بواسطة دبي - الفيصل | يوليو 1, 2022 | جوائز
كرمت جائزة الشيخ زايد للكتاب الفائزين في دورتها السادسة عشرة، في حفلة أقيمت على هامش معرض أبوظبي للكتاب، وهم ستة أدباء ومفكرين ومترجمين، إضافة إلى مكتبة الإسكندرية والدكتور عبدالله الغذامي، شخصية العام الثقافية. وحصدت جائزة «فرع الآداب» الشاعرة والروائية الإماراتية ميسون صقر، عن كتابها «مقهى ريش، عين على مصر»، الصادر عن «دار نهضة مصر للنشر» عام 2021م، وفازت الكاتبة السورية ماريا دعدوش بالجائزة عن فرع «أدب الطفل والناشئة»، عن قصتها «لغز الكرة الزجاجية»، الصادر عن دار الساقي عام 2021م، فيما نال الكاتب الدكتور محمد المزطوري من تونس الجائزة عن فرع «المؤلف الشاب»، عن كتابه «البداوة في الشعر العربي القديم»، الصادر عن كل من كلية الآداب والفنون والإنسانيات- جامعة منّوبة ومؤسسة GLD (مجمع الأطرش للكتاب المختص) عام 2021م.
وفاز بالجائزة عن فرع «الترجمة» الدكتور أحمد العدوي من مصر، الذي ترجم كتاب «نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي»، للمؤلف جورج مقدسي، وأصدرته مدارات للأبحاث والنشر في عام 2021م، من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، فيما حصد الكاتب المغربي محمد الداهي، جائزة فرع «الفنون والدراسات النقدية» عن كتابه «السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع» والصادر عن المركز الثقافي للكتاب والنشر والتوزيع عام 2021م.
ونال جائزة فرع «الثقافة العربية في اللغات الأخرى» الدكتور محسن جاسم الموسوي من العراق- الولايات المتحدة الأميركية، عن كتابه: «ألف ليلة وليلة في ثقافات العالم المعاصر: التسليع العولمي والترجمة والتصنيع الثقافي»، الصادر عن دار نشر جامعة كمبريدج في 2021م، فيما ذهبت الجائزة في فرع «النشر والتقنيات الثقافية» لمكتبة الإسكندرية في مصر.
وقد اختير الدكتور عبدالله الغذامي، شخصية العام الثقافية، نظير جهوده المتميزة في ميدان النقد الثقافي ودراسات المرأة والشعر والفكر النقدي التي بدأت منذ منتصف الثمانينيات، وأحدثت نقلة نوعية في الخطاب النقدي العربي، وأسهمت مؤلفاته، بحسب بيان الجائزة، في بلورة حركة نقدية حول النقد الأدبي والنقد الثقافي، وفتح الآفاق نحو مناقشة التراث الشعري والإبداع العربي المعاصر، وإعادة قراءته من منظور نقدي يتسم بالجدة والعمق والاختلاف.
الظاهرة الغذامية: صورة الواحد المتفرد والأنا المتعالية
أحمد بوقري – ناقد سعودي
«النظرية شاهدة باردة كاذبة على قبر الحقيقة الميتة» جوزيف كونراد
لم أكن في يومٍ من الأيام طوال الثلاثين عامًا الماضية متحمسًا «للمشروع» الثقافي النقدي لعبدالله الغذامي.. ولم يكن ملهمًا لي.
قرأت كتابه الأول: «الخطيئة والتكفير» الذي أثار في وقتها ضجة واسعة في صف النقد الساكن وربما كانت هذه فضيلته الوحيدة، وهلل له كثيرون ولم أكن منهم.. للاستعراضية المنهجية والرطانة النظرية الجافة الفاقدة للرواء الإبداعي والتماس الحقيقي مع تجربة الشاعر وما تقوله وتفصح عنه، بله وجدت لا الخطيئة ولا التكفير تليق بالشاعر حمزة شحاتة في حياته وفي إبداعه، ولا في اختياراته ومآلاته، والمنهج التفكيكي غير المبدع الذي سار عليه الكتاب بطريقة نقلية تعسفية كان لبوسًا فضفاضًا واسعًا لا يليق بتجربة حمزة الشعرية التأملية والرومانتيكية. ولا بتاريخيته الفكرية أو سلوكياته الحياتية.
بعدها قررت ألا تأخذني الحماسة كثيرًا عند قراءته لأن الرجل كان فيما كتب وأنجز فيما بعد مدّعيًا كبيرًا لمنهجية واحدة نسقية حيث لا منهجية له، وأيديولوجيًّا صارمًا ومدعيًا وقوفه ضدّ الأدلجة النصوصية. ناصبَ العداء بغير وجه حقّ رموزًا أدبية ونقدية كانت السبّاقة إلى اعتماد المنهج الثقافي التحليلي في كتاباتها ومشروعاتها الفكرية وأقصاها من جنته النظرية، ومن هذه الرموز يرد إلى البال كل من أدونيس ومحمود أمين العالم.. ومحليًّا الشاعر الكبير محمد العلي (ولا ننسى مماحكاته معه قبل سنوات ووصفه بالعنز الهزيل)، إضافة إلى السريحي وسعد البازعي المنعوت لديه بالحداثي الرجعي!
محمد أركون
أيًّا ما كان وسيكون، نعم الرجل كان صادقًا مع نفسه دؤوبًا منتجًا بغزارة، ملحاحًا في إنجاز أكثر من ثلاثين كتابًا ضمن حدود المنهج الثقافي النسقي الذي رسم خارطته المعرفية الجافة في طريقه بأوهامها وتخرّصاتها، وكاد بل أصبح ظاهرة مرئية وصوتية تعمي ببريقها عيون كل من أراد الاقتراب منها أو استكشافها أو التحاور معها.
الرجل كتب وأبهر واستقطب من حوله المريدين والمعجبين، الرجل تحدث وفوّه عاليًا في المناسبات والندوات الأدبية ودافع بقوة مراوغة ساحقة عن مشروعه ومنهجه فاقتنع من حوله أنصاف المثقفين، والكسالى الأغبياء من النقاد والمجاملين، والمبدعون الطامحون إلى نظرات عطفه النقدية وهواة الإثارة أنصاف الصحفيين المحترفين، والغافلون والموهومون والمتجاوزون عن المرامي والغايات الذاتية والموضوعية للرجل.
ما مضامين هذه «الظاهرة» وكيف تحددت ملامحها وسماتها المنهجية النقدية؟
أولًا- العقل النقلي إذ يكون حداثيًّا:
في ذروة الاحتفال المشهدي بإصدار كتابه النقدي الأول الذي عُدَّ في غفلةٍ من زمانه فتحًا ثقافيًّا لا مثيل له..
تحدّث الغذامي معتدًّا بالمنهج التفكيكي الذي كان قد قُضي أمره في منبعه الفرنسي، وتجاوزته مناهج فرنسية وأوربية أخرى، تحدّث في سياق دفاعه عن هذا المنهج فقال في مظاهرته الانحياز للنهج الحضاري الغربي بكثيرٍ من التضليل النظري بل التبسيطية المخلّة فكريًّا «بأن على الأمة العربية التي تطمح لكي تكون عصرية أن تنهج نهج الحضارة الحديثة وتأخذ به في كليّته الشاملة» آخِذًا بالنتائج الظاهرة والشكلية وحدها من دون البحث عن الأسباب الموضوعية والذاتية وخصوصياتها التي أنتجت ذلك المنهج الحضاري في محطاته التاريخية
ومراحله الاجتماعية.
وأذكر أني في مقالٍ لي سابق منذ أكثر من ثلاثين عامًا تصدّيت لفكرته المطلقة هاته، وقلت فيما أذكر: «إنني إذ أؤكد عدم الرفض المطلق للمنهج الحضاري الغربي، أؤكد عدم القبول المطلق له دون الوعي ببنياته وجذوره ومساراته التاريخية، إننا لا نرفض روح العقلنة والعلمنة الفكرية ولا نرفض التطور التقني النموذجي في تطوير العمليات الحياتية والتخطيط العلمي لها، في خدمة الإنسان والارتقاء بمستويات عيشه، لكني أتحفظ تمامًا على تمثّل النموذج الحضاري تمثّلًا مطلقًا؛ لأن الأخذ النظري النقلي له يقودنا إلى بؤسه الموضوعي حال تمثله خارج مركزه لطابعه الاحتكاري وتسلطه المادي والتحكم البنيوي لسيرورات الاقتصاد العالمي، وتبنيه للطابعية الإلحاقية لاقتصاديات دول العالم الثالث، كما هو بادٍ حتى الآن في صور التطور اللامتكافئ التي تحدّث عنها المفكر الاقتصادي العالمي سمير أمين».
من هنا توصّلت إلى أن الغذامي ظهر في صورة ناقلٍ سطحي للنظرية الغربية بوعي زائف، وليس متمثّلًا حقيقيًّا ومبدعًا، وهي مشكلة كل من تأثر به نقديًّا وجاء من بعده فتلقى النظرية النقدية تلقيًا غير بصير، ونقلها بحرفيتها وطبقها تطبيقًا جدوليًّا حرفيًّا مخلًّا تعسفيًّا على النصوص الأدبية، فلم يخدم في إضاءة النص البتة، وبالقدر نفسه لم يخدم النظرية ويطور توطينها داخل الدائرة الإبداعية المحلية.. وداخل الممارسات النقدية وإعادة انتاجها محليًّا.
علي الدميني
هذه إشكالية أولى، ومن المثالب التي تؤخذ على تناوله الفكري والنظري في رحلته الثقافية الطويلة أنه تعامى إما عمدًا أو جهلًا عن الخطابات الأيديولوجية للبنيوية أو التفكيكية أو الألسنية التي انبنت عليها في مضمراتها النسيجية أو النسقية حسب تعبير الغذامي.
فالمنهج البنيوي ليس واحدًا، فهو منقسم في رباعية من التفرعات؛ منها الفكري كما عند فوكو، والنفسي عند جان بياجيه، والأنثروبولوجي عند شتراوس، ثمّ النقدي النصوصي كما عند بارت.
كل تلك التمظهرات في نظري وكما قلت سابقًا أتت ضمن وظيفة الخطاب الأيديولوجي الغربي، وأعادت تأسيس العلاقات الثقافية منفصلة عن إشكالات العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، بمعنى أنها آلت إلى تأكيد وحدانية العقل الإمبريالي الرأسمالي، فهذا العقل تحت ظلال البنيوية هو نسق قائم بذاته ومكتفٍ بقدراته.
وفي حالة تطبيق البنيوية على النص الأدبي فإنما تأخذه في وحدته اللغوية والشكلية واستقلاليته عن زمنه الاجتماعي والنفسي وفصله عن إشاراته الداخلية المنتقلة من عقل مؤلفه لا جثته (موت المؤلف)..
وفي ارتكاز البنيوية على مفهوم الحداثة فهي متمثلة في النسق الغربي والطابع الرأسمالي وما عداها من حداثات لا تمت إلى النسق ذاته إلا حين يكون مضمرًا ذات الطابع الاقتصادي والفكري وملحقًا به.
ثانيًا- الحداثة كمفهوم ذاتي
أمّا مفهوم الحداثة عند الغذامي فمفهوم عجيب، فقد أوقفه بشكل كاريكاتيري في كتابه المثير للغبار (حكاية الحداثة) على أمّ رأسه…!
فالحداثة «المؤثرة» في السعودية بدأت عنده وانتهت إليه، هكذا أوحى لنا بشكل واضح في كتابه هذا، ولأنه لا يهتم ولا يعنى بإبداعات المشهد الثقافي السعودي أو منجزه الفكري قدر اهتمامه بمفهوم النسق المحافظ المطلق الذي هو غائص فيه حتى كتفيه، فهو لا يعترف بوجود حداثة إبداعية لها تأثيراتها الاجتماعية، وتأسست قبله نظريًّا وممارسةً فإنه اختزل حركتها في شخصه فقط، ونسي المعنى الحداثي الكبير الذي بُني من قبله شعرًا وفكرًا وتنظيرًا، ولم يلتفت للمقترحات النظرية التي قدمها مجايلوه أمثال محمد العلي وعلي الدميني وشعراء آخرين ومن قبلهما.
حين نقرأ كتابه «حكاية الحداثة»، فإنما نقرأ حكايته هو، نبحث عن معنى للحداثة فنجدها متمثّلة في شخصه، فالحداثة لم تتفجّر كحادثة اجتماعية -في نظره- إلا في عام ١٩٨٥م الذي صدر فيه كتابه «الخطيئة والتكفير»، ولم تصر حديث المجتمع إلا بعد تلك السنة!
هل يعني ذلك أن (حكاية الحداثة) ليست إلا سيرة ذاتية فكرية له.. ولا يمكن الارتكان إليها في رصد تحولات الحداثة بصورها الفكرية والاجتماعية في المجتمع السعودي؟
ليس بالمطلق كي أكون منصفًا للرجل، فهو لديه رؤية بانورامية للمشهد الثقافي والسيرورة الاجتماعية وكمٍّ كبير من الحكايات والوقائع والمعايشات والمشاهد الشخصية والمعارك الصغيرة والكبيرة السطحية منها والعميقة، التي استطاع أن يوظفها خدمةً لرؤيته ومنهجه النسقي وفي التمهيد المراوغ «لمركزيته» الموهومة في قلب الحداثة أو «الوعي التجديدي» حسب تعريفه لها في البنية الثقافية والاجتماعية، ففي فصل الكتاب الخامس الموسوم: (الحداثة/الموجة الثانية)، بعد أن كتب عن حداثة محمد حسن عواد وحمزة شحاتة وعدّها الحداثة الشعرية الأولى المخفقة أو «النصف خطوة» التي لم تستطع أن تؤسس لها استمرارية؛ لأنها في نظره كانت غير مبنية على وعي اجتماعي ومتغير ثقافي، ونسي أن للعواد كتابه (خواطر مصرّحة) كان كله مكرّسًا لحلم التحوّل الاجتماعي، وتجديد الوعي المجتمعي بواقعه وعصره، ومثله في ذلك حمزة شحاتة في محاضرته التنظيرية الشهيرة (الرجولة عماد الأخلاق).. مناقضًا ذاته بذاته في متن كتابه في استنتاجه النهائي حيث أشار إليهما في الفصل الثالث من كتابه، وعدّهما كدلالات على تجاوب وعي الشاعرين -عواد وشحاتة- الثقافي مع الوعي السياسي في تأسيس التحول وتحقيقه.
وفي حديثه عن الموجة الثانية من الحداثة، نعتها أيضًا بالحداثة الشعرية الثانية، وذكر سعد الحميدين ومحمد العلي وعلي الدميني كرموز لهذه الموجة الثانية وأضاف إليهم لاحقًا شعراء قصيدة النثر (نفوس شعرية شابة) التي لم تتمخّض في نظره إلا عن صحوة ظرفية مؤقتة لم تصمد فانكسرت حداثتهم أمام تحديات النسق (ويقصد به الثابت الديني والاجتماعي)، بل إنه وجد سببًا آخرَ لذلك يؤول إلى رموز وأفراد الموجة أنفسهم، حيث إن «التركيب الثقافي الصحراوي» كان فاعلًا فيهم كما هم البدو في الصحراء لا يتركون أثرًا ملموسًا ولا يؤسسون لوجود!
أما الموجة الثالثة من الحداثة فهي حداثته الأصيلة الصامدة المثيرة للجدل المتمردة على النسق وعلى التركيب الصحراوي البدوي، التي احتدمت في خضمها المعارك الفكرية والكيدية بعد عام ١٩٨٥م أي بعد صدور كتابه (الخطيئة والتكفير)!
كان الغذامي ناجحًا في أن يرى ما يريد ويصطاد ما يريد كطائرٍ جارح من عيائه النظري نائيًا عن مسؤولياته الأدبية والأخلاقية فيما آلت إليه الموجة الثانية الشعرية كما أسماها وهو الذي جايلها وانغمس في همومها ولحظاتها التاريخية، وشارك في محطاتها.
والموجة الثالثة الصدمة وهي التي حققت في نظره التغيير النوعي في حركة الحداثة السعودية بل العربية! لم يفهم الغذامي الحداثة إلا على طريقته وبتأثير من مفهومه للنسق الذي صدّع رأسنا به.. أي نعم كان على الغذامي أن يسمي كتابه (حكاية حداثتي)؛ لأنه مكرس كله حول ذاته وتفرده وأناه المتعالية. لكني في التحليل النهائي قد لا أتفق مع ما قاله الشاعر السوداني عز الدين صغيرون بأن الدور الذي أراد أن ينجزه كتاب الغذامي لم يكن رصدًا حقيقيًّا لإرهاصات الحداثة الأولى في المجتمع الثقافي السعودي، بل لم يكن تحليلًا موضوعيًّا وعلميًّا لمفهوم التراكمية المعرفية واعترافًا بمنجزاتها حتى لو كانت إرهاصيه، إلا أنها تركت تأثيراتها الملموسة بلا شك في الحراك الثقافي فيما بعد، بالرغم من تعمّده «إلغاء دور الآخرين وإقصائهم من الصورة، لتكريس دور البطولة المطلقة له في حركة الحداثة في المملكة».
ثالثًا- النقد الثقافي هاربًا
من النقد الأدبي والنقد الاجتماعي
حين نأتي إلى أطروحته الشهيرة في (النقد الثقافي)، فإننا نرى بشكل ملموس توكيدًا لذاتيته وأناه النسقية المتعالية. ووعيه النظري المفرّغ من صدقيته وملامسته الحميمة مع الواقع الأدبي والإبداعي.
إذ أقول أولًا: إن مفهوم الغذامي للنقد الثقافي هو قراءة للأنساق الثقافية لا تتم في إطار تاريخي واقعي تخلخل الخطاب السائد الذي يحجب الواقع ويموه حقيقته، بل هو مفهوم دائرته القصوى تفكيك الشكل واللغة والبحث في الدوال لا المدلولات، وكثيرًا ما يستبعد الظاهرة الإبداعية لكونها من اختصاص النقد الأدبي وهو ما يعده الغذامي في حالة مواتٍ، فهو يبحث عن المضمر وهيكلية النسق ومحدداته اللغوية وأفعاله السلوكية.
بمعنى أن النقد الأدبي ليس بقادرٍ في وظيفته التقليدية على كشف العيوب النسقية المختبئة خلف النصوص الجمالية، كأنه يقول: إن وظيفة النقد الأدبي تمارس تضليلًا ثقافيًّا أو تبريرًا للنصوص وتوريةً لمضمراتها الدلالية والنسقية، وهو ما يجافي الحقيقة النقدية في تراكماتها المنجزة وممارساتها التطبيقية وخبراتها.
وفي تقديري أن مفهوم النقد الثقافي، الذي يكاد يستأثر به الغذامي تنظيرًا وتجريدًا ليس بجديد في اشتغالاته العربية، ويمكننا أن نرجع إلى كتاباتٍ لافتة ومهمة لإدوارد سعيد في كتابيه «الاستشراق» و«الثقافة والإمبريالية»، وكتابات محمد أركون الذي استخدم مفهوم النسق إلا أنه حفر عميقًا في الظاهرة الدينية والثقافية، وتوصل إلى نتائج ورؤى عقلانية وفاعلة.
رجاء الصانع
وفي كتابات النقد الأدبي التي تماسّت مع النص الجمالي شعرًا أم سردًا، فإننا نجد أن كتابات كلٍّ من لويس عوض وأدونيس وشكري عياد ومحمود أمين العالم ورجاء النقاش وغيرهم قد أنجزت في سياق النقد الثقافي متوسلةً مفاهيمه وإجراءاته.
ظلَّ الغذامي حبيسًا لفكرة النسق في كل كتاباته ما قبل النقد الثقافي وما بعده حتى تلك الكتابات الجوفاء التي تناول فيها القبيلة والقبائلية والمجتمع إلى الكتابات التي تناول فيها ثقافة تويتر وهي ثقافة محدثة إلكترونية.. أنجز هذه الكتابات ومثيلاتها، بنفس نظري تجريدي منسحبًا من توصيف الظاهرات من أبعادها السياسية والتاريخية والدينية.
إن النقد الثقافي الذي كتب به وعنه محمد أركون وإدوارد سعيد ونصر أبو زيد وإيهاب حسن لأرحب بكثير من إسهامات الغذامي المتعجلة وتشوّهاته النظرية.. فالنقد الثقافي لا يعني الهوس النظري الشكلي بالظاهرة الثقافية أو الاجتماعية وبريقها ونسقها بل يتخطى ذلك إلى ما تحتمله من صيرورات وانبثاقات متجددة.
وإذ أقول ثانيًا: إن ما يثير الانتباه والعجب في أحاديث ناقدنا الغذامي هي تلك اليقينية والنسقية التي ينتقدها لكنه يكتب بها ومن قلبها الأجوف. فعنده «الليبرالية السعودية» انتهت وكأنها بدأت وطوحت منهجها ومشروعها وفشلت، تمامًا كما هي اليقينية ذاتها عندما ينفي وجود رواية سعودية غير نسقية ولا يرى غير رواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع التي يعدها مفجرة للنسق بامتياز!
وهكذا يخلط الغذامي الشخصي بالمزاحي باللاموضوعي باللاتاريخي وهو ما يدل على أن النقد الثقافي لديه مصاب بعوار ثقافي، فالليبرالية ليست مشروعًا كاملًا كما هي الحداثة التي يقول عنها الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس: هي حداثة متواصلة غير مكتملة ما زالت المجتمعات الغربية تعايشها بصورٍ مختلفة.
فالليبرالية رؤية كونية تنبني في سياق التحرر من قيود التاريخ وقيود المعنى النسقي المطلق، الليبرالية هي اللانسق والجوهر الطليق للتحرر البشري؛ لأن في جذرها الأول تشكل معنى التحرر الإنساني من مطلقياته وأنساقه.
وإذ أقول أخيرًا
ظل الرجل يدور حول النسق ولم يجرؤ يومًا أن وضع الإصبع على «جرح المعنى» كما تقول خالدة سعيد، أو أن يحدد لنا معنى النسق فكريًّا وأنثروبولوجيًّا فيما يؤول إليه ماعدا الرطانة النظرية والفذلكات اللغوية والفلسفات معلّقة الجذور في الفراغ، حتى صار -في نظري- هو النسق في غموضه وهلاميته الفكرية.
لنا أن نتخيّل أن النسق الذي نفهمه فلسفيًّا على أنه الوحدة الفكرية أو الاجتماعية أو المركزية في التاريخ والصيرورة الحضارية أو الثبات الديني والأيديولوجي في التصورات القارة في مجتمعٍ كمجتمعنا العربي يتحوّل عند الغذامي إلى حالة مرضية، أي أنه في حالة مستديمة لا نهاية أفق لها كما يقول في تصريح له في إحدى الصحف: «النسق في الثقافة مثل الفيروس في الجسد، خفي وقاتل، وعنده القدرة على التبدل والتنوع والاحتيال لكي يظل يفتك بالجسد، وهذه كلها صفات الأنساق الثقافية كالعنصرية والطائفية والدكتاتورية والفحولية، وكلها فيروسات ثقافية قاتلة، وهي تحتلنا وإن كنا ندعي أنها ليست فينا، ولها قدرة على إضمار نفسها والتخفي تحت صيغ مضمرة تفتك في رؤانا وليس لنا إلا محاولة كشفها وتعريتها من باب تسمية المرض باسمه كما يفعل الطبيب».
فهل استطاع الغذامي حتى الآن تشخيص هذا المرض النسقي ووضع روشتة علاج ثقافية من هذا المرض الخفي، أم إنه تورّط هو في هذه الحالة المرضية وأصابته بعض من هذه الفيروسات!
القاهرة في ١ يونيو ٢٠٢٢م.
بين «مقهى ريش» و«في فمي لؤلؤة»
عين على مصر وأخرى على الإمارات
إبراهيم فرغلي – كاتب مصري
حين انتهيت من قراءة كتاب «مقهى ريش.. عين على مصر» (دار نهضة مصر للنشر والتوزيع) لميسون صقر، الحائزة على جائزة الشيخ زايد للآداب مؤخرًا، كان الشخص الذي يدور طيفه من حولي هو المرحوم مجدي عبد الملاك، ابن مالك مقهى ريش ميشيل عبد الملاك، الذي ظل على مدى عقدين يجمع كل وثيقة تخص المقهى التاريخي الذي ورث إدارته عن أبيه مع شقيقه الراحل، ميشيل. وقد كنت شاهدًا على ذلك منذ مطلع التسعينيات ولسنوات طويلة. وقد أغبطني أن تُهدي الكاتبة ميسون صقر الكِتاب إلى روح مجدي عبد الملاك، وليس لديَّ أي شك أن رُوحه قد أسعدها هذا الإهداء، تمامًا كما أسعد كل محبي المقهى وما يرمز إليه من تاريخ ثقافي، صدور هذا الكتاب الذي يعد إضافة بالغة الأهمية لجانب من تراث مصر الثقافي والسياسي والاجتماعي.
ففي رحلتها لتوثيق السيرة الكاملة لمقهى ريش، بدأت ميسون صقر برحلة في التاريخ تابعت فيها بدايات إنشاء وتأسيس القاهرة المعاصرة، التي يأتي مقهى ريش بين آثار هذا العمران والحداثة القاهرية.
تراث من العمارة
قدمت ميسون صقر في هذا الكتاب سفرًا ضخمًا عن تاريخ القاهرة المعاصرة، ولجت إليه من باب المقاهي كمفتاح لبطن التاريخ المصري، فالمقهى في مصر، يجسد تراثًا من العمارة والثقافة التي انتشرت في ربوع مصر وليس القاهرة فقط، وضمت الكثير منها تجمعات لبشر كان وجودُهم وما يجتمعون لأجله جزءًا من التاريخ الثقافي والاجتماعي لمصر.
بدأ الكتاب برصد ملامح القاهرة الخديوية، التي لعل أبرز معالمها قد تجسدت خلال عصر الخديو إسماعيل، وتتبعت كل أثر ومقهى وطراز معماري في كتاب توثيقي فريد من نوعه.
فالأماكن، كما تقول «تثير فكرة الانتماء، ويرتبط هذا الانتماء بفكرة الصورة/التكوين التي كانت عليها، والتي نحلم بها أيضًا، وإلى أي مدى أصبحت قريبة أو بعيدة عنا أو عن الذكريات التي نشكلها في مخيلتنا، فالصور لها قدرة حميمة وفاعلة في التأثير على تصورنا على المكان في الماضي، تلتصق بالروح والوجدان».
وترى أنه تحت هذه المظلة يبرز مقهى ريش كحالة متناغمة خلقت تميزها من سر موقعها وتفرده، وبقيمة روادها. وبهذا قررت أن تغوص في روح المكان واكتشاف تقاطعاته وتشكيلاته الحية في حركة المجتمع والأفراد.
وتقديري أن الكاتبة قدمت قراءة تاريخية للقاهرة المعاصرة وروح المكان فيها مرتين؛ الأولى عن طريق رصد معالم القاهرة التاريخية مبنى وآثارًا وعمارة وتاريخًا، حيث تناولت بدء مرحلة مصر الحديثة على يد محمد علي، وصولًا إلى نهاية عصر مصر الخديوية، وصولًا لرصد مقاهي القاهرة كافة، مثل الفيشاوي، قشتمر، البوستة، عرابي، المضحكانة، الحرية، نوبار، وغيرها من المقاهي الشهيرة، وطبيعة الفنون الشعبية التي احتضنتها المقاهي في القرنين التاسع عشر والعشرين.
ميسون صقر
ثم تقدم التاريخ المصري المعاصر مرة أخرى مع تتبع تاريخ مقهى ريش الذي يعود تأسيسه لعام 1908م وفق الوثائق، بدءًا من تاريخ شارع طلعت حرب الذي تطل عليه البناية التي يقع المقهى أسفلها؛ إذ تشير إلى أن اسم الشارع سابقًا كان «مصر العتيقة»، وتصف المحيط الذي كان يعرف باسم ميدان الإسماعيلية، التحرير لاحقًا، ثم تنتقل تدريجيًّا لتقدم تطور المقهى من مجرد مقهى إلى مكان ترفيهي ذائع الصيت غنت أم كلثوم فيه مرات عدة، ثم إلى مقهى ضم كثيرًا من ثوار ثورة 1919م، وسوف يكشف الزلزال في 1992م عن سرداب أسفل المقهى يضم مطبعة كانت موقعًا لطباعة منشورات الثوار، وهو دلالة على الدور التاريخي للمكان.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أجزاء؛ تناول الأول تاريخ مصر الخديوية والعمارة، والثاني للوثائق الخاصة بالمقهى وجوانب من التاريخ المصري، والثالث للأحداث الاجتماعية والسياسة، والرابع عن مقهى ريش وجميع التفاصيل المتعلقة بتاريخه ورواده ودوره في الوعي الاجتماعي والثقافي في مصر.
يعيش المثقف على مقهى ريش
ويظهر المقهى في الكتاب كحاضن اجتماعي وثقافي ضم عشرات من أبرز كتاب مصر والعالم العربي؛ من بينهم العقاد وطه حسين وهيكل ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وعشرات غيرهم، ممن كانوا يجتمعون أو يمارسون الكتابة أو يقيمون الندوات الثقافية، وبينها الندوة الأسبوعية الشهيرة لنجيب محفوظ لسنوات قبل انتقالها إلى كازينو قصر النيل في وقت لاحق في الستينيات، كما وثق الكتاب لقصص الحب التي نمت في فضاء ريش وأشهرها تجربة الشاعر أمل دنقل مع الناقدة والكاتبة عبلة الرويني، وكذلك كشاهد على العلاقة التي نشأت بين الشاعر عبدالرحمن الأبنودي وزوجته الأولى المخرجة عطيات الأبنودي.
يتضمن الكتاب سردية فريدة لرحلة القاهرة مع التحديث المعماري، طوال قرن كامل، ويُظهِر الأدوار التي أدتها المقاهي في تاريخ المدينة خلال العصر الحديث، يركز الكتاب على مقهى «ريش» كأحد المناطق السحرية في وسط المدينة، التي كانت قبلة للمثقفين كافة وموقعًا لتلاقيهم أو لإبداعهم، وكذلك موضوعًا لكتابة الشعر كما كتب أحمد فؤاد نجم «يعيش المثقف على مقهى ريش».
ويتتبع تاريخ انتقال ملكيته من مالكه الفرنسي الأول إلى ميشيل بولتيس اليوناني المغامر محب الفن والثقافة، ووصولًا لعائلة عبدالملاك التي لا تزال تديره وتحافظ عليه كإرث ثقافي يتجاوز الخاص إلى العام.
ويمكن أن يتضمن الكتاب قراءة أخرى من خلال الوثائق العديدة التي عكفت ميسون على جمعها لسنوات طويلة، وبها قدمت أرشيفًا مصغرًا داخل الكتاب حول مرحلة تاريخية وثقافية من تاريخ مصر المعاصر. ويكشف الكتاب الدور الذي أداه مقهى ريش كحاضنة ثقافية، في إنتاج الأفكار وبلورة صيغ فريدة للحوار اقترنت بمحطات التحول الرئيسية وبصورة جعلته أحد المعالم الثقافية الرئيسة التي تقاطعت مع الشأن العام.
من مقاهي مصر إلى لآلئ الإمارات
والحقيقة أن هذا الكتاب المخلص في توثيق المقهى الشهير، وإهدائه لروح أبناء المالك الذين حافظوا على الإرث بكل إخلاص، دعاني لاستدعاء رواية أخرى لميسون هي رواية في فمي لؤلؤة، التي قدمت فيها بشكل سردي فني روائي هذه المرة تأصيلًا لتاريخ الإمارات المعاصر، فجعلت منها عينًا على الإمارات بتراثها المعاصر.
وهي رواية تستحق أن تستعاد؛ لما تتضمنه من استعادة لتراث جانب من منطقة الخليج العربي، ودولة الإمارات على نحو خاص. وبما تقدمه من مقاربة فنية لسؤال التراث والمعاصرة الذي يعد سؤالًا جوهريًّا في زمن البحث عن الحداثة. «إن بعضًا من عبير الرومانسية وعبقًا خفيفًا من الليالي العربية تتشبث بفكرة الغوص على اللؤلؤ، ولكن كأشياء كثيرة أخرى في هذا العالم الحقيقي تبدد المعرفة عن قرب الرومانسية وتجهل أن العبير المتبقي أقل جاذبية. لقد كتب عنه الشعراء، ولكن يُخشى أنهم لم يروا أبدًا وجه الحقيقة».
يرد هذا النص، في ثنايا رواية «في فمي لؤلؤة» للكاتبة الإماراتية ميسون صقر القاسمي، باعتبار أن كاتبه هو مستشرق يدعى بول موريسون، إذ تشير الراوية «شمسة»، إلى هذا النص في معرض صراع أفكارها حول رغبتها في كتابة بحث في تخصصها، لكنها تقاوم رغبة أستاذها في توجيهها لكتابة بحث منهجي أكاديمي علمي محايد، ترى أنه سيتشابه مع عشرات سبقته ولن يضيف جديدًا، امتثالًا لرغبتها الحقيقية في الكتابة عن الإنسان ابن البيئة من وجهة نظر تنتمي وتتحيز لمعاناته.
تقدم الكاتبة في هذا النص رواية لها طموح أدبي كبير يتجلى في بناء الرواية المركب، وجمعها لأكثر من زمن، وأكثر من ثقافة في سيرة تبدو كما لو أنها سيرة ذاتية للبطلة شمسة، وفي الوقت نفسه سيرة تاريخية للثقافة التي تنتمي لها، من خلال بحثها عن تاريخ الغوص وصيد اللؤلؤ في منطقة الخليج والإمارات على نحو خاص. وهي فقرة دالة على إن اللؤلؤ الذي يعد حلية لا تقدر بثمن، تجمع الجمال الذي يخطف العيون بالقيمة الثمينة، يخفي خلف بريقه عالمًا آخر عناصره تتوزع بين الكفاح والألم، الفقر والدين، الجوع، والجشع والرأسمالية في ذروة توحشها.
في فمي لؤلؤة
على الرغم من أن اللؤلؤ قد يبدو هو البطل الأول لهذا العمل، فإنه في تقديري هو المظلة التي تمكنت من غزلها المبدعة ميسون صقر لكي تظلل بها تاريخ المنطقة خلال قرن من الزمان تقريبًا، وتغزل في الحواشي والهوامش عناصر وتفاصيل صغيرة تضيء بها تراثًا من الشعر، وتقاليد الغوص، والحكايات الشعبية، وأغاني النهامين، وما يتطير منه الغواصون وما يخافونه، وخوفهم من أصحاب العيون الزرقاء مثلًا، وأزياء المرأة ودور البحر في تشكيل التراث، وهو في النهاية جزء من ثلاثة
أجزاء تكون الثقافة الخليجية وتاريخ ساحل الإمارات، والجهود التي بذلتها الجماعة البشرية الإماراتية للوحدة والاستقرار والمدنية.
يقارن النص بين تراث بحرين على حد تعبير البطلة، بحر الصيد المائي، وبحر الرمال بكل ما تمثله الصحراء من تقاليد، وينضم لهما جزء ثالث يضم فئة من السكان أقل ترحالًا وأكثر استقرارًا ممثلًا في القبائل التي تعيش في أعالي الجبال. يدور النص في زمن معاصر بطلته شابة إماراتية أكاديمية، تدرس علم الأنثروبولوجي في القاهرة، لكنها حين تقرر إجراء بحث للتخرج ترفض الانصياع للمنهج الأكاديمي وترغب في منح البحث جانبًا إنسانيًّا وعاطفيًّا، لكي تحول المادة البحثية الجافة المحايدة إلى وثيقة حية لبشر لهم مشاعر وآلام، فنرى في النص تفاصيل طبيعة الغوص، المهام، الأدوات، الأدوار، وكيف يكون السياب (الجمع سيوب) مثلًا ليس مجرد الشخص الذي يرفع الغاطس بهزة من الحبل، بل هي علاقة أكثر خصوصية لأن الغواص يعرف أن روحه في يد ذلك الشخص، وهو ما يجعل العلاقة بينهما
شديدة الحساسية.
في الرواية مساحة كبيرة يأخذها اللؤلؤ وتاريخه وأنواعه وأندرها، وصناعته ودوره في صناعة الحلي والجواهر، وتتبع انتقال بعض اللآلئ الثمينة من تاجر لآخر، أو تتبع سرقة بعضها، وكيف يمكن أن توجد مرة أخرى، إضافة لنماذج لأندر وأثمن اللآلئ في منطقة الخليج، ومن بينها عقد أهداه الشيخ زايد آل نهيان، رحمة الله عليه، للسيدة أم كلثوم حين زارت الإمارات عام 1971م، خلال مناسبة عيد جلوس الشيخ زايد. وهو عقد نادر يعود تاريخ صنعه لعام 1880م يتكون من عدد 1888 لؤلؤة طبيعية خالصة مع زخرفة إطارية متعددة الألوان ويشبه في تصميمه القلادة الهندية التقليدية المعروفة باسم ساتلادا.
وتبين لنا الرواية امتداد التراث الشعبي القادم من الزمن الماضي ليتجلى في بعض مظاهر العصر الراهن، وهو اليقين الذي أصرت لأجله شمسة أن تحول بحثها إلى كائن حي، عبر تجليات عديدة، وصولًا إلى شيوع أسماء مثل حصة (من الحص) ودانة، وجمان، وغيرها. وهي مستمدة من أسماء اللآلئ التي برع في معرفتها ومعرفة أسرارها الجيل القديم الذي عاش تلك الحقبة، قبل أن يظهر النفط ويسدل الستار على مرحلة من حياة البشر على ساحل الخليج، لتبدأ رحلة أخرى لها ظروف مختلفة. تحية للكاتبة المخلصة المبدعة ميسون صقر على هذين المشروعين الإبداعيين بين مشروعاتها الأخرى العديدة في الشعر والفن التشكيلي والرواية.
راهنية «السارد وتوأم الروح» وتطلعاته
محمد الداهي – ناقد مغربي
ما الجائزةُ إجمالا إلا اعترافُ المؤسسة الأدبية (هيئة الخبراء، لجان النقاد المحكمين، لجنة الأمناء، الصحافيون، الباحثون) بقيمة مُصنَّف أدبي أو نقدي أو فني أو فكري لمكافأة صاحبه ومجازاته تنويهًا بذكره وتأهيلًا لمكانته. والحال هكذا أشعر -وأنا أحصل على جائزة الشيح زايد العالمية للكتاب، فرع الفنون والدراسات النقدية برسم دورة 2021م- بحبور وغبطة فائقين تقديرًا للجهد الذي بذلته في كتابي المتوج «السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع» وجودته وجِدَّته وملاءمته.
غالبًا ما تُختزل الجائزةُ في القدر المالي، وهذا ما يبخس حقها وقيمتها لأن «المال لا يصنع السعادة» كما يقول المثل الفرنسي السائر. ما يعطي الجائزة قوتها، ويعزز مناعتها، ويوسِّعُ إشعاعَها هو ما تتمتع به من سلطة رمزية تطلعًا إلى تجويد صناعة الكتاب والنهوض به وترويجه على نطاق واسع، وإلى الرقي بذوق القراء وسلوكهم، وحفْزهم على تنمية قدراتهم ومؤهلاتهم التواصلية والثقافية.
يرتبط سياق الجوائز عمومًا؛ ومن ضمنها الجوائز العربية الطليعية (جائزة الملك فيصل العالمية، جائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب، جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية، جائزة البوكر العربية، جائزة كتارا للرواية العربية) بتوطيد دعامات الصناعة الثقافية في العالم العربي، وتوفير الثروات الفكرية والفنية والخدمات الثقافية، ودعم «الذاكرة العربية الحية» وصيانتها من التلف والضياع، واقتراح أشكال جديدة للعيش الكريم، والرفاهية الاجتماعية، والنقد البناء.
تندرج الجوائز إذًا في إطار القطاع الإبداعي (Secteur créatif) الذي يُعنى بالإنتاج الفني والأدبي (صناعة الكتاب والمجلات والصحف)، ويحرص على سلاسة التوزيع ويُسره حتى يستفيد المتلقي من المصنف؛ في سعي حثيث إلى تحقيق الطفرة من الاقتصاد المعرفي إلى اقتصاد المعرفة أو الرأسمالية المعرفية التي تسعى -من بين غايات أخرى- إلى تأهيل المورد البشري العربي، وتحسين التنافسية الاقتصادية، وتطوير المعدات التقنية، وتأهيل الطلبة لولوج مجتمع المعرفة، والإسهام في التنمية المستديمة.
أول حفر في المنطقة البينية
يراودني -كأي متوج- الإحساس بجدوى ما أنجزته، لكنه إحساس عابر ومؤقت في الزمان والمكان، وإن ظلت قيمته الرمزية سارية المفعول إلى أجل غير مسمى. ما يبقى ماثلًا في حُشاشة الخاطر هو تقدير المسؤولية واستيفاؤها حقها بما يوازي كفايتي ويساوي جدارتي، وبما يوافق الظن بي ويضاهي الثقة، وبما يحفزني دومًا على تحري المبرة والسعي إلى المسرة. وعلى الرغم مما تحقق من نتائج باهرة وملموسة في العالم العربي، فما زالت أمامه رهانات أخرى من قبيل تحقيق النقلة النوعية من التتويج إلى علامة التميز، ومن المجد الأدبي إلى قائمة الشخصيات البارزة وأفضل المبيعات (اقتصاد الاستحقاق)، والتوفيق بين الخبرة المهنية (معايير المؤسسة الأدبية) والخبرة الشعبية (طاقات تبرز مواهبها في المدونات والمواقع والنشر الإلكتروني والرقمي) للتشجيع على الإبداع والابتكار، ومقاومة نظام الرداءة، وحماية حقوق الملكية الفكرية، والمراهنة على الشباب عماد الأمة ومستقبلها.
يعد كتاب «السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع» أول حفر في المنطقة البينيَّة عربيًّا. شغلَت اهتمام الباحثين الغربيين (فيليب لوجون، جيرار جنيت، فيليب كاصبريني، أرنو شميت) بعد اكتشاف أنواع كثيرة تثير التباسًا في ازدواجية نوعها، وتلقيها المضاعف بحكم التجاذب بين الطرفين النقيضين (الروائي والسيرذاتي، التخييلي والواقعي). حفزتني قراءة كتبهم والاحتكاك بهم في مؤتمرات وندوات دولية على البحث في المنطقة البينيَّة العربية بأدوات ومفاهيم جديدة حرصًا على إثبات أن العرب لا يقلون نبوغًا عن أندادهم الغربيين، وعلى تأكيد موقعهم في النسق الثقافي الكوني.
ظلت هوة سحيقة بين ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل على حالها منذ كتاب «الشعرية» لأرسطو إلى حدود العقود الأخيرة من الألفية الثانية. أول من انتبه إليها هو فيليب لوجون عندما حدد شروط الميثاق السيرذاتي (الميثاق السيرذاتي-1975م) مميزًا بين السيرة الذاتية والأشكال المجاورة لها التي حصرها في عشرة (السيرة، واليوميات، والبورتريه، والفضاء السيرذاتي، والمذكرات… إلخ)، ثم أضاف إليها فيما بعد ستة أنواع تاركًا خانتين شاغرتين لعدم تمكنه وقتئذ من استحضار أمثلة تناسبهما. أضحت تربو على سقف الثلاثين بعد أن اكتشف جيرار جنيت (التخييل والواقع-1991م) أنواعًا جديدة؛ من قبيل التخييل السيرذاتي، والسيرة الذاتية المتباينة حكائيًّا، والسيرة الذاتية التخييلية… إلخ. وهكذا نعاين –على المستوى الكوني- أننا أمام «قارة مجهولة» تستدعي اكتشافها بأدوات ومناهج جديدة لتجنيسها من جهة والتأكد من هويتها الملتبسة من جهة ثانية.
أدب حافل بمختلف الأنواع
بالنسبة لي -بصفتي أعيش على الضفة الأخرى – أأكتفي بترديد ما يرد علينا من الغرب واجتراره أم أتموضع ضمنه بالاستفادة منه والرد عليه (الردُّ بلغة الميهمن وتملُّكُها بحسب بيل أشكروفت)؟ نلحظ -في هذا الصدد – أن الباحثين العرب ما فتئوا يهتمون بالسيرة الذاتية الكلاسيكية التي تعنى بتقليد النموذج أو المحال إليه (المترجم له)، وقلما يهتمون بما يقع في المنطقة البينيَّة التي تتطلب منا أن نكتشفها بالأدوات والمناهج المناسبة. إن الأدب العربي حافل بمختلف هذه الأنواع والأجناس؛ وهو ما يدل على أنه -عكس ما روجه الأدب الكولونيالي عنه- جزء من النسق الكوني. وهكذا، فدورنا -نحن المثقفين والباحثين العرب- هو أن نثبت ذلك بالأدلة الملموسة. وهو ما سعيت إليه منذ كتابي «شعرية السيرة الذهنية محاولة تأصيل» (1994م) إلى كتابي الأخير «متعة الإخفاق في المشروع التخييلي لعبدالله العروي» (2022م)، وحرصت على التوسع فيه في كتابي «السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع» (2021م) باعتماد منهجية مرنة تزاوج بين مكاسب الشعرية والسميائيات الذاتية تطلعًا إلى استيعاب هوية أجناس بعينها (السيرة الذاتية، التخييل الذاتي، المحكي الذاتي) وفق المحورين الأفقي والعمودي:
إن الكتاب –علاوة على مسعييْهِ؛ الأدبي (اكتشاف المنطقة البينية العربية أو سرديات البرزخ العربية)، والتربوي (حَفْزُ الشباب العربي على دراسة تراثهم السردي، وبخاصة ما يصطلح عليه بالأدب الشخصي الذي ما فتئت مكوناته تثير إشكالات على مستوى تجْنيسِها و تَعرُّفِ هويتها) يراهنُ على الإسهام في المسار التنموي العربي بتوسيع مجال شعرية المحكيات الذاتية والأجناس التذكارية، وتحصين الذاكرة الجماعية وتعزيز دورها الثقافي والحضاري، وملء فرجات التاريخ المنسي أو المغيب، ودَمقْرطة الكتابة عن الذات بتشجيع العرب على سرد تجاربهم ومذكراتهم.
هناك رهان آخر أضحى ملائمًا بعد «صحوة الذاكرة» التي انتعش الحديث عنها من جراء «انهيار جدار برلين» عام 1989م وهو المتعلق بإثارة النقاش العمومي حول «نزاعات الذاكرة» بالمراهنة على تعزيز مقومات المصالحة والإنصاف، وطي صفحات الماضي الأليم، وإعطاء الكلمة للشهود والضحايا لسرد محكياتهم والإدلاء بشهاداتهم (التمثيل المضاد)، ثم الاعتذار لمن انتُهكت حقوقهم ظلمًا وعسفًا، وتضميد جراحهم الجسدية والرمزية. من أمارات العصر الراهن احتدام النزاع بسبب التأويل والتمثيل الشعبييْنِ لحدث مضى وأدبر، ومع ذلك ما فتئ يذر الملح في الجراح، ويؤلم ويوجع القلوب، ويترك آثاره السلبية في الخطابات المتداولة (ما تَسِمُه جوديت باتلر بالهشاشة اللغوية).
ألف ليلة وليلة في ثقافات العالم المعاصر
التسليع العولمي والترجمة والتصنيع الثقافي
بدر الدين مصطفى - كاتب مصري
في عام 1981م، بدأ البروفيسور محسن جاسم الموسوي، أستاذ الأدب العربي الكلاسيكي والحديث بجامعة كولومبيا، رحلته المتتبعة للأثر الخالد «ألف ليلة وليلة» في الثقافة العالمية، فرصد حضوره في الغرب في كتابه «ألف ليلة وليلة في الغرب»، ثم واصل هذا التتبع في كتب لاحقة مثل «ألف ليلة وليلة في الأدب الإنجليزي»، 1986م، و«الذاكرة الشعبية لمجتمعات ألف ليلة وليلة»، 2016م، وقد كلل الموسوي هذه الرحلة بعمله الصادر من دار نشر كمبردج عام 2021م المعنون بـ«ألف ليلة وليلة في ثقافات العالم المعاصر»، الذي حصل بمقتضاه على جائزة الشيخ زايد في دورتها السادسة عشرة في فئة الثقافة العربية في اللغات الأخرى.
يقع الكتاب في 344 صفحة، ويقسمه الموسوي إلى ثمانية فصول. يستجوب الفصل الأول إطارًا مرجعيًّا للعمل من حيث حضوره في الوسط الثقافي وارتباط استخدام مصطلح «الليل العربي» في المناقشات التي تتعلق بالفخامة والإنفاق البذخ. ومع ذلك، يُظهر كيف تتغلغل الليالي في الوعي وكيف تسكن الثقافة الأوربية والأميركية بطرق وسياقات متنوعة تبرر معالجتها على أنها بداية معرفية استمرت في توجيه أو تحدي أنظمة الفكر الغربي في مجالات مختلفة. يوضح مسارها في هذه الثقافات ثوابت ومتغيرات في الاستقبال والتلقي لها، كما يدعونا هذا الفصل إلى إجراء مقارنة مع ثقافتها الأصلية فيما يتعلق بالحكي.
الفصل الثاني يأخذ عنوانه من مقابلة أجريت مع جون بارث في عام (1987م) لمعالجة التركيز على قصة الإطار في الكتابة المعاصرة. فكما هو معروف تتألف الليالي من القصة الإطارية، والحكايات الفرعية التي تولدت عنها. فالقصة الإطارية الأساسية تدور حول ملك يدعى شهريار الذي قرر أن يتزوج امرأة كل ليلة ثم يقتلها مع بزوغ الفجر وذلك بعد أن خانته زوجته، وظل على هذه الحال إلى أن تزوج من شهرزاد ابنة الوزير التي أخذت تروي له حكايات في كل ليلة طمعًا في أن يبقي على حياتها. وتُظهر مقابلة جون بارث الوظيفة المركزية للمواقع المتقلبة الأولية، والموقع الأولي لفشل زواج شهريار، ومشهد الحديقة، ووظيفتها السردية قبل ظهور شهرزاد. تقوم هذه المواقع الأولية في الحكي، وفقًا للموسوي، بلفت الانتباه إلى دور المشهد في تفجير التسلسلات الهرمية، وبنى السلطة، والتمييزات العرقية والطبقية. يركز هذا الفصل على عدد من المستويات السردية التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عندما نتناول حكاية الإطار، ليس بوصفها حاوية للعمل، بل ديناميكية تقدم لرواة القصص فرصة لتضمين حكايات لا تقل تفجرًا. كما يوضح أيضًا تداعيات وظائف السرد فيما يتعلق بقضايا الأزمة والرغبة والفرح.
من بيت لحم إلى هافانا
يناقش الفصل الثالث الجوانب الأخرى لخصائص السرد، مع أخذ أمثلة ونماذج لعدد من الكتاب من بيت لحم إلى هافانا، لإظهار جانبين من المشاركة مع الليالي: دورها في ترسيخ فن السرد، كما في حالة الروائي والناقد والشاعر والرسام الفلسطيني- العراقي جبرا إبراهيم جبرا، وكذلك قروضها السخية للكتاب في جميع أنحاء العالم. كانت الليالي التي جاءت في شكل حكايات سردية يومية ضيفًا ومضيفًا مرحبًا به في كل ثقافة تقريبًا؛ فقد قدمت للروائي الفرنسي ميشيل بوتور مادة غنية لتجربته في الرواية الجديدة، وكانت المرجع الذاتي لبروست في رحلته السردية غير المكتملة. أما الروائي المصري الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ فقد كانت الليالي بالنسبة له ذات طابع صوفي تسبر الأغوار لما وراء الحواجز المادية السميكة المتمثلة في غطرسة شهريار وتقلباته المزاجية. شهرزاد هي استعارة لحلقة النقاش الليلية المدفوعة برغبة في التأمل واستكشاف حكمة الحياة.
يرصد الفصل الرابع الحضور المعرفي لليالي على مدى ثلاثة قرون في الثقافة العالمية. فعلى الرغم من أن هناك إشارات على أن بداية دخول الحكايات إلى الأدب الأوربي كانت في منتصف القرن الرابع عشر، فإن أول ترجمة كاملة لها ظهرت باللغة الفرنسية سنة 1704م، التي قام بها المستشرق أنطوان غالان. وقد صدرت هذه الترجمة في اثني عشر مجلدًا، ولكنها على الرغم من تكاملها النسبي فإنها عانت الحذفَ والبترَ كثيرًا، وبخاصة الفقرات والمقاطع المنافية للأخلاق، كما أن ترجمة غالان لم تكن مطابقة للنصوص الأصلية، بل كان فيها نوع من التصرف لتناسب اللغة الفرنسية، بما في ذلك القصائد الشعرية. ومع ذلك كان لظهور هذه الترجمة دور في انتعاش الحياة الأدبية هناك، ثم ترجمت إلى الإنجليزية والألمانية والدنماركية.
لإثبات هذا الحضور يتنقل الموسوي بين نظريات الترجمة والتدخلات الثقافية وحوارات ونقاشات بين أبرز المثقفين والفنانين وكتاب الخيال. شارك الرسامون ومنتجو صناعة السينما والمخرجون في الاستفادة من حكايات الليالي، وقد اعتمدوا في ذلك على ترجمة أنطوان غالان لليالي وما أضافه إليها من بعض الحكايات التي لا توجد في النسخة العربية.
يُكمل الفصل الخامس الفصول السابقة من حيث تتبع الآثار الخطابية لليالي في الأطر السردية التي اعتمدت الشكل الثنائي للحكاية؛ مثل حكاية «التاجر والشيطان». كما يشمل المجال رصد الهجرات المبكرة للحكايات، والحركة الترجمية الرئيسة التي أنشأها غالان. ما يعطي مكانًا فعالًا «لأنواع محددة من الخطاب… والتي ترتبط بمجموعة واسعة من الأزمنة المختلفة». في هذه الكثافة الخطابية، يختفي المؤلف الأصلي ويتضاءل في شبكات كبيرة من الارتباطات السردية. أما الفصل السادس فيبدأ بفرضية مفادها أن ترجمة الليالي تشكل «حدثًا رئيسًا لأشكال الأدب الأوربي كافة»، ومن أجل إثبات هذه الفرضية يبحر الموسوي في بورخيس وويليم بيكفورد وماكسيم رودنسون وآل برونتي وغيرهم.
يلقي بنا الفصل السابع بجرأة في موضوع مثير للجدل يظهر على استيحاء في الفصل الأول، حيث يشير الموسوي إلى «النمط الشرقي» بوصفه إشكالية تستدعي التفكيك. ومن ثم «تأتي الحاجة إلى استنباط خطاب تحرري من عقلانية غربية حاكمة تقدم كل شيء، بما في ذلك نظرية الرواية أو السرد، على أنه غربي بالضرورة». إن دور علماء اللغة منذ أوائل القرن التاسع عشر فيما يتعلق بإنتاج المعرفة أكثر صلة بدراسة الليالي ورواجها مما لوحظ حتى الآن. أما الفصل الثامن فيختتم المناقشة، محاولًا إظهار كيف فتحت الليالي الباب لكل نوع من القراءة، مركزًا على الأنماط النقدية، والنقد النصي، والمقارن، وكذلك النقد الأدبي، حيث يغطي هذا الأخير الأنواع والوسائط المتعدية، وشعرية السرد.
التسليع العولمي
كان من اللافت أن يتخذ الموسوي عنوانًا فرعيًّا للكتاب «التسليع العولمي والترجمة والتصنيع الثقافي»، وهو يضع تفسيره لهذا العنوان من أنه حاول أن يجمع حركة الترجمات وإعادة تقديمها، ويضعها في سياق حركية واسعة داخل ثقافات العالم. «ثقافات» وليس «ثقافة»؛ لأن التعددية الثقافية هي أمر واقع، أما عولمتها أو تحويلها إلى ثقافة «أحادية» ترسخ من هيمنة الأقوى والسائد، فهو أمر واضح أيضًا وفعال.
إن حركية الثقافة تجعلها دائمًا في حالة من الشد والجذب، والموقع الذي شغله كتاب «ألف ليلة وليلة» داخل ثقافات العالم هو موقع لم يشغله غير الكتب المقدسة عند معتنقيها. وإذا كانت الليالي حاضرة في العقود الأولى من القرن التاسع عشر بسبب ذيوع ترجمات هايشت وفلايشر وغولان، فإن عالم اليوم يحيلها إلى «سلعة»، حيث استثمرها منتجو السينما في «هوليوود»، ووظفها الرسامون بشكل أو بآخر. كان كتاب القرون الماضية ينشغلون بالترجمات ويقيمون علاقة معها ويستثمرونها لأغراض مختلف من تعليم ووعظ، وسخرية وتفكه. أما اليوم فالعلاقة وظيفية بحتة تغيب عنها العاطفة. لقد خرجت ألف ليلة وليلة إلى الشارع بكل ما فيها من مهنة الحكي وحرفة الحكواتي، خرجت إلى مجال «التصنيع» شأنها شأن غيرها من المجالات. وهكذا أخذت تبتعد تدريجيًّا من غنائية المحكي والمروي، لتجد نفسها معروضة ومتداولة بين السينمائيين والمسرحيين، بحيث إن مفكرًا مرموقًا مثل ليو شتراوس رآها مادة لدراسة «المراوغة» الاجتماعية والخطابية يبتغي معارضة السلطة السياسية والاجتماعية.
خضعت الليالي في الثقافة المعولمة، شأنها في ذلك شأن أي منتج ثقافي، إلى قيم الاستهلاك والعرض والطلب، حيث تتجرد السلعة من أولياتها وتغيب مصادر تكوينها. وكان إنتاج ديزني لعلاء الدين، سواء في فِلم الرسوم المتحركة المنتج عام 1992م، أو في الفِلم الروائي المنتج في عام 2019م، إعلانًا عن عولمة المثاقفة والتسليع لألف ليلة وليلة، وما ينسب إلى هذا الكتاب من حكايات لتغذية التمثلات عن «شرق» افتراضي أقامته قرون من التمثيلات التي لا تعدو أن تكون «هوسًا» لإرضاء التهيؤات الغربية عن الشرق.
يعتمد الموسوي في كتابه على مناهج عديدة من البنيوية إلى النقد التاريخي والسوسيولوجي والثقافي والتحليل النصي والأدب المقارن. كما أنه يطرح مشكلة التأويل على طاولة البحث بوصفها مشكلة بالغة التعقيد، ويقترح أن نبتدئ أولًا بالتحرر من التبعية للعقلانية الغربية، التي منعت القارئ والدارس من استبصار الممكن خارجها، ومن هنا تأتي أهمية تتبع آثار الثقافة العربية في مسار الثقافات العالمية كحاضر مقروء ومؤثر لا كهامش غرائبي أو طارئ.
أخيرًا، إذا كانت حكايات ألف ليلة وليلة قد أصبحت مألوفة في ثقافات العالم كله بعد ترجمتها إلى معظم اللغات الحية؛ من حكايات علاء الدين، والبحار والسندباد، وعلي بابا والأربعين حرامي، إلى القصة المؤطرة لشهرزاد وهي تروي حكاياتها لزوجها شهريار حتى تتجنب قتلها، فإن هذا الكتاب يقدم تحليلاً ثريًّا واسع النطاق لقوة هذه المجموعة من الحكايات التي تخترق العديد من الثقافات وتجتذب مجموعة متنوعة من الميول والأذواق. كما يستكشف المناطق التي لم يتطرق لها البحث من قبل، مثل إعادة التوظيف السلعي للحكايات داخل الثقافة المعولمة.
قيل عن الكتاب
«هذا عمل واسع الاطلاع بشكل لا يصدق. يحكي الموسوي قصة الليالي والاستشراق والأدب العالمي في آن واحد، ويكشف عن شبكة من القراءات والتأثيرات والممارسات النقدية التي تسمح لنا برؤية الأدب في ضوء جديد». طارق العريس، كلية دارتموث.
«قلة هم الذين يستطيعون التأليف والتحدث بطريقة ساحرة عن ألف ليلة وليلة باعتبارها كنزًا أدبيًّا عالميًّا عزيزًا وسلعة ثقافية عالمية قيّمة مثل الموسوي. لقد أثار هذا العمل إعجابي غير أنني لم أفاجأ أبدًا فهذا هو الموسوي». نزار ف. هيرميس، جامعة فيرجينيا.
«بدءًا من الرومانسية إلى الحداثة إلى ما بعد الحداثة، يوضح الموسوي بشكل مقنع كيف ساهمت مجموعة القصص العربية المبتكرة هذه في تشكيل الرواية والموسيقا والفنون الجميلة والسينما». سوزان ستيتكيفيتش، جامعة جورج تاون.
بواسطة دبي - الفيصل | مايو 1, 2022 | جوائز
تتحول جائزة العويس الثقافية دورة تلو أخرى جائزة تقديرية عربية مرموقة، يتوج بها الفائزون الذين قدموا منجزًا إبداعيًّا وفكريًّا لافتًا. فهي لم تعد مجرد جائزة يمكن لأي صاحب تجربة مميزة الفوز بها، كما أن النزاهة التي أضحت أحد عناوينها الأساسية، وآلية التقدم وسير أعمال اللجان فيها، كل ذلك جعل من الفوز بها اعترافًا عربيًّا بهذا الكاتب أو تلك المؤسسة، ممن يحالفهم الحظ ويفوزون بالجائزة. من مميزات جائزة العويس أنها تمنح على المنجز الأدبي والفكري وعلى المثابرة في تعميق التجربة وإثرائها، وليس على كتاب واحد. ففي كل دورة يفوز بالجائزة قامات أدبية وفكرية ونقدية ومؤسسات، لا يوجد من يطعن في أحقيتهم الجائزة، كما لن يثار السجال حول نزاهة لجنة التحكيم وانحيازاتها الشخصية.
ولئن كانت الجائزة اكتسبت المصداقية ومكانتها الرفيعة حين فاز بها شخصيات قدمت أعمالًا مهمة وراسخة، فإن الشخصيات نفسها التي تفوز بها تصبح مكرسة أكثر في وجدان القارئ وفي تاريخ الأدب والفكر، وتحقق لهم، على الأقل من خلال شقها المادي الكبير، أمنيات ربما لم يستطيعوا تحقيقها، مثل الأمان وتوفير مناخ لمواصلة الكتابة، بعيدًا من إلحاح متطلبات العيش الأساسية.
في دورتها السابعة عشرة (مارس 2022م) كرمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية فائزين جددًا أثروا الحياة الثقافية والفكرية بعشرات الكتب المهمة في مختلف المجالات، وسط حضور ثقافي وأدبي وإعلامي وجماهيري كبير في قاعة الراشدية بفندق موفنبيك غراند بدبي. حيث كرم عضو مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية عبدالغفار حسين وبحضور رئيس وأعضاء مجلس الأمناء، كلًّا من الشاعر إلياس لحود، والروائي نبيل سليمان، والناقد عبدالملك مرتاض، والمفكر أحمد زايد، ومنتدى أصيلة، متمثلًا في شخص أمينها العام محمد بن عيسى.
في الحفلة عرض فِلْم وثائقي عن الجائزة، وتلته كلمة رئيس مجلس أمناء المؤسسة الدكتور أنور محمد قرقاش، الذي أكد أن الاحتفاء بنخبة من المبدعين إنما هو احتفاء بالعطاء والإبداع والموهبة وتكريم لشخصيات قدمت كثيرًا في مجالات الثقافة والفكر والعلم. وقال: «نلتقي اليوم وقد عادت الروح إلى نشاطاتنا بعد جائحة كورونا، وها نحن نشهد مرحلة التعافي بفضل الجهود الكبيرة التي بُذلت لتعود الحياة إلى طبيعتها ونشاطها في كافة القطاعات»، مضيفًا أن الجائزة أكدت «دورها الريادي في الرعاية والاهتمام بالمبدعين والمثقفين؛ لذلك سعت دائمًا نحوهم أينما كانوا، وعليه نرحب بفوز كل من الشاعر إلياس لحود والروائي نبيل سليمان والناقد عبدالملك مرتاض والمفكر أحمد زايد، كما نعتز باختيار مؤسسة منتدى أصيلة لجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي، ممثلة معنا هذه الليلة بشخص أمينها العام الأخ والصديق محمد بن عيسى». ولفت أنور قرقاش إلى أن مؤسسة العويس الثقافية دأبت «على مواكبة النشاط الإبداعي العربي؛ منطلقين من قيم راسخة في مجتمعنا، قيم متوارثة من الآباء المؤسسين، الذين رأوا في الثقافة عاملًا حيويًّا لبناء المجتمع وتنميته وفتح آفاق واسعة له من النهضة والتطور»، مستذكرًا مآثر الراحل سلطان بن علي العويس «الذي قدم نموذجًا نعتز به لرجل الأعمال المثقف والمُدرك لأهمية الثقافة والفكر وضرورة دعم المبدعين والمتميزين، فقد كان -رحمه الله- نِعم المثل والقدوة لرجال الأعمال وللقطاع الخاص وحَفْزهم على إثراء الحركة الثقافية والفكرية لا على مستوى الإمارات فقط بل على مستوى المنطقة».
ثم ألقى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، المؤسسة الفائزة بجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي، محمد بن عيسى كلمة نيابة عن الفائزين، مما جاء فيها: «تطورت في الإمارات في غضون العقود الماضية، منظومة فاعلة للنهوض بالفكر والثقافة بمختلف تجلياتهما، تعدى إشعاعها حدود الوطن، حيث فسحت الدولة، فضلًا عن إمكاناتها، المجال للخواص الغيورين على الثقافة، لينفقوا عليها مما رزقهم الله من ثروة. هكذا تكاملت الأدوار الخاصة والعمومية، ما انعكس إيجابًا وبسرعة على الحقل الثقافي الوطني». الناقدة والأكاديمية والروائية شهلا العجيلي عضو لجنة التحكيم، قرأت تقرير اللجنة الذي ضم حيثيات منح الجائزة لكل فائز في حقول الجائزة المختلفة:
الشعرِ: إلياس لحود
مُنح الجائزة لمَا تتمتّعُ به تجربتهُ من ثراءٍ عريضٍ على مدى أكثرَ من نصفِ قرنٍ، ولتميّز مشروعهِ الشّعريّ من خلالِ تناولهِ لمختلِف القضايا الذّاتيّة والوطنيّة والإنسانيّة، بأُسلوب شعريّ مُتطوّر وتشكيلِ هندسيّ بنائيّ أعطى له حُضورًا مُتميّزًا في التجربةِ الشعريةِ المعاصرةِ. كما تبرُز في نُصوصهِ تقنيات متعددة في اللغةِ والصورةِ والدلالة والانزياحِ والترميزِ وغيرها من الظواهر، في تفكيكِ المألوف، وتشريحِ البنى اللّغويّة إلى وحداتٍ ذاتِ مساحاتٍ دلاليّةٍ وشعوريّةٍ واسعةٍ.
الرواية: نبيل سليمان
منح الجائزة لما تميّزت به تجربته الإبداعية من تنوّع وثراءٍ، وقد عبرَتْ تجربتهُ تاريخَ الثقافةِ الأدبيةِ العربيةِ لمُدةٍ قاربت ستةَ العقود وعَبَّرَتْ عنها في مختلفِ مفاصلِها الجماليةِ والسياسيةِ والأيديولوجية، كمَا أنها عكستْ مناخاتِ تطور تجربةِ الكتابةِ السرديةِ العربيةِ بشكلٍ واضح. وسليمان كاتب متجدد ومثابر، يعملُ باستمرارٍ على تجاوزِ تجربتهِ الروائيةِ من نصّ إلى آخر، ويُعدّ من الأسماءِ الأكثرِ عطاءً من حيثُ الحُضور المتواصل دون انقِطاع.
الدراساتِ الأدبيةِ والنقدِ: عبدالملك مرتاض
مُنح الجائزة لمَا تتمتعُ به مؤلفاته من عمقٍ وشمولٍ غطّت حُقولًا عدة في الدراساتِ الأدبيةِ؛ فمنها ما يُعالجُ ألوانًا من الأدبِ الشعبي، وما يغطي دراسةَ الأدبِ العربي القديم، وتحليله التفكيكي المتميز لحكايةٍ من حكاياتِ ألف ليلة وليلة. وما يتعلق بالأدبِ العربي الحديث، شعرًا ونثرًا. وقدَّم عددًا كبيرًا من الأعمالِ المتميزةِ في نظريةِ النقدِ. وسعى في كتاباتهِ إلى تأصيلِ المفاهيمِ النقديةِ ومتابعتها تاريخيًّا ومعرفيًّا، وطوّر قاموسًا أدبيًّا قادرًا على توفيرِ المفرداتِ الرشيقةِ في المقارباتِ النقديةِ والنهوضِ بالأدواتِ التي يحتاجها النقادُ الشبابُ في تحليلِ الخطابِ في إطار حراكٍ ثقافي عربي واعد.
الدراساتِ الإنسانيةِ والمستقبليةِ: أحمد زايد
أحد أبرز عُلماءِ الاجتماعِ المعاصرين، وهو من القِلّة الذين أسّسوا مدرسةً مصريةً عربيةً في علمِ الاجتماع تُعنى بفهمِ المشروعِ الحداثي ونقدِ الذات. وقد تسلّح بأدواتٍ التحليل السوسيولوجي، والاجتماع السياسي، من أجل بلورة رؤى ومساهماتٍ جادةٍ في إطار المدرسة العربية لعلم الاجتماع. وانشغلَ بتجديدِ الخطاب الديني، وبقضايا الطبقة الوسطى من خلال تقديمهِ قراءةً واعيةً لمفهومِ رأس المال الاجتماعي.
الإنجاز الثقافي والعلمي: منتدى أصيلة
أكد بيان مجلس الأمناء بشأن الفائز بجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي، الذي تلته عضو مجلس الأمناء فاطمة الصايغ أن لـ«مؤسسةِ منتدى أصيلة»: دورها الاستثنائي لتحقيقِ أهدافٍ ثقافيةٍ واجتماعيةٍ وتنمويةٍ نابعةٍ من عُمقِ القيمِ الحضارية للثقافة الحرة التي تنتهج الحوارَ مع الآخرِ سبيلًا لتعزيزِ الثقافةِ العربيةِ حول العالم، ولنشرِ فكرةِ التقبُّلِ والتسامُحِ لفهم الحضاراتِ الأُخرى، كما يؤكدُ المجلسُ دورَ هذه المؤسسةِ الهادف إلى مدِّ يدِ المعرفةِ ونشرِ العلمِ وتقديمِ المنحِ الدراسيةِ والرعايةِ الاجتماعيةِ من أجلِ إسعادِ الآخرين ومساعدتهم لعيش حُرٍّ كريم.
وقد حصل كل فائز على مبلغ 120 ألف دولار أميركي وعلى ميدالية ذهبية حملت على وجهها الأول اسم الفائز، وعلى الوجه الآخر شعار الجائزة وهي مصنوعة من الذهب النقي 22 قيراطًا، ودرع كريستالية فاخرة فضلًا عن شهادة فنية قيمة مكتوبة بخط يد عربي منوع بين الكوفي المربع والديواني والنسخ والديواني الجلي تشتمل مفردات الفوز. وتوشح الفائزون بوشاح الإمارات. كما عرضت على هامش الاحتفال لوحات الفائزين التي رسمت بريشة أمهر الفنانين وعرضت مؤسسة العويس مجموعة كبيرة من إصداراتها التي قدمت
مجانًا للجمهور.
يذكر أن الجائزة التي بلغ عدد الفائزين بها في مجمل دوراتها 101 فائز، وعدد محكميها 184 محكمًا، و84 استشاريًّا؛ تمثل واحدة من أرسخ الجوائز العربية حضورًا وأكثرها حرصًا على الشفافية والنزاهة واعتمادًا على المعايير العلمية الدقيقة، وفي هذه الدورة السابعة عشرة بلغ العدد الإجمالي للمرشحين في جميع حقولها 1847 مرشحًا منهم 321 مرشحًا في حقل الشعر، و480 مرشحًا في حقل القصة والرواية والمسرحية، و285 مرشحًا في حقل الدراسات الأدبية والنقد، و480 مرشحًا في الدراسات الإنسانية والمستقبلية، و265 مرشحًا في حقل الإنجاز الثقافي والعلمي.
أحمد زايد : الرياضيات هي التي تحدث التقدم في المجتمع وليس علم الاجتماع
حصل عالم الاجتماع المصري الدكتور أحمد زايد على العديد من الجوائز، من بينها جائزة الدولة التقديرية، وجائزة الدولة للتفوق، وكرمه الرئيس المصري بتعيينه عضوًا في مجلس الشيوخ المصري، لكن حصوله على جائزة العويس هذا العام كانت له أهمية خاصة لديه، فقد استقبلها بفرحة عارمة؛ إذ إنه كان يتصور أن ما قدمه من إنجازات وأطروحات مهمة في علم الاجتماع لم ينظر إليها بشكل كافٍ، بل إنه رُشِّحَ لجائزة النيل خمس مرات متتالية، لكن اسمه لم يدرج حتى على القائمة القصيرة لها، ربما لصغر سنه حسبما يقول، وربما رغبة في الاستبعاد والتهميش، ومن ثم كان لفوزه بهذه الجائزة الأثر النفسي الكبير لديه، وبخاصة أنه فقد في العامين الأخيرين كثيرًا من الأعزاء والأحباء، بعضهم بسبب كورونا التي اجتاحت العالم، وبعضهم بسبب السرطان الذي لا يرحم.
كان زايد قد حصل على الليسانس في علم الاجتماع عام 1972م، وعلى الماجستير عام 1976م، وعلى الدكتوراه عام 1981م، وعلى الأستاذية عام 1991م، وعمل عميدًا لكلية الآداب جامعة القاهرة عام 2004م، وخلال عمله في مجال علم الاجتماع قدم العديد من الأطروحات والأفكار المهمة التي أجملها في «أهم الأفكار التي طرحتها على الجانب النظري أننا لا بد أن نستملك الأفكار الغربية، ويكون في ذهننا الخصوصية المصرية، وقد قدمت نموذجًا لهذا في دراستي عن الخصوصية التاريخية للمجتمع المصري، كما طرحت فكرة الحداثة البرانية، فحين دخلت الحداثة إلى عالمنا العربي كانت بشكل قسري وانتقائي واستهلاكي، وكونت نوعًا ثالثًا من الحداثة أسميته بتناقضات الحداثة التي عطلت كل إمكانيات الديمقراطية والحرية لدينا».
كما أوضح زايد أنه انشغل بتطوير نظريته عن النخب السياسية، تلك التي ظهرت في التاريخ المصري الحديث مع محمد علي، مبرزًا خصائصها وآليات عملها، وكيفية تطورها مع الاستعمار ومن بعده، وكيف ارتبطت بما يعرف بالنخبة المركزية، ومن ثم فهي دوائر تتجمع حول المركز، بعضها ساكن وكثير منها مهرول، وقد نشأت هذه النخب في ظل الحداثة، لكنها سرعان ما اكتسبت صفات غير حداثية مثل القبلية والعائلية والذكورية، وقد دفع بإحدى طالباته لاختبار هذه الفرضية في رسالة دكتوراه عن حزب الوفد، وكانت النتائج صادقة تمامًا. وقال زايد: إنه الآن منشغل بإنتاج ثلاثة كتب؛ أحدها عن كيفية بناء دولة في مجتمع ما بعد الخطر الفائق، وهي إحدى الأطروحات التي عمل عليها قديمًا، وكتبها في مقال بمجلة الديمقراطية، لكنه الآن يُطوّرها في كتاب، فالعالم كله يعيش حالة الخطر الفائق، ولعل جائحة كورونا والحرب على أوكرانيا أوضح مثال على ذلك.
آفاق جديدة
أما عن أهمية علم الاجتماع والتحديات التي تواجهه، فقد ذهب إلى أن علم الاجتماع واحد من العلوم المهمة في رسم سياسات الدولة في عالم الخطر الفائق، ثم استدرك قائلًا: «لكن هذا لا يعني أن علم الاجتماع هو العلم الوحيد أو الأول، فما يخلق التقدم الحقيقي في المجتمع هما علما الفيزياء والرياضيات، فهما اللذان يصنعان الابتكار، وهما أساس العلم؛ لذا لا بد أن نهتم بدراسة العلوم الطبيعية، وأن تكون فكرة العلم مغروسة في الوجدان، فأغلب الكليات العلمية فشلت في ذلك، والدليل أن كثيرًا من المتطرفين من بين أبناء هذه الكليات، بما يعني أن العلم لم ينغرس في وجدانهم بشكل عميق، والابتكار لا يأتي من العلوم الإنسانية ولكن من العلوم الطبيعية، ولا بد من التوسع في تعليمها بشكل إنساني وليس ماديًّا جافًّا».
وعن النصائح التي يقدمها لطلاب الدكتوراه لديه، قال: إنه لم يعد لديه غير طالبتين يشرف عليهما، ولم يعد راغبًا في المزيد، وإنه طيلة الوقت كان يسعى لطرح أفكار مختلفة على طلابه كي يدرسوها، فقد اعتاد على ذلك مع بحوثه ودراساته «أنا من ضمن من فتحوا آفاقًا جديدة في البحث، حيث قدمت عددًا من الدراسات عن العنف في الحياة اليومية، والعنف في المدارس، وقدمت دراسات مبكرة عن الخطاب الديني، وعن الجسد وتمثيلاته، ودراسات أخرى عن منظومات القيم في المجتمع، ودائمًا أختار لتلامذتي أفكارًا لم تكن مطروحة من قبل، فلديَّ طالبة الآن تدرس في الدكتوراه قوة المكان، وهو موضوع مهم وغير معتاد، أما الطالبة الثانية فتدرس فنون المقاومة الجديدة».
وعن النصائح التي يمكن أن يقدمها للطلاب الراغبين في دراسة علم الاجتماع كي يتمكنوا من اللحاق بسوق العمل المناسب، قال: «أنا لا أحب أن يقاس العلم بسوق العمل، فطلاب قسم الاجتماع حين يتخرجون لا يعملون إلا في المراكز البحثية، وهي قليلة، لكنني سأكتب في هذا الاتجاه، فلمَ لا يوجد بالفعل مركز بحثي في كل مصنع أو شركة، مهمته قياس رأي الجمهور حول المنتج، والتنبؤ بالمخاطر التي قد تواجه المصنع، فالمواد التي يدرسها الطلاب تؤهلهم لذلك، لكن المشكلة دائمًا في قبولهم ضمن المنظومة الإدارية للعمل».
إلياس لحود: تحوّلات التجربة الواحدة
بهاء إيعالي – كاتب لبناني
قد تكون فكرة تصنيف أجيال الشعراء اللبنانيين المعاصرين أمرًا في غاية السهولة، فقد تعاقب على الشعر اللبناني المعاصر ستة أجيال بدءًا من جيل مجلّة شعر وصولًا إلى يومنا هذا. لكنّ المصنِّف سيلاحظُ أنّ ثمّة جيلًا من هذه الأجيال، وهو جيل شعراء السبعينيات، قد عرف ما يمكن تسميته «الانقسام»؛ إذ انقسم بين فريقين تنازعا حداثة القصيدة اللبنانية، فريقٌ اختطّ شعراؤه لأنفسهم تجربة قصيدة النثر وناضلوا لتكون ركيزة الحداثة مشتغلين على تطويرها وتجديدها أمثال بول شاوول وعباس بيضون وعقل العويط ووديع سعادة، وفريقٌ عرف شعراؤه باسم شعراء الجنوب؛ إذ جمعهم همّ الجنوب اللبناني المحتل واتجهوا أكثر نحو التجديد في الكلاسيكية الشعرية مثل: محمد علي شمس الدين، وشوقي بزيع، ومحمد العبدالله، وجوزيف حرب وغيرهم.
من بين هؤلاء يأتي الشاعر إلياس لحود بتجربةٍ قد لا تكون مغايرةً كثيرًا لتجارب مجايليه، بل يصحّ القول إنه لم يبتعد من بيئتهم طيلة حياته تقريبًا وإن كان قد اختطّ لنفسه مسارًا خاصًّا إلى حدّ ما، فابن بلدة جديدة مرجعيون الجنوبية المولود عام 1942م، والحائز مؤخّرًا على جائزة سلطان العويس، كان قد قصد بيروت في شبابه وأسس رفقة حسن وعصام العبدالله وجوزيف حرب وغيرهم «جماعة شعراء الجنوب» التي أصدرت أولى بواكيرها الشعريّة المشتركة تحت عنوان «كل الجهات جنوب». أمّا أولى أعماله الشعريّة الخاصّة فكانت مجموعة «على دروب الخريف» التي صدرت عام 1962م، ومن بعدها امتدّت مسيرته الشعريّة زهاء نصف قرنٍ صدرتْ له خلالها عشرات المجموعات بالعربيّة الفصحى وبالمحكيّة اللبنانيّة، التي كان آخرها «قصائد الشرفة» الصادرة عام 2014م، ومن قبلها طُبعت أعماله الشعريّة الكاملة في 4 مجلّداتٍ عام 2012م.
عوالمُ مختلفة
ما يمكن ملاحظته في شعر صاحب «شمس لبقيّة السهرة» هو أنّه لم يعطِ تجربته بعدًا أحاديًّا دأب فيما بعد على تطويره، بل اشتغل على أن يعطي دائمًا ما هو مغايرٌ ومختلف، فهو الذي بدأ كلاسيكيًّا واتّجه على دفعاتٍ إلى ما بعد الحداثة، وهو الذي بدأ حالمًا هائمًا بالطبيعة وانتقل بعدها بشكلٍ مفاجئٍ نحو الولوج في هموم العالم مكرّسًا له سخريةً واضحةً بمنزلة معايناتٍ لواقعٍ أسود… وهكذا ظلّ ينتقل عبر أطراف واحة الشعر تاركًا في كل ناحيةٍ منها أثرًا، ففي ديوانه الأول «على دروب الخريف» لجأ لتصوير عالمه الريفي الخاص بنبرةٍ رومانسيةٍ تغذيها غنائية حالمة… لنجد صوته صارخًا وهادرًا في معايشته لواقع عالمٍ منقسمٍ وممتلئٍ بالصراعات في ديوان «ركاميّات الصديق توما». أو راسمًا بشعره مشاهد يوميةٍ إنسانيةٍ عبر تصاوير موظفًا بداخلها تقنياتٌ رؤيوية بعيدة من أسلوب المفارقة المبتذل.
كلها تجارب شاء لحّود ألا يوحّد مساراتها بقدر ما أرادها متنوّعة ومختلفة الثيمات، وهو ما أعطى لتجربته غنى واسعًا. ما ينطبق على شعر لحود المكتوب بالعربية الفصحى ينطبق أيضًا على شعره المكتوب بالمحكية اللبنانية، فرئيس تحرير مجلة «كتاباتٌ معاصرة» أصدر خلال حياته أربع مجموعات شعرية بالعامية اللبنانية؛ ثلاثٌ منها جمعت تحت عنوان دواوين العشاق وهي: عقد فرسان – براويز قصص – جسمك عرس، التي صدرت بكاملها عام 1997م، ومن بعدها صدرت له مجموعة أخرى عام 2010م بعنوان ولد ختيار.
وهو يعدّ من الشعراء الذين عملوا على تطوير المحكية وإدخالها في الشعر، أي أن النص لم يعد أبيات زجلٍ بقدر ما بات من الممكن تسميته بقصيدة، وهو التطوير الذي دعاه محمد علي شمس الدين في مقدمته لـدواوين العشاق بـ«الحداثة المحكية». فحداثة لحود خاصةٌ به؛ إذ تتجه قصائده دائمًا نحو الإدهاش الصوري، فيما يعملُ لغويًّا على توليدِ «لغةٍ داخل لغة» وهذا ما يمكن ملاحظته في أعمال أنتونان أرتو الشعرية أيضًا، بل لا يتوانى عن استخدام بعض المفردات الفصيحة القحّة بداخل النص إلا أنه يجعل منها محكيةً صرفةٍ «منغمسة في لحم اللهجة العامية ودمها» على حدّ تعبير شمس الدين نفسه، وهذا ما يجعل النص وكأنه منحوتٌ في الصخر ويؤسّس للغةٍ جديدةٍ خاصةٍ في الشعر، صحيحٌ أنّه لا يحدث شرخًا صريحًا وهائلًا للغاية بينه وبين التراث، ولكنه يذهب به نحو تحويرٍ ونحتٍ متطرّفٍ وخطير.
حضورٌ بحاجةٍ للمزيد من الإضاءة
إن هذا التنوع والتغاير الدائم في شعر لحود، الذي اختاره بنفسه، ربما كان سببًا نوعًا ما في عدم تحوّله لمرجعيةٍ شعريةٍ بالنسبة للأجيال التي جاءت من بعده، فهو ليس ذاك الشاعر الذي ارتبط شعره بالجنوب اللبناني وظل وفيًّا للكلاسيكية المحدثة على غرار شمس الدين وشوقي بزيع، وليس أحد رواد الحداثة التي نظّرت لقصيدة النثر وكرستها في الشعر اللبناني كعباس بيضون وبول شاوول، وأيضًا ليس ذا صولات وجولاتٍ في الشعر المحكي اللبناني الزجلي أمثال موسى زغيب وزغلول الدامور، أو حتى قامة شعرية مغنّاة بأصوات المغنين أمثال الأخوين رحباني وميشيل طراد… بل إن تجربته الطويلة هي شيءٌ من كل هذا، كتب بالفصحى والعامية، كان كلاسيكيًّا ونزح نحو ما بعد الحداثة. وبالتالي ربما لا يستطاع الركون إلى تجربته من منظورٍ واحدٍ فقط، ولا يمكن أن تكون مرجعية تخص نوعًا أو شكلًا واحدًا، بل هو مرجعية شعرية شاملة إلى حد ما لو جاز قول ذلك. ومع هذا لم يحظ بما حظي به مجايلوه في نظرة الشعراء بمختلف أجيالهم، ولكن من الإجحاف الإنكار بأن صاحب «مراثي بازوليني» هو أحد أبرز الشعراء اللبنانيين الذين يحظون بالاهتمام من مختلف الأجيال الأدبية اللبنانية، وله حضوره شبه الدائم في الدراسات الأكاديمية المعنية بالشعر اللبناني المعاصر.
قد لا نستطيع القول: إن حصوله مؤخّرًا على جائزة سلطان العويس هو بمنزلة اعترافٍ متأخّرٍ بقيمة تجربة لحّود، فالشاعر المتعفّف عن الجوائز الأدبية هو قيمةٌ ثابتةٌ في شعره وكل الجوائز والتكريمات لن ترفع من شأنه المرفوع أصلًا، ولكن نستطيع القول: إن هذه الجائزة التي تمنح عن مجمل أعمال الأديب كانت ضرورية لشيءٍ واحد، ألا وهو تحريك المياه شبه الراكدة حول اسم شاعرٍ ظل على الدوام متفرّدًا بتجربته التي لا تماثلها أخرى.
طوفان المعنى وتحولاته في «تحولات الإنسان الذهبي» لنبيل سليمان
دعد ديب – كاتبة سورية
كدأب الشعراء، في العهود الماضية، على معارضة قصيدة بقصيدة، في محاكاة النصوص الخالدة، يأتي نبيل سليمان، في روايته «تحولات الإنسان الذهبي» -الصادرة من دار خطوط وظلال لعام 2022م- ليعارض الرواية الأولى في التاريخ الإنساني «تحولات الحمار الذهبي» للوكيوس أبوليوس. الحمار هو الأصل في نص سليمان وقد تحول إلى كائن بشري في حياة أخرى، في تورية مضمرة تحول الإنسان من الحالة الوحشية إلى الأنسنة. الرواية فانتازيا سردية تظهر فيها الذاكرة الحمارية على شكل التماعات وتناصات وذكريات غامضة من حياة سابقة.
يرصد الروائي إمكانياته الثقافية في جمع وملاحقة ومتابعة كل نشاط أو تظاهرة احتفالية أو ثقافية تتعلق بالحمير. ومع صدمة القارئ واندهاشه بمقاصد صاحب «مدارات الشرق»، يمضي متنقلًا عبر جغرافيا الأمكنة راصدًا ما قيل وما سيقال عن توأمه الذي تجسد بلبوس حمار في حياة سابقة، وهو ما يشعره بتواشج روحي غريب معه. في بانوراما التجوال يحط به الرحال في تركيا مرورًا بالأراضي السورية المحتلة -أنطاكية، لواء إسكندرونة- موثقًا لانتمائها السوري، ومعيدًا إياها إلى الذاكرة مناقضًا العقليات والقوى المصرة على طمس هويتها وإنكار تاريخها. بعدها يمضي إلى الكويت والمغرب العربي للاحتفاء بالمزيد من التفاصيل عن أنواع الحمير وأوصافها ومهرجاناتها وطبائعها.
بين السيرة الحَمِيرية والسيرة البشرية تنتقل حمولات العمل المعرفية والفكرية والتاريخية ضمن أسلوب التداعي الحر في التنقل عبر الزمن وعبر الحيوات المتعاقبة. إضافة إلى تجاوز البرزخ الفاصل بين الحياة والموت، عبر ظهور الشخصيات التي عرفها في طفولته وفي حاضره كفلاشات تومض بالذاكرة وتختزل ذكرى أو حدثًا أو موقفًا فكريًّا أو سياسيًّا أو تاريخيًّا شكلت معلمًا بارزًا في الوجدان الجمعي واستطاع تمريرها عبر تهويمات وهلوسات الذاكرة.
سيرة مزدوجة
في داخله شخصيتان واحدة طبيعية والأخرى شخصية الحمار، وارث كل ما كتب عنه في مجموع الأدب. وقد استحضرها عبر تداعيات حضور صنوه الحماري في هيئة ما، مما يذكره بحدث مفصلي أو حبيبة أو حالة غدر تنصل منها، أو نكوص عن فعل أقعده الجبن عنه. في رؤية ما بعد حداثية للتقطيع السردي للمواقف والأحداث وفي مشهدية تتقدم في الزمن وتتأخر، وفق حالة التداعي الذهني للبطل ونده المنتمي إلى حياة أخرى، يتناوب السرد بين وعيين وزمنين متنقلًا بين الواقع والمتخيل الحلمي أو التهويمي، بين البشري والحميري، وبين المعقول واللامعقول، وبين التاريخي والافتراضي، مما يلقي بحمل تشكيل اللوحة النهائية للعمل على عاتق القارئ اللبيب ليعيد رسم تفاصيل المشهد في ذهنه. وثمة إضافة سردية إذ يسرف سليمان في إكمال وتتمة حكاية ما في الحواشي مادًّا أذرع السرد لتحتل أماكن غير معتادة؛ ليذهب بالقارئ في تفاصيل التفاصيل في لعبة سردية مبتكرة.
وفي استعراض السارد للخط السيري لغرامياته يوجه الأضواء للأنساق الثقافية المجتمعية السائدة. ففي قريته نيبالين، ومع باكورة عشقه الأول «زلفى»، يوضح بساطة المجتمع الريفي وتلقائيته. يعرج أيضًا على مجتمع العشائر في الرقة حيث ضحية العشق؛ دماء «أريام» على بلاط شرف القبيلة وتيتم طفلتها الحاملة لوصمة العار التي ورثتها عن أمها.
بالتوازي تظهر نماذج الأنثى الأخرى المستقلة ماديًّا واجتماعيًّا: تولاي، إيسون؛ ظبية؛ منصورة، أسيل. نساء يمتلكن حرية العقل والجسد والسفر الذي تتيحه القوة المادية والمعنوية والمستوى التعليمي للمرأة بالإضافة لحاضنة اجتماعية راقية ومتفهمة. هذا كله لم يمنع من إبراز نرجسية الذكورية الشرقية في مجموع النساء المحيطة والراغبة بالبطل.
الحمير في السرد
يحق أن نتساءل: لماذا اختار الكاتب الحمار ليكون بطلًا ظليًّا لنصه؟! هل لكونه يشابه المواطن العربي الذي يتحمل إلى ما لا نهاية؟ ألأنه الصبور الجلود على المشقة والجهد الجسيم؟ أم للسخرية السوداء من الحمار الضحية حمال الهموم الذي أنعموا عليه بلقب الشهيد؟ احتمالات تتوافق مع أكثر من فهم ورمز لهذا الخيار.
بالاتكاء على الحمار كحامل للتدفق السردي يؤكد سليمان أن العمل السردي اجتهاد معرفي له كل الصلاحية بمد أذرعه إلى سائر القضايا. وبسرد يزاوج بين السيرة الذاتية والمذكرات والرسائل والتخييل الروائي، جامعًا مزيجًا من الحكايات والقصص والأساطير والأغاني والأهازيج، يركز على أبرز الشخصيات السياسية الفاعلة والمؤثرة وأهم المفاصل التاريخية التي مرت على المنطقة، وليس آخرها الربيع العربي وأحداث الزلزال السوري الذي تعرض بيته في أثنائه للاعتداء والتخريب.
يستحضر صاحب «تاريخ العيون المطفأة»، بجهد موسوعي، الأعمال الأدبية التي تتناول موضوع الحمار. ولا أعتقد أن ثمة عملًا ذا صلة أغفل عن ذكره: من عزيز نسين إلى مؤنس الرزاز وأحمد رجب إلى حمار سعيد الفلسطيني لإميل حبيبي، والحمار في قصائد سليم بركات، و«حمار من الشرق» لمحمود السعدني. ويحضر ثرفانتس مع دون كيشوت وحمار صاحبه سانشو. كما يستذكر الروائي حوارياته حول الموضوع مع الطيب صالح.
يتنقل نبيل سليمان من عنوان إلى آخر عبر رؤية موسوعية تخدم فكرته بلسان المتكلم السارد والراوي العليم المستقل، وبلسان تولاي (القمر والشمس) العاشقة والمعشوقة في رسائلها لكارم، وبلسان منصورة، وأخرى بلسان «الحمار الروائي». هذا التنوع في الأصوات أضاء دواخل الشخصيات وأبان أفكارها وانشغالاتها وتاريخها. وقد عمد لأسلوب الرسائل المتبادلة ليجمع المزيد من الأخبار والسير وفق رؤية كل بيئة أو مكان قيض له أن يزوره أو أن يسمع عنه. كما اتبع أسلوب العثور على كتابات مجهولة لأبيه مخبأة في مجلد عتيق. ولكنه عمد إلى إدغامها بالعوالم الماورائية لتأتي متناغمة مع ذلك التجاور بين الخيال والواقع. كما لا يغيب قاموس الفن التشكيلي عن فهرس مجموعته الحمارية، فيحضر محمود سعيد مع لوحاته ومارك شاغال وآدم سينيكا، ليطعم معماره الروائي بفنون التشكيل ومعانيه، ويسترجع أركيلوجيا الحفريات الآثارية والرسوم الصخرية للحمار في اليمن قبل أكثر من ثلاثين ألف سنة. نبيل سليمان الذي حاز مؤخرًا جائزة العويس الثقافية، يكلل تاريخًا لا يستهان بزخمه وحضوره الفاعل في الساحة الأدبية العربية. وبعد أكثر من اثنتين وعشرين رواية وعدد أكبر من الدراسات النقدية ما زال في جَعْبته كثير ليدهشنا ويمتعنا.
عن تجربتي في التحكيم في جائزة العويس الثقافية
شهلا العجيلي – أكاديمية وروائية أردنية
بقيت عملية التحكيم طوال سنة ويزيد فردية، وأعني أنها كانت مواجهة بيني وبين نصوص كتّاب عرب كبار، قصصية وروائية ومسرحية، وكانت توجيهات الإدارة الهاتفية والمكتوبة تؤكد في كل مرة، أنه ليس ثمة أية سلطة على الاختيارات سوى سلطة النص، التي تعني أدبيته. في هذه المواجهة مع نصوص عشرات الكتّاب، كان تواصل الإدارة الدوري هو الصلة الوحيدة بيني وبين الجائزة، لا أعرف من هم المحكّمون الآخرون، وليس لديَّ أية فكرة عن تخصصاتهم، أو معارفهم، أو أسمائهم، لكن أعرف هوية جائزة سلطان بن علي العويس خلال سبع عشرة دورة من تاريخها المشرّف طبعًا.
يوضع النظام الداخلي للجائزة بين يدي المحكّم، وتوضح آلية التحكيم، ويُضاء على نقاطها المفصلية، ويشار إلى الموعد النهائي لإرسال التقارير، وبعدها يكون الاجتماع بين المحكّمين والإدارة وأعضاء من مجلس الأمناء. كان لديَّ معرفة جيدة جدًّا بتجربة المرشحين جميعًا وبفضاءاتهم الجمالية والمعرفية، نتيجة تخصصي الأكاديمي في الأدب العربي الحديث، ومتابعتي للمنجز القصصي والروائي والمسرحي العربي، لكن ذلك لم يكن موضوعيًّا لوضع ترشيحاتي، فلا يمكن أن يكون للمحكّم في جائزة كبيرة ترشيحات أولية من غير قراءة كل نصّ مدرج في قائمة كل كاتب من الكتّاب المرشحين، وهنا تبدأ رحلة نقدية شاقة جدًّا وممتعة، ستتحوّل إلى عمل يومي من القراءة وتدوين الملحوظات النقدية، تمهيدًا لوضع التقرير النهائي، حتى يتمكّن المحكّم من أن يكون جاهزًا للمداولات في الموعد المحدد.
لا يكفي، من وجهة نظري، أن تكون على معرفة بنص أو ببضعة نصوص لكل كاتب، يجب أن تقرأ كل شيء، وأن تكتب عن كل نصّ، وأن تقوّم كل تجربة بأدوات النقد التي يمليها المنهج العلمي في التعامل مع النص، وبذلك سيكتشف المحكّم نصوصًا عربية مذهلة يستغرب كيف غابت عن تاريخ النقد أو تاريخ الجوائز! سنجد نصوصًا فريدة كان من حقها الفوز في الجوائز التي تعتمد النصّ الواحد، لكن حينما تأتي إلى جمّاع التجربة ستواجه بالتفاوت في النصوص ومدى فنيتها، وهذا أمر طبيعي في مسيرة تجربة الكاتب الواحد، كما أنك قد تواجه بحالة نكوصيّة لبعض التجارب إذ تتفوق النصوص الأولى بشرطها الفني والإبداع على ما تلاها، ويمكن أن تكتشف كتّابًا سأسمّيهم أصحاب الواحدة، إذ يكون من بين مجمل نصوصهم نص متميز بشكل مدهش، في حين تكون بقية النصوص مرهقة، مفككة، وكأنها صدرت عن آخر، وهكذا…
ملحوظتان نقديتان
لا بد من الإشارة إلى ملحوظتين نقديتين عامتين عزّزتا رؤيتي في التعامل مع السرد العربي تحديدًا، يجب أن تؤخذا في الحسبان عند الوقوف على أية تجربة إبداعية أو نقدية:
الأولى، ليس كل سرد مهما علا كعب صاحبه نتيجة الاستمرارية في الكتابة، أو النجومية، أو الحضور الأيديولوجي، هو حالة فنية نوعية؛ إذ للقصة القصيرة نظريتها وشروطها، وكذلك للرواية نظريتها وشروطها، مهما بلغت الحالة التجريبية في أي منهما.
الثانية، على الشعراء الذين ينتقلون من حقل الشعر إلى حقل السرد أن يتركوا رؤيتهم الشعرية عند الباب، فموقف الشاعر من العالم مختلف تمامًا عن موقف الروائي، واختلاف اللغة اختلاف منبثق من هذا الموقف وليس سابقًا أو منفصلًا.
يشكّل كل نصّ مواجهة جمالية ومعرفية مع المحكّم، وهي بالنسبة لي، بوصفي أكاديمية ومحكّمة في جوائز مرموقة منذ وقت طويل، حالة تعليمية تعلّمية، مثل الدخول إلى قاعة المحاضرات؛ إذ تدخل بفكرة، وتخرج بعشرات الأفكار نتيجة الحوارات والنقاشات، ولعل المفصل الذي يستطيع الأكاديمي التحكّم به أكثر من غيره هو إقصاء المزاج والهوى، وتغليب الموضوعية النقدية، وهو مركب صعب، وبناء عليه لا يمكن استثناء أي نصّ أو هجره إلى غيره قبل إتمامه للكتابة عنه بشكل وافٍ، بحيث أتمكّن من طرحه نموذجًا يدعم تجربة المرشّح أو يضعها في موضع الأخذ والرد. صارت لديَّ شخصيًّا مدوّنة نقدية هائلة لنصوص لم يمكّنني الوقت أو الظرف من قراءتها، ولا سيما النصوص الأولى لبعض الكتّاب العرب الذين كتبوا منذ سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، لكنهم عرفوا في الإطار الثقافي العربي من نصوصهم المتأخرة.
لا بدّ من أن أعرّج على تجربتي في التحكيم في جائزة سلطان العويس من زاوية أخرى وهي كوني كاتبة روائية وقاصة، فلا بد لهذا الوقت الذي قضيته في القراءة، والتفكير، والتمحيص في تجارب الآخرين، ولغاتهم وأساليبهم من أن يعلّمني الكثير الكثير، لكنني أحتاج وقتًا آخر لتمثّل هذه التجارب أو الفراغ منها، فأعود إلى نفسي، على مبدأ ذلك الناقد الذي قال للشاعر بعد أن طلب إليه حفظ مئة ألف بيت من شعر العرب: «اذهب، فانسها!».
تجربة ليست يسيرة
ليست تجربة التحكيم يسيرة، حتى لو كان المحكّم يمتلك شروط الناقد الجاد والعارف؛ لأن التحكيم في الجوائز لن يبقى حالة فردية، وستكون اللحظة الحاسمة بلقاء الزملاء المحكّمين الذين يرجعون إلى مدارس معرفية مختلفة، حيث ستكون تجاربهم مع النصوص لا شك مختلفة؛ إذ لكل شيخ طريقته، فكانت لحظة لقائي بالمحكّمين الآخرين تحديًا آخر، فقد عرفتهم أساتذة جادّين، وكانت جدالاتي معهم مدعاة للفخر، ولم يكن طريق المداولات ممهّدًا، فكلٌّ لديه قائمة مرشّحيه، وستفتح الملفّات لكلّ نصّ من النصوص، لكنّ جلسات النقاش جرت في فضاء علميّ مريح، لا تتدخّل فيه إدارة الجائزة، أو أي من منسقيها، رغم أنهم حاضرون منصتون. ومهما طالت المداولات، والتفنيدات، والشروحات، فلا بد من الخروج بنتيجة، وهذه النتيجة قد تكون بالإجماع، وقد تكون توافقية؛ لذلك لا تأتي نتائج الجوائز مطابقة لرؤية المحكّمين جميعهم معًا، لكن المهم في الأمر هو أن يكون كل محكّم قد قال كلمته، ودوّن مراجعاته المنبثقة من تجربته التاريخية المبنية على معارف فنية وقيمية بحُرّيّة تامة، من غير أن تتحكّم به أية سلطة سوى سلطة النص كما تشير أعراف الجائزة.
جائزة العويس وإدارة عبدالإله عبدالقادر
طالب الرفاعي – روائي كويتي
كنتُ ولم أزل أردد: «أي جائزة هي مشروع خيرٍ، للإبداع والمبدع وجمهور التلقي». وإذا ما أُخذ في الحسبان الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية الصعبة التي تعيشها أوطاننا العربية. والوضع الأكثر صعوبة ومرارة الذي يعيشه المبدع والمثقف العربي، فإن الوقوف إلى جانبها إنما هو فعل ضرورة، وفرض «عين» على المقتدر، سواء كان مؤسسة حكومية، أو مؤسسة أهلية، أو مجموعة أفراد، أو فردًا بعينه!
إن تقدير المفكّر والمبدع العربي، عبر جائزة ما إنما يعبّر عن تقدير الجنس الأدبي، مثلما هو تقدير لعموم المبدعين، وكذلك الناشر العربي، وجمهور القراءة. وهكذا فإن الجائزة بقدر ما هي مشروع طليعي فكري ثقافي، هي مشروع اجتماعي يخصّ شرائح كثيرة، تتصل بالفكر والكتابة وسوق الكتاب، وفي القلب من درس الثقافة والمثاقفة. لقد حظيت جائزة سلطان بن علي العويس الإماراتية منذ تأسيسها في عام 1987م، باتفاق بين المبدعين والمثقفين العرب، على كونها جائزة رصينة، وجائزة حفرت لنفسها مكانة رفيعة، وأنها محل احترام وتقدير بين مختلف شرائح المفكرين والمبدعين والمثقفين العرب. وبخاصة أن على رأسها صديقًا عزيزًا يتابع شؤونها باهتمام وحرص ومحبة هو الأستاذ عبدالحميد أحمد.
لقد انعقدت صلة طيبة بين اسم جائزة العويس، وعمل الأستاذ عبدالإله عبدالقادر (- 1940م) الذي رحل عن بلده العراق، واستقر في الإمارات منذ عام 1980م، وتنقل بين مهام ثقافية كثيرة، حتى ساهم مع مجموعة من أدباء الإمارات في تأسيس جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية، وأصبح عضوًا في أول أمانة لها، وأمينًا عامًّا مساعدًا لشؤونها الإدارية، وفي تاريخ 1/7/1994م عين مديرًا تنفيذيًّا لها.
قد يظن بعضٌ أن العمل في إدارة أي جائزة عربية أمر سهل، لكن واقع الحال، أن المسؤولية عن إدارة جائزة ثقافية كبيرة، إنما هو عملية معقّدة وسيرٌ في حقل ألغام. ففي ساحة ثقافية تعجّ بمئات المبدعين العرب، الذين دفع ويدفع بعضهم عمره ثمنًا كي يكون ويبقى كاتبًا، وهي تعج من جهة أخرى بالشللية والنميمة والحسد، ونبذ ومحاربة الآخر، والقيل والقال، فإنه من الصعب جدًّا إقناع وإرضاء جموع «المبدعين» بقرارات أي جائزة، وبحيادها ونزاهة لجان تحكيمها. لكن القائمين على جائزة سلطان العويس: السادة مجلس الأمناء، والسيد أمينها العام الكاتب عبد الحميد أحمد، ومعهم الأستاذ عبدالإله عبدالقادر نجحوا في هذه المهمة، نجاحًا كبيرًا، وحققوا احترامًا عجزت عن تحقيقه جوائز عربية كثيرة!
كتابتي عن حال الجائزة العربية، يأتي من كوني في حقل الكتابة والنشر منذ منتصف السبعينيات، وأنني شاركت وأسست أكثر من جائزة محلية وعربية، وكذلك رأست وشاركت في تحكيم أكثر من جائزة، كما أن أعمالي الروائية رُشِّحت لأكثر من جائزة. ومن هنا أقول: إن أحد أهم العناصر التي تساعد مسؤول الجائزة العربية على إدارة عمله، أن يكون كاتبًا عارفًا بعناصر الكتابة الإبداعية، وعارفًا أيضًا بعوالم الوسط الثقافي. وأن تكون له علاقات إنسانية طيبة بزملائه المفكرين والكتّاب والمثقفين على طول وعرض أقطار الوطن العربي. ومؤكد هذا متحقق في شخص الأستاذ عبدالحميد أحمد، وهو عينه ما ساعد الأستاذ عبدالإله عبدالقادر على الإمساك بزمام الشؤون الإدارية لجائزة العويس، وقيادة خطواتها نحو نجاحات تُحسب للجائزة.
فتح أبواب روحه للعطاء
عبدالإله عبدالقادر، جاء إلى الإمارات من التدريس، وجاء من الكتابة المسرحية، وجاء من العمل الثقافي، وجاء من التأليف والكتب. وأخيرًا، جاء من الألم والخيبة، ألم مَن أُجبِرَ على تَرْكِ وطنه الأم، وخيبة مَن أُبعِدَ مِن هوى رُوحِه! جاء إلى الإمارات باحثًا عن ملجأ، وفاتحًا أبواب روحه للعطاء علَّه يحقق ذاته، ويثبت نفسه في تربة عربية جديدة رحّبت به، واحتضنت عطاءاته.
بدأ عبدالإله حياته في العمل الثقافي الإماراتي، حين عيّنه الشيخ أحمد بن محمد القاسمي، مديرًا فنيًّا لمسرح الشارقة الوطني للمدة (1984– 1987م)، وهو ما جعله على قرب من الأدباء الإماراتيين وأهّله لأن يكون مديرًا لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات للمدة (1988-1994م)، وعلى امتداد هذه المدة كتب في الجرائد الإماراتية مئات المقالات مما قرّبه من نبض الساحة الثقافية الإماراتية، وعجنه بطين دروبها، كما عمل في تحرير أكثر من إصدار إماراتي من بينها: مجلة «شؤون أدبية»، ومجلة «دراسات»، حتى استقرت سفينته على ميناء جائزة سلطان العويس. لقد كرّمت الإمارات العربية المتحدة الأستاذ عبدالإله عبدالقادر في أكثر من مناسبة، وأكثر من مجال، وما هذا إلا دليل تقديرٍ لما قام به. وهو دليل الدور الريادي والإنساني والثقافي الذي يفعله المفكر والمبدع والمثقف العربي لأخيه العربي. ففي طول وعرض بلدان الخليج، يوجد أمثال عبدالإله كثير، من الكتّاب والأدباء والمثقفين، الذين قذف بهم موج الألم والغربة للقدوم إلى بلدان الأمن والأمان، ليحطّوا رحال حياتهم وأسرهم، ويقدّموا من عصارة فكرهم وخبراتهم ما يُضيء الساحات الإبداعية والأدبية والثقافية بمزيد من ضوء الفن والثقافة الإنسانيين الأجمل.
أزعم أن للصديق عبدالإله عبدالقادر ذكريات في الإمارات، ومع الإماراتيين أكثر بكثير مما له في وطنه وبين أهله في «بصرته» وفي «عراقه». هي لحظة العمر تنقضي دون النظر إلينا، تبقى ماشية في دربها، وليس لنا منها إلا ما تُبقيه في دواخل أرواحنا وذكرياتنا.
أخي عبدالإله، لك تحية إجلال وتقدير على جهد خصصت به الإمارات والإماراتيين لكنه تعدّاهم إلينا في الخليج والوطن العربي! متّعك الله بالعمر المديد.. آمين.