هانا شوت: قد أثير الجدل إذا ما قلت إنني أترجم الرواية قبل إكمال قراءتها
على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت هانا شوت تترجم الروايات المصورة من الفرنسية إلى الإنجليزية، بما في ذلك رواية «الببغاء» لإسبيه 2021 (Espé’s The Parakeet)، وهي قصة تتسم بالخصوصية إلى حدٍّ بعيد؛ لأنها لفنان يتعامل مع والدته التي تعاني اضطراباتٍ عقليةً. كما ترجمت كتاب بابلو فاجاردو البسيط: معركة ضد النفط الكبير 2021 (Pablo Fajardo’s Crude: A Battle Against Big Oil)، وهي عبارة عن سرد لمعركة المؤلف ضد تيكساكو وشيفرون في غابات الأمازون المطيرة. وترجمت «ملحمة حكيم» لفابيان تولمي 2021 (Fabien Toulmé’s Hakim’s Odyssey)، الذي يتتبع لاجئًا يهرب من سوريا ليستقر في فرنسا. وبحسب تصريحاتها، لم يكن طريقها إلى الترجمة معبَّدًا أو ميسرًا، فبعد دراستها الفرنسية في صغرها، قررت متابعة الترجمة في جامعة روتشستر. فكانت أولى محاولاتها الجريئة، ترجمتها الرواية الصعبة للغاية «جزيرة بوينت نيمو» للكاتب جان ماري بلاس دي روبليس، التي وُصفت بأنَّها مغامرة لجول فيرن، وقد كانت في سياقها وصياغتها أشبه برواية موراكامي. بما تمثله من تحديات كبيرة؛ لما تنطوي عليه ترجمة الأعمال السردية المصورة من التحديات والقيود الخاصة بها، حيث تتطلب الإيجاز والاهتمام الموسيقي بالنغمة.
وعن مزاولتها فن ترجمة القصص المصورة، وما ينطوي عليه هذا النوع من التحديات التي تواجه المترجم، أجرينا مع «شوت» الحوار الآتي:
● كيف أصبحت مترجمةً؟
■ قصتي غريبة بعض الشيء. ففي السادسة عشرة من عمري، تقدمت إلى الكلية، وأردت الالتحاق بــ«روتشستر» لأسباب متنوعة. تجولت في موقعها على الإنترنت؛ إذ كنت مهتمة جدًّا باللغات، فأتقنت الفرنسية، وكنت أعشق الكِتَابَ طوال حياتي لدرجة الجنون. وعلى موقع روتشستر الإلكتروني، وجدت قسم الترجمة الأدبية لديهم برنامج شهادة جامعية وآخر للماجستير، فحصلت على الشهادة، وقررت الاستمرار للحصول على الماجستير. كنت أدرك أنَّ هذا هو ما أبغيه.
● كيف انتهى بك الأمر إلى التخصص في الترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية؟
■ ينبغي أن تترجم دائمًا إلى لغتك الأم. وبخاصة المحتوى الأدبي. عملت في مؤسسة ترجمة لأربع سنوات تقريبًا. بعض الأعمال التجارية التي يمكنك القيام بها من لغتك الأم، ولكن عادة لا يُنصح بذلك. سيبدو الأمر بعيد المنال، حصلت على دورة في الكلية لدى بعض المتحدثين باللغتين، الفرنسية والإنجليزية. قمنا بتمارين الترجمة من الإنجليزية إلى الفرنسية، والعكس، كنا نعمل بروح الفريق، وقد وُفقت في كل ما قدمت من ترجمة.
● فيما يتعلق بالتخصص، ترجمتِ النثر، لكن معظم ترجماتك كانت في القصص المصورة.
■ دخلتُ هذا المضمار مصادفةً. لا أدعي أنني خبيرة في الرواية المصورة كنوع أدبي. قمت بترجمة النثر، وكان يقتضيني الأمر العمل في الترجمة التجارية كمهنة، ولكوني أعيش في بلد غير فرنكوفوني، فإنني أجد صعوبة في العثور على رواية بالفرنسية، وأشرع في إجراءات ترجمتها والعثور على ناشر مقتنع بنشرها؛ وذلك هو التحدي الأكبر في هذا العمل. حققت بعض النجاح، لكن ذلك في الحقيقة لم يكن على رأس اهتماماتي في تلك المرحلة. قمت ببعض التدريبات في مجال النشر في أثناء وجودي في المدرسة، وبنهاية إحدى التدريبات تلك أُتيحت الفرصة لإحدى زميلاتي للعمل في جرافيك موندي. وبالمصادفة كانوا بحاجة إلى مترجم فرنسي، فتواصلتْ معي هذه الزميلة؛ فشاركت معهم بـ«الببغاء والأحمق» (The Parakeet and Crude). فلقي ما قدمته القبول، واستمتعنا معًا بالعمل، فكان مفيدًا للطرفين، ودام تواصلهم معي لترشيح موضوعات للترجمة منذ ذلك الحين.
● ترجمت أيضًا رواية «جان ماري بلاس دي روبليس» النثرية «جزيرة بوينت نيمو»، وهو ما يُعد أشبه بمجازفة!
■ حقًّا إنَّها مجازفة، أنا أحب هذا الكتاب، بدأ كأطروحة ماجستير، في الواقع. أدرك أنه ليس للجميع وأنه يأخذ منعطفات غير متوقعة! [تضحك] أتذكر قراءته، والتشكيك في مهاراتي الفرنسية. ربما لا أتحدث الفرنسية، ظننت أنني فعلت ذلك، لكن أحيانًا كان ما يحدث في الكتاب غريبًا لدرجة أنني ظننت أنني بالتأكيد أسيء فهم الأشياء [تضحك] أحبه! قدمتُ عينات من رواياته الأحدث. إنَّه يغيِّر الأشياء حقًّا من كتاب إلى آخر، وهو ما أعتقد أنه زاده روعة وجمالًا، فلم يكن لأيٍّ من الكتب الأخرى صدى قوي مثله.
الترجمة والخصوصية الثقافية
● هناك تحديات رسمية واضحة متأصلة في ترجمة القصص المصورة. أفكر في الأمر من منظور الشعر، حيث يريد كثيرٌ من المترجمين احتفاظ الترجمة بالشكل والمضمون. في القصص المصورة، لديك امتداد أشبه ببالون من المفردات المحدودة، وعليك أن تترجمي أكثر أو أقل ضمن هذا الحد.
■ أجل! إنَّه نوعٌ جديدٌ من التحدي. وجدت أن الروايات المصورة بمنزلة مقايضة مثيرة للاهتمام مقارنة بالرواية النثرية بسبب الصور. أعني، إذا قالت شخصية شيئًا يمكن أن يكون غامضًا، فيمكنك ترجمته إلى الإنجليزية بثماني طرائق مختلفة. قد يكون الشيء الذي يتحدثون عنه هو خزانة، أو خزانة ملابس، أو طاولة بجانب السرير، ربما. لكن وجود الرسم على الصفحة يمنحك فكرة عمَّا يجب استخدامه، إذا كان المعنى غامضًا في الفرنسية. أعتقد أنَّ هذا يجعل العملية أسرع. لا أحتاج القواميس إلا نادرًا؛ لأنني أستطيع أن أرى ما يحدث على الصفحة.
تمثل حدود الأحرف بالتأكيد تحديًا أكبر. أعتقد أنني محظوظة؛ لأنَّ الجمل الفرنسية تكون أحيانًا أطول منها في الإنجليزية، فأحتاج إلى بعض الإبداع. فمثلًا، قد يقول شخص ما: «Bonjour. Ça va». يقابلها بالإنجليزية «مرحبًا، كيف حالك؟»- فحدود المعنى ضيقة حقًّا، ولن أتمكن من ملاءمة الترجمة الإنجليزية الكاملة هناك. بدلًا من ذلك، قد أضطر إلى جعلهم يقولون: «مرحبًا!» وبعد ذلك يمكنني نقل «كيف حالك؟» إلى لوحة أخرى. لديَّ عدد محدد من الأحرف، ويجب أن أحترم ذلك؛ لذا أحاول اكتشاف طريقة لتوصيل المعنى في سياقٍ آخر.
● كيف تبدو العملية؟ مثل معظم المترجمين المستقلين، أفترض أنك تقولين «نعم» قبل أن ينتهوا من السؤال [يضحك]، ولكن بمجرد أن توافقي، كيف تسير العملية؟
■ من فوائد الروايات المصورة أنَّ ترجمتها في الأغلب تستغرق نحو شهر. أما ترجمة «جزيرة بوينت نيمو» فقد استغرقت قرابة عام. ولكلٍّ حالته. قد يكون هذا التصريح مثيرًا للجدل في دوائر الترجمة، فقد اعتدت ترجمة الرواية المصورة قبل إكمال قراءتها، أمَّا الأعمال النثرية فلا بدَّ من قراءة العمل كاملًا قبل ترجمة عيِّنة منه؛ لذا فإنَّ ترجمة الروايات المصورة لا تستغرق كثيرًا من الوقت، فقد لا تتعدى الرواية الأسابيع الثلاثة بمجرد البدء، ولا يستدعي ذلك تأخيرًا، لكنني بالتأكيد سأتصفح العمل قبل الموافقة، ولن أؤخر الشروع في الترجمة.
عادةً ما أستهل عملي بمسودة «مرتجلة» وهو مصطلح مرتبط بالترجمة التقريبية. وأتأكد من أنني قد احتويت الموضوع برمته، في صورة مسودة تقريبية، وصرت ملمّة بما فيه، أدرك عتباته النصية، وأعي فحوى الكتاب، والصوت والشخصيات. وأحاول التحقق من حدود الشخصية حين تصفحي، وحين أبدأ في الكتابة، لا أقف أمام الجملة والصياغة والأسلوب، بل أترك ذلك للنهاية حين التحرير، بالمقارنة مع عملي في الرواية المصورة، أجد أنَّه عندما أعمل بالنثر، ينتهي بي الأمر بإجراء المزيد من التعديلات على ارتجاليتي. فأعمل بعناية أكبر قليلًا في المسودة الأولى بروايات مصورة؛ لأنني أتريث في التفكير في حدود الشخصية. ثم أجري التعديلات المناسبة؛ حيث أتحقق من اللغتين معًا، وبعد ذلك أقرأ العمل بصورته النهائية.
الشغف بالترجمة
● ما الكتاب المفضل الذي قمتِ بترجمته؟
■ ربما «الببغاء»، أحسست حقًّا بشرف ترجمة إسبيه Espé. كانت مذهلًة بصريًّا ورقيقة جدًّا وعفوية. شعرت بالفخر الشديد؛ لأنه أراد مشاركة قصته بهذه الطريقة الشخصية والمُحِبَّة. كانت عاطفته لوالدته تزداد تألقًا على مدى صفحات الكتاب، تجدها في كل كلمة وعبارة، وفي كل رسم. كان الأمر صعبًا؛ لأنّني أردت أن أنصف عمله. لقد أجاد فيها شكلًا ومضمونًا، وكانت حياته الخاصة هي التي كان يضعها على الصفحة؛ لذلك شعرت بالحميمية الشديدة في ترجمتها. فأيقنت أيضًا أنه كان مجرد كتاب جميل.
● يبدو أنكِ استمتعتِ بهذه الكتب حقًّا.
■ الترجمة الأدبية هي حقًا ما أبغيه. أرى أغلبية الناس يستمتعون بها طوال حياتهم، كان عملي في مؤسسة غرافيك موندي حلمًا. بمجرد حصولي على ملف PDF في بريدي الإلكتروني، مصحوبًا بالتساؤل عمَّا إذا كنت أوافق على القيام بالترجمة؟ عندئذ لا أتردد في الموافقة بالتأكيد!
● هل تعملين على كثير من الكتب؟
■ لقد فعلتها. حقًّا هذا هو الوقت المناسب للتحدث عن إنجازاتي في الترجمة؛ لأنني سألتحق بكلية الطب العام المقبل. [تضحك] ما زلت أواصل القيام ببعض الأعمال المستقلة، وبالتأكيد سأقوم بالمزيد، من الآن حتى يوليو، إذا كان لدى مؤسسة غرافيك موندي أي مقترح لإرساله. سنرى ما إذا كانوا بحاجة إليَّ. ولكن بدءًا من يوليو، سأنتقل بعيدًا، على الأقل حتى أنتهي من الإقامة. آمل أن تتاح لي الفرصة لأنْ أترجم رواية مصورة كل عامين بمجرد ألا أعمل 130 ساعة في الأسبوع أو أيًّا كان [تضحك].
● إذا نظرنا إلى الوراء، وأنت في السادسة عشرة من عمرك، وتفكرين بشكل خاص في أنكِ ستكونين مترجمة، فما مقدار ما كنت تتوقعينه، وهل تحقق ذلك في الواقع؟
■ سؤال جيد. أحاول التفكير في مدى جديته كل يوم، منذ طفولتي. أعتقد أنَّ هذه الفكرة السامية كانت تحوم حول إتاحة الكتب الجديدة لدى الجماهير. فتجد ما تريد قراءته من روايات عظيمة، فرنسية وروسية، وغيرهما، فيستهويك كتابٌ، فتتعلق به، ثم تجد ناشرًا متحمسًا مثلك تمامًا. وهذا محض افتراض لا يحدث أبدًا. فكانت جزئية عرض الكتب، من أصعب ما كنت أتصور. رأيت ذلك واقعًا. هناك ناشرون يرغبون نظريًّا في نشر الكتاب الذي تروِّجُ له، لكن لديهم قيودهم الخاصة التي لا تظهر لك بالضرورة في تلك الأثناء. أعتقد أن كثيرًا من الناشرين يبذلون قصارى جهدهم حقًّا، لكن التحدث كمترجم، من السهل أن تشعر كأنك لا تُسْمَعُ أو تُقَدَّرُ. لصديقي «تشاد بوست» الذي أرشدني لنشر كتابي الأول، عبارة يرددها أحيانًا: سيشتكي المترجمون لأنهم الأقل أجرًا، والأقل تقديرًا في النشر. لكنه يود أن يشير إلى أنَّ هذه الحجة تتجاهل العنصر المهم: وهو المؤلف [تضحك]؛ لأنَّ المترجم سيقول: لقد أمضيت عامًا من حياتي في هذه الترجمة، ولا أحد يقدرني، لكن المؤلف أمضى خمس سنوات في الكتاب نفسه، ولم يحظَ بالتقدير الكافي أيضًا.
عنوان الموضوع: The Art of Translating Comics: A Conversation with Hannah Chute
نُشر في موقع: Los Angeles Review of Books
رابطه: https://lareviewofbooks.org/article/the-art-of-translating-comics-a-conversation-with-hannah-chute/