبرى في العالم تحدث معرضك الذي حمل اسم «المدن الرمزية» عن فكرة المدينة السعودية المعاصرة مستوحيًا حكايات تاريخية موازية مع حكايات متخيلة تناولت التحولات التي عاشتها المملكة العربية السعودية منذ أوائل القرن الـ20 ومدى تأثير هذه التغيرات في الحياة في المملكة مستخدمًا التصوير الفوتوغرافي، لماذا اخترت لمعرضك عنوان «المدن الرمزية»؟ وكيف تعكس هذه التسمية الحياة المدنية المعاصرة في السعودية؟ وماذا تقدم لنا من خلاله؟
■ عادة العمل الفني هو الذي يفرض التسمية، وتأتي غالبًا تلك التسميات من خلال المطبوعات المصاحبة للمعرض المقام، وهي تأخذ طابع المعنى الأول وتشخص الأعمال في قالب واحد وكامل، وهذا لا يعكس في واقع الحال مكنونات تلك الأعمال التي تأخذ عادة أكثر من وجه، وتسعى إلى طرح أكثر من حديث قابل للتوسع بعين الفن وجمالياته؛ لذلك لا أستطيع أن أؤكد معنى «المدن الرمزية» بقدر ما أؤكد عينَ المشاهد لتقرر هي ما تريد من عنوان أمثل يروق لها. هذا لا ينفي أن المعرض كان يذهب في منحى التساؤل عن تلك الحياة القادمة من مدن جديدة أو من معالم برزت لسنوات في حيواتنا وتفاصيلها.
● هل تولي اهتمامًا بعنصر البهجة في معارضك الفنية الإسلامية بشكل خاص؟ ولماذا؟ وما الفارق بين مفهومي البهجة والدهشة من خلال رؤيتك كفنان؟
■ ماذا غير البهجة تندفع داخل حصون الأعمال الفنية وهي تستجيب لذلك الشغف المحاط بالتربص والتحيّن والانتظار. تلك عناصر من مستجيبات كثيرة يخلق منها العمل الفني. الدهشة تأتي لاحقًا من المتلقي، لكنها ليست كائنًا داخليًّا لحظة الاشتغال. أعتقد أن التفرد معنيٌّ بهذه العلاقة المعقدة بين البهجة التي تغتصب مكانها بالعمل، وبين الدهشة التي تظهر عند المتلقي.
معرض : «رحلات مكة» في متحف بروكلين بمدينة نيويورك
الهم الثقافي
● تُشكّل «إيدج أوف أرابيا» مرآة ناصعة للساحة الفنية الحداثية؛ إذ يبرز دور الفنانين الجدد للنهوض، وتطوير الساحة الفنية السعودية، وتشجيع المواهب المحلية؛ فما الذي يجعلها فعالة وبيئة مناسبة للفنانين الشباب؟ وما إضافاتها التي أكسبتها تلك الثقة الفنية الإبداعية؟
■ في سبيل الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من إيضاحٍ حول «الهمّ الثقافي». إنّ هذا الهمّ لا يتوقف عند النشر الخاص بك أو المشاركة في المحافل الفنية أو استطالة اسمك على واجهات المعارض؛ بل يمتدُّ إلى أكثر من ذلك وهو الإخلاص للفنون ولأشكالها ولاستحداث مذاهبها، وتقدير عدم ارتهانها لعبور الزمن أو لمعيار الثبات. إنّ مؤسسة «حافة الجزيرة العربية» قامت بمبادرة مع فنانيْنِ لهما الهمّ ذاته وهما الفنان البريطاني ستيفن ستابلتون والفنان السعودي عبدالناصر غارم، وجاء هذا التأسيس من لقاء جمعنا على جبال عسير في مارس عام 2003م، فانطلقت لتُشكل مصافحة كبرى بين الشرق الأوسط وبين الغرب. وقد عملت هذه المؤسسة غير الربحية على نقل الحوار إلى منطقة أخرى وأعتاب جديدة. فقد سعت إلى نقل الحركة الفنية المعاصرة في الوطن العربي إلى العالم المتجدد في بلدان ومدن الغرب والوصول إلى جمهور لم يعتد كثيرًا على أعمال غير تلك الأعمال العريقة والكلاسيكية التي تأتي من الشرق، الشرق بحمولته العربية ثقافيًّا وجغرافيًّا. واليوم نتحدث عن مئات الأعمال لفانين عرب توزعوا حول العالم بجماليات الدهشة التي أخذت إليها أبصار المشاهد خارج حدودهم، واستطاعت هذه المؤسسة في سنوات معدودة أن تكون رائدة في رعاية الفنون المعاصرة القادمة من الوطن العربي تحديدًا. أستطيع أن أقول: إنّ التحدّي قد استطاعته كلّ الأسماء الشابة التي اخترقت حُجبَ المحليَّ والإقليميَّ، ومن المبهج كثيرًا أن تكون مؤسسة «حافة الجزيرة العربية» هي التي كانت تمسك بالدّفة وتُقدم تلك الوجوه الجديدة والمتحمسة إلى نقلة متميزة أمام عيون الآخر المتعطش للغة ورؤى هذا الفن القادم من الشرق الأوسط.
● إلى جانب الفنانين الذين يدخلون الساحة الدولية؛ من وجهة نظرك على مَن تَقَعُ نهضة الساحة الفنية السعودية عالميًّا ومحليًّا؟
■ لا أحد يُنكر دور المؤسسة في دفع أي حركة ثقافية ومواصلة الدعم من جانب تلك المؤسسة أيًّا كان نشاطها. العمل في مرحلة ما لا يتوقف فقط على اجتهادات الفنان المنفردة، وإن كانت فرص وصوله إلى العالمية بسبب علاقاته أو حتى أعماله السابقة، لكن لا بدّ من إنجازات تتسم بالعمل المؤسسي ومحاكاة المؤسسات الدولية في بلدان كبرى اشتهرت بمراكزها الثقافية والفنية. لا أُخفيكِ أن الفنان السعودي يواجه صعوبات لا تحصى في كثير من الحالات التي تستدعي مؤسسة حكومية ينطوي تحتها للمشاركة في الخارج. كما أنّ الكثير من المؤسسات في وقت ما لا تستطيع أن تقدم لهذا الفنان أي نافذة يقتحم منها بمُنجَزهِ ورسالته، فضلًا عن افتقار تلك المؤسسات لروح المسؤولية وللأفراد الذين لديهم الهم الثقافي الحقيقي. لا يخفى على أحد أننا قطعنا سنوات طويلة بمؤسسات مفرغة من دورها اللازم تجاه الثقافة والفن، ولم يكن لديها سوى موظفين لا مبدعين أو على الأقل لديهم القليل من الوعي بدور الفنان وبوجوب قراءة أفقه وتطلعاته ومساعدته على تجاوز القائم والمتاح. أقول هذا عن مرحلة مضت، والحقيقة أن الخسارة كانت ماثلة في المشهد العالمي الذي كاد ينعدم وجود الفنان السعودي فيه، أما اليوم فنحن نعيش مفصلًا مهمًّا على جميع الأصعدة، ويعني هنا اتساع المساحة أمام الفنون والإبداع والحراك الكبير المتمثل في التوعية بدور الثقافة والفن في المجتمع بوصفهما صورًا من صور الحوار العالي مع الآخر. لقد لاحظنا كيف أن جميع المؤسسات الحديثة منها والقديمة تواكب رؤية المملكة 2030 وتسعى إلى تحقيق المبادرات التي من شأنها تحقيق أهداف الرؤية. والمقام ليس لتعداد تلك المؤسسات ولكن للاستبشار بأدوارها التي سوف تنهض بدور الفنون وستنقلها إلى العالمية على النحو المنشود.
● لوحتك «طريق الحرير» التي قدمها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الرئيس الصيني في زيارته الأخيرة للصين والتي كانت عبارة عن وجهين تحمل علاقة الفكر الثقافي بين الصين والجزيرة العربية منذ أمد بعيد، كانت محل اهتمام الصحافة الصينية والعالمية. فكيف تختصر الفنون مسافات كثيرة لنقل ثقافات الشعوب من وجهة نظرك؟
■ الفن يسبق اللقاءات والحوارات، فزمنه لا ينتظر ولا يتخلّى عن الفكرة التي تجد نفسها عالمية الحضور قبل صاحبها. الفن بشكل عام لا يلتزم بحدود أو جغرافيا محصورة وهذا ما يدفع ببعض الأعمال للشهرة والتجاوز من المحلي إلى الدولي متى كانت قائمة على نقطة الالتقاء بين مكونين ثقافيين لكل واحد تضاريسه المستقلّة. لقد حاولت من هذا المنطلق أن أوجد في لوحة «طريق الحرير» ذلك الحوار، وأنا أعود لذلك التماس التاريخي بين أرض الجزيرة العربية وبلاد الصين، وأجمع تلك الصورة المتماثلة بالمأثور في مكوننا الثقافي عن الصين والعلم من جانب، ولتطلعات المستقبل اليوم من جانب آخر.
معهد مسك للفنون
● عُيّنت مديرًا تنفيذيًّا في «معهد مسك للفنون» التابع لـ«مؤسسة مسك الخيرية» التي أسسها وليُّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وذلك عام 2017م. وأقمت حينذاك شراكة ثقافية طموحة بين معهد مسك للفنون ومتحف نيويورك للفن الحديث، وهذا المشروع يشكل خطوة واعدة نحو تعزيز وإثراء التبادل الفني والعلمي عبر مختلف التقاليد والثقافات، فما أهمية هذا التعاون ومثيله لإطلاق «رؤية معهد مسك للفنون»؟ وما الدور المنتظر من المعهد ليكون «منصة مفتوحة يقودها جيل جديد من الفنانين والمصممين والمفكرين السعوديين مستقبلًا؟
■ في عالم الثقافة والفنون لا يمكن التحرك من دون شركاء ينهضون بالقيمة التي تتقاسمها معهم، وهذا ما يحدث لأيّ مؤسسة أو مشروع فردي متى وجد الجدية في التحرك والوصول. لقد استطاع «معهد مسك للفنون»، وهو الناشئ حديثًا، أن يكون مرجعًا مهمًّا للعمل المؤسسي في مجالي الثقافة والفنون، وفي مدة وجيزة، وهو ما يجب أن يستمر لينقل هذين المجالين من صورتهما الأولى إلى موقعهما الرئد في المجتمع السعودي. ويعمل اليوم المعهد على أن يكون ركيزة أساسية للعملية الإبداعية ولصانعيها ومتذوقيها لما يضطلع به من إنتاج أوجه الأعمال الفنية المعاصرة منها وغيرها، وتقديمها للجمهور ونشرها محليًّا ودوليًّا، مع فتح الفرص لكلّ المواهب القادرة على التنويع ومواصلة التميز. وبذلك فإن معهد مسك للفنون «يسعى إلى تكوين مجموعة متنوعة الاتجاهات وفاعلة في التأثير داخل الأوساط تُمثل أوجه التعددية الثقافية وتُقدم صورها المختلفة في صناعة الإبداع والخطاب المشترك. هذا فضلًا عن رؤيته في قيادة اقتصاد المعرفة والإبداع عبر الفنون والابتكار وتحت رعاية كريمة من مؤسسة مسك الخيرية التي أسسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز عام 2013م، وهي بلا شك مؤسسة فاعلة في صناعة الأجيال وبرؤية عصرية تتوق إلى التقدم ومواكبة العالم المتجدد.
● الملاحظ على أعمالك الفنية ذات الطابع الإسلامي خاصة، أنك أعدت تطويع الفن الإسلامي بأساليبك التعبيرية ورؤيتك الفنية الخاصة، ولم تُعِدِ ابتكار الفن الإسلامي كما هي الحال مع كثير من الأعمال الفنية المعاصرة. ترى ما أهمية أن تكون أعمال الفنان صورة لرؤيته وتفكيره فيما حوله؟
■ لا يُمكن لأيّ مثقف أو فنان أن ينبت عن مكوناته الأساسية التي تشربها في مراحل تقدمه وتلك التي صقلها بطبيعة الحال، وهو ما يعني أنه لا يُمكن أن تختفي آثار تلك المكونات المهمة في المسيرة الشخصية أولًا ثم الفنية. وتطويع التجارب بفنون من ثقافات قائمة هي نتيجة الاستجابة التلقائية للحياة ولمعنى أن تكون مؤثرًا ومتأثرًا، أن تكون فاعلًا بالنقل ولكن بصور مختلفة وبقوالب تعكس تصوراتك وطريقة وعيك بما هو قائم ومحاكمة ما هو في المتناول وغيره. وتأتي الأهمية من دور الأعمال في نقل الرؤية والتفكير هو أنّها الوسيلة الوحيدة لاستنطاق رسالتك المكنونة. إنّ الفن هو كل الإجابات غير المتوقعة. هذا ما أستطيع أن أقوله.
● سبق أن ذكرت أنّ هناك مجموعةً متنوعة من المعارض، والعروض السينمائية، وعروض الأداء، والبرامج التعليمية، وأعمال التكليف الفنية العامة، والمحاضرات، إضافة إلى ندوات حوارية للفنانين، وأن عددًا من المؤسسات ستتعاون مع معهد مسك للفنون لإقامة تلك المعارض والبرامج، وستستضيف مشروعات خاصة كجزء من برامج القيّمين المستمرة ضمن «مهرجان نيويورك للفنون والأفلام العربية»؛ إلام تهدف هذه التظاهرة الفنية الزاخرة بالبرامج الفنية؟ وما أهمية مثل هذه التظاهرة مستقبلًا؟
■ نعم لقد وُضِعَ البرنامج الدولي لعام 2018م، وقد نفذ فريق العمل جميع الخطة الثقافية المُعلن عنها بنهاية عام 2017م، وبالتالي فنحن اليوم نقف على بداية لبرنامج جديد قد استشرف الحاجات والغايات اللازمة في عام 2019. والجميع شاهَدَ مشاركات المعهد المحلية والدولية، ومنها فعاليات مسك الفنون 2018م المنتهية بتكريم بعض الرواد السعوديين في الفنون التشكيلية ثم المشاركة بمعرض «بريس» في منتدى مسك العالمي المنعقد في نوفمبر 2018م بالرياض. وكان قبل ذلك تنظيم أول جناح للمملكة العربية السعودية في معرض «بينالي البندقية للعمارة»، وتنفيذ رحلات للفنانين الشباب إلى ولاية كاليفورنيا الأميركية من خلال برنامج التبادل التعليمي «اصنعْ وألْهِمْ»، إضافة إلى «مهرجان نيويورك للفنون والأفلام العربية» 2018م، وكذلك المشاركة في معرض «دبي آرت»، والفعاليات المتعدد والمتنوعة التي صاحبت جولة سمو ولي العهد في كل من فرنسا وأميركا. هذا وقد أقام المعهد الكثير من الشراكات الدولية التي من شأنها تطوير العمل والارتقاء بالمسؤوليات داخل منظومة المعهد. وغنيّ عن القول أنّ كل هذه التظاهرات المشرفة تهدف إلى نقل الصورة المثلى لنشر ثقافتنا وفنوننا السعودية وما تعنيه من حوار عالمي لا يرتهن لمرحلة، بل هو مستمر ومتقدم.
● أواخر خريف عام 2018م، غادر 10 فنانين شباب المملكة متجهين إلى ولاية كاليفورنيا الأميركية، حيث سيكتسبون خبرة عملية من خلال دورة تدريبية في أبرز الشركات التكنولوجية الرائدة، والشركات الناشئة، وداخل أستوديوهات الفنانين، كما سيمهد هذا البرنامج لرحلة متبادلة يقوم بها فنانون شباب من الولايات المتحدة إلى المملكة في عام 2019م. برأيك ما النتائج المستهدفة من مثل هذه الزيارات الإبداعية المتبادلة؟ هل سيشارك فيها أدباء سعوديون؟ وإذا لم تكن هناك مشاركة من جانب الأدباء في مثل هذه التظاهرة أرجو توضيح الأسباب، وبخاصة أن كثيرًا من الأسابيع الأدبية يحضرها فنانون وتشكيليون ويشاركون فيها إلى جانب الأدباء؟
■ هناك شراكة منعقدة بين معهد مسك للفنون ومؤسسة «كروسواي» لصناعة برنامج «اصنعْ وأَلْهِمْ»، يعمل في إطار تنافسي متاح لجميع الفنانين في السعودية، من مواطنين ومقيمين على حد سواء. ومن شأن هذا البرنامج أن يقدم المعرفة وخوض التجربة من خلال دورة تدريبية تشرف عليها أبرز شركات التكنولوجيا المتطورة عالميًّا، وكذلك بعض الشركات الحديثة، وداخل أستوديوهات الفنانين. وسيقدم أيضًا هذا البرنامج الرائد في فكرته على المستوى الإقليمي رحلة متبادلة يقوم بها فنانون شباب من الولايات المتحدة إلى المملكة عام 2019م. ومثل هذه البرامج وغيرها تقوم على مبدأ الحوار والتبادل المعرفي والثقافي الذي يُعد إحدى المحاولات المهمة في العمل وبناء الخطط داخل منظومة المعهد ككل.
● تقدمتَ بدعوى قضائية ضد مجموعة «سواتش»، الشركة الأم لماركة الساعات الشهيرة «أوميغا»؛ بسبب إعلان ترويجي لأحد منتجاتها، استغلت فيه عملك الفني الشهير «مغناطيسية» في الترويج لأحد منتجاتها. ما دور الفنان والرأي العام في الحدّ من تفشِّي مثل هذه السرقات الفنية والإبداعية التي ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي بتقنياتها على انتشارها؟ وما الدور الذي ينبغي للمسؤولين عن حقوق الملكية الفكرية القيام به لمساندة المبدعين في هذا الجانب؟
■ إنّ الوعي بقيمة الفن تفرض علينا الكثير من المسؤوليات، ليس فقط من جانب الفنان أو المبدع؛ بل من جانب أطياف المجتمع. إننا نسعى بأعمالنا والإخلاص لرسالتها لأنْ تكون هناك الأمانة الفنية أولًا، ثم صيانة هذه الأمانة والحق المكتسب لأي عمل فني أو نتاج ثقافي، وهو ما يجب أن ينتشر الوعي به على الأصعدة كافة، وعلى جميع المؤسسات أن تقوم بدورها في هذا الشأن المهم حمايةً للفنون ولتنامي حركتها والحفاظ على امتداد أسمائها من مبدعين وموهوبين. إن الحفاظ على الملكية الفكرية لهو مؤشر لافت على تقدم المجتمع وعلى تنامي تقديره للفنون والثقافة، وهذا ما يجب أن نكون عليه.
● تقود معظم الدول الإسلامية الحراك ضد الإرهاب، الذي يطلّ اليوم بأشكال مختلفة. وانطلاقًا من كون الفنان والفن شريكًا ومؤثرًا في الرأي الاجتماعي والسياسي، ويحمل مسؤولية تجاه المجتمع، فـكيف يمكن خلق حوار حضاري للنقاش بلغة إنسانية تكافح الإرهاب؟
■ نعود إلى مفهوم الهمّ، ولا أزيد إذا قلت: إنّ الإنسان هو محور الأعمال التي تجمع مخاوفه وآماله، انكساراته وانتصاراته، قلاعه وحطامه، عشقه وخيباته. فكل ذلك تحيط به أعمال الفنان المهموم بجراحات الإنسان وتطلعاته ولا يمكن أن يكون بعيدًا من الأخطار المحدقة بالإنسانية والهادمة لجسور الحوار واللقاء تحت ظُلَّةِ التعايش والسلم.
● تحتاج الحركة الفنية في الخليج إلى الاعتراف بها عالميًّا. من خلال بناء منظومة متكاملة من الوعي الثقافي والحركة النقدية. كيف يتسنى لها تحقيق تلك المنظومة على أرض الواقع؟
■ نحن تأخرنا في بناء تلك المؤسسات القادرة على فعل الكثير في مجال التعريف بالحركة الفنية. القياس اليوم ليس مجديًا فهنا تجارب إقليمية وضعت لها قدمًا واثقة في المنظومة الدولية، وأمامنا كثير من العمل لنواكب مراكز ومتاحف عالمية أثرت في الحراك الفني الدولي. نحن نراهن كثيرًا على أن تقوم المؤسسات بدورها مع أفراد معروفين أثروا الحركة الفنية في الخليج، وأسهموا في نقلها للعالمية بتجاربهم الشخصية.
● صُنّفت كواحد من أفضل مئة شخصية عربية الأقوى تأثيرًا. فما دور الفنان السعودي اليوم؟ وما مسؤولياته إزاء مثل هذه الثقة العالمية والوطنية خاصة؟
■ هذه التصنيفات ليست هدفًا وليست مرجعًا لاصطفاف المثقف في طابور الشخصيات المؤثرة من عدمه؛ بل نتاجك هو الفاعل الأول وهو القادر على ترسيخ مسؤوليتك تجاه قضايا مجتمعك وإنسانه الذي هو امتداد الإنسان الآخر. والشعور بالمسؤولية لا تقرّه تلك التصنيفات، ولكن تزيدك بعض الإشارات لمكانتك وتميز قدراتك الثقة والإصرار على مواصلة العمل. إن مخزوننا الثقافي يحتم علينا استجابة كبيرة لاستعادة الماضي بتطويعه في سياق الحاضر واستشراف المستقبل، وهذا يجعلنا أمام مسؤولية النهوض بكلّ القدرات لنكون على أهبة النهوض بالتحولات المحمودة في بنية المجتمع والتمسك بهويّة ثابتة طبيعتها قيم الإنسان ومفاهيمه.
● بعض أعمالك عبارة عن سلسلة متماسكة بحيث لا تنفصل قطعة فنية عن الأخرى، بينما يأتي بعضها كعمل يتيم؟ هل يمكن أن نقول بأنّ الفن المتسلسل يحتمل القصّ ونفس الحكاية المسرودة فنيًّا؟
■ إنّ العمل الإبداعي بشكل عام في داخله يلتزم بعمود فقريّ خفيّ مهما تداعت الصورة وتفاصيلها إلى تشعبات كثيفة، وعادة ما تتشكل تلك الاستقامة بوَحْدة فنية لأعمال مختلفة نتيجة البنية الواحدة لفكرة العمل، وإن أتت على أكثر من نمط، وبذلك يتكون لدينا قصٌّ بمظهر واحد أو سيرة متسلسلة لحدث يأتي بوعاء فني. إذن كل الخيارات متوافرة أمام المبدع متى استطاع أن يخلق فكرته الجديدة.
● متى تقرر اختيار عنوان لعملك أو معرضك؟ وهل يحدث ذلك قبل اكتمال عملك الفني أو في أثنائه أو بعده؟ وهل تتعمّد أن تأتي تسمياتك الفنية غريبةً وطريفةً؟
■ لا وقت للقرار في الفن. العملية الإبداعية لعمل واحد هي نتيجة مراحل صغيرة مركبة ومتلاحقة حتى تصل لمستواها الأخير. عندما يتم الاجتهاد على النحو المرضي للعمل تولد التسمية إن أُرِيدَ لها أن تكون أصلًا.
● من أين تلتقط فكرتك الفنية بالضبط؟ ما مصادرك؟
■ لا تُوجد جدارة لشيء أكثر ما للحياة في توفير الأفكار ونشر اللحظات الخاطفة لبناء عمل يُثير الدهشة.
● ماذا أفادتك دراستك للطب فنيًّا؟ وما تأثيرها في أعمالك على المستوى الإنساني؟
■ تُعدّ دراستي للطب أولى معارفي في الحياة، فقد كانت الدروس العلمية البحتة ذات أثر بالغ في البدايات. عندما تنخرط بشكل يومي في آلام البشر الجسدية وبشكل مباشر ستجد ذاتك في مواجهة مع المرض والوهن الإنساني، وهو ما أوجدني أمام لحظات حاسمة في تجربتي. لقد دفعتني دراسة الطب إلى مواجهة التحدي بالصورة وأشكالها الفنية القادرة على التعبير عن همّ وإدراك متنامي يمسّ الإنسان أولًا. إنّي مدين لتلك التجربة العلمية الصارمة في مرحلة مهمة من مراحل أعمالي التي تستقي اليوم من تلك المعارف وبرؤية متجددة.
● قدّمت كثيرًا من المحاضرات المتخصصة في موضوعات معارضك الفنية ومضامينها. في رأيك، كيف يُمكن خلق النقاش حول التاريخ والثقافة الإسلامية من زوايا فنية وجمالية؟
■ بشكل عام تكون اشتغالات المهتم بالفنون والجمال منطلقة من جذره الثقافي، وليس بعيدًا من ذلك كل المكونات المحيطة بالفنان أو المبدع، تلك المكونات التي تشكل مداركه وإمكانياته وتصقل تجاربه. ومتى استقامت الموهبة الجادة والقوة الفنية مع مقومات المعرفة والجديد من علوم الفن، استطاع الفنان أن يُسهم في الحوار وأن يقدم الصورة المشرقة للقيم المشتركة، وهذا ما يدفع به إلى خلق تلك المساحة الصالحة للحياة حيث يكون. إذن العناصر الثقافية التي يملكها أي فنان تحتاج إلى القدرة على الإنجاز والإصرار على توصيل رسالتها، وبصفتي ابن المكان الذي شهد ميلاد الإسلام كرسالة وقيم إنسانية كان عليَّ أن أُزاوِج بين تلك المعرفة القادمة من الآخر وبين مكوني الثقافي على هذه الجغرافيا، وهذا في اعتقادي ما يحقق القيمة العليا للفن والثقافة خارج الحدود.
● استغرق عدد من الفنانين السعوديين في إشباع فنونهم بالطابع الرقمي، وهو ما أفقدَ أعمالهم الطابع الإبداعي الحقيقي ورسالة الفن. فكيف يمكن للفنان الناشئ تجاوز تلك الحواجز التقنية في رأسه والاتجاه نحو صياغة فكرته بكثير من التخيل الذي يربطه بواقعه ولا يبعده منه؟
■ الفنان الحقيقي سينقذ نفسه من تلك الزواحف الإلكترونية. أُسمِّيها زواحف إلكترونية؛ لأنها لا تنقرض وتسمِّم باستمرار القيمة الفنية العالية. الفنان الحاذق هو من يستطيع ترويض كل وسيلة حديثة لمنجزاته وإبداعه. تبقى أسئلة الفنان هي المحرك الأساسي في عملية حواره مع واقعه ومدى استعداده لتطوير أدواته فضلًا عن حجم تخيله الذي يصقله الزمن عطفًا على التجارب والمثابرة. أمّا الارتكان إلى الطابع الرقمي الذي يوفر عليه الكثير من الوقت ولكن بقيمة مبخوسة، فذلك سجن يسور حديقة لا فائدة منها.
بواسطة هدى الدغفق - الفيصل | سبتمبر 2, 2018 | الملف
في السعودية وجود لا بأس به لمؤسسات مجتمع مدني، وإن أخذت أسماء أخرى، وبدأت تدريجيًّا هذه المؤسسات في إيجاد مكان لها، وكذلك أيضًا عملت على تأسيس علاقة مع شرائح المجتمع، الذين بدؤوا يثقون، بشكل أو بآخر، في أدوارها وطروحاتها. بيد أن المؤمل من هذه المؤسسات هو أكثر من طاقتها، وأكبر من المساحة التي تتحرك فيها. فهذه المؤسسات، على الرغم مما سبق، تعاني أمورًا عدة وتواجه تحديات من داخلها، لناحية المشتغلين فيها ووعيهم بطبيعة المؤسسة التي ينضوون تحتها، وتحديات أخرى من خارجها، نظرة المجتمع والحكومة لها، والإمكانات المتاحة أمامها. لكن معظم المهتمين بهذه المؤسسات، يعلقون آمالا على دور فاعل لها في ما يشهده المجتمع السعودي من تحولات وتطوير. في هذا التحقيق يتحدث عدد من الناشطين والحقوقيين لـ«الفيصل»، عن طبيعة مؤسسات المجتمع المدني في السعودية، وعن دورها، كما يتطرقون إلى التحديات التي تواجهها، وإلى إسهامها في مواجهة قضايا حساسة مثل قضية الفساد، الذي تحاربه الحكومة بصورة لا هوادة فيها.
يقول الناشط والكاتب الدكتور عبدالرحمن الحبيب: «يتوافق مجموعة من أفراد ذوي تخصص علمي أو أدبي معين أو عمل خيري أو تطوعي أو تعاوني على إنشاء جمعية، يتحمسون كثيرًا، ويقومون بالإجراءات الرسمية، ويرفعون طلبهم للجهات المختصة.. وينتظرون، ويعلقون في الصحف لائمين الجهة الفلانية أو العلانية على التأخر في الرد.. تصدر الموافقة الرسمية.. يجتمع الأعضاء بالعشرات بنشاط مفعم حيوية وحماسًا وآمالًا كبرى.. تشعر بأن كل شيء سيتحسن في هذا القطاع.. ينتخبون مجلس الإدارة، يدفعون الرسوم.. ثم ماذا؟ في أغلب الحالات: لا شيء مهم، سوى قصاصات ورقية وأخبار صحفية أو موقع هزيل في الإنترنت. مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات خيرية وتعاونية وعلمية ومؤسسات أهلية تتفاوت في عملها وعطائها؛ من تلك التي لا تحمل إلا اسمها فقط وتأخذ من الواجهة والحضور الإعلامي أكثر مما تعمل، إلى مؤسسات تصارع ذاتها وتتخاصم على من سيكون المدير. بطبيعة الحال هناك جمعيات تعمل بشكل جيد، لكن الطرح هنا هو عن النسبة الأكبر».
ويقسم الحبيب الواقع الحالي لجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في المملكة إلى ثلاثة مستويات: «الأول هو المستوى الرسمي حيث تشجع الدولة إنشاء جمعيات خيرية وتعاونية ومؤسسات أهلية وتدعمها؛ الثاني مستوى التشريع، فالتشريعات الجديدة وعلى رأسها نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر عام 1437هـ يشكل نظامًا واعدًا وفعَّالًا؛ أما المستوى الثالث فهو المعيار الوظيفي أو التطبيق على أرض الواقع، الذي يظهر متواضعًا أمام المفترض والمأمول، سواء من ناحية العدد أو النوعية أو الإدارة أو النضج المؤسسي والتنظيمي اجتماعيًّا وثقافيًّا.. فمن معوقات نشاط جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني هو ضعف الكفاءة وعدم النضج المؤسسي للناشطين المتطوعين في مجتمعنا التقليدي، سواء من ناحية الوعي والرؤية وبالتالي في وضع الإستراتيجيات وبرامج التنفيذ، أو من ناحية التطبيق والتواصل مع المجتمع، فكثير من الناشطين غير مؤهلين للعمل التنظيمي التطوعي إنما اعتمدوا على أنفسهم بالفطرة وبالممارسة المباشرة على طريقة التجربة والخطأ. كذلك يلاحظ عدم التفريق بين العمل التطوعي والتعاوني (التشاركي) من جهة، والعمل الخيري من جهة أخرى، فالأخير تقدم به مساهمتك مرة واحدة (مبلغ من المال مثلًا) وتمضي بينما العمل التطوعي يمثل مشاركة عضوية متواصلة».
ويلفت إلى أن الدراسات «لاحظت أن من أهم أسباب ضعف إنجازات الجمعيات: الافتقار للخبرة التطوعية والتعاونية، وقلة الكوادر الفنية المؤهلة، وتدني مستوى الوعي التطوعي والدعاية له، فشل بعض التجارب التطوعية والتعاونية يثبط الآخرين. كما يبدو أن من أسباب ضعف الجمعيات والمؤسسات الأهلية هو أن المشاركة والانضمام لمجلس الإدارة يأتي من باب الوجاهة في كثير من الحالات. كما أن ضعف ثقافة العمل التعاوني والتطوعي أدى إلى عدم مبالاة منتشرة بين أعضاء العديد من الجمعيات، وضعف التعاون بين الجمعيات المتشابهة في الأهداف والنوعية. وقد سجلت بعض الدراسات اتكالية الجمعيات التعاونية على الدعم الحكومي، فعلى سبيل المثال تنال الجمعيات التعاونية مئة مليون ريال سنويًّا إضافة إلى الهبات الملكية وآخرها 200 مليون تبرع بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان (دراسة عبدالله الفرج).
هناك سبب آخر أثّر سلبًا وأضرّ بالتجربة الخيرية والتطوعية وهو تسييس الجمعيات خلال الثلاثين سنة الماضية، رغم أنه تم معالجته لكن لا تزال بقايا آثاره. لقد سبق أن طُرح من المختصين أن سبب ضعف مؤسسات المجتمع المدني يرجع إلى سيطرة تيار ما يسمى بالصحوة على المجتمع خلال العقود الماضية وما نتج عن ذلك من تشويه وخلل ساعد على ضعف المؤسسات المدنية التي نشأت في هذه الأجواء؛ مما أدى لخنق أنشطتها وبرامج عملها آنذاك. وكذلك أشار الدكتور فايز الشهري لبعض مظاهر الانتهازية وتوجيه العمل التطوعي لخدمة أجندات سياسية وحركية في كثير من البلدان مما أفرغ العمل الخيري من نقائه».
ويرى الحبيب أنه لمواجهة السلبيات التي تعترض عمل جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، فإنه من المهم «تدريب وتثقيف الناشطين والمتطوعين والأعضاء والمهتمين في العمل المؤسسي المدني، وتوعية المجتمع بالدور الكبير والمهم لهذه المؤسسات باعتبارها مكملًا لعمل الدولة وداعمًا للاستقرار الاجتماعي والجبهة الداخلية وحصنًا من حصون الوطن. لذا كان من توصيات المؤتمر السعودي الثاني للتطوع المطالبة بقيام جمعية وطنية سعودية للخدمات التطوعية تسهم في تطوير العمل التطوعي في المملكة تخطيطًا وتأهيلًا وتدريبًا، ويُفتَح لها فروع في مختلف المناطق وتنسق مع الجهات العاملة في الخدمات التطوعية بمختلف مجالاتها».
حاجة ماسة لتطوير واقع المؤسسات
ويوضح صاحب منتدى الثلاثاء الثقافي جعفر الشايب أن من أبرز مميزات مؤسسات المجتمع المدني «الاستقلالية عن المؤسسة الرسمية وكذلك عن القطاع الخاص، وهو ما يوفر لها مناخًا أفضل وبيئة أنسب للتحرك الجاد في مواجهة القضايا التي تتبناها والتعاطي معها بصورة واضحة ومباشرة». ويتطرق إلى قضية الفساد وإسهام مؤسسات المجتمع في مواجهته، فيقول: «تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورًا مهمًّا في تثقيف وتوعية المواطنين والمسؤولين بأشكال الفساد وأضراره على الوطن اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، وحول السبل الأفضل لتعزيز النزاهة في القطاعين العام والخاص ودور الجهات التشريعية والقضائية والرقابية في التدقيق على قضايا الفساد وتعزيز الشفافية في عمل مؤسسات الدولة وأجهزتها».
ويشير إلى أن معظم الدول لا تتمكن الهيئات الرقابية فيها «من متابعة جميع حالات الفساد والكشف عنها ومحاسبة القائمين عليها بصورة دقيقة وواضحة لأسباب بيروقراطية وإجرائية، ولتداخل عمل مؤسسات الدولة ولاحتمالات التأثير في سير عمليات التفتيش والرقابة. من هنا تبرز أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني لما تتمتع به من مرونة في الحركة وفاعلية في التأثير، بحيث تقوم بإبراز القضايا محل الاهتمام، كما تسهم في التوعية الوقائية في المجتمع لكونها أكثر قدرة على الوصول لمختلف شرائحه بصورة تفاعلية. ومع أن مؤسسات المجتمع المدني لا تمتلك سلطات إجرائية تجعلها قادرة بمفردها على كبح جماح الفساد، فإنها قادرة على خلق رأي عام ضاغط عبر آليات المدافعة المعروفة، للكشف عن مكامن الفساد وإبرازها كطريق لمعالجتها. كما أنها قادرة على تهيئة المادة الخام لحالات الفساد للجهات الرقابية كي تلفت الأنظار لهذه الحالات. وتسهم مؤسسات المجتمع المدني في تأهيل وتدريب عناصر وأفراد جهات التفتيش والمراقبة على أحدث سبل الرقابة والمتابعة، وتدرس الآليات المتبعة في هذا المجال، وتعمل على تطويرها والتنسيق بين مختلف الجهات والإدارات المعنية بهذا الموضوع».
ويرى الشايب أن المرحلة الراهنة ومع التطورات المتلاحقة تبرز حاجة ماسة، «إلى تطوير واقع المؤسسات الحقوقية، وإلى إيجاد المزيد من المؤسسات الحقوقية التخصصية التي تهتم بحقوق الإنسان كالمرأة أو الطفل أو البيئة أو مكافحة الفساد، وغيرها من المجالات التخصصية من أجل أن تحقق إسهامًا نوعيًّا وحقيقيًّا في عملها لتطوير المجتمع».
الحوار الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية
وتطرقت آمال المعلمي مساعد الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، إلى المهام التي لعبها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، «في إشراك فئات المجتمع كافة في الحوار الوطني، وأخذ على عاتقه جعل المواطنة أساسًا ترتكز عليه جميع حواراته، وجنبًا إلى جنب المؤسسات الحكومية أولى المركز اهتمامًا كبيرًا لمؤسسات المجتمع المدني، إيمانًا منه بالدور الكبير والمهم الذي تضطلع به في المجتمع، وأن التشاور والحوار حول ومع المجتمع المدني يعد شرطًا أساسيًّا لتعزيز الوحدة الوطنية وحماية النسيج المجتمعي من خلال ترسيخ قيم الحوار والتنوع والتعايش والتلاحم الوطني، ونتيجة لذلك أضحى فضاء الحوار الوطني السعودي حول مؤسسات المجتمع المدني وأدوارها فرصة تاريخية لتحقيق التكامل والتعاون بين مؤسسات الدولة كافة، والمساهمة في عملية اتخاذ القرار بما يكفل مشاركة واسعة في عملية بناء الدولة، وفي تحقيق النهضة والتنمية».
وتذكر المعلمي أن المركز ترجم هذا الاهتمام «عبر تخصيصه العديد من برامجه وأنشطته لمؤسسات المجتمع المدني بهدف تنمية ثقافة الحوار الإيجابي داخل هذه المؤسسات وتطوير أدواتها، إضافة إلى تشجيع جهودها ومبادراتها والإفادة منها في توثيق عُرَى الوحدة الوطنية، ترجمة لجهود وخطط وُضعت ضمن توجهات المركز المستقبلية في إطار رؤية المملكة 2030 من أجل الاستمرار في تقديم رسالته بتعزيز مسيرة التلاحم والتعايش المجتمعي. وتحقيقًا لأهدافه يضطلع المركز بدور محوري، من خلال السعي بالتنسيق والعمل المشترك مع مؤسسات المجتمع المدني إلى تبني آليات متعددة لتفعيل المشاركة المجتمعية في أنشطته كافة».
وتذكر مثالًا على هذه الأنشطة، وهو إنشاء المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام «رأي»: الذي يعد إحدى مبادرات المركز الهادفة لدعم صناع القرار في الجهات الحكومية والأهلية، وتزويدها بمعلومات فنية وموثوقة عن توجهات الرأي العام، وقد نجح «رأي» منذ تأسيسه في إجراء مئات الاستطلاعات حول اتجاهات المجتمع نحو العديد من القضايا. ومن برامج المركز، المشروع الوطني «نسيج»: «الذي يهدف لتعزيز التلاحم من خلال ترسيخ القيم المشتركة لدى فئة الشباب وبناء الوعي المجتمعي، حول ضرورة حماية النسيج المجتمعي وبناء حصانة ذاتية ضد كل ما يهدد وحدته لا سيما الإرهاب والتطرف». وتذكر المعلمي أن المركز أطلق «لقاءً مفتوحًا يقام كل شهر، ويهدف إلى تعزيز مفاهيم الحوار البناء حول عدد من القضايا الجوهرية التي تهم المجتمع، بما يسهم في تلاقح الآراء وتعزيز دور المثقفين والفاعلين اجتماعيًّا، لتعزيز مسيرة التلاحم والتعايش المجتمعي».
بواسطة هدى الدغفق - الفيصل | يوليو 1, 2018 | الملف, سينما
الحراك السينمائي الذي انطلق مؤخرًا شجع السينمائيين والسينمائيات في السعودية على إعادة صوغ أولوياتهم، ودفعهم إلى العمل بمسؤولية وجدية أكبر؛ إذ إن عددًا من هؤلاء بدأ يفكر جديًّا في الاشتغال على أفلام طويلة، بعد زمن من العمل على الأفلام القصيرة. يتحدث لـ«الفيصل» عدد من السينمائيات والسينمائيين السعوديين عن رؤيتهم للخطوات الحثيثة التي تدفع بها الهيئة العامة للثقافة والمجلس السعودي للأفلام، كما تطرقوا إلى مشاريعهم وطموحاتهم في المستقبل:
صورة جديدة في وعي الغرب
سمر البيات
تصف الممثلة سمر سمير البيات الفرص التي أتيحت اليوم للسينمائيين والسينمائيات بأنها تتجه نحو لحظتها المنتظرة، لحظة تاريخية وحتمية وهي تمثل الاعتراف بكل هذه الطاقات السينمائية التي عملت من قبل وساهمت في الاستعداد لقبولها بل الاحتفاء بها كصورة من صور التعبير عن الحياة. الوصول إلى مهرجان مثل «كان» تراكمي، فهناك كثير من الأفلام السعودية كانت قد تركت بصمات مميزة في مشاركاتها من خلال المهرجانات العالمية، وتركت أيضًا في وعي الغرب صورة جديدة عن السعوديين ومن يكونون في هذه اللحظة. ولا تنتهي التحديات بالنسبة لسمر التي ترى أن التحديات سلم للارتقاء: «نحن في طور الكلام، أما الفعل سوف يكون تطبيقه أكثر تعقيدًا. وسوف تكون الخبرات التي تتكون من خلال الممارسة، هي طريق آخر للوصول إلى أفضل طريقة لتحديات جديدة ومستمرة، إنها حالة ديناميكة جديدة لا تكف عن الحركة وتتغير فيها التحديات السابقة، إلى تحديات تتعلق بالمواضيع وطريقة تقديمها حتى تتكون السينما هنا وفق مهمتها الجميلة، وهي الوصول إلى لحظة حضارية أكثر رقيًّا». وقالت سمر: إن وجود صالات العرض سيسهم في تطوير الفلم السعودي؛ «لأننا نصنع مكانًا إيجابيًّا للتنافس ولحكم الجماهير على مستوى جودة الأفلام التي ستكون متاحة للجميع من خلال دور العرض، التي سوف تجعل من جودة الأفلام مقياسًا دقيقًا لرصدها».
من ناحية، يرى الممثل والناقد السينمائي وائل الدسيماني أن الحراك السينمائي الذي تدفع به الدولة اليوم، «فاق بكثير أحلام السينمائيين السعوديين. لو سألت أي سينمائي قبل هذه المرحلة: ما هو حلمك السينمائي؟ لاكتفى بطلب فتح دور العرض السينمائي في السعودية. وتفاجأنا كسينمائيين سعوديين بأن السينما تم وضعها في منهج متكامل ضمن رؤية 2030 واعتبرتها الحكومة أحد أهم ركائز القوة الإعلامية السعودية وأحد أهم روافد الترفيه». ويوضح الدسيماني أن الصناعة السينمائية «عملية متعددة المراحل». ويقول: كنا سابقًا نتحدث مجرد «أحاديث» عما سيواجهنا إذا بدأنا بتفعيل السينما واليوم نحن في قلب التحديات، فلكي نقول: إنه لدينا صناعة سينمائية متكاملة لا بد من توافر مدن وأستوديوهات إنتاج سينمائي، ولا بد من توافر أنظمة وقوانين تسهل حركة الطواقم ووجودها من دون أية عوائق.
تعاطف مبرر
ويتطرق الدسيماني إلى المستوى الفني والجمالي لما تحقق حتى الآن من أفلام، ويقول: يجب أن نكون واقعيين في تقييمنا لهذه المرحلة المبكرة من عمر السينما السعودية الناشئة، مضيفًا أن الأفلام التي «تلفت النظر من ناحية القيمة الجمالية والفنية قليلة جدًّا، ويستحق صناع هذه الأفلام القليلة المميزة الثناء والتشجيع». ويرى أن نظرة التعاطف من النقاد العرب والمهرجانات العالمية للأفلام السعودية، «مبررة الأسباب ولا نستطيع لوم الآخرين عليها، وإن كانت تزعجنا كسينمائيين سعوديين لأنها تفقدنا قدرة القياس الفني لمستوى فلم سعودي معين، فمثلًا عندما تلقت المهرجانات السينمائية العالمية فلم «وجدة» أو فلم «بركة يقابل بركة» هل هذه المهرجانات أشركت هذا الفلم السعودي وسلطت الضوء عليه لقيمته الفنية أم كتشجيع معنوي لشبان وفتيات ينتمون لبلد ليس فيه فرصة التعبير السينمائي؟».
هناء الفاسي
وتوضح المخرجة هناء الفاسي أن تطوير الفلم السعودي يحتاج إلى التمويل الجيد، «فعندما نقارن فلمًا أجنبيًّا بفلم سعودي سنلاحظ أن الفلم الأجنبي قيمته ملايين الدولارات، في حين لا تزيد كلفة الفلم السعودي المستقل عن أربع مئة ألف دولار. وهنا يكمن الفارق في طاقم العمل المحترف بالكامل، ومزايا أخرى لا تتوافر في الفلم السعودي. ثانيًا: تطوير صناعة السينما من خلال ورش العمل التي يمكن من خلالها استقدام محترفين من أرجاء العالم، كالتي تقوم بها بعض الهيئات في الوطن العربي، مثل الهيئة الملكية للأفلام بالأردن، ولقد تم قبولي في ورشة تسمى الراوي لكتابة السينما، وهي ورشة تعاونية بين الهيئة ومعهد ساندانس في أميركا. بعدها شاركت معهم في ورشة محترف الشرق الأوسط. وهم يختارون بعض المشاريع ويستقدمون محترفين من العالم لصناعة أفلام هوليوود وغيرها للإشراف على مشاريع من اختاروهم في الورشة، ومثل هذه الورش نحتاجها جدًّا في السعودية وهذا وقتها». وتنفي هناء الفاسي حقيقة النظرة المتعاطفة مع الفلم السعودي من العرب والأجانب، «ليس هناك تعاطف مع الفلم السعودي على الإطلاق. الفلم الجيد هو الذي يفرض نفسه. مديرو البرامج في المهرجانات التي أذهب إليها تحدثوا لي عن أفلام سعودية ضعيفة جدًّا. إذن لماذا لم يتعاطفوا معها؟
هند الفهاد
بدورها، ترى المخرجة هند الفهاد أن وجود الفلم في صالات السينما ونجاحه يعتمد على حضور الجمهور ومشاهداته. وبالتالي فإن مسألة تقديم أعمال لا تكون محكومة فنيًّا بشكل دقيق، وبشكل يحترم المشاهد بالتأكيد سيكون فشلها واضحًا وسريعًا جدًّا». وتقول: لذلك فأنا ضد التعجل في صناعة الأفلام، فليس المهم أن نعرض الآن بقدر ما هو مهم أن ينجح الفلم السعودي في صالات السينما، ويكون مرغوبًا من الجمهور السعودي. وتضيف أن هذه المسألة «أشد أهمية من الاستعداد السريع ومراعاة نوع المواضيع التي تجذب المشاهد السعودي، ونوع الأفلام التي تطرح في السينما».
منافسة صعبة
وتقول المخرجة مها الساعاتي: إن السينما موجودة منذ مدة طويلة في الإمارات والبحرين، «لكن هل يوجد من دخل السينما ليشاهد فلمًا إماراتيًّا أو بحرينيًّا؟ ربما بدا ذلك الأمر نادرًا». وتعتقد أن المنافسة للحصول على دعم، ستكون منافسة صعبة، «لا أعلم إن كانت ستزداد صعوبة مع غلاء أسعار كل شيء، كتأجير خدمات التصوير ومعداته؛ لأن الجميع بدأ ينظر للمسألة بطريقة ربحية، ويحاول الاستفادة منها كتجارة. النظر للفلم بطريقة تجارية بحتة سوف يحد من أصالته وصدقه وعفويته». وتنظر مها الساعاتي إلى ما تحقق فيما سبق على أنه بدايات واجتهادات مستقلة، «كثيرًا ما يغلب عليها المثاليات، أو الطابع الحنيني حبيس الماضي والتقاليد». ولا تعلم الساعاتي إن كان هناك تعاطف من العرب أو من الغرب، لكنها تعتقد أن وجود سينما تجارية في السعودية «سيحد من إمكان الحصول على دعم خارجي؛ لأنه لم يعد هناك مبرر للاستعطاف واللعب على ورقة الضعف».
محمد السلمان
ويطمح الكاتب والمخرج محمد السلمان إلى إنجاز فلم طويل. ويقول: «اشتغلت عددًا من الأفلام القصيرة؛ إذ إن لها فرصة المشاركة في بعض المهرجانات، وبالتالي تتاح لي فرصة العمل على فلم طويل، بعد اكتساب الخبرة اللازمة. ومع توافرها لم يعد هناك مبرر للتقاعس عن إنتاج أفلام طويلة. أمر آخر، أراه مهمًّا، وهو ضرورة أن تكون لدينا هوية خاصة تميز الفلم السعودي. ينبغي أن نروي نحن قصصنا في السعودية، ولا نترك الآخر يرويها نيابةً عنا. هذا أمر مهم جدًّا، وهو فرصة كبيرة لنا وللمجتمع، الذي بالتأكيد سيقبل على أفلام تعالج همومه وقضاياه. وعندما ننجز أفلامًا طويلة في مستوى عال من الفنية، سنكون على موعد مع التحدي مع أفلام أجنبية في صالات العرض الداخلية، لذلك من الأفضل لنا، كما أعتقد، أن نعمل مثلما عملت السينما الفرنسية، عندما وضعت امتيازات خاصة لأفلام بلدها، تشجع من خلالها صالات السينما بتخصيص ساعات عرض دائمة للأفلام التي تظهر من فرنسا. الشاب السعودي اليوم أثبت أن لديه شغفًا بالسينما، ويسعى إلى أن تكون لديه هوية فنية خاصة به. غير أن ما ينقصنا هو كتابة سيناريو (البناء الدرامي للفلم) كما لا نريد أن تكون أفلامنا حلقة طويلة من مسلسل تلفزيوني. هذا ليس طموحنا».
عبدالرحمن صندقجي
أما المخرج عبدالرحمن صندقجي فيقول: إن الرؤية الجديدة 2030 أعطت اهتمامًا كبيرًا لصناع الأفلام للنهوض بالسينما السعودية، «مع هذا الدعم الكبير ستكون هناك نهضة سينمائية سعودية، وبخاصة مع افتتاح صالات السينما والتعاون مع شركات عالمية معروفة في هذا المجال، وستكون هناك فرص ذهبية لعرض المشاريع والأفلام السينمائية السعودية في سينمات عالمية ومحلية. ومن أجل تطوير مستوى هذه الأعمال ودعمها سيكون هناك تعاون مع جهات مرموقة في العالم السينمائي. أما طموحاتي كمخرج أفلام وثائقية سينمائية فقد أنجزت عددًا من الأفلام، مثل فلم «الزهايمر» بالتعاون مع الجمعية الخيرية السعودية للزهايمر. وفلم «فوسفين» وفلم «الجليد» الذي حصل على جوائز عالمية في عدد من المهرجانات. وأطمح في تناول القضايا السعودية الرائجة والحديثة من خلال أفلام وثائقية استقصائية، لنرى فيها الكثير من ثقافاتنا الغنية وتجاربنا الناجحة وإنجازاتنا، وسيكون تركيزي على قصص النجاح وعرضها بطريقة ترفيهية».
سلسلة وثائقية
من جانبه، يرى المخرج عبدالعزيز الفريح أن نهضة الصناعة السينمائية سواء في السعودية أو غيرها «ليست مرتبطة بالصالات ودور العرض السينمائية إطلاقًا، فصالات السينما هي غالبًا تكون تجارية، تعرض الأفلام المستوردة العالمية المشهورة وبخاصة أفلام هوليوود لتحقق أرباحًا من بيع التذاكر والبوب كورن والمشروبات. أما إذا كنا نتحدث عن نهضة الصناعة السينمائية فهي مرتبطة بعدة عوامل، من أهمها الاهتمام بالتعليم المتخصص بمجالات صناعة الفلم المتعددة من إضاءة، وصوت، وتصوير، وإخراج، وإنتاج، وكتابة، ومونتاج، وتأليف الموسيقا التصويرية، والإخراج الفني، والمكياج، والخدع البصرية وغيرها لتؤهل الكوادر البشرية تأهيلًا احترافيًّا، ليستطيعوا النهوض بالصناعة السينمائية والمنافسة في تطوير هذه الصناعة العريقة. حينما كنت أدرس الماجستير في تخصص الإنتاج السينمائي في لندن حضرت اجتماعًا للبرتيش فلم إنستيتيوت، وكان يتحدث المسؤول عن دعم الدولة لصناعة الأفلام السينمائية في بريطانيا وأنها تخصص مبلغًا سنويًّا يتجاوز قيمة 500 مليون جنيه إسترليني للحفاظ على حركة السينما داخل بريطانيا، وذلك لمعرفتهم بأهمية السينما وكيف تحفظ صورة الشعوب وتاريخها وموروثها، وكذلك تحدث عن أهمية فتح الباب وتقديم التسهيلات لشركات الإنتاج العالمية للتصوير داخل بريطانيا، لما تعكسه من نقل صورة جميلة للعالم عن لندن وكذلك ينعكس على رفع اقتصاد البلد سياحيًّا، وثقافيًّا واجتماعيًّا!». ويقول الفريح: «بشكل عام نحن كصناع أفلام سعيدون جدًّا بما تحقق من إنجازات لم نكن نحلم بها يومًا، متمثلة في إنشاء هيئة الثقافة والمجلس السعودي للأفلام وافتتاح صالات السينما في السعودية، وعرض الأفلام السعودية على مستوى العالم مؤخرًا، وفخورون أيضًا أنه كانت هناك مشاركات نسائية بارزة وممتازة في صناعة الأفلام السعودية لمعت مؤخرًا وحققت جوائز عديدة. لا ننسى كذلك الدعم القادم للصناعة السينمائية في السعودية وصناع الأفلام السعوديين وكل هذا بفضل قيادة الأمير الشاب محمد بن سلمان ورؤية 2030 لما يقدمه من رفع لمستوى جودة الحياة في المملكة العربية السعودية وكذلك أن ننافس عالميًّا في المستقبل في الأصعدة كافة».
ويتحدث الفريح عن طموحاته فيصفها بالكبيرة، «فأنا امتداد لسعد الفريح رائد السينما والتلفزيون والمسرح في السعودية، ومن شدة اهتمامي بهذا المجال وعشقي له تغربت ودرست السنة التأسيسية والبكالوريوس والماجستير في تخصص الإنتاج التلفزيوني والسينمائي في بلد عريق وله باع طويل في الفنون وهو بريطانيا، ولدي مهمة كبيرة وهي إكمال مسيرة والدي الذي شق طريقه في تأسيس هذه الصناعة في السعودية، وتحقيق بعض أحلامه التي لم يستطع تحقيقها في وقته؛ بسبب
عبدالعزيز الفريج
قلة الإمكانات والظروف الاجتماعية القاسية عليه آنذاك. حاليًّا أعمل على مشروع سلسلة فلم وثائقي طويل اسمه «أسماء في الذاكرة» وقد بدأه سعد الفريح عام 2000م ولم يكمله إذ وافاه الأجل، وأنا الآن أعمل على إكمال هذا المشروع كما كان يريده بشكل حديث وعميق، وسيكون سعد الفريح من ضمن أحد شخصيات الفلم الراحلة».
خط إنتاج داخلي
أما المخرج والمنتج طلال عايل فيوضح أن الشباب «يعون أهمية صناعة أفلامهم والمشاركة بها، وهم لديهم خلفيات معرفية في السينما عميقة ومتشعبة انعكست على أفلامهم. أفلام تنتمي إلى السينما بشكلها الأصيل، لافتة للانتباه والاهتمام من النقاد ومبرمجي المهرجانات. وفعلًا ذهب السينمائيون الشباب إلى مناطق لم يتوقع الجمهور وغيرهم وصولنا إليها»، مشيرًا إلى أنه كمنتج ومخرج «لدينا خط إنتاج داخلي، ننتج فيه من عام 2007م أفلامًا للشباب السعودي ونعمل على دعمه ومنذ عام 2015م بدأ يتحول هذا العمل إلى عمل منظم وحثيث؛ إذ أنتجنا مجموعة من الأفلام ولدينا هذا العام مجموعة أفلام أخرى سنبدأ في إنتاجها، بعضها سيكون إنتاجًا مشتركًا مع دول أخرى وبعضها سيكون إنتاجه في السعودية، من ضمنها فلمان طويلان. أتوقع أن كثيرًا من الأسماء السعودية ستبهرنا بأعمالها. ونحن منذ أن أُعلِن عن السينما بشكل رسمي، بدأنا نعد العدة ونجهز أنفسنا لنكون في مصافّ الإنتاجات التي تعكس شكلًا سينمائيًّا مميزًا عن المملكة وعن الشباب السعودي، ومدى وعيه واستيعابه للحركة السينمائية على مدى تاريخها.
رحلة تحدٍّ
وتنظر المخرجة ضياء يوسف إلى الخطوات الجديدة بصفتها «إشارة إيجابية لتفعيل الحراك الفني في المملكة وعلى المستوى العالمي، يظهر جليًّا السعي الحثيث لتحريض الطاقات الإبداعية لدى شبابنا، وإنتاج الفنون المتفردة القادرة على تأكيد تواصلنا مع بعضنا، وفتح أبواب التواصل على مصاريعها مع جميع الهويّات الثقافية والحضارية الأخرى». وتوضح أن تحويل الأفكار إلى أعمال إبداعية «هو رحلة تحدٍّ بحد ذاته، فضلًا عن أن هذا العمل الإبداعي خاصة يتعلق بالسوق وظروف السوق. لدينا سوق في طور الإنشاء ستبقى بعض الأدوار الضرورية فارغة وسيتعين علينا ردمها مع الوقت. على أي حال وجود المجلس السعودي للأفلام وفتح الصالات هو بداية جيدة لمستقبل السينما السعودية».
وقالت ضياء: «منذ البداية كان الشغف هو وقود السينما السعودية. هذا الشغف كان حقيقيًّا جدًّا لدرجة انعكس في الأعمال التي صرنا نراها تتطور يومًا بعد يوم. رحلة الفلم السعودي في طريقها إلى النضوج والجمال والاحترافية كانت وما زالت رحلة مشوقة وجميلة».
بواسطة هدى الدغفق - الفيصل | مارس 1, 2018 | فنون, مسرح
يعد الكاتب المسرحي محمد العثيم الأكثر غزارة بين كتاب المسرح السعوديين، والأكثر إثارة للجدل. والعثيم الذي صدرت له أربعة كتب؛ ثلاثة في المسرح والنقد، والرابع في الرواية، وبلغ عدد أعماله ٤٥ مسرحية ومسلسلين، يرى أن البنية التحتية للمسرح السعودي غابت لغياب التخطيط للمسرح في بنية الثقافة. في زمن مضى، نصب العثيم له خيمة لتكون مقرًّا لفرقته المسرحية، التف حوله عدد من المسرحيين الشباب الذين رأوا فيه مسرحيًّا يملك ثقافة وفكرًا. وكانت نصوصه منطلقًا لدراسات أكاديمية ومشروعات تخرجٍ في أقسام النقد المسرحي في المعاهد المسرحية والكليات المتخصصة. كتب العثيم بالفصحى وكذلك بالعامية مثلما في مسرحيته «المطاريش». قراءته عميقة للتراث الذي يطرحه ضمن بُعده الفكري وسياقه الفلسفي، ويتناول قضايا وموضوعات معاصرة مثلما في مسرحيته «السنين العجاف» التي يسترجع فيها أحداث حرب البسوس. «الفيصل» التقته فكان هذا الحوار حول تجربته وموضوعات أخرى:
● بداية المسرح في السعودية انطلقت من نصوص عالمية، كحلٍّ لغياب النص السعودي، لكن اليوم فيما يبدو تجاوز المسرح هذه البداية؟
■ نعم بدأ المسرح السعودي في تبني مسرحيات عالمية في جمعيات الثقافة والفنون وهي لا تتجاوز عدد أصابع اليد، لكن فيما بعد وُجد كُتّاب مثل راشد الشمراني وغيره كتبوا كثيرًا من النصوص. كثيرون يتهمون النص بأنه غائب لكن النص ليس غائبًا، فقط أَعطِ جدوى وأعط الكتاب فرصة وسترى أن النصوص ستغرق البلد. النص ليس غائبًا أبدًا ولن يكون غائبًا؛ لأنه هو الشيء الممكن، فقط علينا أن نطلب من الأدباء أن ترشح أعمالهم الأدبية الكبيرة وتكتب بأسلوب مسرحي، وكثير من الأعمال المسرحية تحول من روايات ومن قصص وما إلى ذلك. فليس صعبًا أن نتبنى أعمالًا، لكن كتابة المسرح صعبة بعض الشيء لأننا نحتاج إلى تدريب شباب جدد يتفهمون كيفية كتابة المسرح؛ لأنه ليس ككتابة الدراما التلفزيونية أو ككتابة السينما. فالمسرح له عالمه الخاص حيث يشترط أن يكون هناك طقس يقوم عليه العمل فيتشارك معك الناس، عليك أن تتخيل أنك تقوم بحفلة زار لتكتب مسرحية، ولو أن هذا تشبيه من الصعب أن يستوعبه البعض.
● لماذا تفوق المسرح التجريبي السعودي على المسرح العام في المهرجانات رغم نخبوية هذا المسرح؟
■ أنا لا أظن أن لدينا مسرحًا تجريبيًّا بمعنى الكلمة، ما لدينا هو مسرح نخبوي، مسرح ثقافة، لكنه لم يصل إلى مرحلة التجريبي بمعناه الحقيقي، فالتجريبي عالم آخر وطرح به معطيات لنخرج بمخرجات، وهذا لم نصل إليه بعد، أما مسرح الثقافة الذي لدينا فهو أن تقتصر على نخبة من المثقفين وتقدم لهم أداءً أعلى من المستوى التجاري أو الشعبي، وهذا المسرح هو ما يسميه الشباب مسرحًا تجريبيًّا مع أنه من الصعب تسميته ذلك المصطلح.
● في تصورك، هل أثر غياب العنصر النسائي وتحويل المسرح إلى ذكوري بحت، في قيمة المسرح السعودي؟
■ نعم غياب العنصر النسائي هو مؤثر خصوصًا عندما نطرح مسرحًا اجتماعيًّا كبيرًا، لكننا في سنين الصعوبة تجاوزنا ذلك بإسناد الأدوار النسائية بطريقة أخرى إلى رجل أو إلى شاب. ومن ذكرياتي القديمة التي كانت في القصيم في الستينيات الهجرية استبدلت بالمرأة رجلًا يلبس ملابس البنت التي ستتزوج مثلًا، وهناك شاب آخر يلبس لبس الأم أو العجوز التي ستُزوِّج تلك البنت، وهكذا تتم الصيغة الاجتماعية. ولكن في الثمانينيات منع ظهور المرأة مسرحيًّا، وتوقف ظهورها إلى الألفية أو إلى ما بعدها بسنتين تقريبًا، ثم بدأت تظهر لدينا نساء على خشبة المسرح وأدَّين أدوارًا وكن موفقات كما ظهر مسرح للبنات في الجامعات، وهذا أثرى جانب المرأة مسرحيًّا، وجعل هناك تقبلًا كبيرًا للمرأة على المسرح، ونحن الآن نعتبر جاهزين لظهورها مسرحيًّا.
● ذكرت أن غياب العنصر النسائي كان منذ الستينيات الهجرية ودللت على ذلك بذكرياتك في القصيم، ثم عدت وذكرت أنه مُنع العنصر النسائي في الثمانينيات. فهل تقصد من غيابه في الثمانينيات أنه مُنع تمثيله حتى بكوادر من الرجال؟
■ نعم. في الستينيات كنا نعرض بعنصر نسائي في القصيم على طريقة إلباس شاب لبس نساء فيقوم بدور أم أو بنت. بعد الصحوة في الثمانينيات حرّم إلباس الولد لبس بنت ليمثّل، بصفته تشبُّه الرجال بالنساء، وقال الصحويون حينها: إنه حرام.
● المسرحيات النسائية هل تستحق أن يطلق عليها تجربة مسرحية، في ظل عدم وجود مسرحيات متخصصات في المسرح؟
■ في مسرحيات شكسبير كان شاب يلبس لباس بنت ويمثل، وفي مسرحيات العصور الوسطى، ما قبل شكسبير، كانت مدارس البنات تمثل مسرحيات كلها بنات، لا بأس. المسرح يستوعب هذا ولا يجب أن نكون متوترين، ومسرحيات البنات هي رافد للمسرح السعودي لأنهن يتعلمن التمثيل، يتعلمن فنون المسرح، يتعلمن المكياج، يتعلمن الديكور، ما المشكلة؟
مسرحية «أمرؤ القيس»
● وقت المسرحية لدينا واقتصاره على ساعة أو ساعة ونصف، يرى فيه البعض خللًا، إضافة إلى غياب المؤثرات الموسيقية المصاحبة… كيف ترى ذلك؟
■ وجود مسرح موسمي أو مسرح مؤقت هذا لا يعتبر مسرحًا، هذا يعتبر مسرح هواة يقوم عليه أشخاص لوقت محدد وينتهي. نحن نحتاج لصناعة مسرح ومسرح قائم ببنية أساسية، فنعرف مثلًا في هذا المكان أو الحي مسرحًا نذهب إليه أسبوعيًّا، والجمهور يعرف أن هناك مسرحية تعرض عليه. فلو نأخذ مثلًا بريطانيا أو مدينة نيويورك نجد أن هناك مسرحيات تعرض على مدى عشرات السنين، ومع ذلك يأتي الناس ويمتلئ المسرح. عندنا لا يوجد تقليد من هذا النوع، ولم تقم لدينا بنية أساسية، بل إنه إذا وجدت مسرحية فإنها تنتهي بعد عرض أو عرضين أو ثلاثة عروض على الأكثر، مهما كانت هذه المسرحية جيدة وجميلة. نحتاج أن يكون هناك فهم للمسرح وأنه فن زرع القيم في المجتمع، والمسرح إذا حضر فيه عشرة أو عشرون أو مئة شخص يعتبر كافيًا؛ لأن القيم التي تزرع في هذا التشكل الاجتماعي تنداح لعشرات وعشرات غيرهم، وقد تأتي جماهير فيما بعد لحضور هذا الطقس على اعتبار أن المسرح هو طقس اجتماعي، يجلس فيه الناس في عتمة وتعرض أمامهم تمثيلية حية ويشاركون فيها عاطفيًّا.
● في رأيك، ما الذي يحتاجه المسرحي السعودي والمسرح بشكل عام؟
■ المسرح يقوم إذا تأسس معهد تدريب صحيح، وتأسست بنية أساسية تحتوي البروفات والعروض واستمرت تعرض، وهذا يحتاج لنوع من البدايات الصعبة على ألا تكون بدايات تجارية؛ لأن هذا المسرح يسوق لنفسه ويكسب من المولات وغيرها بينما نحن نريد مسرح الثقافة المؤثر الذي يخلق الطقس والتشاركية المجتمعية بالقيم. هذا المسرح الذي يخلق الطقس والمشاركة المجتمعية هو الذي نبحث عنه ونتمنى أن يوجد ونكتبه ونقدمه ونحن متفائلون بالقادم، خصوصًا بعد تغير كثير من الأحوال والظروف، ومتى ظهرت هيئة الثقافة المنتظرة سيكون لنا معها حديث كبير يخص هذا الموضوع.
● من ناحية أخرى، كتبت عددًا من النصوص الغنائية ونجحت كثيرًا في ذلك لكن لم نرك تخوض تجربة المسرح الغنائي؟
■ نعم كتبت نصوص أغانٍ كثيرة، وعندي كتاب منها لم يطبع بعد يحتوي مئة أغنية للغناء، أنا لست بشاعر ولا أكتب الشعر، لكني كتبت نصوصًا غنائية من أجل المسرح. أنا أؤمن بأنه يجب أن تعشق المسرحية بأغانٍ من تأليف المؤلف وليست غريبة على المسرحية، بمعنى لا أتبنى أغاني من خارج المسرحية وأضعها للمسرحية. في هذا الخصوص، ألفت كتابًا في طريقة تطوير الغناء للمسرح بعنوان: «الغناء النجدي» في مئتين صفحة، هذا الكتاب يحكي أمثلة تطبيقية ومحاضرات للطلاب، كيف طورت الأغنية للمسرح، وكنت حاضرت في هذا الموضوع، موضوع الكتاب، في الشارقة وفي جامعة الملك سعود للأساتذة، عن التجربة وتطبيقاتها وتحدثت عن الجهد الكبير الذي بذل فيها؛ لأنه قبلي لم يكن من يكتب الغناء للمسرح، وإلى الآن يكتبون شيئًا يسمونه «أوبريت» وهو مجموعة أغانٍ، أما كتابة أوبريت حقيقي في الغنائية المتصاعدة فغير موجود إلى الآن، وتجربتي فيها أربع مسرحيات في هذا الكتاب. إننا بعيدون من التخصص بالنسبة لما يجري في الأوبريت عندنا. وهناك كتاب آخر هو «الطقس المسرحي»، وأشكر النادي الأدبي في الرياض على مبادرته بطبع هذه الأعمال لأي متعلم؛ لأني بذلت فيها جهدًا أكاديميًّا ليس بسيطًا.
كلماتي أبرز ما غنى الطيار
● علاقتك بالمطرب الراحل حمد الطيار كانت مميزة وكنت معه حتى وفاته، كيف أثر فقده فيك؟
■ الأستاذ حمد الطيار -رحمه الله- كان مؤثرًا، ولم يكن مطربًا شعبيًّا كما يعرفه الجميع أو يصفه الجميع. كان حمد الطيار مثقفًا يقرأ بكثافة، وكان يتقن فرز ما يأتيه من كلام، فيأخذ الجيد ويرمي ما لا يعجبه، يعني كان حمد الطيار ناقدًا قبل أن يكون فنانًا. نعم كان حمد الطيار موسيقارًا ولم يكن مجتهدًا في الموسيقا، كان يتعلم من الموسيقا الإيرانية والتركية، ومن الموسيقا العربية الكبيرة، وكان مبدعًا في هذه الأمور، وهذه أشياء لا يعلمها الناس الذين يعرفون بعض الأغاني له ويستغربون أنها من القوة والجودة. طبعًا لست الشاعر الوحيد أو لست كاتب الأغاني الوحيد الذي كتب لحمد الطيار، لكن كانت كلماتي أبرز ما غنى، وكنت سعيدًا جدًّا بأن تنجح لأنها إذا نجحت في الغناء فهي ناجحة في المسرح أيضًا، كان في كلماتي تجديد لأنها لم تكن على الطرق القديمة، كان لنا طرقنا الخاصة ولا أزال محبًّا للطرق الخاصة التي هي ابتداع وليست تقليدًا للآخرين، فكتبت أغاني عدة عميقة المعنى.
وكان يستحيل غناء كلماتي لو لم يكن حمد الطيار موسيقارًا بكل معنى الكلمة، ونحن تلازمنا مع بعض، أنا صاحب كلمة غنائية وهو صاحب موسيقا عظيمة، فاستطعنا أن نثبت وجودنا. تخيلي فقط أنه مضى الآن أربعون سنة، وهي عمر بعض الأغاني وما زال الناس يتغنون بها ويرددونها، حتى إن أحد المنشدين استأذنني في أغنية من أغاني حمد اسمها «لمحت البرق»، وكثيرون الآن يغنونها أناشيد، حذرًا من الموسيقا التي ما زالت حرمتها تسيطر على الناس.
● خضتَ حربًا ضروسًا ضد التيار المتشدد في المملكة، فماذا يمكن أن نرى أنه تغير حاليًّا؟
■ التشدد مشكلة للوطن كله وليس للمسرح، التشدد منع الترفيه، ومنع الغناء، ومنع أشياء كثيرة، ولسنا نحن من تضرر من التشدد، ربما سمحوا لمن يثقون بهم من المسرحيين أن يعرضوا حينها، طبعًا هي مرحلة مظلمة. نتذكر ما حدث في جامعة اليمامة أيام التشدد، عندما تقافز ثلاثة وثلاثون محتسبًا إلى المسرح وكسروه، فكانت مسرحية الاحتساب لذيذة كمسرحية العرض، يعني كلاهما مسرحية وإن كانت متشددة إلا أنها مسرحية ذكرها التاريخ. كنا موجودين ورأينا العنف في أبشع صوره. وكأن انتصار الإسلام في تكسير مسرحية، هذا سؤال ما زال معلقًا وليت الإخوة المحتسبين يرجعون إلى عقولهم وننسى تلك المرحلة بكاملها.
● عاصرتَ حقبة النشاط المسرحي في جامعة الملك سعود وقسم المسرح هناك، وعاصرت حقبة إغلاقه، فكيف أثر ذلك في المسرح السعودي ومسيرته؟ ولماذا أُغلق القسم؟ وما الذي قمتم به للاعتراض على إغلاقه؟
■ استغلوا فترة الصيف حيث لا مجالس بالجامعة، فأغلقت شعبة المسرح بأمر طبخ بليل، حسبنا الله ونعم الوكيل.
لست في خلاف مع أحد
● يتهمك البعض بأنك حاد الشخصية، هل أثر ذلك في علاقتك بالمسرحيين والوسط المسرحي هنا؟
■ لا لست حادًّا بطبيعتي، أنا رجل هادئ وبسيط وسمح ومن تعرف علي يعلم أنني لا أتخاصم مع أحد، وربما البعض يضيق بالنقد الحقيقي، وكانت أيام الجنادرية معظمها نقد مسرحي، أيامًا طويلة كنا نعرض وننقد، وكان البعض يتحسس من النقد لكن ماذا نعمل؟ علينا أن نقول الحقيقة، أما من ناحية شخصيتي فلست في خلاف مع أحد والحمد لله. أنا طبعًا يمكن لدي طغيان في الجانب الأكاديمي أكثر من غيري، ويجعل البعض يستغرب من حدة طرح النقد أو طرح التوجيه أو تعليم الطلاب، والحمد لله حتى طلابي كانوا راضين عني رضى كبيرًا، وأي كلام عن أني حاد الطبع أو أتعصب لرأي هذا غير صحيح. قدمت تنازلات عن أشياء مهمة في حياتي، يعني في مسرحية «امرؤ القيس» كان للمخرج، وهو حسين المسلم من الكويت وكان عميد المعهد العالي للفنون المسرحية، رأي أن يغير النهاية، وعلى الرغم من عدم قناعتي بتغييره لذيل المسرحية فإنني تجاوزت الموضوع وتركته يغير، وكنا سنعرض في مهرجان سوق عكاظ وقتها، وعرضنا فعلًا ونجحت المسرحية لأنها مسرحية غنائية.
● تفاءل بعضهم في إدارة الدكتور أحمد العيسى لوزارة التعليم وعودة المسرح المدرسي، ولكن ذلك لم يحصل حتى الآن، فما رأيك وكيف يمكن أن نعيد هذا المسرح وننشره كثقافة؟
■ الدكتور العيسى نفسه مؤلف مسرحي، وهو نفسه ناشط في الثقافة، وهو رجل تربوي ويدرك ما للمسرح في التربية من أهمية، الدكتور العيسى يدرك كم ينمو الطالب إذا اعتلى خشبة المسرح، وهؤلاء الطلاب الذين يعتلون خشبات المسارح في المدارس سيظهر منهم جيل يقدر المسرح ويعمل للمسرح ويشتغل للمسرح، لذلك فإن وجود العيسى في وزارة التعليم هو مكسب كبير للثقافة ومكسب للطلاب ومكسب للوطن؛ لأننا نبحث عن رجل واعٍ بعقلية الدكتور العيسى ليكون في هذا المكان.
● يتحدث البعض عن ضعف مسرح مهرجان سوق عكاظ رغم أن بعض القائمين عليه مخضرمون ومتخصصون، إلامَ تعزو هذا الضعف؟ وكيف يمكن معالجته؟
■ مسرح «سوق عكاظ» بدأ بداية ضعيفة، ثم تسلمناه في السنة الثانية، وعرضنا مسرحية «امرؤ القيس»، وخرج خالد الفيصل وقتها في جريدة الوطن بمانشيت عريض، يقول بالحرف الواحد: اليوم بدأ المسرح السعودي. هذا الكلام لست أنا الذي أردده، إنما خالد الفيصل. ماذا حدث فيما بعد، ولماذا ضعف المسرح؟ كتبت في السنة التي تلي مسرحية أخرى اسمها «طرفة بن العبد» وتمنيت أن أواصل عشر مسرحيات لشعراء المعلقات لكن لم تُتَح الفرصة. طبعًا نشرت مسرحيتَي «امرؤ القيس» و«طرفة بن العبد» في كتابي «الطقس المسرحي». أما اليوم فلدي رصيد جيد من المسرحيات، لكن لا يوجد إنتاج. منذ سنوات توقفنا عن إنتاج أي مسرحية وعجزنا عن المواصلة؛ لأنها تحتاج إلى تمويل لا يستطيعه مؤلف أو مجتهد، فهو تمويل كبير.
● بداية المسرح في السعودية انطلقت من نصوص عالمية، كحلٍّ لغياب النص السعودي، لكن اليوم فيما يبدو تجاوز المسرح هذه البداية؟
■ نعم بدأ المسرح السعودي في تبني مسرحيات عالمية في جمعيات الثقافة والفنون وهي لا تتجاوز عدد أصابع اليد، لكن فيما بعد وُجد كُتّاب مثل راشد الشمراني وغيره كتبوا كثيرًا من النصوص. كثيرون يتهمون النص بأنه غائب لكن النص ليس غائبًا، فقط أَعطِ جدوى وأعط الكتاب فرصة وسترى أن النصوص ستغرق البلد. النص ليس غائبًا أبدًا ولن يكون غائبًا؛ لأنه هو الشيء الممكن، فقط علينا أن نطلب من الأدباء أن ترشح أعمالهم الأدبية الكبيرة وتكتب بأسلوب مسرحي، وكثير من الأعمال المسرحية تحول من روايات ومن قصص وما إلى ذلك. فليس صعبًا أن نتبنى أعمالًا، لكن كتابة المسرح صعبة بعض الشيء لأننا نحتاج إلى تدريب شباب جدد يتفهمون كيفية كتابة المسرح؛ لأنه ليس ككتابة الدراما التلفزيونية أو ككتابة السينما. فالمسرح له عالمه الخاص حيث يشترط أن يكون هناك طقس يقوم عليه العمل فيتشارك معك الناس، عليك أن تتخيل أنك تقوم بحفلة زار لتكتب مسرحية، ولو أن هذا تشبيه من الصعب أن يستوعبه البعض.
● لماذا تفوق المسرح التجريبي السعودي على المسرح العام في المهرجانات رغم نخبوية هذا المسرح؟
■ أنا لا أظن أن لدينا مسرحًا تجريبيًّا بمعنى الكلمة، ما لدينا هو مسرح نخبوي، مسرح ثقافة، لكنه لم يصل إلى مرحلة التجريبي بمعناه الحقيقي، فالتجريبي عالم آخر وطرح به معطيات لنخرج بمخرجات، وهذا لم نصل إليه بعد، أما مسرح الثقافة الذي لدينا فهو أن تقتصر على نخبة من المثقفين وتقدم لهم أداءً أعلى من المستوى التجاري أو الشعبي، وهذا المسرح هو ما يسميه الشباب مسرحًا تجريبيًّا مع أنه من الصعب تسميته ذلك المصطلح.
● في تصورك، هل أثر غياب العنصر النسائي وتحويل المسرح إلى ذكوري بحت، في قيمة المسرح السعودي؟
■ نعم غياب العنصر النسائي هو مؤثر خصوصًا عندما نطرح مسرحًا اجتماعيًّا كبيرًا، لكننا في سنين الصعوبة تجاوزنا ذلك بإسناد الأدوار النسائية بطريقة أخرى إلى رجل أو إلى شاب. ومن ذكرياتي القديمة التي كانت في القصيم في الستينيات الهجرية استبدلت بالمرأة رجلًا يلبس ملابس البنت التي ستتزوج مثلًا، وهناك شاب آخر يلبس لبس الأم أو العجوز التي ستُزوِّج تلك البنت، وهكذا تتم الصيغة الاجتماعية. ولكن في الثمانينيات منع ظهور المرأة مسرحيًّا، وتوقف ظهورها إلى الألفية أو إلى ما بعدها بسنتين تقريبًا، ثم بدأت تظهر لدينا نساء على خشبة المسرح وأدَّين أدوارًا وكن موفقات كما ظهر مسرح للبنات في الجامعات، وهذا أثرى جانب المرأة مسرحيًّا، وجعل هناك تقبلًا كبيرًا للمرأة على المسرح، ونحن الآن نعتبر جاهزين لظهورها مسرحيًّا.
● ذكرت أن غياب العنصر النسائي كان منذ الستينيات الهجرية ودللت على ذلك بذكرياتك في القصيم، ثم عدت وذكرت أنه مُنع العنصر النسائي في الثمانينيات. فهل تقصد من غيابه في الثمانينيات أنه مُنع تمثيله حتى بكوادر من الرجال؟
■ نعم. في الستينيات كنا نعرض بعنصر نسائي في القصيم على طريقة إلباس شاب لبس نساء فيقوم بدور أم أو بنت. بعد الصحوة في الثمانينيات حرّم إلباس الولد لبس بنت ليمثّل، بصفته تشبُّه الرجال بالنساء، وقال الصحويون حينها: إنه حرام.
● المسرحيات النسائية هل تستحق أن يطلق عليها تجربة مسرحية، في ظل عدم وجود مسرحيات متخصصات في المسرح؟
■ في مسرحيات شكسبير كان شاب يلبس لباس بنت ويمثل، وفي مسرحيات العصور الوسطى، ما قبل شكسبير، كانت مدارس البنات تمثل مسرحيات كلها بنات، لا بأس. المسرح يستوعب هذا ولا يجب أن نكون متوترين، ومسرحيات البنات هي رافد للمسرح السعودي لأنهن يتعلمن التمثيل، يتعلمن فنون المسرح، يتعلمن المكياج، يتعلمن الديكور، ما المشكلة؟
● وقت المسرحية لدينا واقتصاره على ساعة أو ساعة ونصف، يرى فيه البعض خللًا، إضافة إلى غياب المؤثرات الموسيقية المصاحبة… كيف ترى ذلك؟
■ وجود مسرح موسمي أو مسرح مؤقت هذا لا يعتبر مسرحًا، هذا يعتبر مسرح هواة يقوم عليه أشخاص لوقت محدد وينتهي. نحن نحتاج لصناعة مسرح ومسرح قائم ببنية أساسية، فنعرف مثلًا في هذا المكان أو الحي مسرحًا نذهب إليه أسبوعيًّا، والجمهور يعرف أن هناك مسرحية تعرض عليه. فلو نأخذ مثلًا بريطانيا أو مدينة نيويورك نجد أن هناك مسرحيات تعرض على مدى عشرات السنين، ومع ذلك يأتي الناس ويمتلئ المسرح. عندنا لا يوجد تقليد من هذا النوع، ولم تقم لدينا بنية أساسية، بل إنه إذا وجدت مسرحية فإنها تنتهي بعد عرض أو عرضين أو ثلاثة عروض على الأكثر، مهما كانت هذه المسرحية جيدة وجميلة. نحتاج أن يكون هناك فهم للمسرح وأنه فن زرع القيم في المجتمع، والمسرح إذا حضر فيه عشرة أو عشرون أو مئة شخص يعتبر كافيًا؛ لأن القيم التي تزرع في هذا التشكل الاجتماعي تنداح لعشرات وعشرات غيرهم، وقد تأتي جماهير فيما بعد لحضور هذا الطقس على اعتبار أن المسرح هو طقس اجتماعي، يجلس فيه الناس في عتمة وتعرض أمامهم تمثيلية حية ويشاركون فيها عاطفيًّا.
● في رأيك، ما الذي يحتاجه المسرحي السعودي والمسرح بشكل عام؟
■ المسرح يقوم إذا تأسس معهد تدريب صحيح، وتأسست بنية أساسية تحتوي البروفات والعروض واستمرت تعرض، وهذا يحتاج لنوع من البدايات الصعبة على ألا تكون بدايات تجارية؛ لأن هذا المسرح يسوق لنفسه ويكسب من المولات وغيرها بينما نحن نريد مسرح الثقافة المؤثر الذي يخلق الطقس والتشاركية المجتمعية بالقيم. هذا المسرح الذي يخلق الطقس والمشاركة المجتمعية هو الذي نبحث عنه ونتمنى أن يوجد ونكتبه ونقدمه ونحن متفائلون بالقادم، خصوصًا بعد تغير كثير من الأحوال والظروف، ومتى ظهرت هيئة الثقافة المنتظرة سيكون لنا معها حديث كبير يخص هذا الموضوع.
● من ناحية أخرى، كتبت عددًا من النصوص الغنائية ونجحت كثيرًا في ذلك لكن لم نرك تخوض تجربة المسرح الغنائي؟
■ نعم كتبت نصوص أغانٍ كثيرة، وعندي كتاب منها لم يطبع بعد يحتوي مئة أغنية للغناء، أنا لست بشاعر ولا أكتب الشعر، لكني كتبت نصوصًا غنائية من أجل المسرح. أنا أؤمن بأنه يجب أن تعشق المسرحية بأغانٍ من تأليف المؤلف وليست غريبة على المسرحية، بمعنى لا أتبنى أغاني من خارج المسرحية وأضعها للمسرحية. في هذا الخصوص، ألفت كتابًا في طريقة تطوير الغناء للمسرح بعنوان: «الغناء النجدي» في مئتين صفحة، هذا الكتاب يحكي أمثلة تطبيقية ومحاضرات للطلاب، كيف طورت الأغنية للمسرح، وكنت حاضرت في هذا الموضوع، موضوع الكتاب، في الشارقة وفي جامعة الملك سعود للأساتذة، عن التجربة وتطبيقاتها وتحدثت عن الجهد الكبير الذي بذل فيها؛ لأنه قبلي لم يكن من يكتب الغناء للمسرح، وإلى الآن يكتبون شيئًا يسمونه «أوبريت» وهو مجموعة أغانٍ، أما كتابة أوبريت حقيقي في الغنائية المتصاعدة فغير موجود إلى الآن، وتجربتي فيها أربع مسرحيات في هذا الكتاب. إننا بعيدون من التخصص بالنسبة لما يجري في الأوبريت عندنا. وهناك كتاب آخر هو «الطقس المسرحي»، وأشكر النادي الأدبي في الرياض على مبادرته بطبع هذه الأعمال لأي متعلم؛ لأني بذلت فيها جهدًا أكاديميًّا ليس بسيطًا.
كلماتي أبرز ما غنى الطيار
● علاقتك بالمطرب الراحل حمد الطيار كانت مميزة وكنت معه حتى وفاته، كيف أثر فقده فيك؟
■ الأستاذ حمد الطيار -رحمه الله- كان مؤثرًا، ولم يكن مطربًا شعبيًّا كما يعرفه الجميع أو يصفه الجميع. كان حمد الطيار مثقفًا يقرأ بكثافة، وكان يتقن فرز ما يأتيه من كلام، فيأخذ الجيد ويرمي ما لا يعجبه، يعني كان حمد الطيار ناقدًا قبل أن يكون فنانًا. نعم كان حمد الطيار موسيقارًا ولم يكن مجتهدًا في الموسيقا، كان يتعلم من الموسيقا الإيرانية والتركية، ومن الموسيقا العربية الكبيرة، وكان مبدعًا في هذه الأمور، وهذه أشياء لا يعلمها الناس الذين يعرفون بعض الأغاني له ويستغربون أنها من القوة والجودة. طبعًا لست الشاعر الوحيد أو لست كاتب الأغاني الوحيد الذي كتب لحمد الطيار، لكن كانت كلماتي أبرز ما غنى، وكنت سعيدًا جدًّا بأن تنجح لأنها إذا نجحت في الغناء فهي ناجحة في المسرح أيضًا، كان في كلماتي تجديد لأنها لم تكن على الطرق القديمة، كان لنا طرقنا الخاصة ولا أزال محبًّا للطرق الخاصة التي هي ابتداع وليست تقليدًا للآخرين، فكتبت أغاني عدة عميقة المعنى.
وكان يستحيل غناء كلماتي لو لم يكن حمد الطيار موسيقارًا بكل معنى الكلمة، ونحن تلازمنا مع بعض، أنا صاحب كلمة غنائية وهو صاحب موسيقا عظيمة، فاستطعنا أن نثبت وجودنا. تخيلي فقط أنه مضى الآن أربعون سنة، وهي عمر بعض الأغاني وما زال الناس يتغنون بها ويرددونها، حتى إن أحد المنشدين استأذنني في أغنية من أغاني حمد اسمها «لمحت البرق»، وكثيرون الآن يغنونها أناشيد، حذرًا من الموسيقا التي ما زالت حرمتها تسيطر على الناس.
● خضتَ حربًا ضروسًا ضد التيار المتشدد في المملكة، فماذا يمكن أن نرى أنه تغير حاليًّا؟
■ التشدد مشكلة للوطن كله وليس للمسرح، التشدد منع الترفيه، ومنع الغناء، ومنع أشياء كثيرة، ولسنا نحن من تضرر من التشدد، ربما سمحوا لمن يثقون بهم من المسرحيين أن يعرضوا حينها، طبعًا هي مرحلة مظلمة. نتذكر ما حدث في جامعة اليمامة أيام التشدد، عندما تقافز ثلاثة وثلاثون محتسبًا إلى المسرح وكسروه، فكانت مسرحية الاحتساب لذيذة كمسرحية العرض، يعني كلاهما مسرحية وإن كانت متشددة إلا أنها مسرحية ذكرها التاريخ. كنا موجودين ورأينا العنف في أبشع صوره. وكأن انتصار الإسلام في تكسير مسرحية، هذا سؤال ما زال معلقًا وليت الإخوة المحتسبين يرجعون إلى عقولهم وننسى تلك المرحلة بكاملها.
● عاصرتَ حقبة النشاط المسرحي في جامعة الملك سعود وقسم المسرح هناك، وعاصرت حقبة إغلاقه، فكيف أثر ذلك في المسرح السعودي ومسيرته؟ ولماذا أُغلق القسم؟ وما الذي قمتم به للاعتراض على إغلاقه؟
■ استغلوا فترة الصيف حيث لا مجالس بالجامعة، فأغلقت شعبة المسرح بأمر طبخ بليل، حسبنا الله ونعم الوكيل.
لست في خلاف مع أحد
● يتهمك البعض بأنك حاد الشخصية، هل أثر ذلك في علاقتك بالمسرحيين والوسط المسرحي هنا؟
■ لا لست حادًّا بطبيعتي، أنا رجل هادئ وبسيط وسمح ومن تعرف علي يعلم أنني لا أتخاصم مع أحد، وربما البعض يضيق بالنقد الحقيقي، وكانت أيام الجنادرية معظمها نقد مسرحي، أيامًا طويلة كنا نعرض وننقد، وكان البعض يتحسس من النقد لكن ماذا نعمل؟ علينا أن نقول الحقيقة، أما من ناحية شخصيتي فلست في خلاف مع أحد والحمد لله. أنا طبعًا يمكن لدي طغيان في الجانب الأكاديمي أكثر من غيري، ويجعل البعض يستغرب من حدة طرح النقد أو طرح التوجيه أو تعليم الطلاب، والحمد لله حتى طلابي كانوا راضين عني رضى كبيرًا، وأي كلام عن أني حاد الطبع أو أتعصب لرأي هذا غير صحيح. قدمت تنازلات عن أشياء مهمة في حياتي، يعني في مسرحية «امرؤ القيس» كان للمخرج، وهو حسين المسلم من الكويت وكان عميد المعهد العالي للفنون المسرحية، رأي أن يغير النهاية، وعلى الرغم من عدم قناعتي بتغييره لذيل المسرحية فإنني تجاوزت الموضوع وتركته يغير، وكنا سنعرض في مهرجان سوق عكاظ وقتها، وعرضنا فعلًا ونجحت المسرحية لأنها مسرحية غنائية.
● تفاءل بعضهم في إدارة الدكتور أحمد العيسى لوزارة التعليم وعودة المسرح المدرسي، ولكن ذلك لم يحصل حتى الآن، فما رأيك وكيف يمكن أن نعيد هذا المسرح وننشره كثقافة؟
■ الدكتور العيسى نفسه مؤلف مسرحي، وهو نفسه ناشط في الثقافة، وهو رجل تربوي ويدرك ما للمسرح في التربية من أهمية، الدكتور العيسى يدرك كم ينمو الطالب إذا اعتلى خشبة المسرح، وهؤلاء الطلاب الذين يعتلون خشبات المسارح في المدارس سيظهر منهم جيل يقدر المسرح ويعمل للمسرح ويشتغل للمسرح، لذلك فإن وجود العيسى في وزارة التعليم هو مكسب كبير للثقافة ومكسب للطلاب ومكسب للوطن؛ لأننا نبحث عن رجل واعٍ بعقلية الدكتور العيسى ليكون في هذا المكان.
● يتحدث البعض عن ضعف مسرح مهرجان سوق عكاظ رغم أن بعض القائمين عليه مخضرمون ومتخصصون، إلامَ تعزو هذا الضعف؟ وكيف يمكن معالجته؟
■ مسرح «سوق عكاظ» بدأ بداية ضعيفة، ثم تسلمناه في السنة الثانية، وعرضنا مسرحية «امرؤ القيس»، وخرج خالد الفيصل وقتها في جريدة الوطن بمانشيت عريض، يقول بالحرف الواحد: اليوم بدأ المسرح السعودي. هذا الكلام لست أنا الذي أردده، إنما خالد الفيصل. ماذا حدث فيما بعد، ولماذا ضعف المسرح؟ كتبت في السنة التي تلي مسرحية أخرى اسمها «طرفة بن العبد» وتمنيت أن أواصل عشر مسرحيات لشعراء المعلقات لكن لم تُتَح الفرصة. طبعًا نشرت مسرحيتَي «امرؤ القيس» و«طرفة بن العبد» في كتابي «الطقس المسرحي». أما اليوم فلدي رصيد جيد من المسرحيات، لكن لا يوجد إنتاج. منذ سنوات توقفنا عن إنتاج أي مسرحية وعجزنا عن المواصلة؛ لأنها تحتاج إلى تمويل لا يستطيعه مؤلف أو مجتهد، فهو تمويل كبير.
بواسطة هدى الدغفق - الفيصل | نوفمبر 1, 2017 | الملف
كثر تداول مصطلح النسوية السعودية، وترابط «النسوية» بـ«السعودية»، كأنما يقترح معنى يشير إلى خصوصية اجتماعية وإلى انتماء، على أن المصطلح، وهذا ما يهم، يروج له على الرغم من عدم توافر سمات النسوية المتعارف عليها عربيًّا وعالميًّا، ما يؤسس لظاهرة مكانية مستقلة بذاتها لدى النسوية في السعودية كتكوين وكمفهوم؛ إذ بدا الأمر يحمل أبعادًا وطنية نسوية إنسانية ومحاولات مخلصة للحصول على بعض الحقوق المشروعة، تتركز في مطالباتها ومطالبها على مرجعية الشريعة الإسلامية لا العادات والتقاليد وما شابه ذلك من تشدد. فيما يخص النسوية السعودية يوجد استقواء بالرد على المعارضين لمطالبات النساء بأحكام الشريعة وما وهبته المرأة من حقوق. وينبغي التأكيد على تعاون الكتاب مع الكاتبات في طرح مصطلح النسوية السعودية في شكل غير مباشر، وبخصوصية ترتبط بمطالب السعوديات بحقوقهن وتحسين صورتهن ونيل مكانتهن اللائقة بهن في المجتمع السعودي.
فتح كتاب «النساء والفضاءات العامة في المملكة العربية السعودية» لأميلي لورونار، مجالًا لولوج باب الدراسات النسوية من النساء في السعودية، ليتلمسن الحركة النسوية من خلال جهود ميدانية. ومن المطالب النسوية التي وجدت صدى جيدًا تلك المتمثلة في بطاقة الهوية للمرأة السعودية، كتأكيد لموقعها وشخصيتها الوطنية المستقلة، أيضًا المطالبة بمدونة للأحوال الشخصية مقننة لا تحتكم إلى الأحادية الفقهية ولا إلى تقدير القضاة، والمطالبة بمشاركة المرأة في مواقع صنع القرار. إضافة إلى مطالب جوهرية أخرى مثل رفع الوصاية عن المرأة بمعناها السياسي والاجتماعي والتعامل معها بوصفها مواطنة تتمتع بالرشد والأهلية.
ظهر الفكر النسوي معبّرًا عن مطالبه بقوة – بالرغم من ضيق فرصه- في الكتابة المطبوعة والإعلام المرئي، وتداولت أسئلة المرأة في شتى مجالاتها في قنوات الإعلام، وظهرت مبادرات تحاول معالجة تأثيرات تبعية المرأة وضعف أدوارها في المجتمع. «الفيصل» تناقش النسوية في السعودية بوصفها جزءًا من قضية كبرى، هي قضية النسوية في العالم العربي، متسائلة: ما الذي تحقق للنسوية السعودية؟ وما التحديات التي تواجهها؟ وهل هذه النسوية على تماسّ مع النسويات في العالم العربي وفي العالم؟ وما الرهانات التي تحاول النسوية أن تكسبها في لحظتها الراهنة؟
ناهد باشطح: فساد المرأة أو تغريبها!
ناهد باشطح
في مجتمع لا توجد فيه حتى الآن أي هيئة أو منظمة مستقلة تُعنى بشؤون المرأة، كما أن الحديث عن «الجندر» أو «النسوية» يمكن أن يكون أشبه بالحديث عن فساد المرأة وتغريبها، نجد في مقابل ذلك أن المرأة تخطو بقوة نحو المشاركة التنموية على الرغم من المعوقات الاجتماعية، بل يحتل عدد كبير من النساء مناصب عليا، ويحققن إنجازات علمية عالمية، على سبيل المثال: دخول المرأة لدينا مجلس الشورى هو تأكيد لمشاركتها السياسية أيًّا كان تصنيف هذه المشاركة أو نعتها بالرسمية؛ لأن دخول المرأة مجلس الشورى سيزيد من إيمان المجتمع بقدراتها وسيمنحها الفرصة للمشاركة في الشأن العام؛ إذ تعدّ المرأة السعودية متأخرة في المشاركة السياسية مقارنة بالنساء في منطقة الخليج بالرغم من أن هناك عددًا من الموظفات في السلك الدبلوماسي لكن لم يُعَيَّنَّ سفيرة أو وزيرة بعد.
لذلك لا يمكن اختزال المسألة في بعض المناصب من دون أن يكون للمرأة الحق في صنع القرار. بمعنى أن تولِّي المناصب لا يكفي لأن نحكم أن هناك حركة نسوية لدينا مع أنّ تاريخ المرأة السعودية حوى وعيًا متقدمًا من النساء في الخمسينيات من القرن الماضي، فقد دخلت المرأة السعودية العمل الإعلامي بوصفها مذيعة في الراديو، وكاتبة في الصحف، و«تشكل في السعودية أول اتحاد نسائي، كان ذلك في منتصف الستينيات من القرن الماضي باسم الاتحاد النسائي العربي السعودي، وكانت رئيسته بالانتخاب السيدة سميرة خاشقجي. ولقد شهدت تلك الحقبة عددًا من التجمعات، مثل: جمعية نساء الظهران، وجمعية الناطقات باللغة العربية، لكن الخطاب النسوي في الثمانينيات تحوّل إلى التشدد عقب حادثة الحرم المكي المشهورة، أعقبتها حادثة قيادة مجموعة من النساء للسيارات عام 1990م. (الدكتورة هتون الفاسي في مقالة عنوانها: «هل لدينا نسوية سعودية؟» ضمن إصدار مركز دراسات الوحدة العربية (2012م).
لكن الحركة النسوية لا يمكن أن تتحقق في مجتمع لا توجد في جامعاته أقسام لدراسات المرأة أو أي منظمات أهلية أو حتى حكومية تختص بشؤون المرأة؛ إذ تظل الجهود الفردية من أكبر التحديات أمام النسوية السعودية. والرهان الحقيقي أن تتفق النساء السعوديات الناشطات في قضايا المرأة، فتتّحد أهدافهن وينطوين تحت مظلة واحدة، ثم يتحدن مع الإعلام وهو التحدي المهم الآخر؛ إذ إننا إذا قرأنا التاريخ فالموجة الثانية من النسوية الغربية شهدت ازدهارًا بسبب ذلك الاتحاد عام 1960م. وإذا ما أردنا تسليط الضوء على المشكلات التي تعترض طريق المرأة السعودية وفق تقرير التنمية البشرية الذي صدر عام 2011م، فيمكن القول: إن هناك ثلاث مشكلات: أولًا- المشكلات القانونية، وهي متعلّقة بقانون الأسرة ووصاية وليّ الأمر، والعنف الأسريّ، وتحديد سن الزواج، وقوانين الإرث. ثانيًا- المشكلات الثقافية أي التقاليد والأعراف غير المرتبطة بالدين التي ما زالت تمنع المرأة من المشاركة في كافة نشاطات الحياة العامة. ثالثًا- غياب المؤسسات التي تمثل المرأة، وهذا نتيجة لغياب مؤسسات المجتمع المدني.
ربما يمكن القول: إن تمكين المرأة يمكن أن يبرز جهود النسويات، إن صح التعبير. أما عن وجود حركة نسوية من عدمها فما زالت المجتمعات العربية في جدال حول النسوية، حتى حين ظهرت النسوية الإسلامية فإنها لم تستطع النجاح وبخاصة أن النسويات الغربيات لم يقدمن الدعم الكافي للحركة النسوية العربية. والسؤال المطروح: ما الذي يمكن أن ينجي المجتمع من موروث التسلط الذكوري؟
كاتبة سعودية
هيلة المشوح:
«من بيتك إلى قبرك»
بدأت إرهاصات الحركة النسوية في الخليج العربي مع بدايات الأربعينيات الميلادية في الكويت وتلتها البحرين، وامتدت حتى وصلت إلى السعودية، وبالطبع سبقتنا في ذلك مصر وبلاد الشام؛ مثل: جهود رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين، ورائدات الحركة النسائية مثل: هدى شعراوي، لكن الأسبقية بلا شك للحركة النسوية في أوربا وأميركا، وأبرزها سيمون دي بوفوار. النسوية أو Feminism جاءت نتيجة تغييب دور المرأة من المشهد، وتتغير المطالب حسب الجغرافيا والزمن، فهناك من يطالبن بالمساواة مع الرجل، وبعضها يدعو المرأة للمساهمة في النهضة والتحرر من قيود التقاليد، وهناك من يطالبن على أقل تقدير بحقوقهن المشروعة مثلما يحدث في المملكة.
وكأي حركة غير معهودة في مجتمع محافظ ولا يعترف أساسًا بمشاركة المرأة، إما بسبب التقاليد أو بسبب موروث ديني موغل في الإقصاء والتهميش، فقد واجهت النسوية السعودية تشويهًا وهجومًا اجتماعيًّا واحتقارًا لمطالبها، وعدم اعتراف بحقوقها التي شرعها الله؛ مثل: حق تقرير المصير في الزواج، أو التعليم، أو السفر، أو حتى تنقلاتها، وكسب عيشها، فكان التضييق على أشده حتى تغيرت الحركة النسوية في وقتنا «الآني» إلى حالة أشبه بالتمرد الذي يشي بضياع البوصلة، وتشتت المطالب، وإقصاء متعمد لأصوات الاعتدال والحكمة التي لا تخرج عن إطار الدولة ومظلتها.
وبحكم هذا التشتت فقد انقسمت النسوية على نفسها في ضعف ملموس لا يبشر بتحقيق أي مكتسبات من طريقها؛ ما جعلها فريسة لاستبداد الذكورية المؤدلجة المتشبثة بمقولة: «من بيتك لقبرك»، فكان الصدام على أشده مع هذه الفئة من جهة، ومصادمة الدولة من جهة أخرى، في الوقت الذي تحاول فيه -أي الدولة- تخفيف هذه القيود، وتغيير بعض الأنظمة، وهي تغييرات لا ترتقي إلى مستوى الطموح، لكنها تضيف أملًا جديدًا. الحركة النسوية «الصادقة» في أي مكان قوامها الحكمة في عرض المطالب من دون تأجيج أو مؤثرات أو اللجوء لطرائق من شأنها تأخير هذه المطالب، وهذا للأسف ما يحدث، فبينما تخفت أصوات العقل، تتعالى أصوات النشاز والتحدي والصدام، وهذا كما أسلفت من شأنه أن يعرقل كل المطالبات، بل يتسبب في ظلم أخريات لا ذنب لهن، وأشد ما نحتاج له هو «التعقل».
كاتبة سعودية وناشطة على تويتر
إيمان الحمود: كسر حاجز الخوف
لو نظرنا إلى تاريخ بداية الحركات النسوية في منطقة الخليج وبخاصة في الكويت والبحرين، نجد أن المرأة السعودية لم تكن قادرة على التفاعل ضمن بوتقة هذا الحراك لأسباب عدة: اجتماعية وتاريخية قد يطول شرحها، وتأخر ظهور الحركة النسوية في السعودية بمفهومها الشامل إلى ما بعد الثمانينيات وهي أوج الحقبة التاريخية التي اصطلح على تسميتها بالصحوة. بالنسبة لي وأنا ابنة التاسعة تناهى إلى مسامعي في عام ١٩٩٠م عن حراك نظمته مجموعة من النساء السعوديات قمن بقيادة سياراتهن في تظاهرة ذائعة الصيت آنذاك؛ للمطالبة بحقهن في قيادة السيارة. قد يكون هذا التاريخ هو أحد أبرز المراحل المفصلية في تشكيل الحركة النسوية في السعودية، استمرت بعدها المطالبات بأشكال وأوجه متعددة، وأسهم ذلك في وصول المرأة السعودية إلى منابر الإعلام ولا سيما الصحف التي فتحت المجال أمام الحراك النسوي للحديث عن قضاياه.
أعتقد شخصيًّا أن الحادي عشر من سبتمبر 2001م والضغوط التي تعرضت لها المملكة خلال تلك المرحلة التاريخية المهمة والدقيقة من صدام الحضارات بين الشرق والغرب إذا صح التعبير، قد أسهم في إفساح المجال بشكل كبير أمام النساء لتفعيل حراكهن، لكن الأمر لم يصل إلى إعلان جمعية للمرأة أو إنشاء وزارة تعنى بشؤونها كما هي الحال في دول مجاورة. هذا الأمر خلف برأيي تداعيات مهمة على طريق الحراك النسوي الذي كان يبحث عن متنفس للتعبير عن ذاته ولتنسيق المواقف فيما يتعلق بكثير من القضايا الحساسة التي تعايشها المرأة في السعودية، ودفع بالنساء إلى فضاء المجالس الخاصة التي انتقلت بدورها إلى منتديات الإنترنت حديثة العهد في ذلك الوقت، وصولًا إلى مواقع التواصل الاجتماعي في وقتنا الحالي.
هذا الفضاء المفتوح رغم كونه افتراضيًّا فقد أسهم بشكل كبير في زيادة الوعي لدى النساء في السعودية، وسمح بتبادل الخبرات بين الأجيال النسوية المتعاقبة التي تعاقبت على أصعب المراحل الاجتماعية التي عاصرتها المرأة السعودية منذ الثمانينيات إلى وقتنا الحالي. ربما تكمن أبرز التحديات أمام الحركة النسوية السعودية حاليًا، في عدم القدرة على نقل هذا الحراك من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، فنجد كثيرًا من الفتيات يفضل التغريد عبر حسابات مجهولة نظرًا لعدم توافر الضمانات التي توفر لهن الحماية الاجتماعية في حال كشفن عن هوياتهن، هذا الأمر طبعًا يفتح الباب واسعًا أمام الحملات المشككة في جدية هذا الحراك، وما أكثرها مع الأسف الشديد. لكن هذا لا يمنع النظر إلى الجانب الممتلئ من الكوب، وهو عندما نلمس هذا التنسيق الكبير بين النسويات السعوديات خلال أي قضية نسوية تطرأ على الساحة، وهو أمر اكتسبنه مع مرور الوقت ونضج التجربة فضلًا عن قدرتهن المتواصلة على كسر حاجز الخوف من العادات والتقاليد، نحن اليوم أمام نواة حقيقية لحراك نسوي عربي من نوع آخر في المنطقة سيترك بصمته لسنوات طويلة مقبلة.
مذيعة في إذاعة مونت كارلو