المصورة والباحثة النمساوية أليكس شلايخر: الكاميرا بالنسبة لي نافذة داخل روح شخص آخر

المصورة والباحثة النمساوية أليكس شلايخر: الكاميرا بالنسبة لي نافذة داخل روح شخص آخر

تحاول المصورة والباحثة النمساوية أليكس شلايخر النفاذ بعدستها في وجوه الآخرين حول العالم؛ لتحاول إبراز ما يهمله المرء من مشاهد قد تبدو عادية للوهلة الأولى. التقيتُها؛ لأحاورها حول أعمالها: «قوس الجوركا: من نيبال إلى الجيش البريطاني»، و«حياة ساكنة»، و«مملكة مكنونة: شعب المملكة العربية السعودية» الذي جالت فيه مناطق المملكة؛ لتوثق وجوهًا متعددة تمثل أطيافًا من أفراد الشعب السعودي، إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بالفوتوغرافيا، فإليكم الحوار:

الحياة العادية في المملكة

  عندما بحثتُ في محرك البحث؛ كي أحصل على صورة شخصية لك، لحظتُ ندرتها مقارنة بصور مشاريعك، هل من المهم للمصور أن يُخفي نفسه خلف مشاريعه؟ وهل هناك رسالة ما؟

  هذا السؤال يصلني كثيرًا. هناك بعض المصورين من يضعون أنفسهم في محور قصصهم الفوتوغرافية. بالنسبة لي، لا يناسبني. صورتي ليست مهمة في سياق مشاريعي، الذين أصورهم هم من يجب أن يكونوا في الضوء. أيضًا، النساء غالبًا ما يُحكم عليهن والتقليل منهن من خلال مظهرهن ولا أريد أن أكون جزءًا من تلك القصة.

  فيما يتعلق بمشروعكِ «مملكة مكنونة: شعب المملكة العربية السعودية»، ما الأسباب التي جعلتكِ تذهبين إلى المملكة؟ كيف رأيتِ ردود الأفعال؛ ولا سيما من السعوديين تجاه ذلك المشروع؟

  وجدت أن الإعلام يصور شعب المملكة ضمن نطاق ضيق جدًّا وغالبًا تكون مقتصرة على أعضاء العائلة المالكة وإنتاج النفط أو فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. لم يتحدث أحد قط عن الحياة العادية في المملكة، ولا يوجد شخص سأل أفراد الشعب السعودي عن حياتهم اليومية كيف تكون؟ عندما سافرت إلى المملكة، قوبلتُ بكثير من الدفء والانفتاح من قبل الرجال والنساء، وجدت أن السعوديين أنفسهم سئموا كثيرًا من تنميطهم في بعد واحد بواسطة الإعلام الغربي، يوجد كثير من الأحكام المُسبقة هنا؛ لذا أردت أن أُظهر أوجه التشابه في الإنسانية والقلب. بالإضافة إلى الاختلافات الاستثنائية والجميلة في الثقافة والتاريخ.

الصورة بين العفوية والتخطيط

  كيف تخططين لمشاريعك الفوتوغرافية؟ هل ترسمين سيناريوهات معينة في ذهنك لأجل الصور؟ وهل تلتقطين مئات الصور للمشروع الواحد ثم تختارين مع ما يناسب مشروعك؟

  مشاريعي تبدأ دائمًا بفكرة مع انهماك في البحث؛ لكن البقية تكون عفوية جدًّا. معظم الأشخاص لذلك المشروع أتوا عبر أشخاص آخرين قمت بتصوير بعضهم في مدة قصيرة. أحيانًا أرى بعض الأشخاص في مكان عام؛ إما في مقهى أو فندق وأبدأ بالحديث معهم؛ لأنهم أثاروا اهتمامي. مشاريعي تميل للنمو عضويًّا وأحبها أن تكون كذلك. أحب المصادفات ولقاءات الصدفة. لا أميل لأخذ كثير من الصور؛ ولا سيما عندما أصور فِلمًا بدلًا من الرقمي. دائمًا يكون لدي فكرة عمّا أريد تحقيقه عندما أبدأ التصوير.

  في عصر شيوع التصوير الفوتوغرافي بالهاتف الجوال، هل قيمة المصور المحترف لا تزال كما هي من قبل أم تغيرت؟ ما وجهة نظرك؟

  هذا سؤال رائع، لدي فكرتان حول هذا الأمر من ناحية المصورين، كل تدريبنا وتجاربنا لم تعد ذات قيمة كما كانت من قبل. ومن ناحية أخرى، أرى أنه من الرائع أن تلتقط صورة رائعة فإنك لا تحتاج لإنفاق كثير من المال؛ لذا معظم الناس أصبح لديهم القدرة على التقاط الصور وأصبح العالم أكثر ثراء بالصور. أرى كثيرًا من الصور المذهلة حقًّا في وسائل التواصل الاجتماعي والمُلتقطة بواسطة مصورين غير محترفين وأحب ذلك الأمر. الجانب السلبي في هذا الأمر أن معظم المصورين يكافحون لأجل لقمة العيش ومع خدمات تحرير الصور الرخيصة التي أصبحت في كل مكان، حتى في هاتفك المحمول، أصبح إصلاح الأخطاء سهلًا والمعرفة أصبحت أقل أهمية. بصورة عامة، أعتقد أن أي تقدم تقني له جوانبه السلبية؛ لكن هذا لا يجعله بالضرورة سيئًا. يجب علينا أن نتحرك مع الزمن ونتكيف ونجد السعادة في ذلك.

  يقول إيميت غوين: «التصوير الفوتوغرافي هو وسيلة للتعامل مع أشياء يومية يعرفها الجميع، لكنهم لا ينتبهون إليها. صوري، مقصودٌ منها أن تمثّل شيئًا ما، أنت لا تراه». من وجهة نظرك، ما التصوير الفوتوغرافي؟

  لم أسمع بهذا الاقتباس من قبل؛ لكني أتفق معه ١٠٠٪. أحب صور إيميت غوين؛ لأنه متفرد جدًّا وأعماله الفوتوغرافية جميلة وغريبة وشخصية جدًّا. أنا أوافق تمامًا مع ما قاله. كما أن نهجي في التصوير الفوتوغرافي وفي قصصي أن أُظهر الناس والأشياء التي غالبًا ما يتم تجاهلها؛ على الرغم من أنها على مرأى من الجميع.

الكاميرا ليست مرآة

  في مشروعك «حياة ساكنة» كنتِ تركزين على الهشاشة والهامش في الطبيعة، ما هدفكِ من ذلك المشروع؟ هل هو متعلق بأثر التغير المناخي في الطبيعة؟

  مشروع «حياة ساكنة» جاء مصادفة. أنا منجذبة إلى التصوير الشخصي، تصوير المناظر الطبيعية و«الحياة ساكنة» مثل عضلة لم أستخدمها كثيرًا، واجهتُ كثيرًا من التحديات، أحاول أن أعثر على عناصر مُهملة من الطبيعة أو يُمكن أن تُفقد بسهولة وأجد الجمال فيها، على عكس ما أفعله مع التصوير الشخصي.

  معظم مشاريعك تتعلق بالتصوير الشخصي، لماذا ذهبتِ إلى ذلك النوع من التصوير الفوتوغرافي؟ هل أردت توثيقًا أنثروبولوجيًّا للناس والمجتمعات حول العالم؟

  هذا سؤال يسهل الإجابة عنه. وجدت أن أوجه الناس رائعة ومذهلة. لا أعتقد أن هناك شخصًا مملًّا أو وجهًا مملًّا في الخارج. أحاول أن ألتقط الجزء من الثانية الذي يُظهرُ الأشخاص كما هم في الواقع حيث أستطيع رؤية الضوء في دواخلهم.

  تقول دوروثي لانج: «الكاميرا أداة تعلم الناس كيف يرون بدون كاميرا»، بعد تجاربك، ما الكاميرا من وجهة نظرك؟

  اقتباس جميل ومتبصّر لمصورة أحبها بشدة. عملها في التصوير الشخصي للمزارعين خلال حقبة الكساد العظيم في أميركا يعد عملًا أيقونيًّا ومؤثرًا جدًّا. باختصار، الكاميرا بالنسبة لي يفترض أن تكون نافذة ليست مرآة، إنها نافذة داخل روح شخص آخر؛ إن سمح لها بذلك.

التصوير في عالم متنوع

  بعد تجربتكِ في مشروع: «مملكة مكنونة: شعب المملكة العربية السعودية»، ما استنتاجاتك عن شعب المملكة؟

  في كل مرة أتعرف فيها على أشخاص من ثقافات وبلدان مختلفة، أُصدمُ بمدى تشابهنا، وفي الوقت نفسه بمدى اختلافنا. أنا نمساوية نشأتُ على روح حس الدعابة الساخرة، وسررتُ أن هذا الحس المتشابه للتسلية والعبث في الثقافة السعودية. ضحكتُ كثيرًا مع الأشخاص الذين قابلتهم، كان أمرًا رائعًا. في أثناء ترحالي شعرنا بأمان لا يصدق، الأشخاص كانوا لطفاء وكرماء بأوقاتهم ومشاركتهم لقصصهم. الضيافة التي عشتها كانت مؤثرة، كنت أُدعى غالبًا لبيوت الناس لمقابلة عائلاتهم. وجدت أن تاريخ البلد جميل ورائع، أنا فخورة جدًّا لرؤية المملكة والتعرف على الأشخاص الذين التقيتهم.

  لديكِ تجربة في التقاط صور للحيوانات، بِمَ تشعرين في أثناء التقاطها؟

  أحب الحيوانات والتقاط صور لها، إنها تجلب كثيرًا من البهجة إلي. نشأتُ في أرض زراعية وفيها كل أنواع الحيوانات من حولي. لا يختلف التقاط الصور للحيوانات عن التقاط الصور للأشخاص؛ إذ إن هناك مستوى معينًا من الثقة يتضمن عنصر عدم القدرة على التنبؤ.

  في مشروعك: «قوس الجوركا: من نيبال إلى الجيش البريطاني» التقطت صورًا شخصية لجنود متقاعدين. بعد تجربتكِ معهم، كيف ينظرون إلى الصراعات الماضية؟

  بالنسبة لمشروع «الجوركا» أخذت صورًا جديدة للمجندين الشباب والمحاربين المتمرسين والجنود القدامى المتقاعدين. كانوا في مستويات مهنية مختلفة، المجندون الجدد كانوا حيويين وفضوليين؛ لكن قصص الجنود المتمرسين والمتقاعدين كانت مرعبة. هناك كثير من الصدمات المتراكمة. أعتقد أن الجنود يفرقون ويعزلون أنفسهم عما يفعلونه؛ لكن الصدمات تبقى في عقولهم وأجسادهم. أجريتُ محادثات عديدة حول الصراع الداخلي الذي يشعر به الجنود عندما يشهدون ويتواصلون مع المدنيين الذين يتعرضون للقصف والغزو والأذى. إنه أمر معقد جدًّا حتى بالنسبة لي أيضًا.

  زرتِ أفغانستان، هل يمكن أن تصفي تجربتكِ في ذلك البلد؟

  كانت مفجعة! أفغانستان بلد تعرض للغزو مرات عدة عبر قرون، لم يُسمح له قط بتعزيز ثقافة أو تجربة السلام الدائم. الأضرار التي تعرض لها الشعب الأفغاني كانت مدمرة ومستمرة. الجوركا الذين صحبتهم هناك عبارة عن وحدات إرشادية من الشرطة، وظيفتها التدريس في الشرطة الوطنية الأفغانية. وجدت ذلك الاحتلال الذي استمر لعشرين عامًا بغيضًا. شجاعة بعض الأشخاص الذين التقيتهم منهم ضابطتان في الشرطة الأفغانية، كانت مذهلة.

كاميرا محايدة

  اليوم نشهدُ بعض الصراعات والأزمات حول العالم، من وجهة نظرك كيف يُمكن للمصور الفوتوغرافي أن يُبقي كاميراه على الحياد؟

  لدي وجهة نظر معقدة حول تصوير الصراعات، غالبًا أشعر بالضيق عندما يستخدم المصورون صور القتلى أو الجرحى بدون الحصول على إذن من الأشخاص المعنيين أو عائلاتهم؛ لكنني أدركُ أن هذا دائمًا ليس سهلًا الحصول عليه. من ناحية أخرى، أعتقد أن تصوير الصراعات مهم حتى يرى الناس الضرر الذي يقع بواسطة الساسة الذين انتخبوا. بعض الأحيان، الغضب الشعبي يُحدث فرقًا؛ ولا سيما في أيامنا هذه. بكل تأكيد، الصحافيون والمصورون اعتادوا أن يكونوا محظورين في مناطق النزاعات، ويكونوا ظاهرين في ستراتهم الزرقاء؛ لكن في السنوات الأخيرة أصبحوا أنفسهم أهدافًا في مناطق النزاع، وهذا أمر مقلق للغاية. من ناحية الموضوعية، من المستحيل أن تكون محايدًا عندما تواجه المعاناة؛ لكن من وجهة نظري، من الضروري توثيق وإظهار ما تراه من دون محاولة التلاعب بالواقع للتأثير في الجمهور.

صور ومصورون

  هل هناك كتب أو أفلام معينة توصين بها للمصورين الفوتوغرافيين؟

  هناك فِلْم اسمه: «Looking for Light» (البحث عن ضوء) حول أسطورة التصوير الشخصي، المصورة الإنجليزية جين باون التي أحب صورها. أن تكون مصورًا فوتوغرافيًّا يعني أن تعمل بشكل منفرد؛ لذا أحب رؤية كيف يعمل المصورون الآخرون. بالنسبة للكتب، بعض الكتب التي ألهمتني في السنوات الأخيرة مثل كتاب: «Sleeping By the Mississippi» (نوم على ضفاف الميسيسبي) لأليك سوث أو كتاب سالي مان «What Remains» (ما تبقى). أيضًا، غالبًا أتعمق في أعمال روبرت كابا لأسلوبه في رؤية الوجوه. المصورون المتفردون دائمًا على راداري؛ ولا سيما في الشرق الأوسط الذين أنتجوا أعمالًا مثيرة للاهتمام في العقدين الماضيين مثل المصورين اللبنانيين: رانيا مطر، وسامر معضاد، والمصور الفلسطيني المذهل أحمد جادالله الذي رأيت أعماله لأول مرة في معرض صور الصحافة العالمية.

  هل تتذكرين أصعب صورة الْتَقَطْتِها؟ ما قصتُها؟

  التقاط الصور صعب لأسباب كثيرة. هناك صور شخصية أردت التقاطها بشدة وبطريقة صحيحة؛ لكن ظروف الإضاءة كانت سيئة جدًّا؛ لذا كنت أرتجل إلى حد بعيد. التقاط بعض الصور يكون صعبًا؛ لأن ما توجه إليه الكاميرا يؤلم القلب وأحيانًا يكون ذلك الشيء المؤلم مجرد عاطفة عابرة في وجه شخص ما.

من الناحية اللوجستية، أصعب الصور كانت الصور الجوية، تلك الصور مع الجوركا، ومع وحدات مكافحة الإرهاب النمساوية في أثناء تحليقنا بالهليكوبتر، أو في أثناء القفز بالمظلات. أكره الطيران وأخشى المرتفعات، وعلى الرغم من ذلك قمت بإكمالها من أجل القيام بعملي فحسب. لو أمكن، لن أسمح لأي شخص برؤية توتري، كانت تجربة غير مريحة.

  ما كلمتك الأخيرة في هذا اللقاء؟

  شكرًا جزيلًا؛ لأنك اطلعت على عملي ولأنك سألتني هذه الأسئلة المعرفية الرصينة.

نونو ريبـيلو: على الرغم من الحجاب، فكل امرأة لديها قصتها وحياتها ومشاعرها التي تستحق أن تُروى

نونو ريبـيلو: على الرغم من الحجاب، فكل امرأة لديها قصتها وحياتها ومشاعرها التي تستحق أن تُروى

منذ أن كان في الرابعة من عمره وهو يحاول استلهام الأشياء من حوله؛ ليرسمها ويعيد تشكيلها وفق منظوره الخاص به في تلك المرحلة المبكرة. أكمل طريقه في عالم الفن عبر دراسته الهندسة المعمارية والتصميم وممارسته التشكيل والرسم في الهواء الطلق في براغا في البرتغال، وتجول بلوحاته في العديد من المعارض في المدن الأوربية المختلفة، ليستقر أخيرًا في الرياض ويجسد بعض ملامح الهُوية السعودية في بعض أعماله، مثل: «شخصية سعودية» و«حيرة نقاب»، مصوّرًا على أوراقه البيضاء بعض معالمها، مثل: جدة التاريخية، وبرجي الفيصلية والمملكة، وقصر المصمك، وغيرها من المعالم.

التقيتُ الفنان التشكيلي البرتغالي نونو ريبيلو لأحاوره حول تجربته في تجسيد تلك الملامح، وكيفية استقلال الفنان بمدرسته الخاصة، وعن الحالة الفنية في أوربا ولا سيما في البرتغال، وعن مشاعره في أثناء رسم اللوحة، وهل أصبح الذكاء الاصطناعي مهددًا لعمل الفنان؟ إضافة إلى قضايا أخرى.

ملامح الهُوية السعودية

  كنتَ في السعودية؛ لأجل المشاركة في مهرجان (جاكس للفنون)، كيف رأيت ردود أفعال السعوديين تجاه أعمالك؟ وكيف تصف أجواء ذلك الحدث الفني؟

  يمكنني القول: إنني شعرت بالدهشة من السعوديين؛ ولا سيما من الجيل الشاب الذي حرص على مشاهدتي في أثناء العرض الحي للرسم. بكل صراحة لم أتوقع ردود الأفعال الرائعة. انتهيت بلقاء فنانين رائعين موهوبين حقًّا من الجنسين في مقتبل العمر بدؤوا خطواتهم الأولى في عالم الرسم والتشكيل. كانت لدي الفرصة لشرح أعمالي وطريقتي وأفكاري خلف كل قطعة فنية، حينها شعرت بالرضا من التعليقات التي تلقيتها منذ ذلك الحين. في أثناء الحدث رسمت لوحات في عرض حي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالموسيقا، وهو ما أستخدمه في الورش والدروس الخاصة التي أقدمها.

  رسمت العديد من اللوحات التي تعكس شيئًا من ملامح الهُوية السعودية، مثل: «حيرة نقاب»، و«شخصية سعودية»… إلخ. كيف تصف تلك التجربة؟

  الثيمة الخاصة والبارزة في لوحاتي هي التعبير عن الجسد وموقفه تجاه مجتمع ما أو بيئة معينة. أعتقد أن تصوري الذاتي لواقع الناس يدفعني لاستثماره في تكوين الشخصية وتقديمها حالةً ذهنية في فكرة معينة. على سبيل المثال، في «حيرة نقاب»، ثلاث لوحات تُظهر امرأة سعودية تتواصل عبر يديها وعينيها؛ لأن العباءة التقليدية تغطي بقية جسدها، ومع ذلك كانت العباءة عبارة عن تركيبة من الألوان والأنماط المتنوعة بلمسات مختلفة.

على الرغم من الحجاب، فأعتقد أن كل امرأة لديها قصتها وحياتها ومشاعرها التي تستحق أن تُروى. أما لوحة: «شخصية سعودية»، فكانت لمحة من ذاكرتي. عندما كنتُ في وادي الديسة في شمال المملكة، كنت مأسورًا بذلك المكان الطبيعي الخلاب وبالألوان البرتقالية الذهبية للجبال، في وسط الصخور رأيت رجلًا سعوديًّا في حالة تأمل كأنه يتنفس كل العجائب من حوله. أخذت تلك الصورة معي ووضعتُها في لوحة أكريليك لتخليد تلك اللحظة.

غاية الفن

  كيف يستقلُّ الفنان بمدرسته الخاصة؟ ما هدفك من كل الأعمال التي أبدعتها؟

  الخطوة الأولى أن تبدأ بالتعبير عن ذاتك الداخلية؛ إما بالتشكيل والرسم، أو تنظيم مجموعة من الأفكار بدون خوف من الخطأ. مع الوقت والممارسة كل فرد سيشعر بوجود العلاقة مع طريقته في التعبير. أتحدث عن نفسي، بدأت الرسم والتشكيل منذ أن كان عمري ثلاثة أعوام أو أربعة تقريبًا. لم أكن مهمومًا بالنتيجة؛ لأنها ستأتي في نهاية المطاف. عندما أعود إلى الوراء وأرى التسلسل الزمني وأثر الأفكار التي قد تؤثر وترتبط بشخص ما في هذا العالم -ولو لبضع ثوانٍ- فذلك يكفي أن يمنح هدفًا لعملي. بلا شك أن بعض الموضوعات أكثر أهمية للأثر في هذا العالم وهي ما أركِّزُ عليه أكثر: دور المرأة في المجتمع والعجائب الطبيعية التي يجب أن نحافظ عليها، إضافة إلى المشاعر الإنسانية التي تميزنا عن الحيوانات. هذا ما أريد أن أراه في أعمالي التي لن تنتهي.

  هل يمكن أن تصف مشاعرك في أثناء رسم اللوحة وبعد الانتهاء منها؟

  غالبًا شعور لحظة الرسم كاللحظة التي أكون فيها وحيدًا من دون أي تشتيت. إنه انهماك باتجاه واحد بيني وبين مساحة العمل. الموسيقا وحدها التي تروي تلك اللحظة. بسبب انغماسي التام في العمل الفني أشعر بحالة ذهنية حقيقية، بحيث لا يؤثر فيَّ أي شيء آخر؛ لكن كي أصل لتلك الحالة الذهنية يمكن أن تأخذ ساعات أو أسابيع أو أنتظر شهورًا عديدة. لا أستطيع أن أعرف، الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أنني أكون منهكًا جسديًّا، وأما نتيجة الرسم فبعض الأحيان أكون راضيًا عنها وأحيانًا لا؛ لكنني دائمًا أشعر باللحظة الصادقة مع العمل الفني.

  ما رأيك في حالة بيع الأعمال الفنية وتسويقها في أوربا والمملكة؟ هل تواجه بعض الصعوبات في بيع وتسويق أعمالك؟

  لا بد أن أعترف بأنني فنان تقليدي يهتم كثيرًا بنشر الرسالة التي تصنع الأثر والحراك. ومع ذلك أحاول أن أكون حاضرًا في مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الأخرى للوصول إلى شرائح أكبر. من المدهش أنني تواصلت مع كثيرين عبر تلك المواقع في الرياض، وكذلك في مسقط رأسي في البرتغال التي تعكس بعض أعمالي. على الرغم من أهمية التسويق الجيد، فإنني أعطي أهمية للبحث والتساؤل أكثر من الأخذ.

  من وجهة نظرك، ما تعريف الفن؟

  لا يمكن تعريف الفن كاسم؛ فهو معنى مجرد، بينما قد يراه أحدهم أنه يعني شيئًا ما في هذا الكون، ويمكن للفكرتين أن تكونا صحيحتين طالما أنهما تجتمعان وتكشفان تعقيد الذكاء لدفعنا إلى الأمام في هذه الحياة. هكذا أرى الفن: إما أن يكون الطبيعة البشرية اللامتناهية للبحث والاكتشاف، أو التعبير عن الإنجاز مع دفء الحس الإنساني والرضا والسعي المستمر الذي أتمناه.

  هل عملك الفني المعنون بـ«تساؤل» يعكس عقلك كفنان؟ ما الذي ألهمك لإبداع ذلك العمل؟

  كما أشرت آنفًا، التساؤل والسعي المستمر هما الأساس الأكثر أهمية في الفن. يمكن للفن أن يذهب لأبعد من ذلك؛ ليُبهج حواسك الجسدية. والطريقة الوحيدة للوصول لتلك الحالة هو ذلك الجديد والمجهول الذي نستفهمه من حولنا وأنا أرى بأنه يمكننا القيام بذلك التساؤل بلطف وإنسانية.

التكنولوجيا ومستقبل الفن

  هل أصبح الذكاء الاصطناعي مهددًا لعمل الفنان؟ ما الأطر والحدود الممكنة التي يمكن استخدامها بالذكاء الاصطناعي في الفن؟!

  أظن أننا جميعًا نُذهلُ بهذا التقدم التقني الهائل في عصرنا. ما أُومِنُ به هو أننا يجب أن نستغله لمصلحة الإنسان. لا أرى أي تهديد أو تعارض بين الذكاء الاصطناعي والفن، يمكن للفن أن يُوظف جميع التقنيات لصالحه ما دام أن لها مغزى وتمدنا بالثقافة والتنوير وفق مبادئ أخلاقية.

  كيف ترى حالة الفن في أوربا؛ ولا سيما في البرتغال؟

  دائمًا ما أرى الاهتمام بالنهج الكلاسيكي للفن في أوربا وهو ما أسعى إليه أكثر من غيره. حاليًّا الأسئلة الأخلاقية وانعكاس تحولات المجتمع من أهم الموضوعات الشائكة في الفن. وهذا ما نحتاج إليه جميعًا لمستقبل أكثر سلامًا وإشراقًا. كثير من الفنانين في البرتغال ينبهون للإجراءات الحاسمة التي ينبغي اتخاذها؛ لأجل تغيير العقول التي قد تمنع المجتمعات من النمو والعيش المشترك. أنا معجب بأعمال الفنانين البرتغاليين الذين أصبحوا معروفين وتميزوا بطريقة تعبيرهم في عالم الفن، مثل: جوانا فاسكونسيلوس، وخوليو بومار، وفيلس، وآخرين غيرهم ممن تركوا إرثًا غنيًّا للأمة.

  ما أعمالك الفنية في المستقبل؟

  متلهف لإنهاء فكرة (لا تزال تحت التنفيذ)، وأخطط حاليًّا لمعرض سيكون في مكان بارز بمسقط رأسي في البرتغال، سأكشف عنه قريبًا، وأريده أن يبقى في الذاكرة. كما أريد أن أحكي قصصًا عن أشخاص مجهولين ومهمشين؛ لكنهم مهمين؛ لأنهم في لحظة ما قد يلمسون حياة أي شخص.

مصادر الإلهام

  هل يمكن أن تخبرنا بقصة تقف خلف أحد أعمالك، لا يمكن أن تمحى من ذاكرتك؟

  ذات مرة قمت بحدث فني لمئتي شخص من العائلة والأقارب والأصدقاء؛ إذ رسمت مئتي قطعة قماش، وفي أثناء رسمي القطعة الفنية الواحدة كنت أفكر في اسم شخص معين من المئتين، ولم أخبر أي أحد أنني قمت بهذا الأمر حتى هذه اللحظة.

في أثناء الحدث وضعتُ جدارًا كبيرًا، وعلقت عليه كل تلك القطع القماشية مصفوفة بطريقة عشوائية. ٩٠٪؜ من الضيوف اكتشفوا القطعة الفنية القريبة إلى ذاتهم؛ إما بالألوان، أو موضوع القطعة نفسها. كان مسلِّيًا أن ترى الأشخاص -رغم عدم اهتمامهم العميق بالفن- وهم يجدون ذواتهم على كل قطعة من تلك القطع. كنت سعيدًا جدًّا لتمثيل كل واحد منهم وإبراز ذلك للعالم.

  هل هناك أفلام أو كتب معينة توصي بها للفنانين؟!

  شخصيًّا، أستلهم من الشعر الذي يقودني إلى الموسيقا. وأسعى لمختلف أنواع الفنون: النحت والموسيقا والسينما… إلخ. كتبي المفضلة التي تحكي الذات وحكايا الأشخاص المجهولين وموسيقاي المفضلة تتنوع ما بين الإلكترونية والكلاسيكية. وتوصيتي هي أن تذهب مع الأصدقاء وتستمع باهتمام لحكايا الأشخاص من حولك، وأن تستمتع بالطبيعة.